١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

غيوم سوداء وأمطار حمضيه

غيوم سوداء وأمطار حمضيه

تتجمع في سماء الارض العربيه غيوم يزداد لونها سوادا، تنذر بسيول حمضيه ستحرق الحرث والزرع، بعض الغيم أنزل زخات حمضيه، ، ومازالت الغيوم حبلي، ولم تصحوا السماء، بينما لونها يشتد سوادا.

احتلت وقائع سوداء مشهد الانتخابات المصريه، لا يُنقِصْ من سوئها تصريحات هنا او هناك، ولكن ذلك ما عشناه، ورأيناه، وأدركناه بدون نقل او روايات منقحة او مزودة بإضافات التشويق، الوقائع جميعها تؤكد أن جيل اكتوبر قد اندثر، وأهال عليه التراب جيل الوارثون بدون حق ولا شرعية، وأن المسأله ليست اصطياد سمكة "القرش الأخوانيه" كما يدعون، فهي لا تعدوا سمكة انتجها المزارعون في أحواض خاصه، لم تتغذي غذاءا طبيعيا، وصار لحمها مترهلا، لسكونها وخلودها الي الهدوء فليس هناك ما يدفعها الي الحركه من سعي الي الرزق أو تعامل مع الخطر، ولم يضعوا في أحواضها كما يقول المثل الالماني "سمكة قرموط" كثيرة الحركة والصدام، مما يدفع سمك الاحواض للحركه فيتكون جسمه وينمو وتزداد حيويته، سمكة وديعه جري اصطيادها بالمتفجرات بدلا من شباك الصيد، وأطاحت أصداء الانفجار، بمكونات الحياة الحزبيه، وتداعت التوابع بانقلابات داخل الاحزاب تستهدف أشخاص قياداتها، حيث يسكن الفساد في الرأس كما هي الاسماك، ولا تعرض دون النزع من الكراسي والإحلال شيئا آخر.

مصر لا تنقسم الي عرقيات وقبائل، وحدها النيل، وأضفي النشاط الزراعي علي اهلها نوعا من الصبر والهدوء، يخاله الغريب عنهم أنه الغفلة وقد نالت منهم، أو أنه الموت، ولكنها سمة أهل الري الدائم، والزراعة الناعمه، ومصر عبر التاريخ نسيجا واحدا، لا يداهمها الاقتتال والفتنه الا مصنوعاً، ومستهدفا، وحتي القتل والثأر في مجتمع الصعيد له أصوله وقوانينه، وكان أيضا مجتمع الجريمه والمطاريد في الجبال مجتمعا له قوانين تحكمه ويخيل اليك انه مجتمع له حكماؤه.

وكشفت الانتخابات الأخيره أن الارهاب صار منهج الدوله، وانتقلت البلطجه من الحراسات الشخصيه في اطار الوجاهة، الي تكوين الميليشيات من أدني الاشخاص سلوكا داخل المجتمع، وانتقل الأداء الامني للدوله من حماية المجتمع والامن العام للمواطنين، الي استخدام البلطجه لتنفيذ اهداف التحالف الحاكم، وبإستدعاء المجرمين المحكومين من سجنهم لأداء مهام بين الناخبين والعودة بعدها مع بعض المقابل.

والتباين الحاد بين الوقائع والتفسيرات الرسميه، ينذر بأن القادم من أحداث سيشهد تجاوزات أكثر حده، خاصة عندما يلجأ الكل الي الميليشيات كوسيلة أكثر نجاحا من الاتصال السياسي، وليتطور الفكر البلطجي بتغيير السلاح من سلاح بدائي الي آخر متطور، والموردون علي الحدود جاهزون، فكل سلاح في غير موضعه في مصر هو سلاح لصالح اسرائيل.

أسقطت البلطجه المرشحين الذين لا يريدهم التحالف الحاكم، أسقطت المعارضه، ولكنها في الوقت ذاته أسقطت الجمهورية الثانية والتي امتدت من 1971 الي يومنا هذا، وصارت مصر في حاجة الي شرعية جديدة يكون الشعب قادرا علي دفع ثمنها.

تتابعت الوقائع في الاحزاب الثلاثه التجمع والناصري والوفد وجماعة الاخوان، وكلها تنبئ بأن القادم تنفيسا عن غضب ولا يتجاوز هذا. وخرجت دعوة لتشكيل مجلس نيابي موازٍي، بلا شرح لكيف ولا ممن ولا لماذا؟، "وعادت ريمه الي عادتها القديمه" وخرج الخاسرون في الانتخابات بنداء لوقفه ضد التزوير، الكل فاقد لخطة او رؤية، الكل يلهث وراء كاميرات الاعلام، دون الوعي بأنها لا تغير من الواقع شيئا، وأنه لا تغيير بدون رؤية استراتيجية.

الحقيقه أن تحالف السلطه والثروه لم يكشف عن وجهة وبفجور فحسب بل في الوقت ذاته عري الاحزاب والاخوان، وكشف انهم ظواهر صوتيه، لا جذور لها، ولم يدع التحالف الحاكم وسيله قبل الانتخابات او اثناءها او بعدها إلا واستخدمها لتحقيق اهدافه، لأنه ليس هناك من يملك قوة يمكنها أن تردعه، فيخشاه.

الخطر يتصاعد ويقترب من مصر، ومصر مشغولة في غيوم الردة السوداء، سرقوا نتائج اكتوبر 73، وسرقوا ناتج عرق الشعب علي مدي عشرات السنين، ويسعون الي وأد الإراده، ولم يعد أمام الشعب الا ان يشق لنفسه طريقا واضعا في اعتباره أن الدوله تملك سلاح البلطجه وفقدت واجب الالتزام الدستوري تجاه الشعب وأمنه ومستقبله، وغير هذا هو خداع للنفس.

الاحزاب الثلاثه والجماعه شاركوا في مسرحية الانتخابات الاخيره، شاركوا عن طبيعة تجمعهم مع التحالف الحاكم فالجماعه لم تعرض مشروعا وطنيا، ولكنها تحمل مشروعها الخاص الذي لا يعدوا مجرد التواجد، وكذلك هي الأحزاب التي تصورت أنها بعد أن يؤكل الثور الأبيض سترث عرش الطاووس الذي عاش عليه الثور الابيض ثمانين عاما، نصفهم في أحضان الجمهورية الثانية.

في الحزب الناصري تكرس الانقسام الحادث بين جبهتين، الأولي أطلقت علي نفسها "جبهة الاصلاح والتغيير" والأخري جبهة الأمين العام الحالي، وصار لما يسمي جبهة الاصلاح والتغيير متحدثا رسميا، وأعلنت أنها تملك تفويضا من رئيس الحزب لنائبه، وانها تملك توقيعات 224 عضوا من المؤتمر العام وهي نسبه 45% من اعضائه، وأطلقت علي الطرف الآخر لقب "عميد الفاشلين"، الذي اتهمهم بدوره أنهم مزورون.

كلاهما إذا شاءا صدقا من صديق لهما، لا يصلح أن يبقي، كلاهما وبمكوناته السياسيه والجماهيريه، خارج أي وجود شعبي او قيمة سياسيه، ووجب أن يخلي مكانه، فالفشل ليس في انتخابات مجلس الشعب، ولكن الفشل في ثمانية عشر عاما مضت من عمر الحزب، تآكل خلالها دورا ورثه من حركة التأسيس التي قادها المرحوم فريد عبد الكريم، كانت تتجاوز بحيوتها الاحزاب القائمه، ليصبح علي أيديهم شريكا في جريمة الحكم في مصر، وتآكلت رؤية استراتيجيه وتصور سياسي كان يمثل ركيزة لحركة المقاومه في مواجهة حركة الانقلاب والرده في مصر، وكما ورث الصامتون حركة التأسيس ووأدوها، يسعي 224 عضوا لوراثة الحزب الناصري في مشهد لا يقل عبثيه عن مشاهد البلطجه في الانتخابات.

وتكاد الصوره في حزب التجمع تتكرر، صراع بين رئيس الحزب، وممثلي 20 محافظه، وأيضا الصراع يشتد أواره بعد أن تآكل الوجود الجماهيري للحزب، وأستمرأت قياداته الشكوي من حصار السلطه للأحزاب، ولم يتبقي لها من الفكر اليساري الا العداء لجماعة الأخوان.

وتبقي الخديعتان القادمتان من مجتمع ما قبل الثوره، حزب الوفد وجماعة الأخوان، لا يحمل أيا منهما مشروعا وطنيا، وإن كانت الرطانه بما يسمي الليبراليه والديمقراطيه، أو الالتحاف بالدين، هي حيثيات الوجود، وكلاهما شريكان مع التحالف الحاكم في جريمة البلطجة الانتخابيه بعد ان استدرج كل منهما الآخر الي المشاركه في الانتخابات، ونجح التحالف الحاكم في الايقاع بهما.

شارك الوفد التحالف الحاكم في معركة وأد الاعلام المعارض، وصارت تجربة الدستور هي رأس الذئب الطائر التي اودت بالاعلام الي غياهب "الكلام الأخرس" من باب التنفيس لأي إحتقان يمكن أن يتولد.

وتكاد الجماعة تؤدي دور الترابي وجماعته في السودان، وكأنها ستودي بنا الي التقسيم، وضياع الجنوب، وهي بذاتها لا تحمل مشروعا اجتماعيا وسياسيا واضح المعالم. ويخطئ البرادعي وهو يتوجه بحركته الي الجماعه كي يمنحها قبلة الحياه، فهي في حاجة الي تقييم للذات ومراجعة واجبه، وإلا فهو يهدر دروس الايام الماضيه، ويجمع المتناقضات، ولن يجني الا محصلة العجز.

نجحت جماهير الشعب المصري في ثورة 1919، لانها كانت حركة للأمه، وهي خاصية جري ضربها يالتكتلات التاليه تحت مسميات حزبيه، ولم يبقي الوفد مجرد حزب، ولكنه بقي شاهدا علي خاصية الأمه التي يتسم بها الشعب، حتي بعد أن أصبح حزبا لكبار الملاك، وليس حزب الجلاليب الزرقاء، وهكذا صار الاحتياج الي قيادة تستطيع استدعاء الأمه، وسط طبول وصخب معارضة السلالم الرخاميه. طرحنا من قبل بديل التنادي بين قامات قادره علي الحوار وجمع الامه، وكل الرجاء الي اصحاب دعوات ما بعد الانتخابات أن يلتقطوا أنفاسهم، ويصمتوا لبعض الوقت، ولعل الشعب يبدأ العصيان، بالخروج من الاحزاب والجماعات، فهي أضغاث أحلام ليس لها وجود حي.

في حوار مع صديق بالسودان حول أزمة الجنوب والدور المصري قال لي: "الاشكالية ان مصر فى صراع على مدار الساعة، والكيد الاسرائيلى من الداخل والخارج، والكانتونات اللاوطنية فى داخل مصر تصعب المسألة، والراسماليين الجشعين فى مصر يكادوا هم والحكومه المختله ان يطيحوا بالنظام"، ولم يكد ينتهي الحوار بيننا إلا ونقلت وكالات الانباء تصريحات لمسعود البرزاني عن حق تقرير المصير للأكراد في العراق، اسرائيل تجد لنفسها وجوداً في جنوب السودان، وفي شمال العراق، بينما مصر تحاول درأ الحرب الاهليه عن نفسها، وتجاهد أن تسترد الإرادة الوطنيه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 14 ديسمبر 2010

المتواطئون والواقعيه والعنصريه ... ومواقع النجوم

المتواطئون والواقعيه والعنصريه ... ومواقع النجوم

يغيب عن البعض أحيانا أن كل ما يجري في الحياه هي أمور نسبيه، ويقسم الخالق في القرآن بمواقع النجوم، وكأنه يملي علينا درسا أن النجوم التي نري، هي حيث كان موقعها منذ زمن، وهو الزمن اللازم كي يقطع شعاع الضوء الصادر منها المسافه حتي الأرض، ولأنها في حالة حركه ، فإن ما يصلنا هو صورتها عندما كانت في ذلك الموقع.

لو تصور الانسان بعضا من الارقام التي حققها العلم كسرعة الضوء التي تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانيه، والمسافات في المجرات تقدر بالسنه الضوئيه أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنه، وتقدر 9.5 تريليون كيلومتر، لو استدعي الانسان هذا في ذاكرته، لوجد أن ما يحيط به ويحياه، يكاد يكون العدم. محاولة ايضاح بماديات الطبيعه، لأنه لم تعد تجدي نفعا الإحاله الي القيم أو التاريخ أو الدين.

ولو أدرك الوارثون أن هناك من رأى ورصد، وسجل وأذاع، لما عاندوا الحقيقة، وإدعوا غيرها وبصلف لا يصدر إلا عن عقول ذهب بها طغيان السلطه. ولو أدركوا أن ما يجمعهم مع الشعب هو سماء وطن وترابه، ومواقع نجومه، لأدركوا فارق الزمن بين ما يعيشون، وما يحكم الكون من قوانين الزمن. ما يجري من وقائع في المحيط العربي يدعوا الي التمسك بحقائق الوجود، وليس اوهام رغبات، بلا مبرر من الواقع او القدره او التاريخ.

سوف يطلق علي عام 2010 عام "ويكيليكس"، ويبدوا موقع "ويكيليكس"، كما "آلة الزمن"، اختصر من قادم الايام سنوات عديدة، وكشف وثائق امريكا، التي تفرض القوانين الاحتفاظ بها لزمن في المستقبل يتراوح بين العشرين عاما وحتي الخمسين عاما.

مئات الألاف من الوثائق دعت الرئيس الروسي لأن يعتبر عملية التسريب من صناعة الاداره الامريكيه، ولكن ما يعنينا أن العالم صار مكشوفا، وبلا حجب، ولم تعد العلاقات في حاجه الي التخمين. ورغم أن الأمر يشبه الإغراق بالوثائق، مما حد من أثرها، غير أنها أصابت العالم "بفوضي ويكيليكس"، فوضي ستفيد القاصي والداني، وسيكون العرب آخر المستفيدين منها، فلا تعنيهم "الحقائق"، وليسوا بمغامرين ليركبوا "آلة الزمن"، ويتحملوا مسئولية ما يقرأون.

في منطقتنا العربيه تتداعي فوضي الحقائق وبدون "ويكيليكس"، فوضي تبدوا أنها تمهد لجديد تتشكل ملامحه في مواجهة انهيار لقديم بات عاجزا عن توفير شروط البقاء لنفسه أو تلبية إحتياجات الامه. وتتعدد المشاهد في مصر وفبسطين والسودان وقطر.

تسونامي الانتخابات في مصر، كشف عمليا وليس كلاما يحتمل التأويل، سقوط النظام الحزبي كله، كمؤسسات لا قوام لها، أو كقيادات تئن ليل نهار من محاصرة الأمن لها، ولكن الحقيقه أنها ترتدي رداءا اوسع منها، ولا تملك قدرة للاستجابه الي ضرورات مهام الاداره، فضلا عن قصور في التحليل السياسي وإمكانية قراءة الظروف واتخاذ الموقف حيالها. سقوط ليس كطي صفحة من السجل، ولكنه انتهي لانه غير قادر علي استيعاب المتغيرات المحيطه به ولم يتطور ليواجهها، واعتمد في استمرار وجوده علي منهج التواطؤ مع النظام.

وكانت موجة التزوير ونهم الاستئثار وتجاوز الاجهزة لكافة حدود العقل وما استتبعها من أكاذيب تصف العهر انه تسابيح في معبد الوطن، وموجة أحكام قضائيه غير مسبوقه تدين عمليات التزوير في كافة مراحلها، وتقضي بالغاء النتائج في الدوائر، وما سبق ذلك من موجة عنف من الاسكندريه الي العمرانيه، تكشف حقيقة إرهاب الدوله في مواجهة المواطنين، ذلك كله أنتج موجة رفض عامه لم تتحول بعد الي فعل ايجابي لصالح التغيير، ولكنها أوجدت إجماعا عاما يدعوا الي المقاومه.

وبقدر ما حصل حزب تحالف السلطه والثروه علي مقاعد البرلمان، إكتشف الشعب قانون المقاومه، وسقطت الاحزاب وقياداتها التي اصابها العطن والعفن وكانت عبئا علي الحركة الوطنيه.

ووصلت الاحكام القضائيه ذروتها بتأييد المحكمة الإدارية العليا لكافة الأحكام القضائية التي صدرت ببطلان انتخابات مجلس الشعب، وتعلن أن "تشكيل مجلس الشعب مشوب بشبهة البطلان، بسبب انعدام المراكز القانونية لأعضائه الذين أعلنت اللجنة العليا فوزهم في الانتخابات المقضي ببطلانها بأحكام القضاء الإداري".

هكذا سقطت الشرعيه عن المجلس القادم وعن التحالف الحاكم وفقدت الاحزاب مصداقياتها، وسقط عنها قناع الاضطهاد الذي تخفت وراءه لتداري عجزها عن أداء دورها داخل المجتمع، ونشأ فراغا سياسيا في المجتمع يحتاج الي من يملؤه، وتعجز عن ذلك أساليب التمني السابقه وأدواتها من بشر ارتسمت الأنانيه الذاتيه في تصرفاتهم السياسيه. وأدت الانتخابات والتزوير الي فرز كان ضروريا ليحرر حركة التغيير في مصر من قيود ورثتها.

وتبدوا حرائق جبل الكرمل وهي تلتهم أشجار السنديان فوقه، كما لو كانت تمهد الطريق أمام جديد في فلسطين غير الهذيان الجاري من السلطه مع الاسرائيليين، وإن كانت وثائق الخارجيه الامريكيه أوضحت معرفة ابو مازن ومصر مسبقا بعملية الرصاص المصهور، إلا أن نيران جبل الكرمل تبدو وكأنها تصهر احجار الاستيطان، وتفتح الافق لجديد من الشعب الفلسطيني يمكنه من تجاوز سلطة ابو مازن، وما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينيه.

وتبدوا حرائق جبل الكرمل، وكأنها تطهر بالنار الاراده العربيه لتعيد قراءة المشهد المتواطئ مع اسرائيل علي حساب القضيه العربيه، والأمن العربي، ولعلها تتصل بتسونامي الانتخابات المصريه، وتكشف أن الدم العربي علي جبهات حرب اكتوبر 73 وما حققته من نتائج عسكريه، أو دم الانتفاضات الشعبيه فوق ارض فلسطين يفرض إعادة ترتيب الأمور. وهنا يتبدي لنا أن تصريح أبو مازن عن أن السلطه لا قيمة حقيقية لها، وأنه سيضطر لانهاءها، ليس تنازلا منه، ولكنه قراءة لحقيقة العجز الذي أصابه، ومن وراءه جماعة الاعتدال، لانعدام توازن القوي بينهم مجتمعين مع القدره الاسرائيليه، وانحسار خياراتهم، وتجاوز الخيارات الاسرائيليه لاي تصورات سابقه او ما يدعي بأنه قانون دولي.

وبينما تشارك مصر والاردن والسلطه وتركيا في مقاومة حرائق الكرمل، والاقصي يتهدده الانهياركما يعلن الاسرائيليون أنفسهم، فإن العرب يتمسكون بمقولة "للمسجد ربَ يحميه"، ويبحثون أمر إبلهم وفقط. فهل يمكن لهم القبول بتأسيس جديد لمنظمة التحرير الفلسطينيه، يمكن من خلالة استرداد حق مقاومة المحتل حتي تحرير الارض المحتله؟ سؤال يؤكد أن الفراغ امتد ليشمل الواقع الفلسطيني ذاته، ومازال دون وجود لمن يمكنه ملئ هذا الفراغ.

وتتداعي الحقائق علي الرؤوس من حديث الرئيس السوداني الاخير، والذي سلم فيه بأن نتيجة الاستفتاء ستكون انفصال الجنوب، وطلب ممن يسمعوه "التسلح بالواقعيه"، ونسي أنه بواقعيته هذه، فتح الباب أمام تفتيت السودان، وانفصال دارفور، لأن اللاعبين في دارفور هم ذاتهم اللاعبون في الجنوب، والسؤال الآن إذا لم تستطع الجيوش والسياسه والحاكم أن يحافظوا علي وحدة أرض الوطن، فما مبرر وجودهم؟؟ أليس هذا سؤالا واقعيا أيضا؟.

ألقي الرئيس الأمريكي خطابا في القاهره، ويومها توقفت الحياه إلا له، وذهب الي هنا وهناك ليصالح المسلمين، وحادث العرب أنه يملك أن يفتح بابا لفك إشتباك الدولتين، فقط الفرصه اتيحوها لي، ودقت الدفوف، أن المخلص قد جاء، وتضاربت الاقوال واختلفت المواقف وتبددت الجهود، ويأتي تسونامي جديد من الفيفا، نعم اتحاد الكره العالمي. فقد تقدمت قطر بمشروع استضافة لكأس العالم بعد 12 عاما، ووضعت دراسات وخطط ومشروعات وتصورا وتقدمت، ولسوء حظ اوباما أن أمريكا كانت تريد ذات الهدف، وفاضل الفيفا الذي ليس من الارهابيين، وهو ليس معاديا للساميه، وهو ليس ملونا، وإختار قطر لتنظيم المونديال في 2022، وكأننا قد أشعلنا حريقا بالبيت البيض، وانفجرت عنصرية الرئيس الامريكي ورفض قرار الفيفا واتهمه بالسوء. تسونامي الفيفا أكد أننا نستطيع كعرب تحقيق الهدف لو امتلكنا الاراده، وأننا لن نغير من أمريكا شيئا لأنها تعادينا نحن، وليس دفاعا عن اسرائيل. وانكشفت عقدة العنصريه لدي الرئيس الامريكي ليمارسها معنا!؟. ويسقط اوباما ويترك فراغا آخر في الخيارات العربيه.

في اكتوبر 1994 قدم الاستاذ هيكل ورقه بعنوان "مصر والقرن الواحد والعشرون"، وكتب فيها يقول: "لا أتجاوز إذا قلت إن المخابرات الإسرائيليه تقوم بإعادة تنظيم مخابرات دولتين عربيتيتن علي الأقل، كما أن دوله عربيه واحدة ـ حتي الآن ـ تطلب خبره عسكريه اسرائيليه!". وحذر من أن اسرائيل بقوتها في مواجهة الانفراط العربي، صارت تمارس دور ضابط التفاعلات والحكم في العلاقات، كان هذا منذ 16 عاما، واليوم الفراغ داخل الاوطان وفي الواقع العربي كله يغري بأكثر من هذا.

فراغ يتسع في الواقع العربي، يحتاج من يملك القدره علي ملأه، فهل يستطيع عقلاء الامه أن يديروا ملف "الوجود العربي ذاته"؟، ويدركوا دلالة القسم "بمواقع النجوم".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 8 ديسمبر 2010

"الكرسي" يا مصر ... يمكن هما آخر كلمتين !!

"الكرسي" يا مصر ... يمكن هما آخر كلمتين !!

لم تهزم الاراده الوطنيه للتغيير في مصر رغم الأخبار الأوليه لأحداث يوم الانتخابات، وكانت الجماعه الوطنيه قد أخذت علي الاخوان واحزاب الوفد والتجمع والناصري مشاركتهم في الانتخابات الجاريه، وجري التحذير من التزوير، الذي لا يمكن حصره في إجراء واحد ولكن له صورا عديده، ومتنوعه، وتم التحذير ايضا من مواجهات ساخنه بدأت مبكرة عن يوم الانتخاب. وليس ممكنا لأي صادق مع الله والنفس والوطن أن يكتب بعقل بارد عن وقائع جريمة العصر، عصر يحكمه الطواشي، ويسوقون فيه الوطن الي مصير مجهول، وما يجري في مصر لا يتوقف أثره عند مصر، بل يتعداها الي الامة العربيه.

لم يتوقف الامر عند جريمة تزوير في ظلام هنا او هناك، ولكنها منظومة متكاملة بدأت مبكرا، مما يعود بنا إلي قولة الحق التي تجاوزتها الاحزاب والاخوان، "أن قاطعوا" ولا تشاركوا في جريمة جديده ضد مصر، وأخذهم الكبر والمصالح المحدوده ليغامروا مع الحزب الوطني بالوطن والشعب.

سوف توضع نتائج هذا اليوم في سجل الإهانات المتواليه للشعب المصري، وسوف تتضمن القائمة السوداء كل من استهان بحق الوطن والانسان فوق هذا التراب، ولعلنا نستطيع أن نعود لدروس التغافل عن الحقائق والوهم الذي عشش في رؤوس المطبعين مع الحزب الحاكم.

ليلة يوم الانتخاب إتصل بي صديق من أمريكا، يسألني عن التوقعات، إعتبرت سؤاله طبيعيا فالكل يتابع المشهد الجاري الآن في ربوع مصر، والكل يسأل: هل هذه هي مصر التي كنا نعرفها؟.

واستطرد الصديق متسائلا ما إذا كان ترشح البعض من الناصريين حقيقة، خاصة وأن هناك من أبلغه أنهم ترشحوا نزولا علي رغبة الناخبين في دوائرهم. وما كان لهذا السؤال ولا ذلك التبرير من داع إذا كانت الامور طبيعيه، ولكنه الجدل بين المقاطعه والمشاركه.

قلت للصديق أن الحوار حول هذا الامر لا يعترف بالحقائق، فالتبرير بأن ترشحهم جاء إستجابة لإرادة الناخبين هو نفاق، خاصة عندما يأتي ممن يدعون بأنهم قيادات للحركة الوطنيه، وهو دلالة أنهم لم يوضحوا لأبناء دوائرهم أن الأمر ليس انتخابات لمجالس محلية خدمية، ولكنه موقف سياسي للمشاركة في المجلس التشريعي الأول، وأن الخيار بالمقاطعه أو المشاركه مرجعه محاولة دفع عجلة الاصلاح السياسي الي الحركه نحو رؤية استقر عليها الضمير الوطني في مصر خلال السنوات الخمس الماضيه بضرورة التغيير السياسي الشامل.

الحقيقة أن هذه العناصر تنافق الجماهير بادعاءها ان القرار قرارها، ويستترون وراء هذه المقولة لحاجات في نفس يعقوب رغب أن يقضيها ليتحول بعيدا عن أعباء تفرضها دعوة الاصلاح السياسي.

وحكيت له مشهدا رآه المشاركون في تظاهرة بالاسكندريه تضامنا مع الشاب خالد سعيد الذي اتهم بعض المخبرين بالاعتداء عليه حتي الموت، أن أحد هؤلاء المرشحين كان يمشي في تلك المظاهره، ويسير خلفه شخص يحمل له كرسيا، وما ان تأتي فرصة حتي يضع له الكرسي ليقف الزعيم عليه مخاطبا الجماهير، والتقط الصديق الحديث مني قائلا: هذا مشهد انجليزي، فقيادات الاحزاب ورؤساء الوزارات أثناء الحملات في دوائرهم الانتخابيه يحمل كل منهم كرسيا او ما شابه حتي اذا اراد أن يخاطب الناخبين وقف عليه ليحدثهم، ويمكن مشاهدة ذلك في "هايد بارك"، ولكن ليس هناك من يجرؤ علي ان يطلب من شخص آخر أن يحمل له الكرسي، فالكل هناك أنداد، والجميع يدرك ذلك.

الكل أنداد، ليس هناك القائد الفذ، والتابع حامل الكرسي بلا إراده، وهذا ما فعلته القوي السياسيه جميعها بالجموع التي انخرطت في الأحزاب أو في الانتخابات، إذ حولتهم إلى سادة وعبيد وهذا ما يدع البعض يحملون الكراسي فقط، بينما القيادات إن صح هذا التوصيف، يسعون الي الكراسي وقوفا للخطابه او جلوسا في البرلمان، ولعلنا نضيف الي قاموسنا "حملة الكراسي" كما أضاف من سبقونا "حملة المباخر".

"حملة الكراسي" اتباع بلا عقل، و"حملة المباخر" منافقون بلا حد، وهكذا وقعت الانتخابات في مصر بين "حملة المباخر" و"حملة الكراسي"، وأضيف الي المشهد وبفجور وهم "حملة السيوف" "وحملة البنادق"، "حملة السيوف" يطلقون عليهم "البلطجيه"، أما "حملة البنادق" فهم الشرطه، والتي أضيف الي بنادقهم، سماحا باستخدام رصاصها.

ويستكمل المشهد أركانأ أربع، أتباع بلا عقل، ومنافقون بلا حد، وبلطجيه بسيوف بلا رادع، ورجال أمن برصاص مسموح له بالقتل.

هذه حقيقة ما يجري في مصر الآن، وكأننا نسمع من جديد أغنية الشيخ إمام "كلمتين، يا مصر يمكن هما آخر كلمتين، حد ضامن يمشي آمن، ولاّ مآمن يمشي فين"، ولكن علي لسان الشعب كله.

وتشهد الانتخابات مستحدثة أخري تضمنها يوم التصويت، وهي اعتقال ضباط أمن من قبل الجماهير لانهم حاولوا التزوير، كما قام الناخبون بتدمير صناديق جري تزويرها.

ونظرة علي دور القضاء وردود الفعل علي هذا الدور تكشف حقيقة الأمان الغائب وانعدام المرجعيه والحكم، ونرصد مشهدين، يستحوز علي دور البطوله فيهما الحزب الحاكم، الأول خاص بقوائم مرشحيه وردود فعل اعضاءه عليها، والآخر مسك الختام كما يقال، بلاغ للنائب العام ضد مرشحي الاخوان.

ابتدع الحزب الحاكم نظاما اسموه المجمع الانتخابي، يتقدم الراغبون في الترشح باوراقهم الي الحزب ومرفقا بها إقرار إذعان لادارة الحزب يطلق يدها في أمر الاعضاء، ويحول دون تقدمهم للترشيح، وذلك بعد تجارب الفترات الماضيه حيث كان الحزب يجد اعضاءه يتقدمون خارج قوائمه ويفوزوا بالمقاعد في مواجهة مرشحيه الأساسيين.

بعد اعلان القوائم، تمرد من لم تدرج اسماءهم، وتقدموا للقضاء لادراج اسمائهم، واصدر القضاء احكامه لصالحهم، وسقط الحزب في أول خطوة في العمليه الانتخابيه، وظلت أحكام القضاء تتري، وكلها تواجه تصرفات بعدم ادراج مرشحين او تغيير الصفات، وبلغ الامر الي الغاء الانتخابات في 48 دائرة انتخابيه من أصل 222 دائره، وتخرج قيادات الحكومه والحزب ليعلنوا أن الانتخابات ستتم في كل الدوائر، وكأن لسان حالهم يقول: لا تعنينا أحكام القضاء، وهذا مؤشر جوهري علي احتمال يتزايد بحل المجلس بعد تشكيله بسبب هذه المخالفات.

أما المشهد الثاني، فهو نوع من الكوميديا السوداء، فقد تقدم الحزب ببلاغ الي النائب العام بأن مرشحي الاخوان هم مرشحي تنظيم محظور، أمر يتعجب له أي عاقل، فبينما تجلس قيادات الحزب مع اشخاص من الاخوان علي شاشات الفضائيات يتناقشون أو يتناطحون، نجدهم يعلنون انهم اكتشفوا فجأة أن من يجلسون إليهم أعضاءا في تنظيم غير مسموح به، وأنهم محظورون، وتقدم مباحث أمن الدوله كشوف المرشحين أعضاء الاخوان الي النيابه، بلاغ من حزب واجراء من المباحث، والمتابعون والصحافه والاعلام يقفون في ذهول، ما الذي يحدث في مصر الآن؟؟؟

لم يكن مشهد البلاغ للنائب العام هو أكثر المشاهد سخونه، ولكن سبقه مشهدان يحملان في طياتهما خطر دخول نفق الحرب الأهليه المظلم، الأول حدث في الاسكندريه بين الشرطه ومسيرات لتأييد مرشحي الاخوان، إستخدمت الشرطه الرصاص المطاطي والقنابل المسيله للدموع، وواجه المتظاهرون العنف بعنف مضاد، وحملوا السيوف يطاردون بها رجال الأمن، ووصل الامر الي فرض حظر التجول في جزء من دائرة الرمل، حدث هذا يوم 19 نوفمبر، وفي اليوم التالي كان داعية اسلامي شاب يعقد مؤتمرا داعما لمرشح الحزب الوطني، وهو نفس المرشح الذي نشرت صور له في كنائس الاسكندريه توددا للناخب المصري المسيحي، تعامل الحزب الوطني أن هناك مصري مسيحي وآخر مسلم، أي أنه أكد بذرة الطائفيه.

وينتقل العنف الي العمرانيه بالجيزه، وتحدث مواجهة بين الامن ومسيحيين تظاهروا من أجل استمرار بناء لكنيسه اختلفت الاداره والكنيسه علي التصاريح الخاصه بها، وتستخدم قوات الامن الرصاص ويسقط قتيلان وعدد من الجرحي من الطرفين. ليس هناك ازدواج للمعايير، الأمن لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ويطلق الرصاص عليهم دون تمييز، تراجع العقل، وانطلق الرصاص بديلا للحوار.

يرصد الجميع في مصر أن الأفق يحمل شرارات إنفجار، والسؤال علي الشفاه: هل صارت مصر "كيان يرتع فيها الأمن بلا رادع ليعوض غياب مفهوم الدوله"؟، ويتمادي الأمن في رفع درجة التوتر، وذلك ليس دلالة قوة، ولكنه يفضح حالة خوف مرصود من الجميع وعلي كافة الأصعده.

تظل أحكام القضاء عرضة للتجاوز، وهنا يكمن الخطر الرئيسي، فإذا غاب دور القضاء، إحتكم الناس الي القوة، ولا أحد يستطيع التنبؤ لمن ستكون الغلبة، فالمحيط الجغرافي لمصر يتعرض لموجة تقسيم السودان، ومازال المسئولون المصريون يعلنون أن الخطر في إسرائيل، بينما التصرفات تتسم بالعداء تجاه المواطنين في الداخل.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 30 نوفمبر 2010

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

تذكرت مقولة الامام محمد عبده في تعليقه عما رآه في زيارته لأوروبا "وجدت هناك اسلاما بلا مسلمين، وأجد هنا مسلمين بلا اسلام"، بعد قراءة جملة التعليقات من أصدقاء حول المقال الاخير "أجواء نوفمبر ... خطوات الي العدم"، وأخذ البعض منهم علي أن لهجة المقال تتضمن تشاؤما وإيلاما للقارئ بما تعرضت له، وإن استقر رأي الجميع أنها حقائق مهما كان ما تسببه من ألم إلا أنها تتطلب في الحد الادني الوعي بما يمكن تسميته بالمشروع (القومي) الصهيوني من جهة ، والوعي واليقظه لمفهوم المقاومه من جهة أخري وأن المقاومه هي الاستراتيجيه الاساسيه لمواجهة ما يمكن تسميته بالمشروع الصهيوني، وحددت التعقيبات أن المسئوليه انتقلت الي الشعب ولم تعد تعتمد علي الانظمه.

تناولت التعليقات كل القضايا،

من اكتر المقالات اللي اثرت في ولكنها تحزن لانني لا استطيع سوي ان اقف صامته من مدي الالم الذي بداخلي والنار تشتعل بصدري، "السيده رغده الشاذلي".

المفال متعب ومؤلم ويحمل من الشجن ما لايقل عما يحمله من واقع ويحمل من الواقع مالا يقل عما يحمله من حقيقة. وربما أن هناك جيل أو جيلين لن يحظوا برؤية العودة ويليهم جيل أو جيلين سيدفعون ثمنها لكني علي ثقة أن الجيل التالي لمن سيدفع الثمن سيحيا بحرية وكرامة، ولا أبني كلامي علي أكثر من ناموس الكون، "مهندس محمد السباعي".

تحدثت عن الاختراق، فلنتحدث عن الاختراق المضاد وسد منافذ الفساد و الموساد، فنلم شتات انفسنا وعزائمنا
هم يستقوون بضعفنا و يحيون لأننا لا نريد الحياة و لا نحب الحياة، "مهندسه عزة مطر".

قرأت مقالك الذي لأول مره اراه يبتعد عن التفاؤل المعهود فيك يا باشمهندس، و لكنني لا ألومك..فكلنا هذا الرجل، كنت قد قرات تصريحات المخلوق الاسرائيلي من قبل و طبعا واضح ان مخططهم ناجح بمعاونه منا، و لكنني لا اوافقه في استحاله معاجة الامر، "دكتوره ريم زكريا".

امريكا - واتباعها - تخسر الحرب، ربما لا تحرز نصرا - وإن كان مؤقتا - الا على الساحة الاسلامية، و بمساعدة عرب امريكا.. وانظر في الصمود الاسطوري لثقافة المقاومة بقيادة حزب الله في لبنان، سنعود، ربما بعد ان ننتصر على الخوف و الجهل، ربما إن عادت الاخلاق، ربما إن قام من بين اظهرنا رجال لا يهابون قول الحق، "أ. محمد عز الدين".

وتكتب "الدكتوره رشا سليم" ردا يمكنه أن يكون مقالا في حد ذاته، وتقول: المقال لم يذكر سوى الحقائق، وان رأى البعض أنه بعيد عن التفاؤل اذن فهي حقائق لا تدعو بأي حال الى التفاؤل، وأختلف مع "شادي" تماما ..فأولا "يادلين" قالها لأنه فعلها بل وأتمها على أكمل وجه ، وثانيا فهو يعلنها لعلمه بوقع تصريحه الذي يرفع الروح المعنوية لقومه من جهة ومن جهة أخرى للوقع المؤلم لتصريحه على بعض الضمائر في جسد هذا الوطن وأيضا إمعانا في احراج و اذلال نظام سياسي تابع فاقد للأهلية، (بمعنى ولو كنت راجل اطلعلي)، وهي ثقة لا أملك الا الإعجاب بها من قوم هم شرذمة متعفنة نجحوا، لتوحد الهدف ووضوح الرؤية، في اختراق وشل أمة بكاملها، وهذا ما يسمى (بالمشروع القومي).

حتى فيما يخص تدخلهم في السودان فقد تم على أكمل وجه وطبق الخطة المرسومة و جاء الاعلان بعد تأكدهم من احكام السيطرة على عوامل التأثير في بيئة الصراع السوداني سواء في دارفور أو في الجنوب و قريبا جدا في الشرق، وأذكر أثناء زيارتي لدارفور و خلال قيامي بتصوير احد المعسكرات أن مرافقي طلب مني التوقف عن التصوير لمرورنا بموقع تمركز قوات التمرد التابعة لعبد الواحد وأني لمست من حديثه، وهو شخصية رسمية سودانية، أنه رغم تأكد المواطنين من أن الحركة ممولة وموجهة من اسرائيل الا أنهم لم يمانعوا من الانضواء تحت لوائها لما توفره لهم من أمان وغطاء دولي إنساني ضد همجية و انحراف النظام السوداني الحاكم (هكذا رأي الدكتوره).

فاللوم لا يقع أبدا على شتات اجتمع و ءأتلف حول هدف استراتيجي واحد هو حماية كيانه وترسيخ وجوده لأنه ببساطة حق طبيعي - من وجهة نظرهم- وان كان غير مشروع من وجهة النظر الانسانية، و لا ألوم أيضا النظام السياسي المصري الذي رأى تحقيق المصالح الشخصية لأفراده على حساب شعبه -الذي وفر له الفرصة- لأن في هذا مصلحته حتى وان كانت غير مشروعة ...

يبقى السؤال الملح الذي يقفز بوجهي كلما نزلت الى الشارع: هل هذا الشعب لا يعرف مصلحته؟ هل هي عصية التقدير والفهم عليه الى هذا الحد؟؟ وان كان يعرفها فلماذا لا يتصرف كما يتصرف كل العاقلون -حتى غير الأشراف- في هذا العالم الذين يسعون وراء مصالحهم و سبل بقاءهم و أمانهم منذ بدء الخليقة.

هكذا كانت التعليقات، ووردت أمامي مقولة الشيخ محمد عبده، ولكنها حول العروبه والعرب، وان كان الاخوه المعقبين تلاقوا حول العديد من النقاط إلا أن هناك مقولتين تحتاجان التوقف حيالهما، وأيضا أمر السودان يحتاج منا إطلالة، وإن كانت تتطلب فرصة اخرى أرحب.

أما المقولتان فالأولي: حول الاختراق المضاد في مواجهة الفساد والموساد. واالثانيه: تلك التي تأخذ علي الشعب أنه لا يعرف مصلحته، ودون السعي نحوها.

وأيا من المقولتين لا يمكن تناولها بمعزل عن الأخري، وإن كان رد الدكتوره رشا قد أشار ضمنا لما يعنيه المشروع القومي، فهذا هو سبيل مواجهة الاختراق ومقاومة الفساد والموساد.

وما يهمني هنا انه انتشرت مؤخرا محاكم تفتيش تحاسب الشعب وتتهمه بالغياب، وكأن الشعب مطالب أن يكون هو القائد وهو المنتج وهو المقاوم، وأن النخبة لها فقط أن تجني الثمار، وأنا أعلم أن السؤال الذي يلقيه الاصدقاء من دوام الحوار بيننا هو حث علي البحث في كيف يمكن دخول الشعب في المعادلة السياسيه؟، ولكن الأمر صار ظاهرة، والحقيقة أن الشعب دفع ثمن كل الانجازات والانكسارات، وخرج عليه من بين فقراءه وعماله وفلاحيه، وايضا من جامعات دفع تكاليفها ومن مؤسسات رابط تحت لواءها، ومن الجحور أيضا خرج عليه ما سمي بالنخبة، التي تضع في حسابها ذواتها حتي الآن في الأغلب والأعم، وتري في الشعب رقما مضافا الي المعادله وليس أساس وجود معادلة الوطن والوطنيه، وعليه مسئولية إثبات حقه في الوجود. وقد شهدت الفترة الماضية مراجعات حول من يرتدون أردية ايديولوجية، وفي حسابات الحركة في المجتمع ينضوون تحت عباءة الحزب الحاكم دون محاولة للاتساق بين الافكار التي يعلنونها وبين مواقفهم.

ولعلنا ندرك من هذه التعقيبات أن هذا الشعب حي وحيوته قائمه، وإلا فمن هم هؤلاء الذين تفاعلوا وطرحوا الرؤي وناقشوا؟، وجميعهم في عمر يؤكد انهم صاغوا رؤاهم وافكارهم بذاتهم وليس عبر احزاب أو مؤسسات سياسيه.

إن أمة فيها مثل هذا الشباب قادرة علي إسترداد الإراده الوطنيه، وقادر هذا الشباب عندما يدرك أنه القلب المحرك لهذه الامه أن ينطلق بها، ولكن كما قال السباعي "عندما يكونوا علي استعداد لدفع الثمن".

تموج مصر بحراك أقرب الي غيوم رمادية في "خريف ليس للغضب" كما أرادت الحركة من أجل التغيير، ولكنه "خريف الاختيار" بين المتشابهات، وكلها منعدمة العلاقه بالسياسة، إما أنك ترفض حاكما أوترفض رافضا، ولكن أيا منهما لا يعرض عليك غدا مأمونا.

ما يدفع الأمل في النفس، أن هذا الشباب عينة ممن حققوا النجاح في عملهم وحياتهم ويمارسون مهنهم بتفوق راق، وهم في الوقت ذاته يقبضون علي قضايا أمتهم كالقابضين علي الجمر، هم نواة التغيير القادم، وأثق أنهم قادرون علي ذلك، ويستحقون شرف الوطنيه لأنهم يقبلون دفع ثمن الحريه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 23 نوفمبر 2010

أجواء نوفمبر ... خطوات إلى العدم !!

أجواء نوفمبر ... خطوات إلى العدم !!

تعود بى أجواء نوفمبر في الإسماعيلية دوما إلي فترة العدوان الثلاثي عام 1956 وأكاد عندها أعيش لحظات ذلك الزمن، ولكنها هذه المرة عادت إلي ما قبل عام 1956، عندما أطلقت ثورة 1952 قطارا يمر بقري ومدن مصر ليجمع التبرعات تحت شعار "سلَحْ جيش أوطانك ... وأتبرع لسلاحه"، كانت مصر تجمع من المصريين القروش لتشتري لجيشها سلاحا، وقادني الأمر إلي المفارقة التي تحكم السلاح في العالم الآن، وتحوله إلى تجارة وعمولات، وتحويله للبعض إلى أثرياء حرب، ولكن من تجارة السلاح، فقد عرفت مصر أثرياء حرب من نوع آخر، أولئك الذين تاجروا في احتياجات الشعب أثناء الحرب العالمية الثانية وقدموا الخدمات لجيوش الحلفاء.

وعرفت الأمة العربية أثرياء النضال الذين حولوا قضايا التحرير والتنمية إلى ملايين في خزائنهم، ورسمهم الفنان الصديق سعيد الفرماوى في كاريكاتيرة باسم "كادح نضالجى".

الحرب العالمية الثانية تصنع عندنا أغنياء الحرب، بينما هي تعيد تشكيل خريطة العالم السياسية وفكرة الاقتصادي والسياسي والعسكري، وبعد انتهاء الحرب بسبع سنوات ويزيد، تطلق الثورة المصرية حملة السلاح بقروش الفقراء، وتصل بنا الحروب المتتالية إلى أغنياء جدد صنعتهم عمولات السلاح.

سلاح بقروش الفقراء، وعمولات سلاح تصنع أغنياء، ومناضلون نجحوا في جمع الملايين وضاعت قضاياهم، مفارقات عبر 60 عاما، أعادتها في المشهد أجواء نوفمبر ... وكأنها خطوة إلى العدم.

وفي ذات الشهر، وفى مدينة الإسماعيلية أيضا، يروى لي أحد الصحفيين أن الصدفة صنعت منه شاهد عيان يوم 10 نوفمبر، على محادثة بين أحد الأفراد السريين في شرطة أمن الدولة بالإسماعيلية وبين الضابط المسئول عنه والفرد يقول: "وجريت يا أفندم إلي حرس مجمع المحاكم وخطفت بندقية من الحرس (بندقيه آليه المعروفه باسم الكلاشينكوف) وسحبت الأجزاء، وقلت إللي حييجي جنبي حأضربه بالرصاص !!"، رواية صادمة عن أحد "المخبرين"، وقد أطلق له العنان بلا رادع، يخطف بندقية آلية من حرس مجمع المحاكم، وأن يرفع السلاح معدا للإطلاق في مواجهة عناصر من المرشحين المصريين في إنتخابات مجلس الشعب عن جماعة الأخوان المسلمين ومعهم ثلاثة من المحامين، وليتحول الأمر بعد ذلك إلي اتهام أمام النيابة بأن المرشحين والمحامين اعتدوا علي موظف عمومي "المخبر" أثناء تأديته وظيفته، واتهام آخر بأنهم يسيرون عكس الاتجاه ؟؟ أي قضية سير سيارة بينما كانوا جميعهم علي الأقدام ؟!.

هذه مفارقة أخري في شهر نوفمبر، ففي العام 1956 كان الشعب والشرطة والجيش في مواجهة العدوان الثلاثي "انجلترا وفرنسا وإسرائيل"، ويومها كانت سيارات اللوري التابعة للجيش المصري تقف بالميادين العامة وتوزع البندقية الروسية النصف آلية على المواطنين دون اعتبار لبطاقة إثبات شخصيه أو لوظيفة أو لمؤهل دراسي، وكان الشعب كلة تحت السلاح، كان وطن الشعب، وكان كل الشعب تحت السلاح. وبعد نصف قرن يرفع أحد أفراد الشرطة السلاح في مواجهة مواطنين، هو مشهد يعود بنا الي ما قبل الثوره حيث كانت الشرطة المصرية تقاتل الاحتلال البريطاني جنبا إلى جنب مع الفدائيين من أبناء الشعب وفي الوقت ذاته كان البوليس السياسي يمثل أداة القمع للحركة الوطنية.

مشهد لا يتسم بأي عقل أو تحمل للمسئولية، ويفرض العديد من علامات الاستفهام، هل طلقة الرصاص والبندقية ملكية خاصة لهذا الجندي؟، وهل لدية ترخيص بأن يحمل البندقية اغتصابا من زميل آخر له؟، وهل لدية رخصة أن يهدد بها مواطنين؟ ومن يعترضه يقع تحت طائلة القانون، بينما المسئولون عن الأمن يكذبون ويوجهون تهما غير قائمه للضحايا من المواطنين!!!.

هل القروش التي دفعها الأباء والأجداد لتسليح جيش الوطن، أو الديون العسكرية التي كانت للاتحاد السوفييتي والتي كانت "علي النوتة"، وما كان "علي النوتة" تم التغاضي عنه، أو المعونة العسكرية الأمريكية التي تقدم ثمنا لمعاهدة كمب ديفيد وحتي يبقي توريد السلاح لمصر ضمن الموافقة الامريكية، هل كل هذا انتهى إلى طلقة رصاص في بندقية بيد شخص غير مسئول في مواجهة مواطنين مصريين!؟

مشهد آخر في أجواء نوفمبر ... خطوة أخري إلي العدم.

وفي الثاني من نوفمبر وبعد 93 عاما من وعد بلفور يخرج اللواء عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية «أمان»، بتصريحات تكاد تكون اعلانا للحرب وتحديا جديدا ، وليس الحديث مرسلا ولكنه حديث له دلالاته ومنهجه، فهو حديث عن مخطط له تاريخ بداية وله أهداف ويقدم عنه تقرير نجاح محدد، وكان يمكنني الركون الي رد فعل إبني الشاب عندما سألته عن رأيه في التصريح، فرد بلا تفكير وبتلقائية أحسده عليها قائلا: "لو كان عملها ما كنش أعلنها"، ورددت علية هذا رد فعل من يثق في المستقبل، ولكن المنهج العلمي يفترض صحة ما أعلنه، ولا نعني بهذا الوقوع تحت التأثير النفسي للتصريح، ولكن استنتاج ما يتضمنه من منهج تفكير لدي المخابرات الحربيه الاسرائيليه، فهذا حديث لرئيس سابق "لأمان" وهو مرشح لرئاسة "الموساد"، وليس حديثا مرسلا كما وزير خارجية اسرائيل ليبرمان الذي كان يتوعد بضرب السد العالي بقنبلة ذرية.

ويقول يادلين أن: «مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلى، وأن العمل فى مصر تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979». والملاحظه الاساسيه أن عام 1979 هو عام توقيع معاهدة كمب ديفيد، فبينما أسرائيل تضع خططا لمخابراتها الحربيه تجاه مصر، نخطو نحن نحو السلام بتفريغ سيناء من الوجود العسكري طبقا للأتفاقية ذاتها، بل ونعلن أن حرب 73 آخر الحروب، دون أن يقولوا لنا من أعطاهم صكا ليأمنوا لإسرائيل إلي هذا الحد؟. ويضيف يادلين:

1. « لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية فى أكثر من موقع،

2. ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى،

3. لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية،

4. لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى في مصر».

هنا يجب أن ينظر الجميع فيما تحملة أجواء نوفمبر، ووجوب الترقب والحذر إن لم يكن هذا قد تحقق لاسرائيل فهي تهدف اليه وليس أدق من هذا وصفا لاهدافها، وإن كان غير ذلك أي حققت اسرائيل جزءا من هذا المخطط او كله... عندها تكون خطوة أخري الي العدم؟؟

أما حديث يادلين عن السودان فلا يحتمل الانكار، فبقدر ما نجد أمامنا من مفارقات وكأنها وجدت فجأة وبدون مقدمات في السودان، وتحول السودان الي ساحة عمل مفتوحة وبلا أي ممانعة لكل من أمريكا واسرائيل، نري يادلين يحدد علي سبيل الحصر ما حققة جهاز المخابرات العسكريه الاسرائيليه في السودان، ومساعدة الحركات الانفصالية بالجنوب السودانى.

وحسبما نشرت الصحف المصريه نقلا عن صحيفة "كل العرب" الالكترونيه التي تصدر عن عرب 48 يحدد يادلين الدور الاسرائيلي: «لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع والنصف الماضية كل المهام التى أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من المهام التى بدأ بها الذين سبقونا». وأضاف: «أنجزنا عملاً عظيماً للغاية فى السودان، نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية فى جنوبه، ودربنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية، لمساعدتهم، ونشرنا هناك فى الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حالياً على تنظيم «الحركة الشعبية» هناك، وشكلنا لهم جهازاً أمنياً استخبارياً».

هكذا ووسط أجواء نوفمبر ... خطوة محققة الي العدم في السودان، تفتح الباب علي مصراعيه لجذوة التقسيم أن تشتعل في المنطقه دون رادع.

وما زلنا في منتصف شهر نوفمبر، ورياح الممانعه والمقاومه لا تملأ أشرعة حركة التحرر العربيه، والخريف أسود تملأه خطوات إلي العدم !!

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 16 نوفمبر 2010

مصر .... ما العمل؟

مصر .... ما العمل؟

"ما العمل؟" ليس سؤالا نمطيا تجري الإجابة عليه من الكتب أو عبر حسابات مجرده وحسب، ولكنه سؤال تتحمل مسئولية الإجابة عليه حركة المجتمع بكامل طاقته الإبداعية والمعرفية ورؤيته للمستقبل، تلك التي تراكمت في العقل الجمعي عبر سنين تكوينه وأحلامه وصراعه من أجل البقاء والنمو.

والوصول إلي تحديد إجابة يماثل مرحلة اتخاذ القرار في الشأن العسكري والتي تبدأ فور الانتهاء من تقدير الموقف، ويجري تحديد الهدف المباشر للمهمة والهدف التالي في إطار تصور استراتيجي شامل يؤدي إلى تحقيق الأهداف النهائية للمهام محل الالتزام.

والتصور الاستراتيجي في أمر التغيير يتسم بالشمول والتنوع، بقدر شمول وتنوع العناصر المستهدفة بعملية التغيير ذاتها، كما أنه مطالب بالوعي بضرورة تجاوز الظروف التي أنتجت الحالة القائمة أو بمعني دقيق الظروف المحيطة التي أدت إلي سيطرة التحالف الحاكم علي مقاليد الأمور. وهنا ترد الأحزاب في تعريف دقيق لوضعها أنها صارت أحد مولدات المشكلة وليست حلا لها.

ويهدف التصور الاستراتيجي إلي "زعزعة" يقين التحالف الحاكم والاعتقاد الذي ترسخ لديه بأنه يستطيع فعل ما يشاء دون مراجعة أو مواجهة معه، وأنه يقدر وغيره لا يمكنه، وأنه مطلق اليد في تحديد ما يشاء من أهداف وتحقيقها لغايات مطلقة لصالحه دون اعتبار لحاجات الأمة.

والتصور الاستراتيجي لا يرتكن إلي "دبابات الاحتلال البريطاني" التي حملت "حزب الوفد" في فبراير 1942 إلي تشكيل الوزارة في مواجهة "الملك"، ولا يرتكن إلي دبابات الاحتلال الأمريكي التي حملت العراقيين الهاربين من وطنهم إلى كرسي الحكم بعد تدمير العراق وإطلاق يد إسرائيل فيه، ولكنه تصور يدرك أن كل المؤسسات في الوطن هي ملك للشعب وليست رهنا بأفراد يحكمون أو يديرون، وأن كل المؤسسات في الوطن مطالبه في الوقت الراهن ألا تدعي لنفسها حقا لا تحميه شرعية القبول الشعبي، ولا أن تتماهى مع تحالف حاكم خارج علي شرعية القبول الشعبي بما وصلت إلية الأمور الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، والتي بلغ فيها حد الفوضى أن وزيرا يعلن أنه سيستورد عمالا من بنجلاديش لأنهم سيتقاضون أجورا أقل من العمال المصريين، دون أن يراجعه أحد أو يعتذر عنه أحد، والأولي كان إقالته ومعه كامل الوزارة.

نستطيع الإشارة إلي خطوة تحضيرية أولي، ولكننا لا نستطيع أن نحدد نظرية التغيير، فهذا عمل متكامل، تملك القدرة عليه جماعية التفكير والتخطيط والقيادة، ذلك ليس هروبا للأمام، ولكنه نسق جديد في الأداء السياسي العربي ليس هناك من بديل عن الأخذ به وأيضا السعي إلي امتلاك القدرة علي إنجازه في زمن يتوافق وحاجات عملية التغيير.

كما يجب أن نعود لنذكر بأهمية الوقت، زمن ينقضي من حولنا، أو توقيتات لمهام تجب وفق جدول زمني، وهو معيار أساسي لتقييم الإنجاز. ومحاولة رصد ومقارنة بين 1948 وإعلان دولة إسرائيل وبين 1952 وقيام ثورة 1952، فقط من حيث المساحة الزمنية، وحجم الانجاز. فلدولة إسرائيل 62 عاما منذ ذلك الإعلان الذي نسميه النكبة، وتكاد تكون إسرائيل الآن إحدى القوي العظمي من حيث القدرة العسكرية وإمكانية استخدام هذه القوة خارجة علي الفانون الدولي، وإنتاج وبيع أنواع من

2

السلاح حيث وصل الأمر بروسيا والصين والهند أن تكون من زبائنها، والاهم أن لهذه النوعية من التكنولوجيا والسلاح القدرة علي التأثير علي القرار في تلك الدول إلى حد أن تدخلات إسرائيليه حالت دون إتمام صفقات لمنظومة دفاع صاروخيه لإيران، أو في الحد الأدنى هي تعطل إتمام الصفقة حتى الآن، ثم هي في جنوب السودان تستولي عليه بينما القوات المصرية والافريقيه تشارك الأمم المتحدة مهام الفصل بين الجنوبيين والشماليين، ولا نقول بين الإسرائيليين والشماليين، ثم هي عند منابع النيل، والساحل الصومالي، وباقي إفريقيا، وغواصاتها تجوب البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، ولا أحد يعلم أين هي القواعد الإسرائيلية في القرن الأفريقي، ولا أحد يستطيع ضبط الوجود الإسرائيلي حول اليمن أو الشاطئ الغربي للبحر الأحمر الذي كان بحيرة عربيه، وهي فوق هذا كله انتقلت إلى مرحلة إدارة ما يسمي بعملية السلام في الشرق الأوسط، أو هي مطلقة اليدين في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، والجميع يفوضونها ويتنازلون عما يقال انه حقوق تاريخيه وثابتة للشعب الفلسطيني.

ويتغني الكثيرون بديمقراطية إسرائيل ودفاعها عن مواطنيها، حتى أنها نجحت في جمع العرب والعالم وراء مطلب الإفراج عن جندي إسرائيلي أسير لدي المقاومة الفلسطينية.

وعلي الجانب الآخر، فإن المقارنة مع 58 سنه من تاريخ الثورة، في دولة قائمه وليست دولة تحت الإنشاء بمهاجرين من كل العالم ، بل ومهاجرون يفرون من ارض الميعاد إلى حد أن أعمل روتشيلد عمالا له لمنع الهجرة العكسية قبل إعلان الدولة، وكانت خطوتهم الرئيسية هي المدرسة الزراعية، والالتصاق بالأرض، مقارنة كهذه ليست لصالح مصر وليست لصالح العرب علي أي حال.

وهذا هو فارق اعتماد الزمن والتراكم الايجابي، دولة من مهاجرين بلا تاريخ فوق الأرض، تتجاوز دولا من حولها بل وتفرض عليهم الانصياع لإرادتها وخياراتها.

لذلك فان الزمن معامل رئيسي في عملية التقييم، خاصة وأننا نحتاج تعويض زمن ضاع، واللحاق بزمن قادم بالإعداد لاستثماره لحاجات محددة الملامح، وواجبة التحقيق، دون الدخول إلى مقاربات لا تحمل رؤية للمستقبل.

فالأحزاب هي أحد مولدات المشكلة. وليست وسيلة التغيير دبابات الاحتلال البريطانية أو الأمريكية. والزمن جنرال رئيسي في المواجهة ومعامل أساسي لتقييم الانجاز. ومعادلة الزمن ليست فقط مطالبه بانجاز جديد بمعدلات عاليه، ولكنها أيضا مطالبه بتعويض ما فات من زمن.

وتبقي رؤية الخطوة الأولي والتي تتمثل في اللجنة الوطنية لإدارة مهمة التغيير والتي عرضنا لها خلال المقالات السابقة، بل ووصلنا إلى تسمية بعض الأشخاص يمكن أن تكون نواة لها. كما أننا عرضنا لتكوينها المقترح الذي يضم مؤسسات بحثيه داخل المجتمع في مقالنا السابق.

وتدور مهمة اللجنة الوطنية في نطاق الحوار وتحديد تصور للحكومة الانتقالية ومهام الفترة الانتقالية ومداها الزمني، وتشكيل الجمعية الوطنية لوضع الدستور. وهذا يشمل اغلب التصورات التي طرحت داخل المجتمع إلا أنها لا تتعرض لنقطتين مطلوب للحوار أن يعرض لهما وهما دور المؤسسة العسكرية وتشكيل مجلس أمناء الدستور.

3

وكنا قد حددنا بعضا من الأسماء التي يمكنها أن تدير الحوار داخل المجتمع، وهي تملك رصيدا يسمح لها بهذا الدور، وكانت هذه الأسماء: الدكتور محمد غنيم والدكتور محمد البرادعي والدكتور كمال أبو المجد والمستشار طارق البشري والدكتور وسيم السيسي والمستشار زكريا عبد العزيز والدكتور حسام عيسي والدكتور جودة عبد الخالق والدكتور يحي الجمل والأستاذ محمد حسنين هيكل، والأمر يتسع للعديد من الشخصيات التي يمكنها أن تسهم في هذه المهمة. وعدنا وأضفنا الأسماء التالية من جيل جديد د.عمرو الشوبكى، د.عمرو حمزاوي، ا.عماد الدين حسين، أ.احمد النجار، أ.وائل قنديل، أ.وائل جمال، د.عمار علي حسن، وقد أضيف إليهم ممن سبق أ.حسين عبد الغني ود.ضياء رشوان.

والرسالة إلى هذه الشخصيات أن تتنادي وتلتقي، ليست طرفا سواء مع قيادة الجمعية الوطنية للتغيير أو حركة كفاية وحتى الأسماء المطروحة هي اقتراح، ولم نحاول أن نحدد مصدرا للجنة سوى إرادة أعضاءها إن هم قبلوا بالمهمة، ويبقي أن الفترة القادمة والتي ستشهد انتخابات مجلس الشعب هي فترة يمكن استغلالها في لقاءات تحضيريه، فنتائج الانتخابات لن تكون عاملا مؤثرا لتعديل مواقف الأطراف، ولكنها ستزيد من شدة التناقض لما هو متوقع من تزوير يشوبها.

هذه محاولة للإسهام في الحوار الدائر حول قضايا التغيير، نرجو أن تكون قد أرتقت إلي مستوي التحدي، واستجابت لنداء الوطن والمواطن أن الحاجة إلى التغيير باتت ملحه ولا تقبل التأجيل.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 9 نوفمبر 2010