قطع الشك باليقين ... استراتيجية العرب بانابوليس ! تواكب يوم الجمعه الماضي 23/11/2007 حدثان في كل من بيروت والقاهره ، وتميز كل منهما بكونه حدث اللحظة الاخيره ، وان الطرف المباشر علي الجانب الآخر هو امريكا واسرائيل ، وان كلا الحدثين علامة فارقه بين فكر استولت عليه الهزيمه وتوجهه ، وبين ارادة مازالت تقاوم تحت ضجيج الادعاء عليها بانها ارهاب ، ولكنها ارادة الرفض الكامنة في الشعب العربي. في بيروت كان موعد جلسة مجلس النواب اللبناني لاختيار رئيس للجمهوريه يخلف الرئيس اميل لحود الذي انتهت ولايته ، وفي القاهره كان موعد انعقاد لوزراء خارجيه عرب للنظر في الدعوه المقدمه من الرئيس الامريكي الي مؤتمر انابوليس بشأن امر الدولتين الفلسطينيه والاسرائيليه. وكانت نتيجة وقائع ما جري في بيروت والقاهره ، لصالح امريكا واسرائيل. لم يتم انتخاب رئيس للبنان واستولت جماعة امريكا علي منصب رئيس الجمهوريه بالانابه ، بالاضافه الي استيلائها علي مجلس وزراء. واقر وزراء الخارجيه العرب قبول دعوة الرئيس الامريكي للاحتشاد في انابوليس. وفي نهاية اجتماع القاهره عقد مؤتمر صحفي حضره امين الجامعه العربيه ووزير خارجية السعوديه ، ومع تصاعد اسئلة الصحفيين ، قال وزير الخارجيه السعودي ان العرب ذاهبون "كي نقطع الشك باليقين" !!!. والفصل بين الشك واليقين ، يمكنه ان ينطبق علي مجريات الامور في كلا العاصمتين ، ولكن الشك هو المتاح لنا ، ولا نعرف مرجعية اليقين الذي ينشده العرب من مؤتمر انابوليس. ولان الامران مصيريان ليس لللبنانيين والفلسطينيين وحدهما ، ولكن للامه التي مازالت منذ النكبه تصارع الظروف والحكومات والقوي الدوليه والعدو الصهيوني كي تقول " أننا عرب وأن فلسطين عربيه" ، ودفعت الامه "العربيه" ان كانوا مازالوا يذكرونها ثمن العروبه والاسلام والاستيطان اليهودي فوق ارض فلسطين مرات عديده ، وفي النهاية آلت الامور الي ايدي افراد يسقطون الشعوب من اعتبارهم ، ويقعون صرعي الوهم الآخذ بالعقل ، لتنتهي كافة التضحيات لصالح اسرائيل ، ولينتهي العرب الي حد التمزق ، وفقدان امكانية البناء علي تراكم التضحيات لتغيير ميزان القوي لصالحهم. ماجري في لبنان منذ 12/7/2006 لا يدفع الي الشك ، ولكن وقائع ماديه فوق الارض ومواقف تجعل الشك هروبا من الحقيقه وتنازلا عن المسئوليه. ولعلنا لو راجعنا مقالات سيمور هيرش عن لبنان والمخطط له ، ثم مقالة اعادة التوجه ، لادركنا اننا امام مخطط متكامل ، قمته هي متوالية التصريحات الاسرائيليه والامريكيه بشأن الدوله اليهوديه ، والشعب الفلسطيني ، والمقاومه الفلسطينيه ، وتجاه المقاومه اللبنانيه وحزب الله : 1. اوضح سيمور هيرش ان العدوان الاسرائيلي علي لبنان وبهذا الحجم ، كان مخططا له قبل واقعة اسر مقاتلي حزب الله للجنديين الاسرائيليين ، والهدف منه تدمير حزب الله وقدراته في اطار المواجهة الكونيه لمحور الشر العربي الاسلامي !. 2. ظلت وزيرة خارجية امريكا ترفض التدخل لوقف العدوان ، لان الشرق الاوسط الجديد يولد من وسط الالام. 3. ادانت بعض الانظمه العربيه موقف حزب الله ، ووصفته بالمغامر. 4. اعلنت الحكومه اللبنانيه تنصلها من رفض العدوان الاسرائيلي ولكنها ادانت حزب الله المقاوم ، وقام قائد معسكر مرجعيون بدعوة الجنود الاسرائيليين لتناول الشاي برعاية " أحمد فتفت " ، لينسحب الجنود اللبنانيون ومعهم بعض اللبنانيين علي طريق قالت الحكومه اللبنانيه انه تم تأمينه لهم ، ولتهاجمهم الطائرات الاسرائيليه من بعدها. 5. ظلت جماعة امريكا في لبنان والتي اطلق عليها "14 آذار" ، تهاجم سلاح المقاومه طوال العمليات ، رغم الهزيمة التي لحقت باسرائيل ، ويخرج فيلسوفها ليسأل الي من سيهدي حزب الله نصره ؟ ، ووصل وزراء الخارجيه العرب الي بيروت ليعقدوا مؤتمرا هناك ، بإذن اسرائيلي. ولم يتمالك رئيس وزراء حكومة لبنان ـ التي تنتصر رغم الالم والثمن الذي دفعه اللبنانيون ـ الا ان يبكي ، وعلام ؟ حتي الآن ليست هناك اجابة الا اذا كان بكاؤه علي حاله بعد هزيمة اسرائيل. 6. وتكاد الدول العربيه أن تقاطع الرجال الذين قاتلوا و ضحوا وانتصروا ، بل وتدينهم. 7. ويخرج علينا المسئولون الاسرائيليون ليعلنوا انهم سيغتالون حسن نصر الله وقيادة حزب الله "العرب ـ المسلمون" ، ويعلن بن اليعاذر انهم "سيغتالون حسن نصر الله حتي وان استعانوا بآخرين" ، ويبلع العرب السنتهم ، ولا ينتابهم شك ولا يحدثوننا عن يقين. 8. ويعود سيمور هيرش الي الصوره ، ويكتب حول اعادة التوجيه ، والاتجاه الي تقسيم العرب الي سنه وشيعه وخلق معسكر المعتدلين السنه في مواجهة المتطرفين العرب من الشيعه ، حسب تصور مجموعة العمل المكونه من "ديك تشيني وبندر بن سلطان وابرامز وزلماي خليل زاده". 9. ومنذ بدأ العدوان علي لبنان ، يخرج رجل اعتبروه بطل التحرير في مواجهة الوجود السوري ، الجنرال عون ، وهو مسيحي ماروني وليس شيعيا ، ليعلن موقفه مع المقاومه ودعمه للمقاتلين وعداؤه لاسرائيل ، صورة حقيقيه للمواطن اللبناني العربي ، وعلي الجانب الآخر تجمع كوندليزا رايس اقطاب "14 آذار" علي مائدة طعام ببيروت ، بينما السلاح الامريكي يدمر لبنان ويقتل ابناءه. ويظل نداء "14 آذار" وحكومة السنيوره حتي اللحظه هو "نزع سلاح حزب الله" ، نداء في مضمونه دعوة للاقتتال. 10. اما السجين بجرم القتل والمفرج عنه بقرار من طاولة الحوار إستعاد موقفه "أميرا للحرب" في مواجهة عروبة لبنان وارادة المقاومة فيه ، موقف اشبه بموقف جاليفر في بلاد العمالقه ، حيث كان قزما يؤول للصفر. فهل كان ممكنا ان يتحقق في لبنان اختيار لرئيس بالتوافق ، وما حقيقة العيش المشترك ؟ لن تتوقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب الا عندما ينفجر لبنان من الداخل ، لان المقاومه اللبنانيه العربيه ليست محل القبول الامريكي ، والمقاومه اللبنانيه لن تفرط في عقيدتها القتاليه ، والحديث الجاري عن تغيير المواقف للبعض من "14 آذار" تقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب دون ان يصل لتوافق ، ولن يصلوا ، فحزب الله ومن معه هم الهدف ، أما لبنان فهي ساحة الصراع ، والشعب العربي في لبنان هو وقود الصراع. قال احد موظفي الاداره الامريكيه السابقين ان توجه بوش الي قضية الشرق الاوسط ضعيف جدا ومتأخر جدا !!! ، وهل يتصور حل المواجهه في ثلاث لقاءات بينه وبين الطرفين ؟. واليقين في أمر مؤتمر انابوليس هو ما قالته ليفني وزيرة الخارجيه الاسرائيليه التي كان ابومازن ، والذي يفاوض باسم منظمة ( التحرير ) الفلسطينيه ، يتناول معها طعام مائدة اولمرت ، وهي تتحدث وتتحرك وتمشي بينهمـا ، وبهمـا. اعلنت ليفني في الكنيست امران ، الاول ان الواقع الذي تشكل علي الارض من بعد 1967 في الضفة الغربيه ليس محل تفاوض ، اي المستوطنات القائمه وحتي ما يسمي بالنمو الطبيعي لها ـ التوسع ـ والمستوطنين بها الذين يبلغ عددهم 270.000 صهيوني ، والثاني ان اللاجئين الفلسطينيين يمكنهم العوده الي الدوله الفلسطينيه. وفي مؤتمر صحفي مع وزير خارجية فرنسا اعلنت ان الدوله الفلسطينيه هي مكان كل الفلسطينيين بما فيهم العرب الموجودون داخل اسرائيل ؟؟ أي ان هناك ترانسفير جديد للعرب اصحاب الارض من ارض فلسطين المحتله قبل 1967 الي ما تبقي من ارض فلسطين المحتله بعد 1967 ، وبالمقابل حق بقاء المستوطنات أي نقل ارض الضفه للملكيه الصهيونيه. ويتوافق مع ما اعلنته ليفني ، "اليقين" التحريضي من ابو مازن لانفجار الحرب الاهليه في غزه ، عندما دعا الشعب الفلسطيني في غزه الي طرد حماس ، فهل يمكن الطرد الا بقوة السلاح ؟؟ وتنشر وسائل الاعلام الاسرائيليه ان ليفني كانت خلال الايام السابقه علي مؤتمر القاهره علي اتصال مع العديد من قادة الدول العربيه لاقناعهم بضرورة الحضور ومنهم دول لا تقيم علاقات مع اسرائيل ، وتنقل الصحف الاسرائيليه عن ليفني أن صوره تنشر لاسرائيل مع الدول الداعمه للسلام خير من نشر صورة امرأة فلسطينيه محتجزه علي احد المعابر وخير من نشر صورة محمد الدره. وتعلن ليفني أن نجاح المؤتمر مؤكد لان امن دولة اسرائيل صار متلازما مع الحل ، ولان العالم والعرب والفلسطينيين أدركوا ان انابوليس مؤتمر لاطلاق ( نفس تعبير الامين العام للجامعه العربيه ) عملية التفاوض الدبلوماسي حول حل الدولتين للشعبين ، وليس نهاية لها ، وان شرط بداية التفاوض تنفيذ خارطة الطريق ، ولتنهي الامر بالحاجه الي تكوين محور للمعتدلين في مواجهة التهديد النووي الايراني. واسرائيل كانت تسأل الطرف الفلسطيني الذي يجلس معهم لوضع "الوثيقه / الاعلان" عن كيف سيعبرون عن الموقف في غزه ، ويبدوا ان ابو مازن في دعوته التحريضيه ضد حماس كان يفي بتعهد غير مكتوب للاسرائيليين. ونقلت بعض الصحف ان بوش كان يرغب بوجود محمد دحلان في اللقاء !!! ايران هي الدوله الوحيده الغير مدعوه ، والتوجه الي دعوة سوريا غايته كما يري المحللون عزلها عن ايران واخراجها من محور الشر ، وانهاء دعمها لحماس والجهاد. ان تقول هذا ليفني وتسعي اليه وتؤكده ، واجبها ، وهو دلالة "يقين" لما يريده الاسرائيليون ، ولكن اننا نريد "قطع الشك باليقين" من انابوليس ، فابشركم انكم لن تدركوا هذا المطلب ، لانكم هناك ستسمعون بعضا مما تريدون ، ولكنكم لن تحصلوا علي شئ ، فقد اعلنت ليفيني ان المؤتمر بالنسبة اليهم نجح ، وان الغاية صورة جديدة غير صورة محمد الدره وبناء محور الاعتدال في مواجهة التهديد النووي الايراني . ويرصد المراقبون للمواجهة مع ايران أن لغة الحرب عادت من جديد لتتصاعد ، بعد ان كانت قد هدأت لمدة اسبوعين ، وفي الوقت ذاته اعلنت ايران انتاجها للوقود النووي اللازم لمفاعل الماء الثقيل. وفي الناحية الاخري مازالت امريكا تعلن ان حزب الله هو الخطر الحقيقي علي لبنان ؟؟ هذا هو بيت القصيد ، أيا ما كانت رغبات كوندليزا رايس ، فتلك رغباتها وحدها ، وليست الهم الرئيسي لاسرائيل او لديك تشيني. ثلاث قضايا هي الآن قلب الامن القومي العربي ، وامكانية غائبه هي صلب قدرة الامن العربي. القضايا الثلاث هي : 1. الصراع العربي الصهيوني ، وهو ليس مجرد ارض استوطنها الصهاينه ، وليس حل الصراع أن يقبلوا بالفلسطينيين الي جوارهم ، ولكن جوهر الصراع هو الانسان العربي الفلسطيني ، داخل الارض المحتله فهو فوق ارضه وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في ملاجئه خارج كل فلسطين له في ارضه حق وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع فوق ارضه وهو مالكها. 2. لبنان العربي المقاوم ، ليس لبنان امراء الحرب ، وهو قلب الامن القومي العربي ، وقوة أصيلة لا تتطلب حلا علي مائدة للقمار او بين كؤوس الراح واموال النفط المنهوبه ، واموال يجري غسيلها بدم اللبنانيين. 3. ايران الشريك الجغرافي والديني والحضاري. والامكانية الغائبه هي الانسان العربي ، الشعب العربي. كتب روبرت فيسك للاندبندنت يوم السبت الماضي 24/11/2007 من بيروت يقول " العالم في الشرق الاوسط يزداد ظلمة ساعة بعد الاخري ، باكستان ، افغانستان ، العراق ، فلسطين ، لبنان. نحن الغربيون نخلق هناك كارثة مروعه ، من المتوسط حتي الهند ، والاسبوع القادم مفترض بنا ان نؤمن بالسلام في انابوليس". مصطفي الغزاوي نشرت بالشرق القطريه 27/11/2007