١٤‏/١١‏/٢٠٠٧

هدوء اللحظه الحرجه ... اسرائيل شئ مختلف

هدوء اللحظه الحرجه ... اسرائيل شئ مختلف

اللحظات العابره لافق المواجهه بين ايران وامريكا ينطبق عليها وصف اللحظه الحرجه، فقد تجاوز كلا الطرفين موقف اعلان النوايا، الي الحشد الكامل والخطط التفصيليه، وصارت الاصابع علي الزناد تنتظر امر الاطلاق.

ومن ناحية اخري ينتظر بعض المراقبين نتائج "الابواب الخلفيه" التي درج عليها عالم الحرب البارده علي انها المخرج بقاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وهي قاعدة اتسمت بها نهايات الصراعات في العالم عندما كان التوازن النووي هو مبرر هذه القاعده. وحالة اللا غالب واللا مغلوب تشترط اللقاء عند نقطة بينيه، يتنازل كل طرف عن جزء او ينتقل بمطالبه الي زمن قادم، وفي زمن الحرب البارده كان طرفا التوازن لا يتصارعان علي ارضهم، ولكنه كان الصراع علي مناطق النفوذ، علي ارض الغير وبدماء الغير، ويبقي التوازن للحيلوله دون انتصار كامل لاحد الاطراف.

بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دخلت قاعده "من ليس معي فهو ضدي" ، وضمير المتحدث هنا يعود الي امريكا.وانتقلنا الي حالة "الحرب الصليبيه" وانتهي بنا الامر الي تلويح بوش "بالحرب العالميه الثالثه"، إن امتلكت ايران السلاح النووي، ولم يعترف بوش أننا في الوطن العربي وفي العالم الاسلامي نواجه مخطط الحرب العالميه الثالثه الذي تنفذه امريكا والغرب، وعلي كافة الاصعده، وصار السلم والامن العالميين هما السلم والامن لاسرائيل، والخطر هو الاسلام عقيدة وكتابا وبشرا وحضارة، وعلي الحكومات ان تختار، هل هي معهم ام ضدهم ؟.

كان العرب قد اخذوا علي الولايات المتحده والغرب أنهم يستخدمون قاعدة "الكيل بمكيالين" او "ازدواجية المعايير" عندما وصمت امريكا والغرب كل العمليات الاستشهاديه في فلسطين "بالارهاب"، والقتل الاسرائيلي للفلسطينيين بالعتاد الامريكي "دفاع عن النفس"، ولكن الارهاب الفكري الامريكي ومحاكم التفتيش الامريكيه أعملت آلياتها علي العقل العربي، فلزم الصمت، وهو يضيف الي اللحظة هدوءا علي "هدوء اللحظة الحرجه".

وتجتهد امريكا في جمع الصف الغربي، الا ان ساركوزي ذهب مغاليا، واصطف مع امريكا وعلي حد تعبير اللوموند بوليتيك "انضم بعد ان تحقق انهيار حرب امريكا علي الارهاب" ، وقالت الين تاوشر عضو الكونجرس "يجب ان تصدقوا الفرنسيين ان فرنسا مصدر هام للمعلومات عن ايران التي انقطعت علاقتنا بها منذ 1979، وكذلك المخابرات البريطانيه".

ولا تتوقف كوندليزا عن الدعوه لحوار مع ايران شرط وقف التخصيب، وفي ذات الوقت يجري البحث عن ادله من خلال التحقيقات مع الاسري من المقاومه العراقيه للتدليل علي دور ايراني داخل العراق.

اسرائيل شئ مختلف

خطتان امريكيه واسرائيليه، تستهدفان المواقع النوويه الايرانيه ، وتضيف الخطه الامريكيه مواقع الحرس الثوري، والخطتان تستخدمان القنابل التكتيكيه النوويه ، لاول مره منذ ضرب هيروشيما عام 1945.

الحاله الامريكيه الآن تماثل "الانتظار الايجابي"، الحديث عن الدبلوماسيه، ضرورة زيادة الضغط بالحصار الخانق لايران، ضرورة صدور قرار ثالث من مجلس الامن، ضرورة انضمام الصين وروسيا الي الموقف الدبلوماسي. وتشكيل "لجان مشتركه" اسرائيليه امريكيه لتبادل المعلومات الاستخباراتيه ، ودعم اتخاذ القرار المشترك. ثم الاعداد لباقي مسرح العمليات ، في سوريا ولبنان وغزه من جهة اخري، ومن المحتمل ان تكون الخطه الاسرائيليه البريه للهجوم علي سوريا ولبنان تنتظر اوامر التنفيذ حال بدأ العمليات ضد ايران، اما بالنسبه لقطاع غزه فخطه الاجتياح ستنفذ بعد مؤتمر انابوليس.

وتعلن امريكا تخوفها من قيام اسرائيل بعمل منفرد ضد ايران ، وكأنه امر قتال !، وتتعاقد امريكا علي شراء صفقة سلاح اسرائيليه بقيمة 700 مليون دولار. وتوقع علي خطاب نوايا بالمعونه العسكريه الامريكيه لاسرائيل بما قيمته 30 مليار دولار لمدة 10 سنوات.

و تجري عملية الاغتيال المعنوي لمدير الوكاله الدوليه للطاقه النوويه تحسبا لاي تقرير يقدمه ولا يخدم الاهداف الامريكيه الاسرائيليه وطالب موفاز وزير النقل الاسرائيلي والمسئول عن ملف التنسيق الاستراتيجي مع امريكا بخصوص ايران باقالة البرادعي من منصبه لانحيازه لايران، وتستولي اسرائيل علي مهمة الوكاله في تحديد استجابة ايران من عدمها وحسب ما تراه من تصاعد في العمليه الدبلوماسيه تتخذ قرارها بالهجوم مع او بدون امريكا.

والمدي الزمني للحركه محدود بالزمن المتوفر للاداره الامريكيه الحاليه، وينتهي تقريبا بنهاية النصف الاول من العام القادم، بينما الحشود العسكريه تكتمل مطلع 2008، حيث غادرت حاملة طائرات امريكيه قاعدتها الاسبوع الماضي تصحبها مجموعة قتال بدون تحديد اتجاهها، ووصلت مجموعة قتال بريطانيه من ست سفن الي الخليج وتصل حاملة طائرات بريطانيه اوائل 2008 وترافقها مجموعة قتال من خمس سفن.

ويبقي تقدير الموقف لرد الفعل الايراني إن بدأت العمليات، فمن وجهة النظر الامريكيه، استمرار القصف الشامل لمدة 40 ساعه، وبكل الاسلحه، لتحجيم رد الفعل الايراني اما رؤية اسرائيل فانها تنحصر في ان ايران لن تستخدم صواريخها الباليستيه لان هذا يعني تعرضها لغارات جديده بالقنابل النوويه التكتيكيه.

تبدو اسرائيل في وسط المشهد القائم الموجه الرئيسي للامور، وأنها شئ مختلف ، ويقبل منها العالم ان تهدد ايران وان تعلن رفضها لبرنامجها النووي ، وانها ستتخذ ما تريد من اجراءات ، بل وتعلن عن هجومها علي الموقع السوري وتدمير منشأه في محاوله للايحاء بانها استخدمت قنبله نوويه تكتيكيه، سواء قصفت من طائراتها او من طائرات امريكيه، وبتنسيق كامل مع امريكا، وتكشف عبر اعلامها عن خطة الهجوم بقنابل نوويه علي المواقع الايرانيه، وكأنها تقول لهم انزعوا ايران من الخريطه او سأنزعها بالقصف النووي، ولا يحرك العالم ساكنا في مواجهة الترسانه النوويه الاسرائيليه، ولا في مواجهة التهديد باستخدامها ، لان اسرائيل شئ مختلف.

ويتناسي العرب في هذا الخضم ان اسرائيل بالاصل كيان استيطاني، وانها محمية امريكيه مطلقة الاراده في القتل، وان الفيتو الامريكي والترسانة العسكريه الامريكيه والغربيه في خدمتها، ويتحدث العالم عن الارهاب الاسلامي وضرورة تصفية حزب الله وحماس وسوريا وايران.

سقطت امريكا في المستنقع الافغاني والعراقي واخذت معها حلف الناتو الذي تحاول دوله التحلل من التزاماتها باستمرار قواتها فضلا عن رفضها لزيادة هذه القوات كما تطلب امريكا، ولكن الحرب علي ايران شئ آخر، لن تكون مخرجا من الازمه ، بل هي مرشحه أكثر من العراق وافغانستان لان تكون نقطة الانفجار لازمة المواجهة الامريكيه الاسرائيليه الغربيه مع العالم الاسلامي والعربي، قد لا تكون النتائج مريحه، ولكن الثمن الذي سيدفعه تحالف الشر الغربي سيكون افظع مما يتصورون حتي الآن، وسيكون عالم ما بعدها ليس كمثله قبلها.

والعرب يملكون منابع البترول، ويطلون علي بحيرة عربيه هي البحر الاحمر، وبحيرة اسلاميه هي الخليج، وينتمون وايران الي دين واحد، ويسيرون في الركب الامريكي دون تردد ؟؟

وايران في هذه اللحظه مطالبة داخليا بتجاوز ترف الانقسام، وتجديد الثوره، والحفاظ علي ما حققت حتي الآن ودعم تطويره، ومطالبه تجاه العرب باعلان نوايا لا تخطب فيه الود الامريكي باتفاق حول العراق، ولكن تبني فيه اساس علاقة مستقبليه مع العرب، مهما كانت الممانعه العربيه لهذه الخطوات، ولعلها تتمثل في امرين:

الاول: أن ايران لن تضرب موقعا في دول الخليج، حتي وان كان قاعدة امريكيه، فبنك الاهداف الامريكيه بالمنطقه بما فيها اسرائيل، كفيل بان توجه ضربات موجعه لامريكا، حتي ان الاعلام الغربي يتحدث عن بيرل هاربر جديد يصنعه المحافظون الجدد بالاسطول الخامس الامريكي في الخليج.

ثانيا: أن ايران تلتقي والعرب في ضرورة الحفاظ علي وحدة العراق ومواجهة الحرب الاهليه المصنوعه علي ارضه. ويصبح هذا توجها استراتيجيا ايرانيا، وتتخلص ايران من عقدة الثأر.

والجانب العربي مطالب بحسن الانصات والتصرف بالقاعده الموضوعيه المجرده "أن ايران قوة مضافه الي القوه العربيه، وان امنها متلازم والامن العربي" ، وليراجع العرب انفسهم في امر امنهم القومي.

الامن القومي ليس مقولة صماء، يملك مفاتيحها الجن، وتتجاوز قدرة العقل البشري، بل هو حالة حياة تستطيع ان تمسها وتراها، إن أدركت أنها ليست هروبا من خوف ولا يصنعها الخوف، ولكنها حالة مسئوليه لا تنقضي بالهروب منها ولا يصلح إنابة احد فيها.

فالمهمه الاساسيه للامن القومي، بدون اخلال، هي توفير البيئه اللازمه للحياه وحمايتها ، لجماعة وفوق ارض ينتمون لها، داخليا وخارجيا.

ومحددات الامن القومي ومهامه تنطلق بالاساس من الاستراتيجيه القوميه للامه او الجماعه ، محددة مقاصدها العليا واهدافها وامكاناتها ووسائلها.

ووجب علي العرب التحدث بلغة واضحه المصالح والاهداف، وفوق الارض التي يعيشون عليها، وادراك الجوار الجغرافي الذي ينتمون اليه، وعدم الهروب الي جغرافيا عبر المحيطات..

مؤتمر ابومازن

السلطه الفلسطينيه، ورغم الحديث الاسرائيلي انها ليست بالشريك القوي، صار هدفها "مجرد الانعقاد" وفقط ، وفي نهاية الثمانينات وبحضور بعض الاصدقاء قال لي بسام ابو شريف "إعطني جواز سفر امريكي وانا أحل القضيه!"، ويبدو ان نفس النظريه هي الحاكمه للسلطه الفلسطينيه ، فهل مازال بسام ابوشريف عند نفس القناعه؟.

ابو مازن يشكو اسرائيل الي كوندوليزا في مكالمة معها بان الاسرائيليين يتعنتون في امر الاتفاق الاخير المبني للمجهول، ومن ناحية اخري يحمل ابو مازن مسئولية دعوة الدول العربيه واقناعها بالذهاب الي انابوليس علي الا يكونوا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين كما طلبت ليفني، وللتطبيع من اجل التطبيع خارج ما سمي بالمبادره العربيه ، وفي نهايه الافعال يطالب ممثله في الامم المتحده ـ حسب المحاضر والنصوص الرسميه التي نشرتها قناة الجزيره ـ بقرار يصدر عن الامم المتحده يدين " مليشيات فلسطينية خارجة عن القانون" ويواجهه مندوبوا ليبيا والسودان وسوريا والاردن بالرفض، ويقول له المندوب المصري: " ان هذا التوصيف يفتح الباب أمام الأمم المتحدة لتصنيفها على أنها مجموعات إرهابية وإدراجها على بعض القوائم ويساعد إسرائيل" ،ويكمل"إلا إذا كان هذا الذي تريده السلطة الفلسطينية ولكنني لا اعتقد ذلك" ، ويتمادي مندوب ابو مازن ـ حسب نص محضر الاجتماع ـ قائلا "أن بلاده ستتفهم موقف اي بلد عربي يرفض تبني هذه المشاريع".

نفس الدعوه التي خرجت من السنيوره الي الامم المتحده والجامعه العربيه لموقف دولي ضد تهريب السلاح عبر الحدود السوريه اللبنانيه، ابومازن والسنيوره رؤساء، والضحيه فلسطين ولبنان !!

وفصل القول ان ابو مازن يعلم ماذا بعد مؤتمر انابوليس ، والذي تؤكده المعلومات، ان الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزه سيتم بعد المؤتمر ، وانه عنيف وبلا حدود ، والمعلومات وصلت مصر ووصلت حماس.

العنف في الافق، والابواب الخلفيه موصده، والادراك العربي علي المحك، ودائما اسرائيل شئ مختلف، فهل لنا ان نتجاوز هذه الحاله؟

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 13/11/2007