٢٢‏/١٢‏/٢٠١٠

سيولة الإرادة العربية

سيولة الإرادة العربية

الاحداث الجارية فوق الارض العربيه باختلاف اقطارها "تِنَطَقْ الأخرس" كما تقول اغنيات المقاومة "لأولاد الأرض" بالسويس. ولكن الحالة العربية الآن أفقدت الكلام مضمونه، وأهملت الفعل وحلت مكانه جلسات النواح والبكاء والحياء المنبوذ والتجاوز البذئ علي شاشات الفضائيات، والكل يحيا الفوضي ويقبل بها.

مواكب الوارثون ليست جديده علي المجتمع العربي، فقد سبق أن إنطلقت وتحت أسماء مختلفه في عامي 1967 و1970 عامي هزيمة يونيو، ورحيل جمال عبد الناصر الي رحاب ربه. لم يكن الوارثون في حينها افرادا، أبناءا أو قادمين من المجهول، ولكنهم كانوا تنظيمات وأنظمة، والكل يرفع رايات الثورة العربيه، وينشد أناشيد الثأر والتحرير، ويحمل أموالا ينثرها هنا وهناك، إنتبهوا وتفرغوا لوراثة جمال عبد الناصر، وتركوا أرض المعركة خالية، وكأني بهم قد هبطوا من جبل أحد، فاستادرت خيل العدو وأحاطت بهم، وكان هذا فعلهم في أقرب لحظات الأمه العربيه الي تحقيق الذات في معركة عسكرية تضع اسرائيل في حدود حجمها الطبيعي وكونها عدو غير خارق، وأن العمل الاحترافي الجاد يمكنه أن يكشف القدرات لكل الاطراف.

لم تخسر الامة العربية حالة الحشد من بشر وثروة وقوة وعتاد التي حققتها في 1973، ولكنها خسرت معاييرها، وكأنها قد انتقلت الي المدينة الفاضلة، وألقت السلاح إلا فيما بينها، وتركت العروبة العقيدة التي وحدتها، وتغاضت عن فلسطين قضيتها المركزيه، بل الأدهي من ذلك، أنها وأدت كل الأحزاب والتنظيمات التي احتشد فيها كوادر الامه السياسيه، وتهاوي حزب البعث وجبهة التحرير الجزائريه وطليعة الاشتراكيين والطليعة العربية والاحزاب القومية والشيوعية، ولم يبقي منها إلا أسماء خاليه من المضمون، وخرجت من الاوكار تنظيمات بديلة سواء قادمة من زمن الاحتلال أو هي قادمة بإدعاءات دينيه، وغير كل هذا أنتج الغرب للكوادر العربية عبوات جاهزة، استعاضت عن الفكر السياسي بما يسمي بحقوق الانسان، ومن الانسان حقوق المرأه، ومن الاوطان القوميات والاعراق والاديان، وشكلت لهم أوعية ما سمي بمنظمات المجتمع المدني، ولم تتركهم في العراء، بل أوجدت لهم مرجعيات في اوروبا الاسكندنافيه وهولندا وأمريكا، وأوجدت لهم التمويل من اوروبا وأمريكا، ونجحت في استقطاب كوادر اليسار الشيوعي والقومي، وصنعت منهم نجوم إعلام، بعد أن تم ترويض الارادات وتحويل الافكار.

ولم يتوقف الأمر عند الاحزاب السياسيه أيا ما كانت توجهاتها وتاريخها، ولكنه شمل منظمة التحرير الفلسطينية، وميثاقها، وقياداتها، وجري تصفية كل هذا، وكأن منظمة التحرير الفلسطينية، قررت أن تتجرع السم بيدها وليس بيد اسرائيل. وكما قتلت اسرائيل ابوجهاد وهو قائد انتفاضة الحجارة، ليصنع ابو عمار ما أسماه "بسلام الشجعان"، إنقلب ابو مازن، والذي كان قابعا في هدوء وفي الظلام بينما رجال الثوره يمارسون المقاومه، إنقلب علي ابو عمار، وجلس في الظل حتي يتم تمهيد الأرض له، واجتمع الجميع علي ابو عمار، فبينما كانوا يقررون مبادرة السلام العربيه في قمة بيروت 2002، كان شارون يحاصر ابو عمار ويخنق الارض من حوله حتي تم قتلة، ليأتي أبو مازن ويضع يده في يد قاتليه، وهو في الوقت ذاته يضرب المقاومه والمقاتلين في أعنف عملية تصفية بقيادة الجنرال دايتون.

هذه المشاهد جميعها أكدت أن عملية هدم البناء السياسي والشعبي داخل الامه وفي اقطارها، لم تكن جملة مصادفات التقت في مجري واحد، ولكنها بالقطع منهج جري إعماله، وإنساق الجميع بإرادتهم إلي تنفيذه.

انتهت خطط وراثة الانظمة، وأنشأ المثقفون العرب، مؤتمرات تحت مسميات قوميه واسلاميه، والاسماء تحتوي علي كلمة "الحوار"، الكلام، وهي مؤتمرات يسمع المثقفون العرب فيها انفسهم، ولو بحثت عن الأعضاء لوجدت الأسماء تتكرر في كافة المؤتمرات، وأصبحت هذه المؤتمرات مصدرا للبيانات، وليست معهدا لانتاج كوادر سياسيه مناضله.

لدي الاسرائيليين حائط مبكي واحد، سرقوه من المسجد الاقصي تمهيدا للاستيلاء علي كل المسجد، وأنشأ العرب لانفسهم عشرات حوائط البكاء، في كل الاقطار، وحول كل القضايا، وتفرغوا للطم وشق الصدور، وقرروا الخروج من التاريخ، وفرطوا في الارض، من العراق الي الجولان الي السودان الي سيناء.

غياب المؤسسات السياسيه، وغياب حالة الاستنفار بالمقاومة ياب وغياب اللغ الفلسطينيينن، وقد أنهت أمريكا دورها في الجنوب واستدارت الآن الي دارفور.ئل، ولن يستطيع العرب أن في مواجهة العدو، وغياب لغة محددة وواضحه تعبر عن الرؤية العربيه دون نفاق الغرب باستخدام أدبياته، كل ذلك أصاب الاراده العربيه بحالة سيوله وأفقدها قوامها، وصارت قدرة الفعل العربية حديثا من أحاديث الذكريات.

حالة البشير في السودان وابومازن في رام الله، تدعو الي الرثاء أكثر منها دعوة للادانه. البشير يعرض علي الجنوب حصة الشمال في البترول، مقابل خيار عدم الانفصال، والجنوبيون يرفضون ويقولون العرض جاء متأخرا، ولكن اعرض نفس العرض في ابييه، أي تنازل عن جزء آخر، ويخرج المتحدثون باسم المؤتمر الوطني يقولون ما قاله البشير عن الواقعيه، أن الانفصال هو الاحتمال الارجح. وأبو مازن يهرع الي لجنة المتابعة يسألها ماذا يفعل، بعد الصفعه التي وجهها نتنياهو الي اوباما، ورفضه إيقاف الاستيطان ل 90 يوما مقابل 20 طائره اف 35، وكأن لسان حاله يقول سأحصل علي الطائرات بدون مقابل، واسرائيل لن تتنازل عما في يديها من أرض، فماذا يمكن أن يفعل مجلس الامن او العرب لابي مازن؟ الاجابة لا شئ.

لا يستطيع أحد أن يدين البشير وابو مازن، فأي منهما لم يظهر في المسرح السياسي فجأة، بل كل مراحل الانهيار تمت أمام كل العرب بل وشاركوا فيها وكذلك جامعة الحكومات العربيه، ومن يدين واجب عليه أن يعرض البديل خلال اللحظات الباقيه، وهذا أمر يفوق قدرة خدمة "سليمان" من الجن.

يكاد يكون الافق يحمل للامة العربيه بديلا واحدا هو الحرب الاهليه، ليس فقط في السودان وفلسطين، ولكن في كل القضايا المطروحه، حتي وإن بان للعيان أن هناك اشارات للانفراج، فالحقيقة أن شدة التناقض والتباين في الخيارات تجاه القضايا العربيه، حشدت الشعوب في جانب، وكافة مؤسسات السلطة في الجانب الآخر. وصار الأمر جملة من العلاقات المشوهة، تربط كافة الاطراف، وكأن هناك إدارة خفية توجه العلاقات، وكل النتائج تؤدي الي تفتيت المنطقه الي شظايا.

محمود عباس لن يستطيع ان ينال شيئا، وهوغير مرشح لاتمام الوحدة الوطنيه بين الفصائل الفلسطينيه، لان خياراته تتناقض كليا مع خيارات باقي الفصائل، ولن يستطيع العرب أن يقدموا جديدا يغير موازين القوي، والامر مرشح لحرب اهليه بين القوي الفلسطينيه.

والبشير غير قادر ان يحمي السودان ويمنع الانفصال برشوة ماليه في اللحظات الأخيره، وتكاد تكون رائحة الدم تزكم الانوف في السودان، وقد أنهت أمريكا دورها في الجنوب واستدارت الآن الي دارفور، والامر كذلك مرشح لحرب أهلية إن لم تكن بين الشمال والجنوب فإنها ستكون بين شمال وشمال، لأن إنفصال الجنوب سيترك أثاره الجانبيه علي متخذ القرار في الشمال.

وإن تركنا هذا ونظرنا الي الوضع الداخلي في مصر في اعقاب الانتخابات، لا يجوز أن نقول أن هناك إنسدادا، ولكن المتابع لحال الاحزاب والنخبه، يجد حالة من عدم وضوح الاراده، سيولة، كل من يعن له أن يفعل شيئا يفعلة، وكل ما يجري بعيدا عن احتياج الجماهير، وإنطلق قطار القرارات الهادمة لمجتمع الشعب بداية يالتأمين الصحي، وهو أمر يهدد بصدامات لا رادع لها خاصة وأن القانون قد غاب، وأهدرت الاحكام القضائيه، ولم يعد من سبيل سوي القوة بمعناها البدائي. وأعلن الرئيس المصري أمام المجلس المنتخب مقولة جديده مفادها "كلنا كنا فقراء"، ووجب علي الشعب أن يجد سبيله للانضمام الي حزب "كنا فقراء"، وأيضا لم يعد من سبيل سوي القوة بمعناها البدائي.

بدأت الحرب الأهلية في مصر داخل الاحزاب، وحزبي التجمع والناصري علي وشك الانفجار، والخاسرون في الانتخابات يقفزون فوق الاسباب، ومهام التغيير باعلان البرلمان الموازي، هم مع أنفسهم، والشعب يرصدهم مع الحزب الحاكم في ذات الخندق، ويدفعون جميعهم الشعب ليتولي أمره بيده، فالاحزاب والجماعات والجمعيات جميعها، مسميات والمضمون ذاتي ولا علاقة له بالمجتمع.

هل لنا ان نساعد في نشوب حرب اهليه عربيه عربيه ؟ هل هذا هو الحل ؟ ليمسك من يبقي من العرب بالامر وتنتهي معادلة اللا سلم واللا حرب ، والتي صارت اللا مقاومه واللا دوله، ليس في فلسطين وحدها، ولكن باتساع الخريطه.

هل هناك من يملك تأسيس حركة عربية قادرة علي تجاوز عجز الاحزاب؟ أم ان القدر يفرض العوده لنقطة بداية جديدة في الظلام.

مصطفي الغزاوي

elghazawy@gmail.com

نشرت بالشرق القطريه في 21 ديسمبر 2010

١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

غيوم سوداء وأمطار حمضيه

غيوم سوداء وأمطار حمضيه

تتجمع في سماء الارض العربيه غيوم يزداد لونها سوادا، تنذر بسيول حمضيه ستحرق الحرث والزرع، بعض الغيم أنزل زخات حمضيه، ، ومازالت الغيوم حبلي، ولم تصحوا السماء، بينما لونها يشتد سوادا.

احتلت وقائع سوداء مشهد الانتخابات المصريه، لا يُنقِصْ من سوئها تصريحات هنا او هناك، ولكن ذلك ما عشناه، ورأيناه، وأدركناه بدون نقل او روايات منقحة او مزودة بإضافات التشويق، الوقائع جميعها تؤكد أن جيل اكتوبر قد اندثر، وأهال عليه التراب جيل الوارثون بدون حق ولا شرعية، وأن المسأله ليست اصطياد سمكة "القرش الأخوانيه" كما يدعون، فهي لا تعدوا سمكة انتجها المزارعون في أحواض خاصه، لم تتغذي غذاءا طبيعيا، وصار لحمها مترهلا، لسكونها وخلودها الي الهدوء فليس هناك ما يدفعها الي الحركه من سعي الي الرزق أو تعامل مع الخطر، ولم يضعوا في أحواضها كما يقول المثل الالماني "سمكة قرموط" كثيرة الحركة والصدام، مما يدفع سمك الاحواض للحركه فيتكون جسمه وينمو وتزداد حيويته، سمكة وديعه جري اصطيادها بالمتفجرات بدلا من شباك الصيد، وأطاحت أصداء الانفجار، بمكونات الحياة الحزبيه، وتداعت التوابع بانقلابات داخل الاحزاب تستهدف أشخاص قياداتها، حيث يسكن الفساد في الرأس كما هي الاسماك، ولا تعرض دون النزع من الكراسي والإحلال شيئا آخر.

مصر لا تنقسم الي عرقيات وقبائل، وحدها النيل، وأضفي النشاط الزراعي علي اهلها نوعا من الصبر والهدوء، يخاله الغريب عنهم أنه الغفلة وقد نالت منهم، أو أنه الموت، ولكنها سمة أهل الري الدائم، والزراعة الناعمه، ومصر عبر التاريخ نسيجا واحدا، لا يداهمها الاقتتال والفتنه الا مصنوعاً، ومستهدفا، وحتي القتل والثأر في مجتمع الصعيد له أصوله وقوانينه، وكان أيضا مجتمع الجريمه والمطاريد في الجبال مجتمعا له قوانين تحكمه ويخيل اليك انه مجتمع له حكماؤه.

وكشفت الانتخابات الأخيره أن الارهاب صار منهج الدوله، وانتقلت البلطجه من الحراسات الشخصيه في اطار الوجاهة، الي تكوين الميليشيات من أدني الاشخاص سلوكا داخل المجتمع، وانتقل الأداء الامني للدوله من حماية المجتمع والامن العام للمواطنين، الي استخدام البلطجه لتنفيذ اهداف التحالف الحاكم، وبإستدعاء المجرمين المحكومين من سجنهم لأداء مهام بين الناخبين والعودة بعدها مع بعض المقابل.

والتباين الحاد بين الوقائع والتفسيرات الرسميه، ينذر بأن القادم من أحداث سيشهد تجاوزات أكثر حده، خاصة عندما يلجأ الكل الي الميليشيات كوسيلة أكثر نجاحا من الاتصال السياسي، وليتطور الفكر البلطجي بتغيير السلاح من سلاح بدائي الي آخر متطور، والموردون علي الحدود جاهزون، فكل سلاح في غير موضعه في مصر هو سلاح لصالح اسرائيل.

أسقطت البلطجه المرشحين الذين لا يريدهم التحالف الحاكم، أسقطت المعارضه، ولكنها في الوقت ذاته أسقطت الجمهورية الثانية والتي امتدت من 1971 الي يومنا هذا، وصارت مصر في حاجة الي شرعية جديدة يكون الشعب قادرا علي دفع ثمنها.

تتابعت الوقائع في الاحزاب الثلاثه التجمع والناصري والوفد وجماعة الاخوان، وكلها تنبئ بأن القادم تنفيسا عن غضب ولا يتجاوز هذا. وخرجت دعوة لتشكيل مجلس نيابي موازٍي، بلا شرح لكيف ولا ممن ولا لماذا؟، "وعادت ريمه الي عادتها القديمه" وخرج الخاسرون في الانتخابات بنداء لوقفه ضد التزوير، الكل فاقد لخطة او رؤية، الكل يلهث وراء كاميرات الاعلام، دون الوعي بأنها لا تغير من الواقع شيئا، وأنه لا تغيير بدون رؤية استراتيجية.

الحقيقه أن تحالف السلطه والثروه لم يكشف عن وجهة وبفجور فحسب بل في الوقت ذاته عري الاحزاب والاخوان، وكشف انهم ظواهر صوتيه، لا جذور لها، ولم يدع التحالف الحاكم وسيله قبل الانتخابات او اثناءها او بعدها إلا واستخدمها لتحقيق اهدافه، لأنه ليس هناك من يملك قوة يمكنها أن تردعه، فيخشاه.

الخطر يتصاعد ويقترب من مصر، ومصر مشغولة في غيوم الردة السوداء، سرقوا نتائج اكتوبر 73، وسرقوا ناتج عرق الشعب علي مدي عشرات السنين، ويسعون الي وأد الإراده، ولم يعد أمام الشعب الا ان يشق لنفسه طريقا واضعا في اعتباره أن الدوله تملك سلاح البلطجه وفقدت واجب الالتزام الدستوري تجاه الشعب وأمنه ومستقبله، وغير هذا هو خداع للنفس.

الاحزاب الثلاثه والجماعه شاركوا في مسرحية الانتخابات الاخيره، شاركوا عن طبيعة تجمعهم مع التحالف الحاكم فالجماعه لم تعرض مشروعا وطنيا، ولكنها تحمل مشروعها الخاص الذي لا يعدوا مجرد التواجد، وكذلك هي الأحزاب التي تصورت أنها بعد أن يؤكل الثور الأبيض سترث عرش الطاووس الذي عاش عليه الثور الابيض ثمانين عاما، نصفهم في أحضان الجمهورية الثانية.

في الحزب الناصري تكرس الانقسام الحادث بين جبهتين، الأولي أطلقت علي نفسها "جبهة الاصلاح والتغيير" والأخري جبهة الأمين العام الحالي، وصار لما يسمي جبهة الاصلاح والتغيير متحدثا رسميا، وأعلنت أنها تملك تفويضا من رئيس الحزب لنائبه، وانها تملك توقيعات 224 عضوا من المؤتمر العام وهي نسبه 45% من اعضائه، وأطلقت علي الطرف الآخر لقب "عميد الفاشلين"، الذي اتهمهم بدوره أنهم مزورون.

كلاهما إذا شاءا صدقا من صديق لهما، لا يصلح أن يبقي، كلاهما وبمكوناته السياسيه والجماهيريه، خارج أي وجود شعبي او قيمة سياسيه، ووجب أن يخلي مكانه، فالفشل ليس في انتخابات مجلس الشعب، ولكن الفشل في ثمانية عشر عاما مضت من عمر الحزب، تآكل خلالها دورا ورثه من حركة التأسيس التي قادها المرحوم فريد عبد الكريم، كانت تتجاوز بحيوتها الاحزاب القائمه، ليصبح علي أيديهم شريكا في جريمة الحكم في مصر، وتآكلت رؤية استراتيجيه وتصور سياسي كان يمثل ركيزة لحركة المقاومه في مواجهة حركة الانقلاب والرده في مصر، وكما ورث الصامتون حركة التأسيس ووأدوها، يسعي 224 عضوا لوراثة الحزب الناصري في مشهد لا يقل عبثيه عن مشاهد البلطجه في الانتخابات.

وتكاد الصوره في حزب التجمع تتكرر، صراع بين رئيس الحزب، وممثلي 20 محافظه، وأيضا الصراع يشتد أواره بعد أن تآكل الوجود الجماهيري للحزب، وأستمرأت قياداته الشكوي من حصار السلطه للأحزاب، ولم يتبقي لها من الفكر اليساري الا العداء لجماعة الأخوان.

وتبقي الخديعتان القادمتان من مجتمع ما قبل الثوره، حزب الوفد وجماعة الأخوان، لا يحمل أيا منهما مشروعا وطنيا، وإن كانت الرطانه بما يسمي الليبراليه والديمقراطيه، أو الالتحاف بالدين، هي حيثيات الوجود، وكلاهما شريكان مع التحالف الحاكم في جريمة البلطجة الانتخابيه بعد ان استدرج كل منهما الآخر الي المشاركه في الانتخابات، ونجح التحالف الحاكم في الايقاع بهما.

شارك الوفد التحالف الحاكم في معركة وأد الاعلام المعارض، وصارت تجربة الدستور هي رأس الذئب الطائر التي اودت بالاعلام الي غياهب "الكلام الأخرس" من باب التنفيس لأي إحتقان يمكن أن يتولد.

وتكاد الجماعة تؤدي دور الترابي وجماعته في السودان، وكأنها ستودي بنا الي التقسيم، وضياع الجنوب، وهي بذاتها لا تحمل مشروعا اجتماعيا وسياسيا واضح المعالم. ويخطئ البرادعي وهو يتوجه بحركته الي الجماعه كي يمنحها قبلة الحياه، فهي في حاجة الي تقييم للذات ومراجعة واجبه، وإلا فهو يهدر دروس الايام الماضيه، ويجمع المتناقضات، ولن يجني الا محصلة العجز.

نجحت جماهير الشعب المصري في ثورة 1919، لانها كانت حركة للأمه، وهي خاصية جري ضربها يالتكتلات التاليه تحت مسميات حزبيه، ولم يبقي الوفد مجرد حزب، ولكنه بقي شاهدا علي خاصية الأمه التي يتسم بها الشعب، حتي بعد أن أصبح حزبا لكبار الملاك، وليس حزب الجلاليب الزرقاء، وهكذا صار الاحتياج الي قيادة تستطيع استدعاء الأمه، وسط طبول وصخب معارضة السلالم الرخاميه. طرحنا من قبل بديل التنادي بين قامات قادره علي الحوار وجمع الامه، وكل الرجاء الي اصحاب دعوات ما بعد الانتخابات أن يلتقطوا أنفاسهم، ويصمتوا لبعض الوقت، ولعل الشعب يبدأ العصيان، بالخروج من الاحزاب والجماعات، فهي أضغاث أحلام ليس لها وجود حي.

في حوار مع صديق بالسودان حول أزمة الجنوب والدور المصري قال لي: "الاشكالية ان مصر فى صراع على مدار الساعة، والكيد الاسرائيلى من الداخل والخارج، والكانتونات اللاوطنية فى داخل مصر تصعب المسألة، والراسماليين الجشعين فى مصر يكادوا هم والحكومه المختله ان يطيحوا بالنظام"، ولم يكد ينتهي الحوار بيننا إلا ونقلت وكالات الانباء تصريحات لمسعود البرزاني عن حق تقرير المصير للأكراد في العراق، اسرائيل تجد لنفسها وجوداً في جنوب السودان، وفي شمال العراق، بينما مصر تحاول درأ الحرب الاهليه عن نفسها، وتجاهد أن تسترد الإرادة الوطنيه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 14 ديسمبر 2010

المتواطئون والواقعيه والعنصريه ... ومواقع النجوم

المتواطئون والواقعيه والعنصريه ... ومواقع النجوم

يغيب عن البعض أحيانا أن كل ما يجري في الحياه هي أمور نسبيه، ويقسم الخالق في القرآن بمواقع النجوم، وكأنه يملي علينا درسا أن النجوم التي نري، هي حيث كان موقعها منذ زمن، وهو الزمن اللازم كي يقطع شعاع الضوء الصادر منها المسافه حتي الأرض، ولأنها في حالة حركه ، فإن ما يصلنا هو صورتها عندما كانت في ذلك الموقع.

لو تصور الانسان بعضا من الارقام التي حققها العلم كسرعة الضوء التي تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانيه، والمسافات في المجرات تقدر بالسنه الضوئيه أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنه، وتقدر 9.5 تريليون كيلومتر، لو استدعي الانسان هذا في ذاكرته، لوجد أن ما يحيط به ويحياه، يكاد يكون العدم. محاولة ايضاح بماديات الطبيعه، لأنه لم تعد تجدي نفعا الإحاله الي القيم أو التاريخ أو الدين.

ولو أدرك الوارثون أن هناك من رأى ورصد، وسجل وأذاع، لما عاندوا الحقيقة، وإدعوا غيرها وبصلف لا يصدر إلا عن عقول ذهب بها طغيان السلطه. ولو أدركوا أن ما يجمعهم مع الشعب هو سماء وطن وترابه، ومواقع نجومه، لأدركوا فارق الزمن بين ما يعيشون، وما يحكم الكون من قوانين الزمن. ما يجري من وقائع في المحيط العربي يدعوا الي التمسك بحقائق الوجود، وليس اوهام رغبات، بلا مبرر من الواقع او القدره او التاريخ.

سوف يطلق علي عام 2010 عام "ويكيليكس"، ويبدوا موقع "ويكيليكس"، كما "آلة الزمن"، اختصر من قادم الايام سنوات عديدة، وكشف وثائق امريكا، التي تفرض القوانين الاحتفاظ بها لزمن في المستقبل يتراوح بين العشرين عاما وحتي الخمسين عاما.

مئات الألاف من الوثائق دعت الرئيس الروسي لأن يعتبر عملية التسريب من صناعة الاداره الامريكيه، ولكن ما يعنينا أن العالم صار مكشوفا، وبلا حجب، ولم تعد العلاقات في حاجه الي التخمين. ورغم أن الأمر يشبه الإغراق بالوثائق، مما حد من أثرها، غير أنها أصابت العالم "بفوضي ويكيليكس"، فوضي ستفيد القاصي والداني، وسيكون العرب آخر المستفيدين منها، فلا تعنيهم "الحقائق"، وليسوا بمغامرين ليركبوا "آلة الزمن"، ويتحملوا مسئولية ما يقرأون.

في منطقتنا العربيه تتداعي فوضي الحقائق وبدون "ويكيليكس"، فوضي تبدوا أنها تمهد لجديد تتشكل ملامحه في مواجهة انهيار لقديم بات عاجزا عن توفير شروط البقاء لنفسه أو تلبية إحتياجات الامه. وتتعدد المشاهد في مصر وفبسطين والسودان وقطر.

تسونامي الانتخابات في مصر، كشف عمليا وليس كلاما يحتمل التأويل، سقوط النظام الحزبي كله، كمؤسسات لا قوام لها، أو كقيادات تئن ليل نهار من محاصرة الأمن لها، ولكن الحقيقه أنها ترتدي رداءا اوسع منها، ولا تملك قدرة للاستجابه الي ضرورات مهام الاداره، فضلا عن قصور في التحليل السياسي وإمكانية قراءة الظروف واتخاذ الموقف حيالها. سقوط ليس كطي صفحة من السجل، ولكنه انتهي لانه غير قادر علي استيعاب المتغيرات المحيطه به ولم يتطور ليواجهها، واعتمد في استمرار وجوده علي منهج التواطؤ مع النظام.

وكانت موجة التزوير ونهم الاستئثار وتجاوز الاجهزة لكافة حدود العقل وما استتبعها من أكاذيب تصف العهر انه تسابيح في معبد الوطن، وموجة أحكام قضائيه غير مسبوقه تدين عمليات التزوير في كافة مراحلها، وتقضي بالغاء النتائج في الدوائر، وما سبق ذلك من موجة عنف من الاسكندريه الي العمرانيه، تكشف حقيقة إرهاب الدوله في مواجهة المواطنين، ذلك كله أنتج موجة رفض عامه لم تتحول بعد الي فعل ايجابي لصالح التغيير، ولكنها أوجدت إجماعا عاما يدعوا الي المقاومه.

وبقدر ما حصل حزب تحالف السلطه والثروه علي مقاعد البرلمان، إكتشف الشعب قانون المقاومه، وسقطت الاحزاب وقياداتها التي اصابها العطن والعفن وكانت عبئا علي الحركة الوطنيه.

ووصلت الاحكام القضائيه ذروتها بتأييد المحكمة الإدارية العليا لكافة الأحكام القضائية التي صدرت ببطلان انتخابات مجلس الشعب، وتعلن أن "تشكيل مجلس الشعب مشوب بشبهة البطلان، بسبب انعدام المراكز القانونية لأعضائه الذين أعلنت اللجنة العليا فوزهم في الانتخابات المقضي ببطلانها بأحكام القضاء الإداري".

هكذا سقطت الشرعيه عن المجلس القادم وعن التحالف الحاكم وفقدت الاحزاب مصداقياتها، وسقط عنها قناع الاضطهاد الذي تخفت وراءه لتداري عجزها عن أداء دورها داخل المجتمع، ونشأ فراغا سياسيا في المجتمع يحتاج الي من يملؤه، وتعجز عن ذلك أساليب التمني السابقه وأدواتها من بشر ارتسمت الأنانيه الذاتيه في تصرفاتهم السياسيه. وأدت الانتخابات والتزوير الي فرز كان ضروريا ليحرر حركة التغيير في مصر من قيود ورثتها.

وتبدوا حرائق جبل الكرمل وهي تلتهم أشجار السنديان فوقه، كما لو كانت تمهد الطريق أمام جديد في فلسطين غير الهذيان الجاري من السلطه مع الاسرائيليين، وإن كانت وثائق الخارجيه الامريكيه أوضحت معرفة ابو مازن ومصر مسبقا بعملية الرصاص المصهور، إلا أن نيران جبل الكرمل تبدو وكأنها تصهر احجار الاستيطان، وتفتح الافق لجديد من الشعب الفلسطيني يمكنه من تجاوز سلطة ابو مازن، وما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينيه.

وتبدوا حرائق جبل الكرمل، وكأنها تطهر بالنار الاراده العربيه لتعيد قراءة المشهد المتواطئ مع اسرائيل علي حساب القضيه العربيه، والأمن العربي، ولعلها تتصل بتسونامي الانتخابات المصريه، وتكشف أن الدم العربي علي جبهات حرب اكتوبر 73 وما حققته من نتائج عسكريه، أو دم الانتفاضات الشعبيه فوق ارض فلسطين يفرض إعادة ترتيب الأمور. وهنا يتبدي لنا أن تصريح أبو مازن عن أن السلطه لا قيمة حقيقية لها، وأنه سيضطر لانهاءها، ليس تنازلا منه، ولكنه قراءة لحقيقة العجز الذي أصابه، ومن وراءه جماعة الاعتدال، لانعدام توازن القوي بينهم مجتمعين مع القدره الاسرائيليه، وانحسار خياراتهم، وتجاوز الخيارات الاسرائيليه لاي تصورات سابقه او ما يدعي بأنه قانون دولي.

وبينما تشارك مصر والاردن والسلطه وتركيا في مقاومة حرائق الكرمل، والاقصي يتهدده الانهياركما يعلن الاسرائيليون أنفسهم، فإن العرب يتمسكون بمقولة "للمسجد ربَ يحميه"، ويبحثون أمر إبلهم وفقط. فهل يمكن لهم القبول بتأسيس جديد لمنظمة التحرير الفلسطينيه، يمكن من خلالة استرداد حق مقاومة المحتل حتي تحرير الارض المحتله؟ سؤال يؤكد أن الفراغ امتد ليشمل الواقع الفلسطيني ذاته، ومازال دون وجود لمن يمكنه ملئ هذا الفراغ.

وتتداعي الحقائق علي الرؤوس من حديث الرئيس السوداني الاخير، والذي سلم فيه بأن نتيجة الاستفتاء ستكون انفصال الجنوب، وطلب ممن يسمعوه "التسلح بالواقعيه"، ونسي أنه بواقعيته هذه، فتح الباب أمام تفتيت السودان، وانفصال دارفور، لأن اللاعبين في دارفور هم ذاتهم اللاعبون في الجنوب، والسؤال الآن إذا لم تستطع الجيوش والسياسه والحاكم أن يحافظوا علي وحدة أرض الوطن، فما مبرر وجودهم؟؟ أليس هذا سؤالا واقعيا أيضا؟.

ألقي الرئيس الأمريكي خطابا في القاهره، ويومها توقفت الحياه إلا له، وذهب الي هنا وهناك ليصالح المسلمين، وحادث العرب أنه يملك أن يفتح بابا لفك إشتباك الدولتين، فقط الفرصه اتيحوها لي، ودقت الدفوف، أن المخلص قد جاء، وتضاربت الاقوال واختلفت المواقف وتبددت الجهود، ويأتي تسونامي جديد من الفيفا، نعم اتحاد الكره العالمي. فقد تقدمت قطر بمشروع استضافة لكأس العالم بعد 12 عاما، ووضعت دراسات وخطط ومشروعات وتصورا وتقدمت، ولسوء حظ اوباما أن أمريكا كانت تريد ذات الهدف، وفاضل الفيفا الذي ليس من الارهابيين، وهو ليس معاديا للساميه، وهو ليس ملونا، وإختار قطر لتنظيم المونديال في 2022، وكأننا قد أشعلنا حريقا بالبيت البيض، وانفجرت عنصرية الرئيس الامريكي ورفض قرار الفيفا واتهمه بالسوء. تسونامي الفيفا أكد أننا نستطيع كعرب تحقيق الهدف لو امتلكنا الاراده، وأننا لن نغير من أمريكا شيئا لأنها تعادينا نحن، وليس دفاعا عن اسرائيل. وانكشفت عقدة العنصريه لدي الرئيس الامريكي ليمارسها معنا!؟. ويسقط اوباما ويترك فراغا آخر في الخيارات العربيه.

في اكتوبر 1994 قدم الاستاذ هيكل ورقه بعنوان "مصر والقرن الواحد والعشرون"، وكتب فيها يقول: "لا أتجاوز إذا قلت إن المخابرات الإسرائيليه تقوم بإعادة تنظيم مخابرات دولتين عربيتيتن علي الأقل، كما أن دوله عربيه واحدة ـ حتي الآن ـ تطلب خبره عسكريه اسرائيليه!". وحذر من أن اسرائيل بقوتها في مواجهة الانفراط العربي، صارت تمارس دور ضابط التفاعلات والحكم في العلاقات، كان هذا منذ 16 عاما، واليوم الفراغ داخل الاوطان وفي الواقع العربي كله يغري بأكثر من هذا.

فراغ يتسع في الواقع العربي، يحتاج من يملك القدره علي ملأه، فهل يستطيع عقلاء الامه أن يديروا ملف "الوجود العربي ذاته"؟، ويدركوا دلالة القسم "بمواقع النجوم".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 8 ديسمبر 2010

"الكرسي" يا مصر ... يمكن هما آخر كلمتين !!

"الكرسي" يا مصر ... يمكن هما آخر كلمتين !!

لم تهزم الاراده الوطنيه للتغيير في مصر رغم الأخبار الأوليه لأحداث يوم الانتخابات، وكانت الجماعه الوطنيه قد أخذت علي الاخوان واحزاب الوفد والتجمع والناصري مشاركتهم في الانتخابات الجاريه، وجري التحذير من التزوير، الذي لا يمكن حصره في إجراء واحد ولكن له صورا عديده، ومتنوعه، وتم التحذير ايضا من مواجهات ساخنه بدأت مبكرة عن يوم الانتخاب. وليس ممكنا لأي صادق مع الله والنفس والوطن أن يكتب بعقل بارد عن وقائع جريمة العصر، عصر يحكمه الطواشي، ويسوقون فيه الوطن الي مصير مجهول، وما يجري في مصر لا يتوقف أثره عند مصر، بل يتعداها الي الامة العربيه.

لم يتوقف الامر عند جريمة تزوير في ظلام هنا او هناك، ولكنها منظومة متكاملة بدأت مبكرا، مما يعود بنا إلي قولة الحق التي تجاوزتها الاحزاب والاخوان، "أن قاطعوا" ولا تشاركوا في جريمة جديده ضد مصر، وأخذهم الكبر والمصالح المحدوده ليغامروا مع الحزب الوطني بالوطن والشعب.

سوف توضع نتائج هذا اليوم في سجل الإهانات المتواليه للشعب المصري، وسوف تتضمن القائمة السوداء كل من استهان بحق الوطن والانسان فوق هذا التراب، ولعلنا نستطيع أن نعود لدروس التغافل عن الحقائق والوهم الذي عشش في رؤوس المطبعين مع الحزب الحاكم.

ليلة يوم الانتخاب إتصل بي صديق من أمريكا، يسألني عن التوقعات، إعتبرت سؤاله طبيعيا فالكل يتابع المشهد الجاري الآن في ربوع مصر، والكل يسأل: هل هذه هي مصر التي كنا نعرفها؟.

واستطرد الصديق متسائلا ما إذا كان ترشح البعض من الناصريين حقيقة، خاصة وأن هناك من أبلغه أنهم ترشحوا نزولا علي رغبة الناخبين في دوائرهم. وما كان لهذا السؤال ولا ذلك التبرير من داع إذا كانت الامور طبيعيه، ولكنه الجدل بين المقاطعه والمشاركه.

قلت للصديق أن الحوار حول هذا الامر لا يعترف بالحقائق، فالتبرير بأن ترشحهم جاء إستجابة لإرادة الناخبين هو نفاق، خاصة عندما يأتي ممن يدعون بأنهم قيادات للحركة الوطنيه، وهو دلالة أنهم لم يوضحوا لأبناء دوائرهم أن الأمر ليس انتخابات لمجالس محلية خدمية، ولكنه موقف سياسي للمشاركة في المجلس التشريعي الأول، وأن الخيار بالمقاطعه أو المشاركه مرجعه محاولة دفع عجلة الاصلاح السياسي الي الحركه نحو رؤية استقر عليها الضمير الوطني في مصر خلال السنوات الخمس الماضيه بضرورة التغيير السياسي الشامل.

الحقيقة أن هذه العناصر تنافق الجماهير بادعاءها ان القرار قرارها، ويستترون وراء هذه المقولة لحاجات في نفس يعقوب رغب أن يقضيها ليتحول بعيدا عن أعباء تفرضها دعوة الاصلاح السياسي.

وحكيت له مشهدا رآه المشاركون في تظاهرة بالاسكندريه تضامنا مع الشاب خالد سعيد الذي اتهم بعض المخبرين بالاعتداء عليه حتي الموت، أن أحد هؤلاء المرشحين كان يمشي في تلك المظاهره، ويسير خلفه شخص يحمل له كرسيا، وما ان تأتي فرصة حتي يضع له الكرسي ليقف الزعيم عليه مخاطبا الجماهير، والتقط الصديق الحديث مني قائلا: هذا مشهد انجليزي، فقيادات الاحزاب ورؤساء الوزارات أثناء الحملات في دوائرهم الانتخابيه يحمل كل منهم كرسيا او ما شابه حتي اذا اراد أن يخاطب الناخبين وقف عليه ليحدثهم، ويمكن مشاهدة ذلك في "هايد بارك"، ولكن ليس هناك من يجرؤ علي ان يطلب من شخص آخر أن يحمل له الكرسي، فالكل هناك أنداد، والجميع يدرك ذلك.

الكل أنداد، ليس هناك القائد الفذ، والتابع حامل الكرسي بلا إراده، وهذا ما فعلته القوي السياسيه جميعها بالجموع التي انخرطت في الأحزاب أو في الانتخابات، إذ حولتهم إلى سادة وعبيد وهذا ما يدع البعض يحملون الكراسي فقط، بينما القيادات إن صح هذا التوصيف، يسعون الي الكراسي وقوفا للخطابه او جلوسا في البرلمان، ولعلنا نضيف الي قاموسنا "حملة الكراسي" كما أضاف من سبقونا "حملة المباخر".

"حملة الكراسي" اتباع بلا عقل، و"حملة المباخر" منافقون بلا حد، وهكذا وقعت الانتخابات في مصر بين "حملة المباخر" و"حملة الكراسي"، وأضيف الي المشهد وبفجور وهم "حملة السيوف" "وحملة البنادق"، "حملة السيوف" يطلقون عليهم "البلطجيه"، أما "حملة البنادق" فهم الشرطه، والتي أضيف الي بنادقهم، سماحا باستخدام رصاصها.

ويستكمل المشهد أركانأ أربع، أتباع بلا عقل، ومنافقون بلا حد، وبلطجيه بسيوف بلا رادع، ورجال أمن برصاص مسموح له بالقتل.

هذه حقيقة ما يجري في مصر الآن، وكأننا نسمع من جديد أغنية الشيخ إمام "كلمتين، يا مصر يمكن هما آخر كلمتين، حد ضامن يمشي آمن، ولاّ مآمن يمشي فين"، ولكن علي لسان الشعب كله.

وتشهد الانتخابات مستحدثة أخري تضمنها يوم التصويت، وهي اعتقال ضباط أمن من قبل الجماهير لانهم حاولوا التزوير، كما قام الناخبون بتدمير صناديق جري تزويرها.

ونظرة علي دور القضاء وردود الفعل علي هذا الدور تكشف حقيقة الأمان الغائب وانعدام المرجعيه والحكم، ونرصد مشهدين، يستحوز علي دور البطوله فيهما الحزب الحاكم، الأول خاص بقوائم مرشحيه وردود فعل اعضاءه عليها، والآخر مسك الختام كما يقال، بلاغ للنائب العام ضد مرشحي الاخوان.

ابتدع الحزب الحاكم نظاما اسموه المجمع الانتخابي، يتقدم الراغبون في الترشح باوراقهم الي الحزب ومرفقا بها إقرار إذعان لادارة الحزب يطلق يدها في أمر الاعضاء، ويحول دون تقدمهم للترشيح، وذلك بعد تجارب الفترات الماضيه حيث كان الحزب يجد اعضاءه يتقدمون خارج قوائمه ويفوزوا بالمقاعد في مواجهة مرشحيه الأساسيين.

بعد اعلان القوائم، تمرد من لم تدرج اسماءهم، وتقدموا للقضاء لادراج اسمائهم، واصدر القضاء احكامه لصالحهم، وسقط الحزب في أول خطوة في العمليه الانتخابيه، وظلت أحكام القضاء تتري، وكلها تواجه تصرفات بعدم ادراج مرشحين او تغيير الصفات، وبلغ الامر الي الغاء الانتخابات في 48 دائرة انتخابيه من أصل 222 دائره، وتخرج قيادات الحكومه والحزب ليعلنوا أن الانتخابات ستتم في كل الدوائر، وكأن لسان حالهم يقول: لا تعنينا أحكام القضاء، وهذا مؤشر جوهري علي احتمال يتزايد بحل المجلس بعد تشكيله بسبب هذه المخالفات.

أما المشهد الثاني، فهو نوع من الكوميديا السوداء، فقد تقدم الحزب ببلاغ الي النائب العام بأن مرشحي الاخوان هم مرشحي تنظيم محظور، أمر يتعجب له أي عاقل، فبينما تجلس قيادات الحزب مع اشخاص من الاخوان علي شاشات الفضائيات يتناقشون أو يتناطحون، نجدهم يعلنون انهم اكتشفوا فجأة أن من يجلسون إليهم أعضاءا في تنظيم غير مسموح به، وأنهم محظورون، وتقدم مباحث أمن الدوله كشوف المرشحين أعضاء الاخوان الي النيابه، بلاغ من حزب واجراء من المباحث، والمتابعون والصحافه والاعلام يقفون في ذهول، ما الذي يحدث في مصر الآن؟؟؟

لم يكن مشهد البلاغ للنائب العام هو أكثر المشاهد سخونه، ولكن سبقه مشهدان يحملان في طياتهما خطر دخول نفق الحرب الأهليه المظلم، الأول حدث في الاسكندريه بين الشرطه ومسيرات لتأييد مرشحي الاخوان، إستخدمت الشرطه الرصاص المطاطي والقنابل المسيله للدموع، وواجه المتظاهرون العنف بعنف مضاد، وحملوا السيوف يطاردون بها رجال الأمن، ووصل الامر الي فرض حظر التجول في جزء من دائرة الرمل، حدث هذا يوم 19 نوفمبر، وفي اليوم التالي كان داعية اسلامي شاب يعقد مؤتمرا داعما لمرشح الحزب الوطني، وهو نفس المرشح الذي نشرت صور له في كنائس الاسكندريه توددا للناخب المصري المسيحي، تعامل الحزب الوطني أن هناك مصري مسيحي وآخر مسلم، أي أنه أكد بذرة الطائفيه.

وينتقل العنف الي العمرانيه بالجيزه، وتحدث مواجهة بين الامن ومسيحيين تظاهروا من أجل استمرار بناء لكنيسه اختلفت الاداره والكنيسه علي التصاريح الخاصه بها، وتستخدم قوات الامن الرصاص ويسقط قتيلان وعدد من الجرحي من الطرفين. ليس هناك ازدواج للمعايير، الأمن لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ويطلق الرصاص عليهم دون تمييز، تراجع العقل، وانطلق الرصاص بديلا للحوار.

يرصد الجميع في مصر أن الأفق يحمل شرارات إنفجار، والسؤال علي الشفاه: هل صارت مصر "كيان يرتع فيها الأمن بلا رادع ليعوض غياب مفهوم الدوله"؟، ويتمادي الأمن في رفع درجة التوتر، وذلك ليس دلالة قوة، ولكنه يفضح حالة خوف مرصود من الجميع وعلي كافة الأصعده.

تظل أحكام القضاء عرضة للتجاوز، وهنا يكمن الخطر الرئيسي، فإذا غاب دور القضاء، إحتكم الناس الي القوة، ولا أحد يستطيع التنبؤ لمن ستكون الغلبة، فالمحيط الجغرافي لمصر يتعرض لموجة تقسيم السودان، ومازال المسئولون المصريون يعلنون أن الخطر في إسرائيل، بينما التصرفات تتسم بالعداء تجاه المواطنين في الداخل.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 30 نوفمبر 2010

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

تذكرت مقولة الامام محمد عبده في تعليقه عما رآه في زيارته لأوروبا "وجدت هناك اسلاما بلا مسلمين، وأجد هنا مسلمين بلا اسلام"، بعد قراءة جملة التعليقات من أصدقاء حول المقال الاخير "أجواء نوفمبر ... خطوات الي العدم"، وأخذ البعض منهم علي أن لهجة المقال تتضمن تشاؤما وإيلاما للقارئ بما تعرضت له، وإن استقر رأي الجميع أنها حقائق مهما كان ما تسببه من ألم إلا أنها تتطلب في الحد الادني الوعي بما يمكن تسميته بالمشروع (القومي) الصهيوني من جهة ، والوعي واليقظه لمفهوم المقاومه من جهة أخري وأن المقاومه هي الاستراتيجيه الاساسيه لمواجهة ما يمكن تسميته بالمشروع الصهيوني، وحددت التعقيبات أن المسئوليه انتقلت الي الشعب ولم تعد تعتمد علي الانظمه.

تناولت التعليقات كل القضايا،

من اكتر المقالات اللي اثرت في ولكنها تحزن لانني لا استطيع سوي ان اقف صامته من مدي الالم الذي بداخلي والنار تشتعل بصدري، "السيده رغده الشاذلي".

المفال متعب ومؤلم ويحمل من الشجن ما لايقل عما يحمله من واقع ويحمل من الواقع مالا يقل عما يحمله من حقيقة. وربما أن هناك جيل أو جيلين لن يحظوا برؤية العودة ويليهم جيل أو جيلين سيدفعون ثمنها لكني علي ثقة أن الجيل التالي لمن سيدفع الثمن سيحيا بحرية وكرامة، ولا أبني كلامي علي أكثر من ناموس الكون، "مهندس محمد السباعي".

تحدثت عن الاختراق، فلنتحدث عن الاختراق المضاد وسد منافذ الفساد و الموساد، فنلم شتات انفسنا وعزائمنا
هم يستقوون بضعفنا و يحيون لأننا لا نريد الحياة و لا نحب الحياة، "مهندسه عزة مطر".

قرأت مقالك الذي لأول مره اراه يبتعد عن التفاؤل المعهود فيك يا باشمهندس، و لكنني لا ألومك..فكلنا هذا الرجل، كنت قد قرات تصريحات المخلوق الاسرائيلي من قبل و طبعا واضح ان مخططهم ناجح بمعاونه منا، و لكنني لا اوافقه في استحاله معاجة الامر، "دكتوره ريم زكريا".

امريكا - واتباعها - تخسر الحرب، ربما لا تحرز نصرا - وإن كان مؤقتا - الا على الساحة الاسلامية، و بمساعدة عرب امريكا.. وانظر في الصمود الاسطوري لثقافة المقاومة بقيادة حزب الله في لبنان، سنعود، ربما بعد ان ننتصر على الخوف و الجهل، ربما إن عادت الاخلاق، ربما إن قام من بين اظهرنا رجال لا يهابون قول الحق، "أ. محمد عز الدين".

وتكتب "الدكتوره رشا سليم" ردا يمكنه أن يكون مقالا في حد ذاته، وتقول: المقال لم يذكر سوى الحقائق، وان رأى البعض أنه بعيد عن التفاؤل اذن فهي حقائق لا تدعو بأي حال الى التفاؤل، وأختلف مع "شادي" تماما ..فأولا "يادلين" قالها لأنه فعلها بل وأتمها على أكمل وجه ، وثانيا فهو يعلنها لعلمه بوقع تصريحه الذي يرفع الروح المعنوية لقومه من جهة ومن جهة أخرى للوقع المؤلم لتصريحه على بعض الضمائر في جسد هذا الوطن وأيضا إمعانا في احراج و اذلال نظام سياسي تابع فاقد للأهلية، (بمعنى ولو كنت راجل اطلعلي)، وهي ثقة لا أملك الا الإعجاب بها من قوم هم شرذمة متعفنة نجحوا، لتوحد الهدف ووضوح الرؤية، في اختراق وشل أمة بكاملها، وهذا ما يسمى (بالمشروع القومي).

حتى فيما يخص تدخلهم في السودان فقد تم على أكمل وجه وطبق الخطة المرسومة و جاء الاعلان بعد تأكدهم من احكام السيطرة على عوامل التأثير في بيئة الصراع السوداني سواء في دارفور أو في الجنوب و قريبا جدا في الشرق، وأذكر أثناء زيارتي لدارفور و خلال قيامي بتصوير احد المعسكرات أن مرافقي طلب مني التوقف عن التصوير لمرورنا بموقع تمركز قوات التمرد التابعة لعبد الواحد وأني لمست من حديثه، وهو شخصية رسمية سودانية، أنه رغم تأكد المواطنين من أن الحركة ممولة وموجهة من اسرائيل الا أنهم لم يمانعوا من الانضواء تحت لوائها لما توفره لهم من أمان وغطاء دولي إنساني ضد همجية و انحراف النظام السوداني الحاكم (هكذا رأي الدكتوره).

فاللوم لا يقع أبدا على شتات اجتمع و ءأتلف حول هدف استراتيجي واحد هو حماية كيانه وترسيخ وجوده لأنه ببساطة حق طبيعي - من وجهة نظرهم- وان كان غير مشروع من وجهة النظر الانسانية، و لا ألوم أيضا النظام السياسي المصري الذي رأى تحقيق المصالح الشخصية لأفراده على حساب شعبه -الذي وفر له الفرصة- لأن في هذا مصلحته حتى وان كانت غير مشروعة ...

يبقى السؤال الملح الذي يقفز بوجهي كلما نزلت الى الشارع: هل هذا الشعب لا يعرف مصلحته؟ هل هي عصية التقدير والفهم عليه الى هذا الحد؟؟ وان كان يعرفها فلماذا لا يتصرف كما يتصرف كل العاقلون -حتى غير الأشراف- في هذا العالم الذين يسعون وراء مصالحهم و سبل بقاءهم و أمانهم منذ بدء الخليقة.

هكذا كانت التعليقات، ووردت أمامي مقولة الشيخ محمد عبده، ولكنها حول العروبه والعرب، وان كان الاخوه المعقبين تلاقوا حول العديد من النقاط إلا أن هناك مقولتين تحتاجان التوقف حيالهما، وأيضا أمر السودان يحتاج منا إطلالة، وإن كانت تتطلب فرصة اخرى أرحب.

أما المقولتان فالأولي: حول الاختراق المضاد في مواجهة الفساد والموساد. واالثانيه: تلك التي تأخذ علي الشعب أنه لا يعرف مصلحته، ودون السعي نحوها.

وأيا من المقولتين لا يمكن تناولها بمعزل عن الأخري، وإن كان رد الدكتوره رشا قد أشار ضمنا لما يعنيه المشروع القومي، فهذا هو سبيل مواجهة الاختراق ومقاومة الفساد والموساد.

وما يهمني هنا انه انتشرت مؤخرا محاكم تفتيش تحاسب الشعب وتتهمه بالغياب، وكأن الشعب مطالب أن يكون هو القائد وهو المنتج وهو المقاوم، وأن النخبة لها فقط أن تجني الثمار، وأنا أعلم أن السؤال الذي يلقيه الاصدقاء من دوام الحوار بيننا هو حث علي البحث في كيف يمكن دخول الشعب في المعادلة السياسيه؟، ولكن الأمر صار ظاهرة، والحقيقة أن الشعب دفع ثمن كل الانجازات والانكسارات، وخرج عليه من بين فقراءه وعماله وفلاحيه، وايضا من جامعات دفع تكاليفها ومن مؤسسات رابط تحت لواءها، ومن الجحور أيضا خرج عليه ما سمي بالنخبة، التي تضع في حسابها ذواتها حتي الآن في الأغلب والأعم، وتري في الشعب رقما مضافا الي المعادله وليس أساس وجود معادلة الوطن والوطنيه، وعليه مسئولية إثبات حقه في الوجود. وقد شهدت الفترة الماضية مراجعات حول من يرتدون أردية ايديولوجية، وفي حسابات الحركة في المجتمع ينضوون تحت عباءة الحزب الحاكم دون محاولة للاتساق بين الافكار التي يعلنونها وبين مواقفهم.

ولعلنا ندرك من هذه التعقيبات أن هذا الشعب حي وحيوته قائمه، وإلا فمن هم هؤلاء الذين تفاعلوا وطرحوا الرؤي وناقشوا؟، وجميعهم في عمر يؤكد انهم صاغوا رؤاهم وافكارهم بذاتهم وليس عبر احزاب أو مؤسسات سياسيه.

إن أمة فيها مثل هذا الشباب قادرة علي إسترداد الإراده الوطنيه، وقادر هذا الشباب عندما يدرك أنه القلب المحرك لهذه الامه أن ينطلق بها، ولكن كما قال السباعي "عندما يكونوا علي استعداد لدفع الثمن".

تموج مصر بحراك أقرب الي غيوم رمادية في "خريف ليس للغضب" كما أرادت الحركة من أجل التغيير، ولكنه "خريف الاختيار" بين المتشابهات، وكلها منعدمة العلاقه بالسياسة، إما أنك ترفض حاكما أوترفض رافضا، ولكن أيا منهما لا يعرض عليك غدا مأمونا.

ما يدفع الأمل في النفس، أن هذا الشباب عينة ممن حققوا النجاح في عملهم وحياتهم ويمارسون مهنهم بتفوق راق، وهم في الوقت ذاته يقبضون علي قضايا أمتهم كالقابضين علي الجمر، هم نواة التغيير القادم، وأثق أنهم قادرون علي ذلك، ويستحقون شرف الوطنيه لأنهم يقبلون دفع ثمن الحريه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 23 نوفمبر 2010