اللحظات الاخيره .. قزوين اطلق عش الدبابير
الوقائع التي جرت الايام الماضية والتي بدأت بانعقاد مؤتمر الدول المطله علي بحر قزوين فتحت الافق امام سؤال يفرض نفسه ، هل ماجري كان دعما للحل الدبلوماسي لقضية "ايران النوويه" ام انه دفع الي التعجيل بالحرب؟
التقدير المباشر لانعقاد المؤتمر انه اضافة الي رصيد الموقف الدبلوماسي الايراني، وهو في حد ذاته خروج عن المألوف الروسي بحصر التعامل مع المشاكل في اطار وزراء الخارجيه او في ساحة الامم المتحده. المؤتمر هو الثاني ، ولكن التوقيت والمكان أضفا عليه ابعادا استراتيجيه جديده، وبدا الموقف الروسي انه يتضمن رد علي المشروع الامريكي لنشر حائط الصواريخ المضاده في اوروبا الشرقيه، وهو الموضوع الذي زار من اجله وزيرا الخارجيه والدفاع الامريكيين موسكو لبحث توافق روسي امريكي علي سلة مقترحات امريكيه مؤداها، لنقم حائط الصواريخ ولنتعاون في تبادل المعلومات ، ولنحدد آلية للمشاركه في اتخاذ القرار العملياتي للاجزاء التي يتفق عليها لطمئنة روسيا انها غير موجهة اليها، ولكنها موجهة بالاصل الي الدول المارقه (ايران وكوريا الشماليه .. حتي الآن).
وللدول المحيطه ببحر قزوين قضاياها من امن وتعاون اقتصادي ومشروعات مشتركه،وهي منطقة مشتعله، وليس من السهل ان نعتبرها منطقة مستقره سياسيا وامنيا، وعلي تخومها تدور صراعات توطيد الامبراطوريه الامريكيه والمناخ الذي عقد فيه (تصاعد المواجهة الامريكيه الاسرائيليه مع ايران) ،القي بظلاله علي المؤتمر، وهو ماجعل وجود بوتين ومن ثم تصريحاته تعيد الي الاذهان فترة الحرب البارده، ولكنها في حدها الادني اعلنت عن ظهور مختلف لروسيا عما كان.
في الطريق الي طهران اعلن بوتين في المانيا حيث كان يلتقي المستشاره الالمانيه ميركل ان " صدقوني .. إنهم (الايرانيون) ليسوا خائفين "، " وان التعامل الدبلوماسي مع المشكله هو الطريق الصحيح"، وليؤكد ايضا انه لا يخشي التهديد بامكانية اغتياله في طهران أي انه ايضا "لا يخاف!!" ، ورجل كبوتين من المؤكد انه حمل معه تصوره الخاص لاختراق الازمه دبلوماسيا. وما تناقلته وكالة الانباء الايرانيه عن لقاء بوتين مع القائد الاعلي خامنئي وقول الاخير ردا علي حديث بوتين "سوف ندرس ونأخذ في الاعتبار ملاحظاتكم ومقترحاتكم" ولم يتركها تمضي دون ان يعرج علي الموقف الامريكي" واشنطن ضد اي امة تقاوم اهتماماتها غير الشرعيه وتريد العمل كأمة مستقله ، والامم لا تهزمها مثل هذه السياسات" ويكمل " بقدر ما تستفيد روسيا من وجود ايران المستقله فإن وجود روسيا القويه يفيد طهران".
ويعلن بوتين مع المجتمعين رفضهم لاستخدام اراضيهم للهجوم علي ايران ، ورفضهم للحل العسكري ، ويؤكد حق ايران في استخدامات الطاقه النوويه السلميه ، وان روسيا ستستكمل بناء المفاعل الايراني في بوشهر.
وقبل ان يغادر بوتين طهران كان الرئيس الامريكي يتحدث عن الحرب العالميه الثالثه سواء اذا لم توقف طهران التخصيب ، او اذا هي انتجت القنبله، وليبادر البيت الابيض للتخفيف من أثر التصريح ، معيدا الي الاذهان تصريح بوش بالحرب الصليبيه في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر. وتتداعي الوقائع والتصريحات متلاحقة، وتستخدم تعبير "اللحظه الاخيره" وكأن اللحظات حتي اتخاذ قرار بدأ العمليات العسكريه صارت معدوده وليس هناك فرصة لمزيد من الوقت.
واكب انعقاد المؤتمر زيارة كوندليزا رايس الي المنطقه للتحضير للقاء التطبيع الفلسطيني الاسرائيلي ، وتعلن انها "اللحظه المواتيه لاغتنام الفرصه" ؟؟ ولم توضح اية فرصة تراها والطرفان المباشران لم يتفقا علي شئ ؟؟؟ ، ولكنها تعود الي واشنطن بأن مؤتمر بوش لن يعدوا لقاءا "للتصوير"، فقضايا الصراع العربي الصهيوني ليست من قضايا اللحظات حتي وان كان المنهج الامريكي نسيان التاريخ ، ويدور الحديث عن التأجيل ؟؟؟ وأن عملية السلام في الشرق الاوسط ـ كما يطلقون عليها ـ في طريقها للمجهول. ويصل بالمعلقين الغربيين القول بأنه لا حل للدولتين في هذا العقد وأن العقد القادم يحمل احتمالات الحرب.
وفي واشنطن كان اللقاء بين وزيري الدفاع الامريكي والاسرائيلي ، وقضايا البحث المعلنه هي الصواريخ المضاده للصواريخ " آرو 2 " لمواجهة الصواريخ بعيدة المدي،و"القبه الحديديه" لمواجهة صواريخ حزب الله و المقاومه الفلسطينيه ، ومثل هذه المسائل لا تتحقق بمجرد الاجتماع من اجلها ولكنها بالتأكيد كانت محل الانتاج قبل هذا اللقاء، فهل هذا تخطيط مستقبلي ام انه استكمال الاعداد العسكري في اللحظات الاخيره؟.
وتتحرك تركيا لتضرب شمال العراق، وترجوها امريكا التريث، ويتخذ البرلمان التركي قراره بدخول القوات التركيه الاراضي العراقيه عندما تري الحكومه وجوب ذلك.
ويلقي لبنان نصيبه ... ففي الوقت الذي يعلن فيه عن عملية لتبادل اسري وجثث بين حزب الله واسرائيل عبر الوساطات الالمانيه وممثل الامم المتحده، وتتحدث عنه الصحف العبريه انه انتصار جديد لحزب الله، تكشف جريدة "السفير" اللبنانيه اسرار زيارة وكيل وزارة الدفاع الامريكيه للشؤون السياسيه علي رأس وفد من البنتاجون ، ومعه مشروع معاهدة للشراكه الاستراتيجيه واقامة قواعد بريه وبحريه وجويه بلبنان لمواجهة الوجود الروسي في سوريا. في نفس الوقت الذي يجتمع فيه مستشار الامن القومي الامريكي بوزيرة من "14 آذار" في واشنطن، حيث وصل اليها وليد جنبلاط، وعاد منها سعد الحريري.
وفور انتهاء مؤتمر قزوين ووصول بوتين الي الكرملين يصل اولمرت رئيس وزراء اسرائيل الي موسكو للقاء وصف بانه "لقاء الفرصه الاخيره واللحظات الاخيره"،ويعقد لقاءا منفردا مع بوتين لثلاث ساعات، اعلن قبل وصوله ان جدول اعمال اللقاء من ثلاث نقاط ايران ـ التطورات الفلسطينيه الاسرائيليه ـ التقدم بالمنطقه ؟؟؟ ، وبعد انتهاء اللقاء تحدثت الصحافه العبريه ان اولمرت وضع امام بوتين معلومات حول منشآت ايرانيه سريه للمشروع النووي، وأن اسرائيل تحتفظ بحقها في اتخاذ الاجراءات ـ واطلع بوتين عليها ـ المناسبه لمنع ايران من استكمال مشروعها النووي. ويخرج اولمرت من اللقاء ليعلن انه وجد الرئيس الروسي يعلم ادق التفاصيل؟!
وفي افغانستان صدرتصريح عن قائد قوات الناتو في افغانستان "أن ايران تمد المتمردين باسلحه مضاده للدروع".
وبدأت تتسرب اخبار عن ان لسوريا نشاطا نووي ،بدأت من امريكا واكدت اسرائيل انها تملك أدله ماديه عليها وصور للمنشآت، ويبدأ الحديث عن دور لوكالة الطاقه الذريه، للاستقصاء ... مجرد بداية لتكرار سيناريوهات التفتيش والذهاب الي مجلس الامن.
وفي نهاية المشهد ويوم 20 اكتوبر الماضي يعقد وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس ورئيس هيئة الاركان المشتركه الجديد الادميرال ماك مولن اول مؤتمر مشترك لهما بعد تولي الاخير مهام منصبه في اول الشهر نفسه ليعمد كل ما سبق ويعلن ماك مولن "أن امريكا تملك الامكانات لمهاجمة ايران علي الرغم من الحروب الاخري" ويضيف " أننا الآن نركز علي الجهد الدبلوماسي لمنع ايران من مشروعها النووي ودعمها للمتمردين في العراق". ويعلن روبرت جيتس "أن اقتناء ايران للاسلحه النوويه سيخلق سباقا للتسلح في الشرق الاوسط" ويكمل مخاوفه التي تقترب من الحقيقه "يبدو لي أن احتمال وصول المواد النوويه الي ايدي الارهابيين تزايد فعليا".
هذه وقائع الايام الثمانيه الماضيه والتي تزامنت مع انعقاد المؤتمر. هي ليست صورة جديده من الحرب البارده، فلن يتكرر موقف بولجانين والتهديد السوفييتي باستخدام الاسلحه الذريه اثناء العدوان الثلاثي علي مصر، ولا موقف كنيدي فيما عرف بأزمة الصواريخ السوفييتيه في كوبا وتهديده بتدميرها... فليست هناك القوتان الاعظم ولكنها قوة واحده والاخري تجتهد لاسترداد جزء من نفوذها او في الحد الادني منع الهيمنه الامريكيه علي المؤخره الجنوبيه لها. واصبح السؤال في الاعلام الغربي " كيف نستطيع استقطاب روسيا الي موقف ضد ايران؟" .. لتصبح روسيا هدفا للصراع وليست طرفا فيه!!
وعلي الجانب الايراني خرجت التصريحات العسكريه ، أن 11 الف صاروخ ستنطلق ردا علي اي هجوم علي ايران وستستهدف القواعد الامريكيه واسرائيل. وتعلن استقالة علي لاريجاني المسؤول عن الملف الايراني عشية لقاءه المرتقب مع خافير سولانا المسئول عن تقديم تقريرا قبل منتصف نوفمبر القادم حول مدي استجابة ايران لمطلب وقف التخصيب ، وتخرج الصحافه الاسرائيليه لتعلن سيطرة الجناح الراديكالي علي مائدة المفاوضات، ويبقي هل قبول استقاله لاريجاني دلالة قوة اعقبت زيارة بوتين مما ادي الي تغيير لهجة التفاوض أم انها مجرد ناتج تفاعلات داخليه؟
كل الدلالات تؤكد انها بالفعل اللحظات الاخيره ، بين امريكا واسرائيل من جهة وايران في الجهة المقابله.
وعلي الجانب العربي، نري ان الخطر الذي اقترب من لبنان وسوريا ، يحاول من جديد اعادة التوجه الي السعوديه، ويعود الحديث عن انه اذا كانت ايران تمد المتمردين بالصواريخ المضاده للدروع، فإن السعوديه تمد حركة التمرد بالرجال (45% من السعوديه، 15% من سوريا ولبنان ، 10% من شمال افريقيا)، وأن تسليم السعوديه سلاحا متطورا طبقا للصفقات الجاريه يحمل مخاطرة احتمال وصوله الي ايدي (الارهابيين). هل وصلت التقديرات هذه للسعوديه؟ وهل يمكنها ان تشارك في مؤتمر للدول المطله علي الخليج وبحضور ايران لدعم الامن بينها ولمصالحها المباشره؟
الصراع الآن علي لبنان ، لاقامة القواعد الامريكيه مع حكومة الوكلاء ، وعلي روسيا للاستقطاب الي موقف مدفوع القيمة بسلة التوافق علي نشر الصواريخ في شرق اوروبا واتفاقية القوات التقليديه في اوروبا والموقف حول كوسوفو، علي ان تقف ضد امتلاك ايران مشروعها الخاص للتخصيب، أما سوريا والسعوديه فعلي قائمة الانتظار.
المحافظون الجدد أصحاب مشروع القرن الامبراطوري الامريكي لا يملكون غير بديل الحرب، والتحركات لم تكن للحيلوله دون وقوع صدام عسكري، وفي اغلبها كانت تحضيرات اللحظات الاخيره قبل صدور امر القتال !! ... فهل ماجري في طهران كان دعما للحل الدبلوماسي لقضية "ايران النوويه" ام انه دفع الي التعجيل بالحرب؟
مصطفي الغزاوي
نشر بجريدة الشرق القطريه 23/10/2007