٢٨‏/١١‏/٢٠٠٧

قطع الشك باليقين ... استراتيجية العرب بانابوليس !

قطع الشك باليقين ... استراتيجية العرب بانابوليس !

تواكب يوم الجمعه الماضي 23/11/2007 حدثان في كل من بيروت والقاهره ، وتميز كل منهما بكونه حدث اللحظة الاخيره ، وان الطرف المباشر علي الجانب الآخر هو امريكا واسرائيل ، وان كلا الحدثين علامة فارقه بين فكر استولت عليه الهزيمه وتوجهه ، وبين ارادة مازالت تقاوم تحت ضجيج الادعاء عليها بانها ارهاب ، ولكنها ارادة الرفض الكامنة في الشعب العربي.

في بيروت كان موعد جلسة مجلس النواب اللبناني لاختيار رئيس للجمهوريه يخلف الرئيس اميل لحود الذي انتهت ولايته ، وفي القاهره كان موعد انعقاد لوزراء خارجيه عرب للنظر في الدعوه المقدمه من الرئيس الامريكي الي مؤتمر انابوليس بشأن امر الدولتين الفلسطينيه والاسرائيليه. وكانت نتيجة وقائع ما جري في بيروت والقاهره ، لصالح امريكا واسرائيل.

لم يتم انتخاب رئيس للبنان واستولت جماعة امريكا علي منصب رئيس الجمهوريه بالانابه ، بالاضافه الي استيلائها علي مجلس وزراء. واقر وزراء الخارجيه العرب قبول دعوة الرئيس الامريكي للاحتشاد في انابوليس.

وفي نهاية اجتماع القاهره عقد مؤتمر صحفي حضره امين الجامعه العربيه ووزير خارجية السعوديه ، ومع تصاعد اسئلة الصحفيين ، قال وزير الخارجيه السعودي ان العرب ذاهبون "كي نقطع الشك باليقين" !!!.

والفصل بين الشك واليقين ، يمكنه ان ينطبق علي مجريات الامور في كلا العاصمتين ، ولكن الشك هو المتاح لنا ، ولا نعرف مرجعية اليقين الذي ينشده العرب من مؤتمر انابوليس. ولان الامران مصيريان ليس لللبنانيين والفلسطينيين وحدهما ، ولكن للامه التي مازالت منذ النكبه تصارع الظروف والحكومات والقوي الدوليه والعدو الصهيوني كي تقول " أننا عرب وأن فلسطين عربيه" ، ودفعت الامه "العربيه" ان كانوا مازالوا يذكرونها ثمن العروبه والاسلام والاستيطان اليهودي فوق ارض فلسطين مرات عديده ، وفي النهاية آلت الامور الي ايدي افراد يسقطون الشعوب من اعتبارهم ، ويقعون صرعي الوهم الآخذ بالعقل ، لتنتهي كافة التضحيات لصالح اسرائيل ، ولينتهي العرب الي حد التمزق ، وفقدان امكانية البناء علي تراكم التضحيات لتغيير ميزان القوي لصالحهم.

ماجري في لبنان منذ 12/7/2006 لا يدفع الي الشك ، ولكن وقائع ماديه فوق الارض ومواقف تجعل الشك هروبا من الحقيقه وتنازلا عن المسئوليه. ولعلنا لو راجعنا مقالات سيمور هيرش عن لبنان والمخطط له ، ثم مقالة اعادة التوجه ، لادركنا اننا امام مخطط متكامل ، قمته هي متوالية التصريحات الاسرائيليه والامريكيه بشأن الدوله اليهوديه ، والشعب الفلسطيني ، والمقاومه الفلسطينيه ، وتجاه المقاومه اللبنانيه وحزب الله :

1. اوضح سيمور هيرش ان العدوان الاسرائيلي علي لبنان وبهذا الحجم ، كان مخططا له قبل واقعة اسر مقاتلي حزب الله للجنديين الاسرائيليين ، والهدف منه تدمير حزب الله وقدراته في اطار المواجهة الكونيه لمحور الشر العربي الاسلامي !.

2. ظلت وزيرة خارجية امريكا ترفض التدخل لوقف العدوان ، لان الشرق الاوسط الجديد يولد من وسط الالام.

3. ادانت بعض الانظمه العربيه موقف حزب الله ، ووصفته بالمغامر.

4. اعلنت الحكومه اللبنانيه تنصلها من رفض العدوان الاسرائيلي ولكنها ادانت حزب الله المقاوم ، وقام قائد معسكر مرجعيون بدعوة الجنود الاسرائيليين لتناول الشاي برعاية " أحمد فتفت " ، لينسحب الجنود اللبنانيون ومعهم بعض اللبنانيين علي طريق قالت الحكومه اللبنانيه انه تم تأمينه لهم ، ولتهاجمهم الطائرات الاسرائيليه من بعدها.

5. ظلت جماعة امريكا في لبنان والتي اطلق عليها "14 آذار" ، تهاجم سلاح المقاومه طوال العمليات ، رغم الهزيمة التي لحقت باسرائيل ، ويخرج فيلسوفها ليسأل الي من سيهدي حزب الله نصره ؟ ، ووصل وزراء الخارجيه العرب الي بيروت ليعقدوا مؤتمرا هناك ، بإذن اسرائيلي. ولم يتمالك رئيس وزراء حكومة لبنان ـ التي تنتصر رغم الالم والثمن الذي دفعه اللبنانيون ـ الا ان يبكي ، وعلام ؟ حتي الآن ليست هناك اجابة الا اذا كان بكاؤه علي حاله بعد هزيمة اسرائيل.

6. وتكاد الدول العربيه أن تقاطع الرجال الذين قاتلوا و ضحوا وانتصروا ، بل وتدينهم.

7. ويخرج علينا المسئولون الاسرائيليون ليعلنوا انهم سيغتالون حسن نصر الله وقيادة حزب الله "العرب ـ المسلمون" ، ويعلن بن اليعاذر انهم "سيغتالون حسن نصر الله حتي وان استعانوا بآخرين" ، ويبلع العرب السنتهم ، ولا ينتابهم شك ولا يحدثوننا عن يقين.

8. ويعود سيمور هيرش الي الصوره ، ويكتب حول اعادة التوجيه ، والاتجاه الي تقسيم العرب الي سنه وشيعه وخلق معسكر المعتدلين السنه في مواجهة المتطرفين العرب من الشيعه ، حسب تصور مجموعة العمل المكونه من "ديك تشيني وبندر بن سلطان وابرامز وزلماي خليل زاده".

9. ومنذ بدأ العدوان علي لبنان ، يخرج رجل اعتبروه بطل التحرير في مواجهة الوجود السوري ، الجنرال عون ، وهو مسيحي ماروني وليس شيعيا ، ليعلن موقفه مع المقاومه ودعمه للمقاتلين وعداؤه لاسرائيل ، صورة حقيقيه للمواطن اللبناني العربي ، وعلي الجانب الآخر تجمع كوندليزا رايس اقطاب "14 آذار" علي مائدة طعام ببيروت ، بينما السلاح الامريكي يدمر لبنان ويقتل ابناءه. ويظل نداء "14 آذار" وحكومة السنيوره حتي اللحظه هو "نزع سلاح حزب الله" ، نداء في مضمونه دعوة للاقتتال.

10. اما السجين بجرم القتل والمفرج عنه بقرار من طاولة الحوار إستعاد موقفه "أميرا للحرب" في مواجهة عروبة لبنان وارادة المقاومة فيه ، موقف اشبه بموقف جاليفر في بلاد العمالقه ، حيث كان قزما يؤول للصفر.

فهل كان ممكنا ان يتحقق في لبنان اختيار لرئيس بالتوافق ، وما حقيقة العيش المشترك ؟ لن تتوقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب الا عندما ينفجر لبنان من الداخل ، لان المقاومه اللبنانيه العربيه ليست محل القبول الامريكي ، والمقاومه اللبنانيه لن تفرط في عقيدتها القتاليه ، والحديث الجاري عن تغيير المواقف للبعض من "14 آذار" تقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب دون ان يصل لتوافق ، ولن يصلوا ، فحزب الله ومن معه هم الهدف ، أما لبنان فهي ساحة الصراع ، والشعب العربي في لبنان هو وقود الصراع.

قال احد موظفي الاداره الامريكيه السابقين ان توجه بوش الي قضية الشرق الاوسط ضعيف جدا ومتأخر جدا !!! ، وهل يتصور حل المواجهه في ثلاث لقاءات بينه وبين الطرفين ؟. واليقين في أمر مؤتمر انابوليس هو ما قالته ليفني وزيرة الخارجيه الاسرائيليه التي كان ابومازن ، والذي يفاوض باسم منظمة ( التحرير ) الفلسطينيه ، يتناول معها طعام مائدة اولمرت ، وهي تتحدث وتتحرك وتمشي بينهمـا ، وبهمـا.

اعلنت ليفني في الكنيست امران ، الاول ان الواقع الذي تشكل علي الارض من بعد 1967 في الضفة الغربيه ليس محل تفاوض ، اي المستوطنات القائمه وحتي ما يسمي بالنمو الطبيعي لها ـ التوسع ـ والمستوطنين بها الذين يبلغ عددهم 270.000 صهيوني ، والثاني ان اللاجئين الفلسطينيين يمكنهم العوده الي الدوله الفلسطينيه.

وفي مؤتمر صحفي مع وزير خارجية فرنسا اعلنت ان الدوله الفلسطينيه هي مكان كل الفلسطينيين بما فيهم العرب الموجودون داخل اسرائيل ؟؟ أي ان هناك ترانسفير جديد للعرب اصحاب الارض من ارض فلسطين المحتله قبل 1967 الي ما تبقي من ارض فلسطين المحتله بعد 1967 ، وبالمقابل حق بقاء المستوطنات أي نقل ارض الضفه للملكيه الصهيونيه.

ويتوافق مع ما اعلنته ليفني ، "اليقين" التحريضي من ابو مازن لانفجار الحرب الاهليه في غزه ، عندما دعا الشعب الفلسطيني في غزه الي طرد حماس ، فهل يمكن الطرد الا بقوة السلاح ؟؟

وتنشر وسائل الاعلام الاسرائيليه ان ليفني كانت خلال الايام السابقه علي مؤتمر القاهره علي اتصال مع العديد من قادة الدول العربيه لاقناعهم بضرورة الحضور ومنهم دول لا تقيم علاقات مع اسرائيل ، وتنقل الصحف الاسرائيليه عن ليفني أن صوره تنشر لاسرائيل مع الدول الداعمه للسلام خير من نشر صورة امرأة فلسطينيه محتجزه علي احد المعابر وخير من نشر صورة محمد الدره.

وتعلن ليفني أن نجاح المؤتمر مؤكد لان امن دولة اسرائيل صار متلازما مع الحل ، ولان العالم والعرب والفلسطينيين أدركوا ان انابوليس مؤتمر لاطلاق ( نفس تعبير الامين العام للجامعه العربيه ) عملية التفاوض الدبلوماسي حول حل الدولتين للشعبين ، وليس نهاية لها ، وان شرط بداية التفاوض تنفيذ خارطة الطريق ، ولتنهي الامر بالحاجه الي تكوين محور للمعتدلين في مواجهة التهديد النووي الايراني.

واسرائيل كانت تسأل الطرف الفلسطيني الذي يجلس معهم لوضع "الوثيقه / الاعلان" عن كيف سيعبرون عن الموقف في غزه ، ويبدوا ان ابو مازن في دعوته التحريضيه ضد حماس كان يفي بتعهد غير مكتوب للاسرائيليين. ونقلت بعض الصحف ان بوش كان يرغب بوجود محمد دحلان في اللقاء !!!

ايران هي الدوله الوحيده الغير مدعوه ، والتوجه الي دعوة سوريا غايته كما يري المحللون عزلها عن ايران واخراجها من محور الشر ، وانهاء دعمها لحماس والجهاد.

ان تقول هذا ليفني وتسعي اليه وتؤكده ، واجبها ، وهو دلالة "يقين" لما يريده الاسرائيليون ، ولكن اننا نريد "قطع الشك باليقين" من انابوليس ، فابشركم انكم لن تدركوا هذا المطلب ، لانكم هناك ستسمعون بعضا مما تريدون ، ولكنكم لن تحصلوا علي شئ ، فقد اعلنت ليفيني ان المؤتمر بالنسبة اليهم نجح ، وان الغاية صورة جديدة غير صورة محمد الدره وبناء محور الاعتدال في مواجهة التهديد النووي الايراني .

ويرصد المراقبون للمواجهة مع ايران أن لغة الحرب عادت من جديد لتتصاعد ، بعد ان كانت قد هدأت لمدة اسبوعين ، وفي الوقت ذاته اعلنت ايران انتاجها للوقود النووي اللازم لمفاعل الماء الثقيل. وفي الناحية الاخري مازالت امريكا تعلن ان حزب الله هو الخطر الحقيقي علي لبنان ؟؟ هذا هو بيت القصيد ، أيا ما كانت رغبات كوندليزا رايس ، فتلك رغباتها وحدها ، وليست الهم الرئيسي لاسرائيل او لديك تشيني.

ثلاث قضايا هي الآن قلب الامن القومي العربي ، وامكانية غائبه هي صلب قدرة الامن العربي. القضايا الثلاث هي :

1. الصراع العربي الصهيوني ، وهو ليس مجرد ارض استوطنها الصهاينه ، وليس حل الصراع أن يقبلوا بالفلسطينيين الي جوارهم ، ولكن جوهر الصراع هو الانسان العربي الفلسطيني ، داخل الارض المحتله فهو فوق ارضه وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في ملاجئه خارج كل فلسطين له في ارضه حق وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع فوق ارضه وهو مالكها.

2. لبنان العربي المقاوم ، ليس لبنان امراء الحرب ، وهو قلب الامن القومي العربي ، وقوة أصيلة لا تتطلب حلا علي مائدة للقمار او بين كؤوس الراح واموال النفط المنهوبه ، واموال يجري غسيلها بدم اللبنانيين.

3. ايران الشريك الجغرافي والديني والحضاري.

والامكانية الغائبه هي الانسان العربي ، الشعب العربي.

كتب روبرت فيسك للاندبندنت يوم السبت الماضي 24/11/2007 من بيروت يقول " العالم في الشرق الاوسط يزداد ظلمة ساعة بعد الاخري ، باكستان ، افغانستان ، العراق ، فلسطين ، لبنان. نحن الغربيون نخلق هناك كارثة مروعه ، من المتوسط حتي الهند ، والاسبوع القادم مفترض بنا ان نؤمن بالسلام في انابوليس".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 27/11/2007

٢٦‏/١١‏/٢٠٠٧

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

شملت المناقشات الاستراتيجيه بين التوأم السيامي ، اسرائيل وامريكا ـ حسب وصف "الوف بن" في صحيفة يديعوت احرونوت ـ في اللقاء الاخير بواشنطون، قضايا دعم المعتدلين ومواجهة محور الشر ووعد الدوله الفلسطينيه والموقف من ايران، ورغم تنوع وجهات النظر بينهما وبعض الاختلافات الا انهما اتفقا علي ان مؤتمر انابوليس لن يؤدي الي اي نتيجه !!.

لقاء انابوليس المزمع عقده في 27 نوفمبر القادم يتسم بظاهرة "الصوت العالي بدون حركه للامام" ، وتضاؤل التوقعات وصل متأخرا للجانب العربي ، فاسرائيل حددت منذ اللحظة الاولي موقفها انه مؤتمر بروتوكولي ، وغير مخصص لمناقشة قضايا ما يسمي بالحل النهائي، وانه بداية التطبيع الكامل بين اسرائيل وباقي الدول العربيه.وبعد اجتماعات متعدده بين اولمرت وابومازن ـ الاول ينتظر تقرير فينوغراد حول الحرب الاخيره والثاني فقد وحدة الموقف الفلسطيني ويغرق في وحل الانقسام الداخلي المسلح ـ إنخفض سقف الاعداد من مناقشة قضايا الوضع النهائي الي وثيقة مشتركه بجدول زمني ، وانتهوا الي الاخذ بما اطلقوا عليه خارطة الطريق الامريكيه، واولي مهامها المستوطنات والمواجهة الامنيه مع المقاومه الفلسطينيه، أي ان اول نتائج انابوليس مواجهة الارهاب الفلسطيني؟ ويصبح الحديث عن السلام او الدولتين مجرد مظله للهدف الاسرائيلي الامريكي الذي قبل به ابومازن.

هذا امرهما معا، اما بالنسبة للحضور:

الداعي الرئيس الامريكي بوش في وضع يعاني فيه انهيارات عديده في حربه علي الارهاب ، وكذبه في العراق ومحاولة استجواب تشيني حول تأثيره علي تقرير المخابرات بشأن العراق وتضليله للامريكيين، والمواجهات الداميه في العراق وافغانستان وحتي الصومال، وانهيار توقعاته في لبنان، والمواجهة القائمه مع ايران، فضلا عن مواجهة مع روسيا بشان اوروبا وهو سيغادر بعد عام، وأخيرا ما الذي يفرض عليه موقفا بشأن القضيه الفلسطينيه وقد تكفل الفسطينيون بأنفسهم؟

واسرائيل تذهب الي اللقاء وعيناها علي غيره، سواء الي الشمال "سوريا ولبنان"، او الي الشرق "ايران" ، او في قطاع غزه، ومن قبل ذلك كله التنافس الداخلي اعدادا للانتخابات القادمه.واذا كانت اسرائيل في مزاد الافراج عن بعض الاسري ـ يتراوح العدد من 400 الي 2000 اسير ـ الفلسطينيين، الا انهم يعدون قانون جديد يشترط موافقة ثلثي اعضاء الكنيست لاقرار اي تعديل بشأن القدس.

ويتزايد الاتجاه في اسرائيل الي تغليب المسار السوري علي ابومازن، ويصل الي القول بان التفاوض افضل من حرب يتبعها بالضرورة تفاوض ، والاتجاه الي سوريا متعدد الابعاد، فهو بعد غارة علي الشمال السوري اعلنت ان آلة الحرب الاسرائيليه لن تتواني في العمل اذا توقعت احتمال خطرمستقبلي غير منظور، والرسالة وصلت سوريا،التي ردت بدورها انها تحتفظ بحقها في الرد، وهذا الاعلان اوجب علي اسرائيل العيش في حالة الترقب المستمر. ثم هو صفقة لمبادله التفاوض حول الجولان بالموقف السوري من حزب الله، وكما يقدر الاسرائيليون ان التفاوض مع سوريا سيؤدي الي "دق إسفين في العلاقات الايرانيه السوريه". ومن بعد ذلك كله فهو تناغم اسرائيلي تركي يتيح للشراكه التركيه الاسرائيليه نموا لتحقيق مناطق نفوذ مشتركه في الشرق الاوسط وسط الغياب العربي الفاعل.

ويسبق ابومازن المؤتمر بجرم سياسي من رئيس السلطه ويحرض اهل غزه علي طرد حماس من القطاع، أي يدعوا الي الحرب الاهليه في القطاع بقرار من السلطه الفلسطينيه.

اليوم التالي للمؤتمر سيكون اشد وطأه علي القضيه، وسيفتح الباب لمواجهة بين السلطه والمقاومه، ويطلق يد اسرائيل لتستبيح كل الشعب الفلسطيني وكل الارض الفلسطينيه.

تقرير البرادعي

لم تجد نفعا حملة اسرائيل ضد الوكاله الدوليه للطاقه الذريه للاغتيال المعنوي لمديرها الدكتور محمد البرادعي ، واصدرت الوكاله تقريرها الذي قدر استجابة ايران وتعاونها وطالبها بمزيد من التعاون واتاحة اللقاء بالافراد المشاركين في برنامجها النووي، وعاجلت الصين التأكيد علي التقرير باعلان عدم حضورها لاجتماع تشاوري كان من المقرر عقده بين الخمس الدائمين بمجلس الامن والمانيا يوم 19 نوفمبر رغم انها عادت وتحت ضغوط شديده بقبول حضور مندوبها الاجتماع " كارهة" كما وصفت الواشنطن بوست، وتبعتها روسيا بوتين بالتقدم بطلب للوكاله للتفتيش علي شحنة وقود نووي مخصصه لمفاعل بوشهر تمهيدا لشحنها الي ايران. ثلاث ضربات للدعاية الامريكيه الاسرائيليه استدعت تصريحا امريكيا "بأن الصين تغلق الباب امام الحل الدبلوماسي" لكونها رفضت مناقشة تصعيد الحصار علي ايران" وعلي الجانب الآخر صرح متحدث اوروبي ان سبب عدم حضور الممثل الصيني هو "بعد المسافه".

ثلاثة مواقف عمليه في مواجهة امريكا وبالتبعيه اسرائيل الا ان الموقف الروسي صار كانفجار قنبلة عنقوديه في مواجهة امريكا:

1. انه قبول بالتقرير، وبالتالي كسر الاجماع بمجلس الامن.

2. ان تطابق الموقفين الروسي والصين يخالف الحرص الامريكي بعدم اتاحة الفرصه لمجموعة شنغهاي لتحقيق وجود سياسي دولي.

3. انه دعم للبرنامج النووي الايراني، لان حديثا دار بعد زيارة بوتين مفاده ان مفاعل بوشهر يحتاج الي وقود خاص يتسق وطبيعته ولم تسلم روسيا مواصفاته لايران ، وان الانطباعات التي خرج بها بوتين من زيارته أن نجاد لا يستطيع ان يتعامل دبلوماسيا وان الرئيس الايراني ينتحر، وعليه فان بوتين لن يصدر الوقود لايران، كان كاتب التقرير ايرانيا بالخارج، واكد القرار الروسي وصف الرئيس احمدي نجاد للمعارضين للبرنامج الايراني "بالماعز".

4. انه دعم ايضا لسياسة الرئيس نجاد في داخل ايران ، في مواجهة "المعتدلين" ، المواجهة التي التقطها الاعلام الغربي ليعلن وجود انشقاق داخلي في ايران.

5. كشف الاكاذيب التي اطلقتها كوندليزا رايس بان امريكا تريد الحوار حلا، فقد فقدت امريكا اعصابها في مواجهة تقرير الوكالة المخوله بالتفتيش، وستتجه بالطبع الي خزان المعلومات الاستخباراتيه ( الذي تتشارك فيه مع الاسرائيليين والفرنسيين والبريطانيين) بشأن ايران لنشهد جلسة أكاذيب مماثلة لجلسه الجنرال باول في مجلس الامن قبل غزو العراق، ويتوقع المراقبون نشر تقرير المخابرات القوميه الامريكيه نهاية نوفمبر، والذي تعطل لثلاث مرات لرغبة ديك تشيني ان يكون تقريرا نظيفا يحتوي علي ما يؤكد وجهة نظرالاداره بشأن ايران وفقط ، وفقد نجروبونتي منصبه بسبب الصراع حوله ليتولي مايك ماكونيل احد عناصر ديك تشيني المهمه .

كسب الدكتور مهندس احمدي نجاد ، وآية الله خامنئي ، وايران هذه الجوله، فماذا يمكن ان يكون من جديد في جعبة امريكا واسرائيل؟

اطلقت الصحافه الغربيه وصفا للحاله الامريكيه "انها سير اثناء النوم الي الحرب" ، ووصل الامر مبكرا للدعوه الي عرض الرئيس الامريكي ونائبه علي الطب النفسي لبحث الصلاحيه، ويبدوا ان كتاب هذه المقالات لا ينتمون الي المستسلمين علي الاطلاق للنظام العالمي الجديد.

وفي اطار النظام العالمي الجديد اعتمدت امريكا الضربات العسكريه للهدم علي ان يتولي البناء آخرون غيرها ، والارتدادات حتي الآن ليست لصالح امريكا في الصومال وافغانستان والعراق ولبنان، وهو ما سيضفي بظلالة علي الخيار الامريكي، فليس من المتوقع ان يقبل المحافظون الجدد الخروج من الاداره الامريكيه وذيلهم بين ارجلهم، ولكن احتمال ان يصيبهم السعار اقرب الي التحقق، هم او/ و إسرائيل، رغم حالة التهدئه في التصريحات التي استمرت عشر ايام قبل تقرير البرادعي ووصلت الي حد القول "علي اسرائيل ان تتعايش مع ايران النوويه"!!

ويبقي ان نحاول قراءة البدائل امام امريكا :

1. القبول بصحة تقرير الوكاله الدوليه، والاتجاه الي حوار ، وهو خيار ضد ارادة المحافظون الجدد ، إن قبلت به امريكا سيبقي سؤال : كيف ستفرضه علي اسرائيل؟

2. تصعيد الحصار المشترك مع فرنسا وبريطانيا وضم المانيا الي الموقف، وهو امر يصيبه الضعف في امتدادات الحدود الايرانيه المتسعه، ويستلزم استخدام القوات الامريكيه لاحكام تنفيذه، ويبقي ما هو رد الفعل الايراني اولا علي مثل هذا القرار، وثانيا ما هو الموقف الروسي والصيني تجاه الحصار بالقوه العسكريه خارج ما يسمي "بالشرعية الدوليه" التي تعني حتي الآن "اطلاق يد امريكا" للفعل والصمت تجاهه؟ خاصة ان مقدمات الموقفين الروسي والصيني تعطي مؤشرات مغايره لحاله الاغماء التي اداروا فيها ظهورهم اثناء حصار السنوات العشر علي العراق ، ثم العدوان عليه.

3. الخروج من المأزق باعادة الحديث عن الدعم الايراني للمتمردين في افغانستان والعراق وحزب الله، واتخاذ قرار بضربة عسكريه للقضاء علي مصادر الاسلحه ومعسكرات الحرس الثوري.

4. أن تتولي اسرائيل الامر مباشرة في مواجهة ايران. والتقارير الاسرائيليه تشير الي امتلاك ايران رأسين حربيتين نوويتين علي الاقل، ورغم ذلك طالب ابراهام هاليفي رئيس الموساد الاسرائيلي السابق بالحوار مع ايران وسوريا ، ويري باراك ان " المحادثات لن توقف الصواريخ ولن تمنعها" ، ويبدل اولمرت من حديثه ليقول امام لجنة العلاقات الخارجيه والدفاع بالكنيست " أن ايران لن تنتج رأسا نوويه في 2009، ومازال امامنا وقت للعمل الدبلوماسي في مواجهة ايران" ، والواقع ان هذا التراوح يخلط بين الاعداد الداخلي لجولة الانتخابات القادمه وبين الموقف الاستراتيجي الاسرائيلي بعدم قبول دوله ذات قدره نوويه بالمنطقه، الامر الذي يستدعي الحذر عند تقدير الموقف الاسرائيلي.

5. الحرب علي الحلفاء، وهو ان تقوم اسرائيل بتنفيذ خطط العمليات تجاه لبنان وسوريا، والاكثر ترجيحا هو الهجوم الاسرائيلي علي الجنوب اللبناني ، خاصة بعد الحديث عن احتمالات انسحاب اليونيفيل فضلا عن عجزها ان هي استمرت، وفشل حكومه السنيوره علي مدي 14 شهرا في الاقتراب من سلاح حزب الله، ونشرت التايمس تحليلا ذكرت فيه علي لسان نائب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق موشي كابلينيسكي قوله" ان ضربه وقائيه ضد حزب الله يجب ان تتم في الوقت المناسب" ويستطرد بوصف العمليه "دخول بري سريع للقوات البريه لاحتلال الجنوب وتدمير امكانات حزب الله وقواعده وتجريده من السلاح، خلال اسابيع او اشهر"، ويضيف "خاصة وان وضع حزب الله السياسي الداخلي مزعزع في مواجهة الحكومه اللبنانيه المواليه لامريكا". ويصطدم هذا باحتمالات رد الفعل خاصة بعد تهديدات حسن نصر الله لاسرائيل بتغيير جوهري في المنطفه.

كل البدائل متاحه، ويبقي سؤال هل ستمضي المواجهه مع ايران وفق قانون النظام العالمي الجديد "القوة العسكريه"، وينفذ تشيني مهمته الاخيره للمحافظين الجدد، أم أن اسرائيل ستسبق الجميع وتحزم امرها وفق استراتيجية عدم القبول بدولة تملك الامكانيه النوويه الي جوارها... قضية الوجود والفناء للكيان الاستيطاني.

في نهاية كتابه المفاوضات السريه كتب الاستاذ هيكل نقلا عن ديجول:

"ليس مهما ما يقوله أحد ، وليس مهما ما يضمره في سره من نوايا ، ولا ما يضع علي الورق من خطط ، المهم في نهاية المطاف شئ واحد. ما هي قدراته ؟ ماذا يستطيع أن يفعل بها ؟ ـ غير ذلك في اعتقادي كلام ... مجرد كلام آخذ به علما ولكن لا أرسم علي أساسه سياسة ."

هكذا تكلم ديجول !

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 20/11/2007