جريدة السفير
تاريخ العدد 07/09/2007 العدد 10794
إسرائيـل تمتحـن يقظـة سـوريا بخـرق جـوي لشـمالها
حلمي موسى
بلغ التوتر يوم أمس، ذروته إثر الإعلان عن تصدي الدفاعات الجوية السورية لـ«تسلل» جوي إسرائيلي للقاطع الشمالي الشرقي من الأراضي السورية. وأرفق البيان الرسمي السوري هذا الإعلان الذي أكد إجبار الطائرات المعادية على الفرار، بتوجيه تحذير لإسرائيل يحتفظ لسوريا بحق الرد. وقابل الإعلان السوري نوع من البلبلة والغموض في الموقف الإسرائيلي تدرج من الإنكار إلى التجاهل وصولا لالتزام الصمت. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها ذلك بعد جهود كبيرة من الطرفين لتخفيض حدة التوتر التي كانت تهدد باندلاع حرب بين الدولتين.
وبطبيعة الحال، اثار هذا الانتهاك الاسرائيلي حالة من القلق والترقب بين اللبنانيين، وطرح تساؤلات بينهم حول المغزى منه، وفي هذا التوقيت بالذات... وفيما ساد صمت مريب في العواصم العربية، المدعو بعضها الى محادثات «سلام» مع اسرائيل قريبا، وبعضها الاخر يستعجل مثل هذا التسويات مع الاسرائيليين، كان الموقف الاميركي اكثر اثارة للتساؤلات حيث فضلت واشنطن «عدم التعليق»، في حين عرضت طهران على السوريين تقديم ما يلزم من الدعم.
ونقلت وكالة الانباء السورية (سانا) عن متحدث عسكري سوري قوله «قام الطيران المعادي الاسرائيلي بالتسلل الى الاجواء السورية قادما من جهة البحر المتوسط باتجاه المنطقة الشمالية الشرقية، خارقا جدار الصوت»، مضيفا «تم التصدي له من قبل وسائط الدفاع الجوي التي اجبرته على المغادرة بعد ان القى بعض ذخائره من دون ان يتمكن من إلحاق أي أضرار بشرية او مادية». وتابع ان سوريا «تحذر حكومة العدو الإسرائيلي من هذا العمل العدواني السافر، وتحتفظ لنفسها بحق الرد الذي تراه مناسبا».
وقال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع بعد لقائه نظيره الايطالي ماسيمو داليما ان «الاستفزاز العسكري الاسرائيلي يبرهن على ان اسرائيل، وخلافا لما تدعيه، لا تسعى لايجاد مناخات تمهد للسلام بل تعمل على توتير الاوضاع في المنطقة وعرقلة احتمالات السلام ومحاولات اجهاضها قبل ان تبدأ»، مضيفا ان «التصريحات الاسرائيلية المتناقضة تؤكد هذه المحاولات ولا تنفيها». وشدد الشرع على ان ما حصل أمر «متعمد»، مشيرا الى انه يأمل ان «يأخذ المجتمع الدولي في الحسبان ان اسرائيل تتطلع الى مناخ توتر بهدف تبرير أي حروب في المستقبل».
ومن جهته، قال وزير الاعلام السوري محسن بلال، «هذا يظهر أن اسرائيل لا يمكنها التخلي عن العدوان والغدر» مضيفا ان «القيادة السورية تدرس بجدية طبيعة الرد... على الاعتداء».
البلبلة الإسرائيلية
وأمرت إسرائيل جميع المتحدثين باسمها بالتزام الصمت إزاء «الحادث الغامض» في الأجواء السورية، والتعامل مع الأمر وكأنه لم يكن. وفرضت الرقابة الإسرائيلية تعتيما كاملا على هذا الأمر في وسائل الإعلام، لمنع نشر أي أنباء عنه، خشية تسريب بعض معطياته. وهكذا لم تبق في الواقع سوى الرواية السورية، التي أشارت إلى تسلل طائرات إسرائيلية إلى عمق الأراضي السورية بمحاذاة مثلث الحدود مع تركيا والعراق. وتصدت الدفاعات الجوية السورية للطائرات الإسرائيلية بعدما اكتشفتها، ويقال أن صاروخا واحدا على الأقل أطلق باتجاهها.
ويبدو أن اكتشافها والتصدي لها، ألزم الطائرات بالتخلص في أكثر من موضع من جزء من ذخائرها وخزانات وقودها الإضافية. وفي العادة، لا تتخذ هذه الخطوة إلا في حال اضطرار الطائرات للتخفيف من جزء من حمولتها، بغية امتلاك قدرة أكبر من السرعة والمناورة. غير أن هذه الحمولة تدفع المعلقين للتدقيق في مهمة تلك الطائرات. فإذا كانت للاستطلاع مثلا، فإنها غير مضطرة لحمل هذه الكمية الكبيرة من الذخائر أو الوقود. ولكن إذا كانت للتدريب في مهمة محددة، فإنها تضطر لحمل ذخائر وكأنها في مهمة قتالية مؤكدة.
ومن غير المتوقع أن يكون مثلث الحدود السورية ـ التركية ـ العراقية موضع اهتمام عملياتي إسرائيلي، إلا إذا كان للأمر ارتباطا بالاستعداد أو التدرب على خطوة ضد إيران مثلا. ومن الجائز أن التفكير الإسرائيلي بعمل ضد إيران، بات يستبعد استخدام أي أراض لدول عربية لا تريد إسرائيل التورط سياسيا معها، مثل الأردن أو السعودية. كما يبدو أن الأجواء التركية ليست متاحة كمسار لاستهداف إيران، مما يحصر الاهتمام الإسرائيلي بالأجواء السورية والعراقية. ولا يستبعد مراقبون مطلعون أن تكون الطلعات الإسرائيلية هذه، تدربا على مسار جوي ملائم لاستخدامه عند الاضطرار ضد إيران.
والمسار الذي حلقت فوقه الطائرات الإسرائيلية، جعلها في اقرب نقطة الى ايران، يفصلها عنها كردستان العراق فقط.
غير ان محللين عسكريين رجحوا ان تكون اسرائيل قد نفذت طلعات استطلاع فوق سوريا، لاختبار قوة دفاعاتها الجوية او لمراقبة منشآت الصواريخ بعيدة المدى.
ومن الجائز أن الصمت الإسرائيلي المدوي، يعود إلى وقوع «خلل عملياتي» قاد إلى اكتشاف الطائرات والتصدي لها، ودفع القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية إلى محاولة التظاهر بأن شيئا لم يحدث. واختارت القيادة الإسرائيلية هذا المنهاج لأسباب عديدة، أبرزها أن «الحادث» جرى بعد أيام من إعلان انتهاء حالة التوتر مع سوريا.
غير أن الأمر يتعلق أيضا بالتوقيت، حيث تحتفل إسرائيل بحلول فترة الأعياد التي تبدأ برأس السنة العبرية وتنتهي بعيد الغفران. ومن غير المناسب للقيادة الإسرائيلية أن تظهر أمام مواطنيها، كمن يوشك على إشعال حرب عشية الأعياد، برغم كل الإدعاءات بتخفيض حدة التوتر. كما أنه من غير المناسب الآن الظهور كمن يخطط لأمر ضد طهران، خشية أن يدفع ذلك إلى رد فعل إيراني سريع. تجدر الإشارة إلى أن الإعلان السوري قاد فورا إلى انخفاض قيمة الأسهم في البورصة الإسرائيلية.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، أن التبرير الدائم لتجنب عملية واسعة في قطاع غزة هو الخشية من تعاظم التوتر على الحدود الشمالية. فالتوتر قائم عمليا، وبشدة، بين إسرائيل وسوريا منذ حرب لبنان الثانية. وبدا للكثيرين أن الدولتين جهدتا كثيرا لتجنب الصدام . وازدهرت خلال هذه الفترة نظريات كثيرة تحدثت في غالبيتها عن الخشية من «ســوء الفهم» أو «سوء التقدير» الذي يمكن أن يقـود إلى حرب شاملة.
عموما وبعد ساعات على البيان السوري حول «التسلل الجوي» الإسرائيلي وتصعيد النبرة، يبدو أن التوتر عاد إلى مستواه الاعتيادي. فقد وجهت إسرائيل، عبر عدد من الوسطاء، بينهم القوات الدولية في الجولان، رسائل بأنها غير معنية بالتصعيد. وخفف المسؤولون السوريون من نبرة حديثهم وعادوا للتأكيد على أنهم أيضا غير معنيين بالانجرار للحرب، على الأقل ليس في المكان والزمان الذي تريده إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الأيام المقبلة هي التي ستظهر إذا كان «الحادث» الجوي الإسرائيلي عابرا، أم أنه كان محطة مهمة في «الحوار الحربي» الإسرائيلي السوري. فليس هناك في إسرائيل من يتجاهل حقيقة أن التحليق في الأجواء السورية ليس قرارا يتخذه طيار أو قائد سرب، وإنما يتم بعلم وزير الدفاع ورئيس الحكومة. وحتى إذا كان الأمر إجرائيا، فإنه يعتبر، في ظل التوتر القائم، «تصعيدا مدروسا» إلا إذا كان مجرد «خلل موضعي».
وأشار عدد من المعلقين الإسرائيليين في البداية، إلى غضب في القيادة السياسية على هذا الخلل. وربما لهذا السبب تجنب رئيس الحكومة إيهود أولمرت أمس، الإشارة ولو تلميحا لسوريا، في خطابه لمناسبة رأس السنة العبرية. غير ان القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ذكرت أن أولمرت عقد مداولات أمنية مساء امس، حول الوضع مع سوريا.
من جهته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عمير بيرتس إنه «من السهل التسبب باشتعال حرب ومن الصعب جدا الوصول إلى تهدئة بعد ذلك... آمل أن يتم اتخاذ كل الإجراءات لمنع نشوب حرب في الشمال».
اما النائبة عن حزب «ميرتس» اليساري زهافا غلئون، فطالبت وزير الدفاع ايهود باراك «بكسر صمته» وإطلاع «لجنة الخارجية والدفاع» التابعة للكنيست على حقيقة ما جرى. وقالت«أتساءل ما إذا كانت حكومة إسرائيل قد خرجت عن طورها»، مضيفة أن «مجرى الأحداث خلال حرب لبنان الثانية يحتم على الكنيست أن تشرف بشكل دقيق على كل قرارات الحكومة التي تشعل حربا مع سوريا».
إيران
واتصل وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بنظيره السوري وليد المعلم، معرباً عن إدانة طهران لـ«العدوان الإسرائيلي على حرمة الأجواء السورية».
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية محمد علي حسيني قد قال ان «اهداف تلك... الخطوة الاستفزازية من قبل النظام الصهيوني، تتمثل في تحويل الازمة الداخلية الى مناطق غير فلسطين، ونشر عدم الاستقرار في المنطقة والتغطية على فشلها في حرب الايام الـ33 مع لبنان».
من جهته، «طمأن» السفير الإيراني في دمشق محمد حسن أختري مسؤولين أمنيين سوريين الى «ان إيران مستعدة لتقديم أي مساعدة لسوريا إذا لزم الأمر».
واشنطن وموسكو وأنقرة
وسئل المتحدث باسم البيت الابيض طوني فراتو عن الامر، فاجاب «امتنع عن التعليق» فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية توم كيسي «رأيت تقارير صحافية تزعم فيها سوريا امرا واسرائيل تنفيه، وليس لدي ما اقوله لكم لتأكيدها او نفيها» مضيفا «لا اريد بالتأكيد الادلاء بتعليق حول ما ليس سوى تكهنات حتى الان».
وتابع «لن امضي في التكهن بشأن روايات لا يوجد، بحسب علمي، حتى الآن أي اساس لها في الواقع... سأترك الامر للأطراف لوصف ما حصل. سنترك الامر لهم سيحاولوا تسويته».
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية «اعتقد ان لا احد هنا يشعر بالقلق» من عودة التوتر بين اسرائيل وسوريا.
من جهتها، اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان «ما ورد من أنباء أثار قلقا شديدا لدى موسكو. نأمل في ألا يتفاقم الوضع أكثر، وأن يتخذ الجانب الإسرائيلي الإجراءات التي تكفل عدم تكرار مثل هذه الأحداث».
وفي أنقرة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية ليفانت بيلمان إن «من شأن مثل هذه الحوادث تصعيد التوتر في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة حاليا» معربا عن أمله في أن «يلتزم الجانبان السوري والإسرائيلي الهدوء وضبط النفس».
نيويورك
من جهته، قال المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري لمراسل «السفير»، مشيرا الى التحرك السوري الرسمي في مجلس الأمن الدولي، أن دمشق «تدرس الآن الطريقة المثلى للرد على الاستفزاز الإسرائيلي»، مضيفا أن «الموقف الرسمي السوري سيتحدد في الساعات المقبلة». وتابع «لأن الأمر جلل ومهم، فإن الحكومة تأخذ كل وقتها لدراسته، وحتما سيكون هناك موقف مما حدث»، مشيرا إلى أنه بدأ بالفعل باتصالاته مع الدول الأعضـاء في مجلس الأمن، لإثارة الانتهاك الإسرائيلي للأجواء السورية.
وكانت مصادر مختلفة في مجلس الأمن قد قالت لـ«السفير» ان السوريين لم يطلبوا إثارة الموضوع في مجلس الأمن، برغم أن أعضاءه كانوا مجتمعين امس، لمناقشة الوضع في ليبيريا. وقال مصدر غربي مطلع يمثل دولة عضو في مجلس الأمن، أن المندوب الفرنسي جان موريس ريبير، الذي يرأس المجلس للشهر الحالي، سأل السفراء مرتين إذا كان أيا منهم يرغب في إثارة أي أمر آخر تحت بند قضايا أخرى، كما هو معتاد، ولكن أحدا لم يثير قضية الخرق الاسرائيلي، بما في ذلك المندوب الروسي والمندوب القطري كما كان يتوقع البعض.