٠٦‏/٠٢‏/٢٠٠٨

لبنان وغزه بعيدا عن "جنرالات المقاهي"

خرج تعبير "جنرالات المقاهي" في اعقاب حرب 1967 لتوصيف احاديث تدور بادعاء المعرفه ، حالة مرضيه تضع الخطط العسكريه ادعاءا ، وتصل الي النتائج وهما. لو كانت حروب التحرير وصراعات التقدم تتحق بكميات الكلام ، ووزن الاوراق ، واعداد المتحدثين وحلقات "البغبغه"، لتحقق للعرب تحرير كل الارض العربيه وحل كافة المشاكل التي تواجه الانسان. ولكن الانجاز لا يتحقق بالاكتفاء بترديد الكلمات ، بل هو أداء احترافي ، يتجاوز الكلمات الي فعل موضوعي متراكم يتمكن عند لحظة من تثبيت وجود واثق للامه غير ذلك الوجود الهش الذي تتقاذفه النسمات قبل الرياح العاصفه. وهو امر يلزم له احترام العقل ، واحترام اللغه والاستخدام الصحيح لمفرداتها للتعبير. كما انه امر يحترم الواقع وينطلق منه اما انقلابا عليه او تصحيحا له ، وإن رآه العقل قادرا علي تحقيق اهدافه في الصراع ، فعليه العمل علي تنميته والنضال من خلاله وبأدواته لتحقيق اهداف التحرير والتقدم. والاداء الاحترافي يستلزم مواجهة المشاكل كما هي وليس كما يتصورها ، وهو امر يستلزم مراجعة للنفس دائمه ، وما لا يقتل الانسان يزيده قوة ان نجح في استخلاص الدروس ، وتحديد ايجابيات الاداء وسلبياته واسبابها والعلاج الواجب.

نحتاج الي فعل ، يحترم العقل ، يعبر عن نفسه بلغة واضحه ، ينطلق من الواقع القائم ، قادر علي متابعة الاداء وتقييمه وتصحيحه. لقد نجح الفراعنه في قطع الجرانيت وصنع المسلات باستخدام الماء وخاصية التمدد للخشب ، واكتشفوا علميا ان تمدد الخشب المبلل بالماء يمكنه ان يقطع الجرانيت ، وصنعوا بهذا حضارة ، شملت علوم الفلك والاجتماع والدين ، حتي ان اخناتون انقلب علي واقعه داعيا الي التوحيد.

وقضايا لبنان وغزه التي شغلت الاهتمام الاسبوع الماضي تستدعي ، المصارحه وليس الانغماس في الاتهام والاتهام المضاد ، وسيظل الخلل قائما طالما ظلت قضايا الامن القومي العربي عرضة لاحاديث المقاهي او خيارات المقامره والجهل بتاريخ الامه والتحديات التي تواجهها.

لبنان واحده من ادق قضايا الامن القومي العربي لان ساحته تشهد تجسيدا كاملا للاطراف العربيه ، فضلا عن الاقليميه والعالميه ، وجري استقطاب الجميع علي محوري المقاومه والاعتدال ، وشهد الواقع اللبناني الاسبوع الماضي ثلاث علامات فارقه:

1. اعادة اعلان المقاومه اصرارها علي الثلث الضامن في شأن حكومة التوافق ، اي حكومة النقيضين ، المشروع الامريكي ونقيضه تحت ما يسمي بصيغة العيش المشترك ، واللبنانيون هنا لا يختارون بل هم مجبرون ، ذلك ان عناصر المشروع الامريكي الداخليه تجد لها ظهيرا عربيا خارج لبنان ، غير مبال بما يمكن ان تصل اليه الامور في لبنان ، المهم الا ينتصر مشروع المقاومه ، اي انه يدفع للصدام لان ذلك مصلحة الانظمه المهادنه وليس مصلحة لبنان.

2. التحقيقات الجاريه بشأن المواجهة بين الجيش اللبناني واهالي الضاحيه الجنوبيه ، والتي استخدم فيها الجيش الرصاص ، ويكاد يكون متعمدا ، بالاضافه الي ما تم رصده من قناصه ، ثم محاولة تحويل الامر الي مواجهة بين مسلمين ومسيحيين. نتائج التحقيقات سوف تعيد ترتيب الوقائع ، وربما تؤدي نتائج التحقيقات وما يترتب عليها من اجراءات الي منع انفجار الموقف ، او في الحد الادني تأجيل الانفجار الداخلي الذي يصب لمصلحة المشروع الامريكي ـ الصهيوني. ومن الاجدي عدم التعرض لاقوال صادره عن فريق المشروع الامريكي ، ولكن اليس من واجب العرب عدم الاختباء خلف عناوين براقه ومحاولة الاقدام بجدية من لبنان كقضية امن عربي وليس كمسرح صراع لتحقيق الاعتدال العربي.

3. اعلان تقرير فينوجراد ، والذي اقر " تم تعيين اللجنة بسبب شعور قوي في الجمهور بالانكسار والخيبة من نتائج الحرب وأسلوب إدارتها وأيضاً بسبب رغبة الحكومة، والمؤسسة الأمنية والجيش في استخلاص العبر" ، وهو امر يحتاجونه لان" النتائج جاءت فادحه " وان " الحرب المتواصلة التي بادرت إليها إسرائيل، انتهت من دون أن تنتصر" ، ويضيف ".. حتى لو أخذنا بالحسبان كل النجاحات والإنجازات الدراماتيكية، وبشكل أساسي الاستخبارات وسلاح الجو، ينبغي أن نعترف بأن الجيش فشل في جهوده في تحقيق الإنجاز العسكري المطلوب والممكن، في ضوء ظروف الحرب وموازين القوى. والأمر نفسه، سواء تجاه الإنجاز العسكري المطلوب في مقابل حزب الله، أو في ما يتعلق بالمكانة الاقليمية والعالمية لإسرائيل، أو تجاه قدرتها في الدفاع عن الجبهة الداخلية الاسرائيلية من استمرار إطلاق الصواريخ. من هذه الناحية، يمكن أن نقدر أن نتائج الحرب كانت «تفويتاً خطيراً» للفرصة". هكذا ضاعت من اسرائيل فرصه ، ولم تنتصر وما كان لهم ان يقولوا ان المقاومه انتصرت ، ولكن استكمال قراءة التقرير تؤكد انها حرب بادروا اليها ولم ينتصروا وضاعت عليهم الفرصه ، وايضا لن نتعرض لصمت القبور الذي الم بعناصر المشروع الامريكي في لبنان ، او بالمنطقة العربيه.

ثلاث علامات فارقه ، تستدعي من المقاومه وجبهتها الشعبيه كامل اليقظه ، فما لم يستطيعوا اتمامه بالجيش الصهيوني سيحاولون تحقيقه بالانفجار الداخلي ، ولن يتوقف سعيهم ، وبكافة الاساليب لجر المقاومه لمواجهة وبالسلاح في الداخل والبعد عن خنادقها في مواجهة اسرائيل. وهذه العلامات هي مسوغات تدين حملة التجاهل العربيه سواء لحقائق الواقع اللبناني ، او لتقرير فينوجراد ، او تتنصل من مسئولياتها ، والتي ليست بالاصل التآمر لاغتيال المقاومه مفهوما واداءا ورجالا.

اما تداعيات هدم الحواجز عند معبر رفح الحدودي فتعرض لما يلي:

1. ان كانت مظاهرة النساء التي سبقت هدم الحواجز تمت بدعوة من حماس ، فليس المطلوب اتهام حماس بالتآمر علي الامن القومي المصري ، نعم هناك واقعا جديدا ، ولكنه في مواجهة اتفاقات المعابر ، يجب التعامل باعتبار ان معبر رفح رئه لمليون ونصف فلسطيني ، ومن الواجب مراجعة اتفاق المعابر ، بدلا من انتظار ان يصل الوعي الي ابومازن وجماعته.

2. ان الانقسام الفلسطيني الداخلي ، ليس صراع أشخاص ، ولكنه خلل شديد اصيب به الاداء الفلسطيني وتحديده لطبيعة الصراع وادوات النضال ، والفلسطينيون ليسوا وحدهم المسئولون عنه ، ولكن المسئوليه تطال النظام العربي كله.

3. أنه اذا كانت هناك مواقف داخليه في مصر من جماعة الاخوان المسلمين ، فليس من الانصاف مد الخصومه الي حماس وهي تحمل بندقية المقاومه في مواجهة اسرائيل ، لانه ليست هناك حماس وحدها ولكن هناك ايضا الجهاد الاسلامي وباقي المنظمات التي مازالت تقبض علي مفهوم المقاومه كالقابض علي الجمر.

4. أن مقولة "منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" ، يراد بها باطل ، لان الصراع عربي صهيوني وليس فلسطيني اسرائيلي ، والا فنحن نأخذ بمقولة ليفني "ألا يكون العرب فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين" وهي ذات المقوله التي بني عليها برويز مشرف مبرر لقاءه بباراك في باريس ، وهي ايضا تفرض بحث عربي في مقومات اعادة بناء المنظمه لتكون اطارا جامعا وليس طاردا ومحرضا.

5. أن دور مصر ليس مطروحا للنقاش ، ووجب ان تمارسه مصر بمسئولياتها تجاه امنها وواجبها تجاه غزه ، وعلي ابومازن كما حماس ان يستوعبا هذا ، وليس لابو مازن ان ينفض يديه في القاهره ، قائلا انه ابلغ كافة الاطراف بموقفه ، لانه ليس كل فلسطين ، وهو ليس محل الاجماع ، وليدرك انه عندما تكون مصر في حلبة الصراع ، عليه ان يسمع ، بدلا من ان يتمرد.

وعلي الجانب الاسرائيلي تداعت بهجة ، وخطط. ففي الهيرالد تريبيون كتب "ستيفين ارلانجر" عن مسئول اسرائيلي كبير حول احداث رفح "قد تكون نعمة خفية" ، ويستطرد أن "باراك ـ ومن قبله شارون ـ يرغبون في الخروج من غزه والقاء مفاتيحها" وينقل عن مسئولين في وزارتي الدفاع والخارجيه ومكتب رئيس الوزراء "أخيرا الانسحاب ـ الاحادي من غزه ـ بدأ في التنفيذ".

واستدعت وقائع رفح الي الصداره رؤية البروفيسور الاسرائيلي "جوشوا بن أريه" حول تبادل الاراضي بين مصر وغزه واسرائيل والتي عرضها علي شارون فعلق عليها ان الوقت مبكر لها ، فالقضاء علي الارهاب اولا ، لم يرفضها وقال "ربما يأتي يوم تكون هي الفكره". وهذه الرؤيه تعرض :

1. قطاع غزه مساحته 350 كيلومتر مربع ويحيا فيه مليون ونصف فلسطيني ، وليس له مقومات اقتصاديه !

2. تعطي مصر للفلسطينيين :

a. 30 كيلومتر علي ساحل المتوسط (200 كم مربع) ، ويصبح طول ساحل غزه الجديده 75 كم.

b. مساحه 300 كم مربع علي الحدود مع اسرائيل ( تقريبا بطول 35 كم ).

3. تعطي اسرائيل مساحه 150 كم مربع علي الجانب الآخر من للحدود. وتصبح مساحة القطاع 1000 كم مربع.

4. تعطي اسرائيل لمصر مساحة 250 الي 500 كم مربع في منطقة باران ، وممرا بريا الي الاردن.

5. يعطي الفلسطينيون 500 الي 1000 كم مربع لاسرائيل في الضفه الغربيه مقابل المساحه التي حصلوا عليها من مصر.!!!

هكذا يعمل المرابي الصهيوني ويفكر ، ويبتهج ، وعلي الجانب العربي التشتت والبحث عن مطابقة اتفاقات المعابر، وألسنة صفراء توزع الاتهامات علي اهل غزه "انهم اجتاحوا مصر !!" ، وأن ايران وسوريا تحرضان حماس ، فهل يمنوا علينا بصمتهم ، او كما قال حسن نصر الله زمن حرب يوليو 2006 "حلّوا عنّا".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 5/2/2008