٢٢‏/٠١‏/٢٠٠٨

أيا غـزة ... لا تسامحينا

أيا غـزة ... لا تسامحينا

لحظات نسي فيها المصريون ازمة رغيف الخبز ، والغلاء ، وضغوط الازمه الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسيه ، واحاطت بهم هالة فوران العزه والكرامه ، من وقائع تناغم عشوائي بين اصوات تخرج عن السلطه تبدو تمردا علي طلبات ورغبات وتصرفات امريكيه رأت فيها إهانه لها ، ونداءات يصرخ بها الشعب ضد امريكا سواء في مجالسه او بحرق علمها والعلم الصهيوني فيما تمكن من مظاهرات تحاصرها كردونات الامن المركزي ،او خطابات بمؤتمرات تخنقها الجدران حتي وان اذاعتها الفضائيات او نشرتها جرائد يحجبها عن دورها الاعلامي محدودية تكلفة شرائها فضلا عن محدودية جمهور المؤتمرات الذين تراهم وبنفس الوجوه في كل المناسبات وكأن مصر الولادة قد نضبت. ولم تدم حالة التناغم الا لحظات ليخرج علينا مؤتمر شرم الشيخ الصحفي ـ رغم الوجوه الخشبيه المتبادله بين الرئيسين المصري والامريكي ـ معلنا موقفا غريبا من لبنان ، ليتوافق الموقفان الرسمي المصري والامريكي علي "عداء واضح" للمقاومه ـ الخيار الوحيد الباقي للعرب ـ واستيعاب مشوه لطبيعة الصراع الداخلي في لبنان.

ولم تمنع هذه العلاقه المشوهه بين امريكا ومصر من تعاون سلاح المهندسين الامريكيين باجهزة يتم تدريب مصريين عليها لكشف الانفاق علي الحدود مع قطاع غزه ، استكمالا لابعاد الحصار حول غزه ، رغم ان الانفاق هي احد الاحتياجات المصريه كما هي احتياج للفلسطينيين ، وهكذا كانت دائما ، بل ان ظاهرة الانفاق داخل قطاع غزه ابدعتها المقاومه واستخدمها الفدائيون في مواجهة الاحتلال بعد عام 1967، وهي الوسيله التي مكنت المقاومه اخيرا من التسلل واسر الجندي الاسرائيلي "شاليط". ولكل حركة مقاومة ثقافة تنشأ من طبيعة الارض والعدو والاهداف والمهام والقدرات ومصادر الامداد ، وهو ما يفرقها عن غيرها من حروب المقاومه في اماكن سواها.

ومن الغريب ان اهداف تحركات باراك وزير الدفاع الاسرائيلي ، وعمرو موسي امين الجامعه العربيه ، تبدوا واحده رغم اختلاف المكان والعناوين التي يتم في اطارها التحرك.

في فلسطين المحتله يستخدم باراك "القتل بالاسم" لعناصر المقاومه وقيادييها وهو ما يفتح موضوع "امن المقاومه" والقدره الاسرائيليه علي الاختراق وتحديد الاهداف والقتل من اول طلقه ، ويستخدم "الحصار" لكل القطاع و"القتل الجماعي" ويهدف بهذا الي ضرب مجتمع المقاومه الذي تحتمي به وتخرج منه عله ان لم يتمكن من التأليب عليها ليرفضها مجتمعها تحت قسوة المعاناه ، فهو علي الاقل يضع في رقبة المقاومه وزر الثمن الفادح الذي يدفعه الشعب الفلسطيني ، وفي كلتا الحالتين ينفذ مخطط الاباده للشعب الفلسطيني ويعري السلطه الفلسطينيه التي لا تستطيع نزع اقدامها من وحل فكرة التفاوض المطلقه بلا ضوابط ولا قوة من ورائها ولا بدائل ، وتمسك باللحظة كأنها لا تري لنفسها من دونها بقاء.

أما لبنان فالمبهم من المبادره الاخيره لجامعة الدول العربيه صار معلنا ، وهو انقاذ مجموعة "14 آذار" ، وليس انقاذ لبنان كما يعلنون ، وليس هناك من امكانية لانقاذ جماعة "14 آذار" الا بالتفريط ايضا في مجتمع المقاومه اللبنانيه تحت مظلة ان هذه هي الفرصه الاخيره وان فشلت فلتواجهوا العالم ومجلس الامن !!. والحديث المجرد انها معارضه ، ينزع عنها حقيقة انها قوي الخيار المقاوم وقوي الخيار البديل للعجز العربي. وصار الاختلاف في اداء الامين العام عن اداء باراك مجرد ان الكلمات والتفسيرات صارت بديلا عن الطلقات والصواريخ ، وكلاهما باراك والامين العام لا يرجف لهما رمش فيما يفعلون ، وبوضوح يحسدون عليه ، وكأنهم أمِنوا غدهم وبعد غدهم من غضبة الشعب المسفوك دمه. حتي ان حماية مصالح "14 آذار" وليس لبنان صارت اكثر الحاحا علي امين الجامعة من وقائع ما يجري في غزه ، وكان اولي به ان يقطع زيارته وحتي ان يعتذر عن دمشق لان الشعب الفلسطيني يحتاج جهدا عربيا وموقفا عربيا يستدعي وجوده بمقر الجامعه او في قطاع غزة.

والصمت العربي ليس عن ضعف ، وإلا لجاز لغزة الارض والشعب والقضيه ان تسامحنا وتنتظر يوما نملك فيه القدره ، علنا نتخذ في حينه موقفا. ولكن لان القدرات والامكانيات العربيه موجوده ومتاحه ولكن ليست هناك إرادة إتخاذ القرار ، فليس التسامح واردا ، حتي وان تعلق الفلسطينيون باحبال واهيه اسمها الموقف العربي. ومشهد الاظلام ينثر علامات الاستفهام حول اتفاقات البترول والغاز المصري مع الكيان الصهيوني ، نمنحهم وفق اتفاقات خاصه ليقتلوا ويحاصروا.

جريمة الصمت العربي لا يمكن تفسيرها أيضا بأنها تآمر تشترك فيه الانظمه وامريكا واسرائيل لضرب حركة المقاومه في غزه ، المقاومه التي هي حق الكفاح المسلح في مواجهة المحتل وليست كما درجت الالسن العربيه بأنها العبثيه ، وربما يصلح ان نقول ان الموقف الرسمي العربي ـ وان استثنينا منه فقط موقف قطر اثناء وبعد العدوان وحتي اللحظه ـ في حرب تموز علي لبنان كانت تكمن فيه رائحة المؤامره والاتفاق مع العدو الصهيوني والامريكي ، ولكن في حالة ما يجري في غزه فالسبب الواضح هو عجز العرب عن فهم ما يجري ، ليس لانه عاصيا علي الفهم ، ولكن لانهم فقدوا الرؤيه ـ التي تسبق تحديد الاهداف والوسائل ـ لطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني ، وصار التخبط وانعدام الخيارات وبالتالي العجز عن الادراك صار طبيعه الاداء العربي في قضية الصراع الوحيده والمركزيه المطروحه امام العرب.

مصر والسعوديه تستعذبان الخلاف مع سوريا ، والتحريض في لبنان ، وكأن الصراع العربي العربي هو المخرج من الالتزامات الموضوعيه في صراع الوجود مع الكيان الصهيوني وصراع البقاء في مواجهة مخطط الشرق الاوسط الكبير وخرائط التفكيك والتفتيت. خرجت الجزائر من معادلة الصراع وخرج العراق وخرجت ليبيا وخرجت السودان وفي المغرب العربي يدعوا "أندري أزولاي" اليهودي المغربي ومستشار "امير المؤمنين" ملك المغرب الي ضم اسرائيل للجامعه العربيه ، والجامعه العربيه نفسها ، ومتطوعة ولم يطلب منها احد هذا ، اتخذت موقفا أثار الريبه فيما سيصل اليه عندما قررت ارسال وفدا من اعضاء الجامعه لمناقشة اسرائيل في شأن المبادره العربيه ، والاردن يعمل عرابا للقاءات اللبنانيه الامريكيه كما كان بندر وسيط اللقاء اللبناني الصهيوني في اعقاب حرب يوليو 2006. ويقبل البعض من العرب بمخططات الاغتيال في لبنان لقادة المقاومه الي حد التمويل كما رصد بعض المراقبون ، بل تحمل الجزء الاكبر من تكلفة العدو الصهيوني في حربه علي لبنان ، ويصبح الدعم العربي للبنان هو تعاقدات مع الحريري والسنيوره وليس مع لبنان الشعب والدوله ، ومن ثم يتهمون سوريا بتغذية ما اسموه الفراغ بعد ان كانت متهمه بقتل الحريري الاب ، وصارت لبنان والامه وقضايا الوجود رهن بمن قتل الحريري !!! ، وتشير الاخبار ان الحريري الاب ترك ثروة تقدر بحوالي الثمانية مليارات وان ثروتهم الآن تقدر بثمانيةعشر مليار دولار ، وهم يبحثون عن القاتل ولبنان يدمر ، والمشكله سوريا ربما لانها لا تتيح تنمية الثروات بهذا المعدل؟؟؟

واطلقت جريدة السفير اسم "مبادرة القطاميه" علي مبادرة الجامعه العربيه ، ورغم انها اشارت بان الامين العام للجامعه يسكن هناك الا ان الامر يحمل شبهة نسب المبادره الي شركة سوليدير انترناشونال التي يملكها الحريري وتقوم ببناء مشروعا للاسكان بنفس المنطقه ، او هل تعني انها مبادرة المليارديرات العرب في مواجهة المقاومه.

ووسط ظلام ليل غزه ، تتبدد غيوم الرؤيه التي انسحبت علي العديد من العقول العربيه وينكشف جليا ما يلي:

1) الحصار ليس علي غزه والفلسطينيين ، ولكنه الطلقه الاخيره علي ما اسماه العرب استراتيجية السلام .

2) ان ابو مازن لم يعد له مكان ومعه سلطة اوسلو وانابوليس ، فقد حصر نفسه في رؤية احادية الجانب وقبل قتل الشعب ليحصل علي صور التفاوض ، واذا كان الحصار يكشف شيئا ، فهو يعيد التأكيد ان الصراع يفرض ادوات أخري ، رفضها هو ، ولم يعد ممكنا له أن يقبل بها اعترافا بخطأ ما مضي. وتصريح ابوردينه السابق علي الاظلام بيوم كامل الذي قال فيه "اننا نجحنا !!! في استئناف المفاوضات ويجب ان نحافظ علي التفاوض" يؤكد عقيدة هذه الجماعه ، وهو الرجل الذي قتل بين يديه عرفات بالسم ، ليفسح المجال له وابو مازن ودحلان ورشيد ليتولوا الوصول للمفاوضات ، عبر تصفية المقاومه. وإذ يعلن ابو مازن امكانية الاستقاله فهو يقر بواقع فشل خيار المفاوضه دون عمق المقاومه.

3) ان النداء الي موقف عربي ، لن يجدي ، ولكن النداء الي العرب الفلسطينيين في غزه والضفه ، الانتفاضه هي السبيل الوحيد لكسر الحصار ومن كافة الاتجاهات.

4) ان توحد الفصائل داخل القطاع ضرورة حياه.

5) ان تشكيل قيادة لادارة الازمه من كافة الفصائل داخل القطاع ، هو تحول جوهري في النضال الفلسطيني.

6) ان مخطط العدو للاغتيالات لن يتوقف ، وهو ما يتطلب درجة التزام عالي بالأمن العسكري للمقاتلين.

7) ان المقاومه لا خيار لها الا الثبات ، وليس لها معركة الا مع العدو وعملائه ، واي انحناء جانبي سيستنزف جهدا ، وفكرا ، المقاومه في حاجه اليه.

8) ان فتح الثوره ، والتي لم تسقط الشعله وهي تخرج من الاردن او من بيروت ، في حاجة الي لملمة الذات ، وبقيادة غير الذين ترهلت ارادتهم ، وهذه لحظتها.

9) ان ارادة الله فوق ارادة الجميع ، وليكن شعاركم ( الله معنا ) ، وقدموا لهذا واحتسبوا ، وستتساقط كراسي وعروش وكروش ، كلما صمد شعبنا في غزه.

أيا غزه ... ارض الصبر والصمود ... اصبري ورابطي ... ولا تقبلي دموع التماسيح ... والي ان تعود الروح الي امتنا وتتحرر ارادة الشعب ويصبح فارس الصراع ... الي ذلك الحين ... لا تسامحينا.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه في 22/01/2008