٢٠‏/١٢‏/٢٠٠٧

إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف

إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف

حمام الدم العربي امتد الاسبوع الماضي من الجزائر الي الصومال حتي العراق ليعبرها لباكستان وافغانستان ، نزيف مستمر ، وليس هناك من يمكنه ان يضغط زناد الحقيقه فيما نواجه ، طالما ان امن السلطه ، كما يراه رجال السلطات العربيه ، مستقر غير مخدوش.

لا طائل من المناشدات ، ولا الحكمه اللفظيه ، فقد نجح التردي العربي في صناعة " القتل العربي " ، و "حمام الدم العربي" اصبح هو علامة انتمائنا الي امة واحده ، وصار الانسان العربي مشروع "قتيل" إن هو نجا من مشروع "فقير" ، او "لاجئ" ، او "سجين". وهذه حالة تنبئ بمستقبل اكثر دموية ، وامريكا واسرائيل ، هؤلاء الضاحكون في اكمامهم مما يجري فوق الارض العربيه ، ارادوا هذا بنا ودفعونا للاعتقاد انهم لا يقتلوننا وانهم هم الخير ، واننا نحن الذين لا نملك الا الشر لانفسنا.

أعترف بين ايديكم ، أن دمعات تفجرت مني ، وانا اسمع نبأ مقتل العميد فرانسوا الحاج مدير عمليات الجيش اللبناني ، الرجل الجنوبي ، والذي لا علاقة لي به ، وربما لم اسمع اسمه من قبل ، او مر بي دون ان الحظه، ولكنه من الجيش الذي رفض مهمة المواجهه مع سلاح المقاومه ، ولكونه جنوبي ، فهو يحمل عنوان المعاناة ، ولانه عسكري ، فهو يرتدي زيا ، ويحمل سلاحا تحت علم الوطن ، ويواجه به وبصدر عار عدوا يحاول ان يجلب لكيانه المصطنع الشرعيه بوسيله حرق كل الارض والبشر من حوله. تذكرت الفريق عبد المنعم رياض ، وتذكرت اغنية "اولاد الارض" ، الذين خرجوا من السويس في اعقاب حرب 1967 وهي تقول " يا برتقال يا أخضر يا جديد ... طالت الوقفه وامتي العيد" ... نعم طالت وقفة الشعب العربي علي كل الاصعده ، والارض به تنحدر ، وتتهلل وجوه الساسه والحكام "بأوجه البهجة المستعاره" ، وحكمة "جئناك كي تحقن الدم... جئناك. كن - يا أمير- الحكم " ، ولم اجد امامي سوي ان اردد كلمات امل دنقل "لا تصالح".

من قتل فرانسوا الحاج ؟ ومن قتل آلاف الشهداء فوق الارض العربيه ؟ ، العدو هو القاتل ... أم العجز والهوان العربي هو القاتل ؟ ومن المسئول عن قتل الفلسطينيين في غزة بعد لقاء "الهوان العربي" في مؤتمر بوش ؟ هل هو باراك ام تشيني أم "العدم العربي" ؟. ليس مبحثنا قانونيا او امنيا ، ولكني اري ان القتله الحقيقيين ، هم الذين اسلموا امرنا الي عدونا. فما معني ان يضل "ناطقي العربيه" في لبنان ، ويصبح عدوهم ابناء جلدتهم ، ونصيرهم ساركوزي وديفيد وولش ، ويلتقوا بمبعوثي اولمرت ، ويحرضوا آلة القتل الصهيونيه ، ويأبوا الاعتراف " برجال وطنهم نصرالله وعون وبري وكرامي وفرنجيه ..". وتصبح كلمة التوافق إذنا للعربده وانتهاك اساسيات امن لبنان الوطن ، وانتماؤه العربي ،والارتكان الي مطالب خارجيه أكثر منها مسئولية وحدة الوطن في الداخل.

واذا كان هذا هو لبنان العربي الذي يراه المعتدلون العرب ، فالسؤال أي عرب هم الذين تتوافق رؤاهم مع العدو؟ ولماذا وقف هؤلاء في مواجهة كمب ديفيد وقاطعوا مصر ، وهم اليوم يمضون في ذات الطريق وبثمن بخس يهون فيه الدين قبل ان تهون القوميه ، هم عبء علي العروبه كما كان السادات مفرطا فيها ونزع عن مصر دورها العربي والاقليمي لتنكفئ مصر علي ذاتها وينهار امنها القومي ، وتباع اصولها الاقتصاديه الي الاجنبي ويجري نهب الثروه بعد ضرب الثوره ، ويصبح المواطن العربي في مصر مجرد رقم احصائي ، وتصبح التنميه انصياع لمطالب البنك الدولي وصندوق النقد . القوميه العربيه مشروع حضاري محتواه حريه الارض العربيه ، كل الارض العربيه ، وعروبة العدل الاجتماعي ، وتكافؤ الفرص بين ابناء الشعب الواحد ، ووحدة الارض والشعب والتقدم ، وسط عالم الكيانات الكبيره ، وجشع العولمه ومحاولتها تسييد ابجدية هدفها الاساسي تفريغ المضمون ، وكل المضامين. واتهام كل من يتحدث عن ثوابت الامه في امر قوميتها او دينها ، انه قادم من العصور الحجريه ، وانه بعيد عن لغة العصر ، وتكريس الحالة الاقليميه وفي داخلها الحديث عن بدعة الاقليات ، وضرورات حقوق الانسان وفق الهوي الامريكي الصهيوني. للانسان وفق رؤيتهم الحق في اي شئ الا ان يكون عربيا يسعي الي بناء مستقبله من منظور وطني وقومي ، ومن بعد ذلك لعبة التاريخ الاسود في التفريق بين عناصر الامه او بين طوائفها ومذاهبها ، فهل من يواكب هذه الرؤيه معتدلون عرب ام انهم ورثة "لورانس العرب".

المشهد اللبناني في هذه اللحظه ، ينذر بعواقب خطيره ، ستؤدي وبالفعل العربي ، وفعل الادوات اللبنانيه المستخدمه في الداخل الي تمكين اسرائيل من غاية الانفجار الداخلي في لبنان ، ونحن لا نملك الا الانتظار ، سواء للانفجار الداخلي ، او الموت بمفخخة ، او باجتياح صهيوني. الكل يعمل لصالح اسرائيل ، وهي الوحيده التي تملك هدفا محددا ، وتملك الارادة من خلفه ، ولا يعيقها شئ في سبيل ما تستهدف. أما العرب فليس لديهم هدفا ، والتشتت سمتهم ، والتقلب سلوكهم ، والاقتتال سبيلهم. وكذلك المشهد علي امتداد الوطن العربي كله ، ولا نستثني منه احدا ، الكل مرشح لثورة الجياع ، وثورة الباحثين عن امنهم ، وبايديهم وبعيدا عن نظم الدول ، او حتي جامعة الحكومات التي تعلمت الكيل بمكيالين ، كما الساده في البيت الابيض ، وصار الحديث عن مؤتمر لقمة الحكومات محل نقاش لمجرد انه سيعقد بدمشق ، فمازال موقف دمشق ـ رغم ما يصيب خطوطها الحمر من التواء أحيانا ـ كاشفا للعوار العربي ، شأن موقف حزب الله ـ القابض علي جمرة المقاومه ـ كاشفا للتردي العربي والانحياز الي العدو الصهيوني.

ثلاث قوالب جاهزه لمواجهة اي محاولة للتبصر فيما يجري ، اما انك من اصحاب نظرية المؤامره ، او انك تشيع الاحباط ، وثالثتهم انك ضمن جماعه ارهابيه ولو بالهوي ،او انك من اتباع الرؤيه الشموليه ، ويجري التغييب المتعمد عن امكانية ان تكون عربيا منحازا لامتك ولمصالحها ، فهذا امر جري تفريغه من مضمونه ، واوكل الحديث فيه الي الشرعية الدوليه ، والي الاتحاد الاوربي ، وكأننا امة من الايتام علي مائدة الساده في واشنطن وتل ابيب وبروكسل.

وثلاثة اصابع للاتهام بحثا عن قاتل فرانسوا الحاج ، تشير الي اسرائيل ، التي حاولت قتل الرجل من قبل ، وسمير جعجع ، انتقاما من موقف فرانسوا الحاج من تصرفات القوات اللبنانيه ، وثورة الارز "14 آذار"، التي اعلنت قائمة بالمطلوب عزلهم ومحاكمتهم منذ عام ورددتها جريدة السياسه الكويتيه. ثلاثة في وعاء واحد .... وكأن فرانسوا الحاج يقرأ من أمل دنقل علي مسامع العماد سليمان " هل يصير دمي - بين عينيك - ماءً؟ ....أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء.... تلبس - فوق دمائي - ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟" ، ونعود مرة أخري لنسأل العماد سليمان ، لماذا تقبل ان تكون "حصان طروادة" ... للغلمان واتباع يهوذا ، وانت تتمسك بعقيدة الجيش وتعلم من الذي يحاول فرط العقد في لبنان. إخرج عن صمتك واختار جانب مدير عملياتك ، كن مع لبنان العربي المقاوم.

ثلاثة مقولات اذكرها الآن

اولاها للدكتور احمد صدقي الدجاني في اعقاب حرب 1967 ، وفي النادي السياسي والثقافي بجامعة عين شمس بالقاهره ، وكان الامر عن دول الطوق العربي حول اسرائيل ، وفي الامر اللبناني قال "إن العلاقة بين لبنان وسوريا ذات خصوصية عاليه ، لا احد يستطيع ان يلغيها ، ولا ان يستبدلها".

والثانيه للدكتور احمد شلبي وكتبها بجريدة الجمهوريه القاهريه اوائل الثمانينات "مقاومة الحاكم الظالم واجبه ، ولكن شريطة الحسم ، وعدم السماح بحمامات الدم تحت عناوين دينيه لمواجهة الحاكم الظالم" .

والثالثه بين الجنرال ديجول ، وبومبيدو ، وكان يسيران معا بعد تحرير فرنسا علي طريق النصر ، واذا بديجول ينظر الي بومبيدو قائلا "من فضلك مسافه".

وكأني بالعميد فرانسوا الحاج يقول للعماد سليمان "إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 18/12/2007

خريف الفوضي الامريكيه ... جيتس تاجر وترزي !!

خريف الفوضي الامريكيه ... جيتس تاجر وترزي !!

التقرير الذي قدمته 16 وكالة مخابرات امريكيه حول تقديرها لطبيعة برنامج ايران النووي يثير الريبه ، وليس مؤشرا يبعث علي اليقين بأن تغيرا ما قد حدث. فقد علق سيمور هيرش في السي ان ان بأن "ديك تشيني يعلم بهذا التقرير منذ عام ، ولكنه كان يضع قدمه علي رقبة التقرير علي امل حشد الدعم للحرب علي ايران".

وكان هناك صراعا بين تشيني ـ الذي اصيب بتسارع ضربات القلب قبل صدور التقرير بعدة ايام ـ وبين اجهزة المخابرات الامريكيه علي الا يتضمن التقرير رؤي معارضه لموقف الاداره الامريكيه.

وسارع جون بولتون المندوب الامريكي السابق بالامم المتحده واحد صقور المحافظون الجدد الي وصف التقرير بانه انقلاب علي الرئيس بوش ، وفي مقال له بالواشنطن بوست قارن بين تقرير 2005 وتقرير 2007 والاختلاف الكبير بين التقريرين ، ولينتهي الي انه تقرير بيروقراطي سيتيح لايران امتلاك السلاح النووي ، لان التفريق بين البرنامج السلمي والعسكري حديث مصطنع ، كما ان ايران علقت برنامجها عندما تم غزو العراق ، وان مصادر المعلومات ضعيفه ، والمحللون الذين اعدوه اغلبهم من مطاريد وزارة الخارجيه ، وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهود للضغط علي ايران ينطلق التقرير كطوربيد ليغرق كل الجهود وليتيح لايران تحقيق طموحاتها النوويه العسكريه دون اي مضايقه.

وهو نفس المنحي الذي ذهب اليه كاليت بن ديفيد في الجيروزاليم بوست حول التغير الدراماتيكي بين تقريري 2005 و 2007 ، وماهية المعلومات التي ادت الي اعلان ان ايران علقت برنامجها العسكري ، وكيف تم تحليلها ، ويتساءل عن مبرر اعلان التقرير ، علي خلاف ما كان معروفا من قبل انه لن يعلن حسب قول الادميرال ماك ماكلن ، وايضا تحدث عن البيروقراطيه التي خلصت الي هذه النتائج ، للتخلص من عقدة العراق .

ويعلن اولمرت بعد اجتماع المجلس الوزاري الامني ، " ليس لدينا سبب لتغيير تقديراتنا " ويؤكد " ان ايران ستتمكن من انتاج قنبله نوويه عام 2010 " ويستطرد " ان ايران تواصل تطوير مكونين اساسيين للبرنامج النووي ، الصواريخ البالستيه ، وتخصيب اليورانيوم " ويعلن نائب اولمرت ، حاييم رامون بعد الاجتماع " ما يجب ان نوضحه للعالم ان ايران مصدر للخطر ويجب منعها من الحصول علي السلاح النووي".

ماذا يحدث ؟ سؤال يجب التريث في الاجابة عليه ، خاصة ان وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس حضر مؤتمر امن الخليج الذي عقد بالمنامه ، وتحدث عن " مظله صاروخيه لحماية الخليج من العدوان " ، ويستبعد ان تكون اسرائيل هي المقصوده بهذه المظله " لانها لا تنوي مهاجمة جاراتها ، ولا تدعم الارهاب ، عكس ايران" ، ولم يملك الحضور الا الضحك !! والرد عليه ان دول الخليج تعلم مصالحها !!

وروبرت جيتس هذا له من قبل موقفان ، الاول وهو رئيس للمخابرات الامريكيه ، عندما حدد ان العدو ، هو الشرق وفي القلب منه الاسلام ، ومنذ عام عندما كشف في شهادته امام الكونجرس ان اسرائيل تملك السلاح النووي في محاولته لتفسير لماذا تفكر طهران في امتلاك قنبله نوويه ، وهو ما اغضب اسرائيل في حينها.

ويذكرني روبرت جيتس باعلانات المحلات ، عندما كان الترزي يكتب بخط ضخم علي محله "ترزي" ، أي أنه صانع الملابس ، وعندما يتقدم به العمر ولا تسعفه صحته او المنافسه من حوله ، يحاول ان يعوض عجز الدخل بتجارة الاقمشه ، ويكتب علي محله بخط متواضع " تاجر وترزي " . جيتس جاء الي مؤتمر الامن ، ليس فقط وزيرا للدفاع " الترزي " ، ولكنه جاء مندوبا لمبيعات الاسلحه "التاجر".

ويبقي هل تملك دول المنطقه رفض منطق التاجر والترزي ، ومبرر استبدال مصدر الخطر من كونه اسرائيل ، التي تملك السلاح النووي ، ولم تعتدي علي لبنان الجاره بالاسلحه الامريكيه ، ولا سوريا بالمعاونه الامريكيه ، والتي لا تمارس ارهاب الدوله في الضفه والقطاع وداخل اسرائيل علي عرب 1948 ، الي ان مصدر الخطر هو ايران ؟؟

وتمتد المفارقات الامريكيه الي لبنان ، فهل صارت امريكا تتحدث بلسان المعارضه ، ام انها اكتشفت اكذوبة الموالاة ، ليعلن حامي حمي "14 آذار" السفير الامريكي فيلتمان ، والعدو الاول لسلاح المقاومه ، والراعي لعدوان اسرائيل الصيف الماضي ، يعلن ان سلاح المقاومه ليس مهمة الرئيس القادم ، وتذهب المولاة الي اختيار العماد ميشيل سليمان بعد عودته من القاهره ، وحبوب الشجاعه التي تناولتها الدبلوماسيه المصريه ، ليذهب وزير خارجيتها للبحث في امر الوفاق حول سليمان .

ما يحدث في لبنان ، بعد عجز امريكا ومعها المعتدلون العرب من اعمال قانون ، استبدال الخصومه وجعلها سنيه شيعيه ، بديل عن كونها عربيه لبنانيه في مواجهة اسرائيل ، ما يحدث الآن يمكن تمثيله بتليين العريكه ، ليس الامر وفاقا ، ولكنه الهروب الي الامام ، هو الرقص علي الرمال المتحركه وتسييل المواقف بديلا عن القبول بمعطيات الواقع الحقيقيه . وبديلا عن "أحقية الجنرال عون" بكرسي الرئاسه ، يطرح "الجنرال سليمان رئيسا" توافقيا .

والتمني في عالم السياسة لا مكان له ، ولكن هل يستطيع الجنرال سليمان أن يقرأ الواقع اللبناني جيدا ، ولا يقبل بدور حصان طرواده لاي من الاطراف الداخليه اوالخارجيه ، ويرفض دور المحلل ، بعد طلاق بائن بين من انتصروا للعدوان الصهيوني ، وبين الشعب في لبنان ، هل يمكن للجنرال سليمان الا يكتفي بالزيارات المراسميه وينقل عنه الكلام ، الي تأكيد موقفا وطنيا باعطاء الحق لمستحقه سياسيا ووطنيا ؟

المسأله اللبنانيه ليست توافق حول رئيس ، وليست ملئ الفراغ ، وليست مجرد تعديل دستوري ، ولا مجرد رئيس ماروني ، ولكن المسأله اللبنانيه في حقيقتها ، هي مواجهة جبهة المقاومه ، وتحويل المواجهة الي "عون" بديلا عن سلاح المقاومه . والخطر يبدوا في افق كافة العلاقات ، وكل الخيارات المطروحه حتي الآن . قراران فقط خارج التأثير الخارجي ، قرار "عون" وقرار "نصر الله" ، فهل يملكان معا قدرة الحفاظ علي حلفائهما حتي لا ينزعوا الي الراحه ، فيقبلوا بانصاف الحلول ، ويقبلوا بخصوم الامس حلفاء اليوم ، وهل يملك هؤلاء امكانية النظر في اعين جماهيرهم ان هم بدلوا البندقيه من كتف الي آخر ؟ ام انهم لن يخونوا ذكاءهم وما بذلوه طوال الفترة السابقه.

في كتاب هيكل مدافع آية الله كتب " كانت السياسه الامريكيه في حالة فوضي شامله " في معرض تشخيصه للمواقف المتباينه من شاه ايران داخل الاداره الامريكيه، ونقل عن الامام الخميني حال رفضه للتفاوض مقولة "إن المفاوضات لم تكن سوي خديعه ، حل وسط ، يهدف الي اجهاض الثوره" ، تذكرت هذه المقوله وانا اتابع مواقف الجنرال "عون" ، حيث يبدوا في معبرا عن لبنان المقاومه ، بينما المفاوضات تسعي الي اجهاض المقاومه ، والسياسة الامريكيه اكتوت بالفوضي التي خلقتها ، لن يعيد التاريخ نفسه ، ولكن امريكا يومها تنصلت من الشاه ، ولم تستقبله بعد ان اقترحت عليه الخروج من ايران ، وعاد الامام الخميني رغم كل التهديدات بقتله ، والسبب الرئيسي في ذلك ان الامام الخميني اعتقد في قدرة الشعب عاري الصدر ، فانتصر ، رغم ان من المحيطين به كانوا يرون الامر انتحارا.

الموالاة امامها خياران اما القبول بالجنرال "عون" رئيسا ، او القبول بمبادرته كاملة ، هكذا يمكن منع الانفجار ، ولكن اي انتقاص من المبادره ، حتي وان قبل به "عون" ، سوف يؤدي الي المواجهة لاحقا ، فالفوضي الامريكيه لن تدوم حتي تأتي ادارة اخري ، وليست الفوضي الامريكيه معامل بقاء لجبهة المقاومه ، ولكن ما تحققه جبهة المقاومه بوحدتها وقدرتها علي التمييز بين الخديعه والحقيقه ، واحترام ما تراكم خلال الفتره السابقه من خبرات ، هو طريق خلاص لبنان الشعب والاراده.

الفوضي حاقت بامريكا ، ومن الشرق الاوسط ، الذي شاءت له بالفوضي ان تجدده وفق الهوي الامريكي الصهيوني ، وامتدت الفوضي الي الصومال ، واثيوبيا تعاني هناك ، معاناة الناتو في افغانستان وامريكا في العراق ، وها هو هيوارد رئيس وزراء استراليا يخسر الانتخابات ، ويفقد حتي مقعده ، ويوافق رئيس الوزراء الجديد كيفين رود علي معاهدة التغيرات المناخيه ، ويعلن قراره بسحب جنوده من العراق ، فهل سيقبل المحافظون الجدد بما آل اليه حالهم ، ام ان طبول الحرب مازالت تقرع وان خفتت بعض الشئ ويتصور البعض انها توقفت.

كتب روبرت باير وهو موظف سابق بالمخابرات المركزيه الامريكيه في التايم تحت عنوان "هل كان بوش وراء تقرير طهران" يقول "علي الاقل نحن سعداء حتي الآن بالاخبار الطيبه ان معركة هرمجدون قد تأجلت" .

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 11/12/2007

لا مصافحه .... رابعة اللاءات العربيه !!

لا مصافحه .... رابعة اللاءات العربيه !!

يبدوا من النظرة الاولي ان انابوليس لم يكن كله سوءا ، فاذا كان العرب لا يستطيعون ان يرفضوا للادارة الامريكيه دعوة ، الا ان الرأي العام العربي ، وما عبر عنه المفكرون والصحفيون والنشطاء السياسيون من رأي وتحفظ قد استعاد بعضا من الوعي بشأن فلسطين العرب.

كتبت الصحف العبريه ان المدعوين الي انابوليس ذاهبون للنصفيق لبوش واولمرت وابومازن ، وحددت تسيبورا ليفني (49 عاما)، الشروط ، واعلنت نجاح المؤتمر قبل انعقاده ، وان غايته صوره بديله لصورة محمد الدره ، وبناء جبهة المعتدلين مع اسرائيل وامريكا قي مواجهة ايران ، وان الامن الاسرائيلي ملازم لقيام بانتوستان فلسطيني وليس دوله للتخلص من الفلسطينيين ، ولكن الواضح ان العرب تعاملوا معها علي انها "سالومي" ، ولم يقبلوا منها ان ترقص أمام بوش ورأس فلسطين تدمي تحت قدمي المحافظون الجدد. وخرجت ليفني من المؤتمر ، تشكوا انها ليست مصابه بالجرب حتي لا يتعامل معها العرب ويصافحوها.

وهذا امر لا يدعنا نتصور ان الاهداف الصهيونيه قد هزمت ، ولكنهم يعلمون ان الغالب في التصرفات العربيه هو التلاقي سرا ، والرفض علنا.

الكلمات والمواقف والحجج والقدره علي المناوره علي مائدة التفاوض هي تعبير عن القوه خلف الاطراف ، واطراف الصراع تذهب الي مائدة التفاوض وعند كل منها تقدير لميزان القوي ، توازن كان او تباين ، وايضا تقدير لتوفر ارادة الصراع لدي الطرف الآخر، وتقدير لاهدافه ومداها والي اي حد يتمسك بها ، ثم قدرته علي استخدام الزمن ، هل انقضاء الزمن لصالحه ام هو علي حسابه ، ثم ماذا هو فاعل ان لم يتحقق بالتفاوض الحد الذي يرغبه من تحقيق لاهدافه.

وانابوليس كان تعبيرا مخلا لكل الاطراف في استخدامهم لقضية الشعب والوطن الفلسطيني ، جميعها تهرب من الوحل او الهزيمه او الانقسام ، وهي جميعها تضمر غير ما تعلن ، حتي ان متابعة بسيطه لتصريحات الاطراف الثلاثه ، اصحاب المولد او العرس ، فور انتهاء حفل اليوم الواحد بانابوليس، كانت كاشفة لمرارة الحقيقية كما سبق وكتبناها في مقالات سابقه.

العرب في حالة دفاع عن النفس ، سواء في مواجهة الوجود الصهيوني الاستيطاني فوق ارض فلسطين ، او في مواجهة ما يسمي بالحرب علي الارهاب ، وهي في حقيقتها حسم نهائي لقضيتي القوميه العربيه والحضارة الاسلاميه وبالقوه العسكريه ، وفوق ذلك هم في حالة دفاع عن النفس بشأن التنميه والعدل الاجتماعي ، ولا افصل هنا بين العرب شعوبا او قوي سياسيه او نظم الحكم ، فعندما يكون الخطر خارجيا فهو لا يفرق بين من يحتشدون تحت العلم ، بل يري الجميع هدفا ، مهما كان ذكاء قنابله ، والعرب وفق هذا المدلول امامهم جدول اعمال متسع يتطلب استدعاء كامل للقدره والاراده.

ان محاولة استدعاء اللاءات العربيه الثلاث ، لا صلح لا اعتراف لا تفاوض ، يراها البعض نوعا من الخلل في الاداء والخيارات ، ولكن في الوقت ذاته فان الاعتماد علي لغة جسد (Body Language) كونديليزا رايس لدي مصافحتها للوفد السوري ، كما عبر احد اعضاء الوفد السوري ، هي نوع من الخبل السياسي – ولا املك لفظا آخر يعبر عن الحاله – لن يؤدي الي استرداد الجولان. وعندما تصبح العلاقات بين الدول مرتبطه بلغة الجسد ، تسقط شرعية "حق التحرير".

في اجواء هزيمة يونيو 1967 العسكريه اعلن العرب لاءاتهم الثلاث في مؤتمر الخرطوم ، لكنهم يومها كانت تحكمهم قاعدة انهم خسروا معركة ولم يخسروا الحرب ، ووضعت القدره العربيه بشرا وفكرا وثروة خلف رؤية أن الحرب لم تنتهي ، وارادة عقيدة قتاليه "أن ما اخذ بالقوه لن يسترد بغير القوه" ، وان العالم لا يستمع لمنطق حق ما لم تكن وراءه قوة تدعمه ، وقادرة علي فرضه ان عجزت الدبلوماسيه. ولا يملك العرب بعد اربعون عاما الا رفض المصافحه ، بعد ان اعلنوا ان حرب 1973 هي آخر الحروب ، اي اسقطوا خيار الحرب ، بينما لم تسقطه اسرائيل ، واسقط العرب سلاح البترول ، وتحصل علية اسرائيل من مصر بكرم شديد علي حساب الاقتصاد المصري ، واسقط العرب أن اسرائيل "استعمار استيطاني صهيوني" لفلسطين ، لتعلن اسرائيل انشاء البانتوستان الفلسطيني "لطرد باقي الفلسطينيين" من ارض ماقبل 1948 ، ولتلغي من جدول الاعمال حق العوده للفلسطينيين من ملاجئهم.

وتعلن اسرائيل يوم 2/12/2007 ان الاوامر صدرت بتصعيد العمليات العسكريه ضد غزه ، بعد قطع الامداد بالوقود ، وتعلن ليفني مرة اخري ان انابوليس حرر اسرائيل من بحث القضايا النهائيه ، وأقر التفاوض وفق خارطة الطريق ، وابعد التدخل الدولي في امر التفاوض.

سوريا لبنان ايران العراق فلسطين السودان الصومال، قضايا ساخنه ، علي جدول الاعمال العربي ، تحت عنوان الدفاع المباشر عن الذات ، ويلحق بها قضية الانسان العربي والتنميه ، تحت عنوان بناء الذات.

في مارس القادم تنعقد القمه العربيه الدوريه في دمشق ، ورغم انفضاض الشعب العربي من حول مؤتمرات القمه ، وعدم ثقته في امكانية ان يصدر عنها غير الخلاف العربي ، لكننا سندخل في روعنا بالقوه احتمال ان يكون هناك من يسمع ، ونسأله : لماذا لا تحمل القمه القادمه شعار " المقاومه العربيه " ، وان كان هذا شعارا كليا ، الا انه من الممكن تفصيله الي مهام ، منها ما يسبق الانعقاد تأكيدا علي التوجه ، ومنها ما يتم خلاله.

· لبنان مهمة اولي وعاجله ، فالنصر الذي حققته المقاومه يجب علي العرب استثماره ، ورغم مرور عام ، فما زالت الفرصه قائمه ، لاعادة اللحمه بين العرب ولبنان المقاومه وقد تكون هناك مهام عاجله وواجبه سواء عقد المؤتمر ام لم يعقد ، اذا اراد العرب استرداد قبولا شعبيا بلقاءاتهم:

1. الغاء حالة الرفض المعنوي والسياسي لحزب الله.

2. تحجيم الرعونه السياسيه لجماعة "14 آذار" ، والتي تعتمد علي دعم عربي اكثر منها وجودا مقاوما لصالح لبنان ، وفي الوقت ذاته تنضوي بتهافت مهين تحت وصاية السفير الامريكي.

3. الادراك السياسي والقومي بان "ميشيل عون" هو الرئيس الطبيعي للبنان ، سياسيا وطائفيا ووطنيا وقوميا ، وان الزج باسم ميشيل سليمان قائد الجيش هو هروب من استحقاق يمكن لبنان من مواجهة تحديات لم يختارها ولكن فرضت عليه في غياب عربي مهين. اختيار سليمان سيؤجل الانفجار بعض الوقت ، ولكنه لن يأتي باستقرار يعبر عن القوي الفاعله في الداخل اللبناني قدر تعبيره عن خيارات خارجيه.

ان صلافة وغرور السفير الامريكي ، وارتماء جماعة "14 آذار" في عباءته ، سوف يدفع العرب ثمنه ، وليس اللبنانيون وحدهم . والتغاضي عن افعال حكومة السنيوره سوف يخلق لدينا "ابومازن" جديد.

فهل يتوقف العرب عن الاهتمام المدمر بلبنان ، ويعودوا الي مهام تدعم لبنان المقاوم. لعلهم يستردون ثقة الشعوب في قممهم .

· فلسطين مهمة اخري ، والمهام العاجله تتجاوز السياسه الي العمق الانساني ، فحصار واحتمالات الاجتياح الاسرائيلي لها يجب ان يعلن العرب انهما خطا احمر امام ابومازن واسرائيل ، هذا اذا اراد العرب ويمكنهم ولكنهم لم يجربوه ، وهناك قبل القمة العربيه القادمه ، مؤتمر موسكو او انابوليس 2 ، ويجب اعلام ابومازن أن سلطة البانتوستان الفلسطيني التي ذهبت منفرده الي انابوليس ، ليس مقبولا منها ان تذهب وخلفها دماء فلسطينيه تسيل في غزه ، وان فعل ، فهو بهذا يتحدث عن نفسه وليس عن شعب ومقاومه ، وان موقفا عربيا سوف يتجاوزه ، وهو امر ايضا ممكن للعرب ان ارادوا.

فهل يستعيد العرب حقيقة ان القضيه الفلسطينيه قضية امن قومى عربي ؟

· ايران الشريك الجغرافي والديني والحضاري ، ودعوة احمدي نجاد الي قمة التعاون الخليجيه مثالا جيدا "للشكل" في التعامل ولعله يكتسب "المضمون" ، فلماذا لا تتم دعوة ايران الي لقاء دمشق ؟ خاصة وان خافير سولانا خرج يوم الجمعه الماضي من لقاءه مع سعيد جاليلي في لندن "محبطا" مما يشير الي تزايد احتمالات المواجهة الايرانيه الامريكيه ، خاصة اذا ظلت روسيا والصين علي موقفهما الرافض للحصار ، وقمة مارس تتم في دمشق في توقيت يرشحه المراقبون لان تتم المواجهه الامريكيه الايرانيه اثناءه.

· وتبقي سوريا التي سينعقد علي ارضها اللقاء القادم ، ولم تتعافي من هجمة اسرائيليه في اول سبتمبر الماضي وكانت هدفا لحرب اعلاميه من امريكا واسرائيل وجماعة "14 آذار" ، وينظر اليها انها في جدول الاهداف الامريكيه الاسرائيليه ، ومعها المقاومه وايران ، والعرب ينفضون ايديهم منها ، وهي وسط ذلك كله مازالت تري ان الدبلوماسيه وحدها سبيل استعادة ارضها في الجولان ، ولكنها نجحت في الاكتفاء الذاتي من القمح ، ويمكن ان تصبح خلفها قوة العرب إن اراد العرب ذلك وهم يمكنهم ولكنهم يسعون وبوضوح بالغ لتقديمها قربانا علي المذبح الامريكي الاسرائيلي ، فهل هناك فرصه لعودة الوعي العربي ؟

الازمه العربيه الراهنه ، والممتده منذ اعقاب حرب اكتوبر 1973 ، يمكن للعرب عبورها ان امتلكوا الرغبه والاراده ، ومحاولة عبورها لها ثمن يجب دفعه ، وهو بالقطع وبحساب الربح والخساره للامم الحيه ، ثمن مقبول وممكن ، ويتطلب مواجهة النفس وبصدق والاجابه عن سؤال : الي اين اودت بنا خياراتنا السابقه العكسيه والمناقضه لمصالحنا منذ صمتت المدافع علي جبهتي القناه والجولان ؟

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 5/12/2007