١٦‏/٠١‏/٢٠٠٨

الخطر الكامن ... وألسنه اكلتها القطط

شهدت المنطقه العربيه زيارة ووساطة ، واتسم اللسان العربي انه يقول نصف الكلام والنصف الآخر في بطن الشاعر كما يحب العرب ان يصفوه ، غير ان اللسان الامريكي والصهيوني كان واضحا ومحددا وقاطعا ، وعندما يلوذ البعض بالصمت حيث يجب اعلان المواقف ، نتهم القطط انها اكلت لسانه ، حتي لا نتهمه بالغياب عن الوعي.

الكاتب او الصحفي يجوز له ان يشير الي ما يتصوره خطرا ، او احتمال لخطر ، يقول كلمته ويمضي ، اما رجال الدولة ، فلا يجوز لهم ان يشيروا باحتمالات خطر مبنيه للمجهول الا اذا كان هذا المجهول يلزمهم الاجابة علي سؤال افتراضي : واذا كان هذا الخطر احتمالا قائما فماذا انتم فاعلون ؟ وهو ما لا يملكون له اجابه فيلزمون الحركة داخل الحائط وليس الي جواره.

ورغم ان ما يواجه العرب هي قضايا المصير ، سواء في لبنان او فلسطين او العراق وحتي داخل المجتمعات العربيه لدول غير محتله بالاجنبي الا ان قضايا التنميه والمشاركه وحقوق الشعب العربي ايضا تفرض نفسها وهي جوهر الاعداد لامة يمكن ان نقول انها امة حره ويمكن تقدير وجودها في العالم سواء قبل العالم بالعولمه الامريكيه اي العصر الامبراطوري الامريكي كما يطلقون عليه او رفض العالم عولمة الفقر. غير ان العرب فقدوا البوصله ، او تداخلت عليهم مؤشراتها ، فضاعت منهم ابجدية استراتيجية الامن القومي الواحده ، وفقدوا ادراك ترابط هذا الامن وعلي كل الاصعده ، وعدم صلاحية إجتزاؤه. وإن استطاب العرب هذا الامر فغيرهم يدرك ما يريد ، ويفعل ما هو لازم له.

هكذا بدا حالنا في وقائع الاسبوع المنقضي ، زيارة بوش ، ومبادرة الجامعه العربيه في الشأن اللبناني.

زيارة بوش وما زالت التصريحات الامريكيه والاسرائيليه خلالها تتراكم ، لتبني واقعا جديدا مؤداه:

1- دولتان ، ولكن وفق خارطة الطريق ، وأولي الخطوات ضرب الارهاب ، بمعني القضاء علي المقاومه الفلسطينيه المسلحه.

2- امكان ادخال تعديلات علي الحدود ، وبمعني آخر عدم التعرض للمستوطنات ، والقدس امر مبني للمجهول.

3- تعويض اللاجئين ، وليس عودتهم.

4- اخراج الامم المتحده وقراراتها كمرجعية دوليه من الحساب.

5- ان اتفاقا اسرائيليا فلسطينيا يمكن ان يوقع ، لاقرار ما يصل اليه الاسرائيليون والفلسطينيون.

6- ان علي الدول العربيه دعم ابو مازن ، ودعم الاتفاق الاسرائيلي الفلسطيني ، وفي مواجهة الارهاب.

7- تعيين جنرال امريكي جديد لمتابعة القضاء علي الارهاب ، والمعلن تطبيق خارطة الطريق.

8- ان ايران خطر علي اسرائيل ؟؟؟

9- ثم ان ايران تدعم الارهاب في العالم ، وهي تدعم حزب الله " الارهابي " ، وحماس والجهاد الاسلامي " الارهابيان " ، وكذا تمارس الارهاب في العراق وافغانستان.

10- ومن ناحية اسرائيل ، فرئيس وزراءها يعلن ان ما توصل اليه بوش ، لا معني له اذا لم تحل السلطة ازمة غزة وتقضي علي الارهاب.

اذا الوجود الامريكي وتصريحاته لم يتوقف عند امر الدولتين بل وحدد مداه ، وربط بينه وبين مواجهة الارهاب ، والخطر الايراني الداعم للارهاب.

وليس من الجائز الحديث عن الارهاب ، والاشاره الي مخاطره دون توضيح واجب ، حيث شملت الدعايه الامريكيه كل من ليس معها بمسمي الارهاب ، وحاول العرب علي استحياء ان يقولوا ان هناك فارق بين الكفاح المسلح في مواجهة المحتل وبين الارهاب ، وحينها خرج العرب بتعبير ازدواجية المعايير في الموقف الامريكي ، وان الصورة الامريكيه منحازة للاسرائيلي وتطلق يداه ولا تري اي حق عربي بمقتضاه التاريخي والانساني ووفق القانون الدولي ، غير ان الامريكي والصهيوني نجحا في تعميم تعريفهما ، وسكت العرب عن اتهام حزب الله بالارهابي وعن اتهام الفصائل الفلسطينيه التي مازالت تتعرض لآلة القتل الصهيونيه ، وتتهم بالارهاب. أي ان الرؤيه العربيه سلمت للامريكي والصهيوني بالامر ، ولم يناقش العرب انفسهم عن اسباب ظاهرة السلاح سواء داخل الاقاليم العربيه ، او في جنوب لبنان وفلسطين ، او حتي في العراق والصومال والسودان.

والواجب ان نقول ان محاولة التفريغ مستمره للمضامين العربيه ، حول من هو العدو ؟ ، وهل هم ابناء عمومة ام انهم جماعات مهاجرة استيطانيه ؟ ولعب في هذا الامر السادات لعبة تعتبر هي الانحراف الاستراتيجي العربي الاول ، والذي بمقتضاه صارت كل الاسئله مباحه. وفي امر الانسان العربي ، هل هو صاحب حق ام انه ينتظر احسان ذوي الثروة ، اعطوه او منعوه. ويدخل للمرة الثانيه دور السادات في مواجهة الثورة الايرانيه ليحتضن صديقه شاه ايران والذي لفظته امريكا ، وبديلا عن اعتبار نصر الثوره الاسلاميه قيمة مضافه لحركة التحرر العربي ، تم استعداؤها ، وهكذا ، فالعدو لم يعد مطروحا كعدو ولكنها عقد نفسيه ويجب حلها ، والشعب صار عبئا ، والثوره الايرانيه صارت عدوا ، بل ان حركة التحرر العربي صارت من قصص التاريخ الذي يجري تشويهه. ولم ينجوا جمال عبد الناصر ، واليوم ذكري مولده التسعون ، من حملة التشويه ، وايضا بقيادة انور السادات ، ونسي العرب الخطة صلاح الدين لتحرير الجنوب العربي ودول الخليج ، واسقط العرب من تاريخهم ثوار ظفار وحي كريتر بجنوب اليمن وثورة التحرير الجزائريه، ونسي العرب كيف واجه عبد الناصر وبالجامعة العربيه وبالقوات العربيه محاولات عبد الكريم قاسم الاولي في مواجهة الكويت ، ويومها كانت اتفاقية الدفاع المشترك العربيه قائمه ، وفي حدها الادني ، وهو ماكان له ان يتعاظم في اعقاب حرب 1973 ، ولكن كيسنجر والسادات وأدوا كل هذا ، وصارت اسئلة العرب تمتد الي تحديد الهويه.

وفي اعقاب رحيل عبد الناصر ، جرت محاولات شتي لملئ الفراغ ، واستهوي الامر بعض الرؤساء العرب ، بل واستهوي ابو عمار حينا من الوقت ، ونجحت هذه المحاولات في تفريغ حركة التحرر العربي من زخم شديد تمثل في تحول معظم الكوادر الي نضال من نوع آخر ، صارت فيه تذاكر الطائرات هي وسيلة النضال ، وميكروفونات المؤتمرات بالعواصم ، وليس المقاتلون في الاحراش ، وتدفع فلسطين الثمن ، ومن ثم لبنان.

وبالرغم من هذا كله انتج الواقع العربي ثلاث ظواهر صارت تجربة واداة ومثلا:

1- الانتفاضة الفلسطينيه الاولي ديسمبر1987 ، والثانيه سبتمبر 2000 ، ربطتا الانسان والارض معا ، تجربة توجب اعادة الامر للشعب وليس لجماعة او سلطة مصنوعه علي ايدي العدو ، فالشعب هو الذي يدفع الثمن ، وهو الوحيد صاحب الحق ، واعادت ميزان المفاضله لقاعدته الاساسيه ، من يحمل السلاح دفاعا عن حقه في الوجود وتحرير ارضه ، ومن يمنح رخصة القتل لشعبه ويتلقي القبلات.

2- الفضائيات العربيه التي كسرت الحصار الاعلامي علي الشعب العربي ، والتي كان لقناة "الجزيره" فضل السبق في هذا الاطار ، حتي ان الادارة الامريكيه تضمها ضمن الادوات المعاديه ، وكادت ان تقصف مكاتبها بالدوحه كما كشفت التقارير الامريكيه العام الماضي.

3- المقاومه اللبنانيه وتجربة حزب الله ، المثل الواجب الاقتداء به ، والذي نجح وسط هذا الهزال العربي ان يخوض المواجهة المسلحه مع اسرائيل مرتان ، ويخرج منهما منتصرا.

وغير هذا ، فإن ممارسات الكتل الشعبيه العربيه صارت تؤشر ان مخاضا شعبيا ينضج ولكن ببطئ لا يتناسب وحجم التحديات التي تواجهها دون مخزونها القومي والتاريخي والقوه التي بنتها بعد معركة التحرير.

هذا هو الواقع العربي الحالي ، ولن يجدي في امره أن ننزع الالسنه من فيه القطط ، وليست الالسنه هي الحل ، فعندما يتوعد الامين العام للجامعه لبنان بالخطر إن هو لم ينتخب رئيسا او يخرج علينا رئيسا عربيا بان الخطر يحيق بلبنان ، والدول الاقليميه !!! ان لم تقبل بالمبادره ، فكلاهما لم يحدد لنا مصدر الخطر ، ولماذا ، وعلي من يقع ؟ وماذا هو فاعل في شأنه ؟؟

بوش يتجه الي نهايته رغم انه يتوعدنا بزيارة في مايو ، ولكنه لا يعلم ان كان سيستطيعها ام لا ، وماذا يخبئ له القدر ، ولكن نقول ان اربعة اشهر حتي عودته يمكنها ان تشعل لهيب انتفاضة شعبية فلسطينية جديده ، ليس الحوار بين الفرقاء هو الحل ، فالحوار بين القاعدين والمتسلطين ووفق العجز العربي ، يخدم الاهداف الاسرائيليه والامريكيه ، ولكن دخول الشعب الفلسطيني في المعادله ، واستعادة ظاهرة الاستشهادي التي جمدتها رؤي القيادات هو المتغير الجوهري الذي يفرض علي الجميع استعادة الوعي بحقيقة العدو وطبيعة الصراع ، استدعاء لقوة الضعف في مواجهة عجز الآله العسكريه وحرب الابادة الامريكيه الصهيونيه بحق الشعب العربي في فلسطين.

أما الامين العام لجامعة الدول العربيه ، فله ان يطلب من وزراء الخارجية العرب تحديد الموقف من حزب الله والمقاومه والمعارضه ، هل هم في صراع داخلي في مواجهة "14 آذار" ، ام ان صراعهم مع المشروع الامريكي ، وهل الخطر يتمثل في امتلاك المقاومه قدرة قتال العدو ، ام الخطر في استكمال الحصار علي حزب الله وتعريب المواجهة معه امتدادا لمواقف يوليو 2006 ؟ وله عندها ان يعلن وبوضوح الموقف العربي من ظاهرة المقاومه اللبنانيه واللحمه من حولها ، وليعلن علينا من مع المشروع الامريكي ومن ضده.

أمريكا واسرائيل هما مصدر الخطر ... والشعب العربي والمقاومه هما حائط الصد ... ولنتصارح أداءا وليس كلاما ، في اي معسكر تقفون.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 15/1/2008