٠٩‏/١٠‏/٢٠٠٧

الفرص الضائعه واستراتيجية الانف الداميه

الفرص الضائعه واستراتيجية الانف الداميه

مضت اربعة وثلاثون عاما علي الساعة الثانيه ظهر السادس من اكتوبر عام 1973 ،ولا اعتقد ان التعامل مع ذلك التاريخ علي انه يوم قد كان هو ما نعنيه، ولكن ان نستدعيه علي انه يوم حتما سيجئ، املا ورغبة في استكمال مهمة الحد الادني بإزالة آثار عدوان 1967 وتحرير الاراضي العربيه التي مازالت في ايدي العدو (الضفه الغربيه لنهر الاردن وهضبة الجولان).

وقائع ذلك اليوم وما بعده تؤكد ان السياسه لم ترتفع لما حققه السلاح. فالرجال يومها كسروا نظرية التفوق الصهيوني ، ولكنهم كانوا يقاتلون وقد تسلم كيسنجر رسالة تقول له " انها حرب تحريك وليست حرب تحرير" ، ورغم كل ماحدث علي جبهة قناة السويس الا ان السيد امين هويدي ــ رئيس جهاز المخابرات المصري ووزير الحربيه المصري السابق ــ كتب في كتابه "الفرص الضائعه" أنها كانت [حرب المعركه الواحده]، والكتاب مازال ممنوعا من التداول.

نجحت في السادس من اكتوبر 1973 خمس فرق عسكريه مصريه في عبور القناه والاستيلاء علي خط بارليف، أمر اعتبره العسكريون معجزة، ولكنها تركت مبدأ تكتيكيا هاما (سرعة استغلال النجاح) وتحقيق الهدف التالي للمهمه، تحت عناوين الوقفه التعبويه، ولكن الاقرب الي القبول العقلي هو محتوي الرساله التي وصلت كيسنجر.

ونظرة علي ما جري من بعد ذلك يؤكد ان قاعدة الفرص المهدره [الضائعه]، هي سلوك نؤتيه دون وجل.

اضعنا النتائج العسكريه للحرب، رغم الثغره، وتواصلنا مع العدو علي قاعدة أن 99% من اوراق اللعبه بيد امريكا وانتهينا الي كمب ديفيد، واصبحت سيناء منزوعة السلاح وبخصوصياتها صارت ثقبا اسود في الامن القومي المصري، وفرضت اعباءا جديدة علي مهامه القتاليه.

واختل امر القضيه الفلسطينيه علي يد "اوسلو" ، واستبدلوا حق الشعب في مقاومة الاحتلال، الي الانزلاق في علاقة مع العدو، حتي صرحت وزيرة خارجية اسرائيل "ليفني " في الاسبوع الماضي (رسالتنا للقادة العرب هي ألا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، ومهمة القادة العرب هي دعم العملية السياسية وليس وضع عراقيل أمامها... نقول للعرب اسمحوا للفلسطينيين بتحديد مصيرهم، فإذا أرادوا التنازل لا تحكموا عليهم ولا تطرحوا مطالب ولا تمْلوا نتائج الصراع).

ومازالت هضبة الجولان بيد العدو يشرف من فوقها علي دمشق، أقدم العواصم العربيه، ويصرح رئيس سوريا تعقيبا علي غارة 6 سبتمبر الماضي بعد شهر من وقوعها الي البي بي سي «الرد خيار دائم». ويكمل تصريحه: «لكن إذا كان ردنا عسكرياً نكون نرد بما يلائم الأجندة الإسرائيلية، الأمر الذي نرفضه. هذا لا يعني أننا نريد تبديد فرص السلام في المستقبل القريب».وأضاف: «لا نبني جيشاً لشن هجمات بل للدفاع عن بلادنا، وهذا أمر طبيعي، وخصوصاً بعد الحرب على لبنان العام الماضي، حين دمر الإسرائيليون المدن اللبنانية وبيروت وجنوب لبنان».

نحن نعلم ان مجرد كتابة او نطق كلمة حرب لا يعادل التجربه، بل وندرك ان الكتابه او الحديث عن الحرب لا يعادل مسئولية القرار بشأنها، ولكننا ندرك ان الحرب والدبلوماسيه ادوات لصراع الارادات، وانه لاجدوي من حركة دبلوماسيه، او تفاوض الا اذا كان تعبيرا عن توازن للقوي او الردع، فليس هناك من يتنازل عما استولي عليه طواعية، الا اذا ادرك ان تكلفة الاحتفاظ به عاليه ولا يتحمل تبعاتها.

وتسربت من ايدينا فرص ، أهدرناها لاننا لا نري الحرب وهي من حولنا ومفروضة علينا، وليست خيارا "عنتريا" ، وهو ما يؤكد هزال مفهوم الامن القومي العربي، وان هناك خصام بين وقائع ما يجري وضرورات الامن القومي العربي.

خسرنا فرصة نجاح الثوره الايرانيه، التي اطاحت بالشاه، ونظامه، وكانت ردا علي زيارة السادات الي القدس عام 1977، ففي عام 77 هبط السادات الي مطار بن جوريون وليعلن أن الصراع العربي في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين "مشكلة نفسيه"، في اخطرعملية تفريغ مضمون، وفاقد الشئ لا يعطيه. وبدلا من اضافة قدرات الثوره الايرانيه للجانب لعربي تحول الامر الي "ثأر دم" بين ايران والعراق بعد حرب السنوات الثماني، ولتلعب ايران دورا في الحرب الاخيره ، للثأر من نظام صدام، وتصبح القوات الامريكيه علي الحدود الغربيه لايران!!

وخسرنا نجاح انتفاضة الحجاره الاولي وراح ضحيتها ابو جهاد ، كما اغتيل من بعده في انتفاضه الاقصي قادة للمقاومه.

وخسرنا نصر المقاومه اللبنانيه في حربها الاخيره في مواجهة اسرائيل، واحلناها الي حرب ضد الارهاب، وصار كل من يقف في مواجهة اسرائيل او امريكا ارهابيا، بل وخارج علي الدين، وتحولت المواجهة الي سني وشيعي.وبدلا من خروج لبنان منتصرا، تم تقسيمه بين مقاومه وساعين الي الرضا الامريكي وبالتبعيه الصهيونيه ووصفوهم بالديمقراطيين. فرصة جديده تضيع وبأيدينا.ويحمل المستقبل في لبنان احتمالات مفتوحه وسيدفع الامن القومي العربي ضريبتها.

استراتيجية الانف الداميه

في مقاله الاخير عن الحرب الايرانيه القادمه كتب سيمور هيرش عن مسئول اوروبي حول خيار الضربه العسكريه"أن ضربه شامله لايران سوف تحشد الايرانيين حول قيادتهم ، ولكن بنقل الهدف الي ضرب معسكرات التدريب للارهابيين ــ يعني الحرس الثوري ــ سيدمي انف ايران، ويعطي لاثنين من المسئولين الايرانيين " علي اكبر رافسنجاني" و " علي لارجاني " وهما شخصيتان ايرانيتان لهما تأثيرهما، الفرصه للذهاب الي القائد الاعلي للثوره ليقولا له :" هذه الفوضي ناتجه عن السياسه المتصلبه وأننا يجب تغيير طريقة تناولنا للامر لصالح النظام"

المقال يؤكد حالة الاجماع علي عمل عسكري في مواجهة ايران، ولكن ما هو الهدف؟ هل هو كافة المنشآت النوويه المعروفه لهم ؟ مضافا اليها المنشآت العسكريه ومراكز الحرس الثوري؟ أم الانتقاء وتدمير ارادة الصراع بنزع اصحاب الموقف " المتصلب" والعوده الي منهج رافسنجاني "المعتدل ايضا" !

ويوم الجمعه 5 اكتوبر دعا اعضاء بالكنيست الاسرائيلي الي تصفية احمدي نجاد بعد دعوته لنقل اسرائيل الي الاسكا. وهو ذات المنهج الذي اتبعه بن اليعازر في ديسمبر 2006 متوعدا قيادة حزب الله "سنقتلهم حتي لو استعنا بأطراف خارجيه" بعد هزيمة اسرائيل في الجنوب اللبناني.

هذه هي الرؤية الامريكيه وهذه حدود القبول الاسرائيلي ، لا حدود للمواجهة والقتل للافراد وعلنا من وزير او رئيس وزراء او اعضاء كنيست، امن دولة اسرائيل يصل الي الاغتيال وهم من كانوا يقتلون قبل نشأت دولة الاستيطان في فلسطين لدفع اليهود الي الهجره لفلسطين. والعالم لا يري ، ونحن نتغافل.

وجسد السيد حسن نصر الله الامر في خطابة الاخير:" الكثيرون في امتنا لا يتهربون من تحمل المسؤولية بل يحاولون ان يتنكروا للحقيقة حتى يحتجوا لتنكرهم للمسؤولية، ولكن عندما تجلس معهم في الغرف المغلقة يقولون بكل وضوح "شو قادرين ان نعمل" هذه أصبحت هي الأساس الواقعي والنظري والمنطقي للاستسلام للتسوية والتفاوض والتنازلات التي تلي التنازلات. الكل يعرف الحقيقة والكل يعرف الحق ولكن الكل يهرب من تحمل المسؤولية بحجة العجز والضعف الوهمي".

الفكر العالمي اقر ان الصراع صراع ارادات وليس هوي او مس من الجنون، ويتعامل العدو معنا علي هذه القاعده ونحن نغض الطرف عما يجري، كما درجنا ان نصفه ظلما بموقف النعامه "بأننا ندفن رؤسنا في الرمال في المواجهه" وتناسينا ان حتي هذه النعامه لا تدفن رأسها بل هي تتنصت علي سطح الارض لتحدد اتجاه العدو. النعامه امتلكت ملكة تحديد اتجاه العدو، ولانها تدافع عن وجودها فهي لا تملك ان تترك امرها للاقدار، ولكنها تجند كل ملكاتها للدفاع عن نفسها.

ليست حرب 73 هي آخر الحروب مهما كانت امنياتنا، ولا يصنع الوجود والبقاء الامنيات الطيبه ، بل الطريق الي جهنم دائما مفروش بالامنيات الطيبه التي لا تملك في الواقع جذورا.

هل سيدع العرب الفرص تضيع من ايديهم؟

هل سننجح في رؤيه جديده لايران؟ والامن القومي العربي؟

هل ستنجح ايران في استيعاب استراتيجية الانف الداميه؟؟

اسئلة هائمه بلا اجابه ، والوقت يمر، ولعلنا ندرك دلالة وضع النعامه لرأسها فوق الرمال، ونفعل فعلها.

مصطفي الغزاوي

جريدة الشرق القطريه 9/10/2007