٢٨‏/١٢‏/٢٠٠٧

الخروج من الصندوق ... ما العمل ؟

تروي قصة يتداولها الناس في مصر أن حاكما سأله ابنه كيف تحكم هذا الشعب !؟ فطلب الحاكم من ابنه ان يحضر صندوقا به كتاكيت ، وسأله هل تستطيع ان تلقيها علي الارض وتجمعها ؟ واعتبر الابن انه اختبار للسرعه ، والقي الكتاكيت علي الارض ، فتشتت جمعها ، ولم يلحق الابن بها ووجد نفسه ملقي علي الارض ، ونظر لوالده نظرة الخاسر المهينه ، فدعاه اباه للنهوض ، واحضر صندوقا آخر به ايضا كتاكيت ، وقال لابنه انظر ماذا افعل ، واخذ يرج الصندوق بشده ، حتي فقدت الكتاكيت قدرتها علي التوازن للوقوف علي اقدامها ، والقي بها علي الارض ، فلم تبرح مكانها ، واخذ يجمعها ويعيدها الي الصندوق ، وابنه ينظر اليه في دهشه. وبعدما انتهي قال له هل وصلت اليك اجابتي عن سؤال كيف احكم هذا الشعب ؟

وفي العلوم الاداريه وادارة الازمات يوصف المتعاملون مع الازمه بانهم داخل صندوقها ، حيث تتفاعل عناصرها ، وفي اتون التفاعلات ، تختلط الامور ، ويتشعب الفكر بين ما هو مسبب للازمه ، وما هو ناتج عنها ، وتقول الاداره في هذا الشأن ، بوجوب الخروج من الصندوق واعادة الاشياء الي اصولها.

وفيما يجري من حولنا تقفز مقولة الشاعر الهندي تاغور "الصخرة المتدحرجه لا ينبت عليها عشب". وبنظرة سريعة للعناصر المكونه للصورة من حولنا نجد ثلاثة فقط لا ينطبق عليهم وصف الصخرة المتدحرجه " حزب الله والمقاومه اللبنانيه وجبهة المعارضه ، وايران ، واسرائيل " ، ويبدو أن موقف "سوريا وحماس" ، مازال داخل الصندوق أو هو ، في حالة ما قبل التدحرج ، ولم تتم زحزحته بعد وان كانت اجراءات التعويم جاريه عليه للوصول به الي حالة التدحرج بطريقة كيسنجر "الخطوة خطوة" ، والتي اتبعها من قبل مع السادات وآتت نتائجها كما اراد كيسنجر.

والغريب في الامر أن الانظمة العربيه ، والادارة الامريكيه ، تنطبق عليها مقولة تاغور . نجح المخطط الامريكي في اتباع نصيحة الحاكم العربي لابنه ، واستخدامها في كل ما يخص العرب ، ولكن الادارة الامريكيه ، رغم كل مؤسساتها ومراكزها البحثيه والقوه العسكريه الضخمه علما وبشرا ومعدات ، والاعتمادات الماليه التي تجاوت التريليون دولار، رغم كل هذا فقد عمدت بداية القرن الامريكي بنعيق الغربان وفقدت حظها مع رئيسها الذي بات اشبه "بالكتكوت الذي فقد توازنه" ، او كما يطلقون عليه هناك " البطة العرجاء ".

يتعلم الطالب في اول دروس ميكانيكا المواد ، ان الفعل (الحركه) ينشأ عن قوة لها مقدار وتؤثر في اتجاه ، ووصل العلم ايضا الي "نظرية الفوضي" ليخرج منها بقوانين يمكنها وضع معادلة رياضيه لاشكال السحاب في السماء او ما ترسمه حركة الامواج علي رمال الشواطئ من اشكال ، واقر العلم بان ما لا يمكن قياسه فهو غير موجود. هكذا وصلت الحياه ، علم بلا حدود ، وليس كلام بلا مسئوليه. ولو حاولنا قراءة اللاعبين في منطقتنا من منهم تحكمه قوانين الفعل ، او حتي قوانين الفوضي ، ومن هو خارجها ، ربما يمكننا الاجابه علي سؤال لينين الشهير "ما العمل؟".

حسب قوانين الحركه ، الاتجاه اي "الهدف" ، "وقوه" قادره علي التأثير ، وفي حال اعتبار البعد الانساني والاجتماعي ، يدخل معامل الرغبه ، أي "إرادة الفعل" ، وهو يتضمن القبول بدفع الثمن ، او تقدير المخاطر التي تعترض تحقيق الهدف ، وقدرة التعامل معها.

ثلاثة لاعبون نتعرض لمحاولة قياس افعالهم وحركتهم :

اولا : حزب الله والمقاومه اللبنانيه وجبهة المعارضه ، ووضعوا هكذا لاحتواء دوائر الاهداف الثلاث "الموقف من الكيان الصهيوني وبالتبعيه المهمه القوميه ، والمهمه الوطنيه في مواجهة هذا العدو ، ثم الموقف في الدوله اي الموقف السياسي الداخلي".

حزب الله يدرك ان الكيان الصهيوني استعمار استيطاني ، وان فلسطين عربيه والقدس عربيه وان الكيان الصهيوني يسعي الي فرض نفوذه ، وان مطامعه في الارض والماء والبشر والهيمنه لا حدود لها وليس لها من رادع الا القوه ، وفي كل المهام المترتبه علي طبيعة الصراع ، لا يفهم العدو الا منطق القوه ، ورغم طبيعة الظروف المحيطه اقليميا وعالميا وحتي فلسطينيا ، فان الاعداد لما هو قادم ، وهو صدام بالحرب ، يوجب ضرورات الاعداد وفق العلم ، وبكل ما يمكن ان يكون متاحا من ادوات و تحالفات لا تصادر القرار ولكنها تمكن من بناء القوه وتدعمها. ولان الحرب ليست مجردة من البشر ، فالاصل هو الانسان وعليه فإن البيئه المحيطة يجب ان تملك ذات العقيده القتاليه. وترتيبا علي تجربة المواجهة العسكريه الصيف الماضي ، ثم الانتقال السلس من العمل العسكري الي العمل الاجتماعي فور وقف اطلاق النار ، اعطي مصداقية التوازن.

اي ان هناك ما يمكن قياسه ، فهو بالتالي فاعل ، له هدف ، يوفر له الامكانات ، يرغب في تحقيقه اي انه يمتلك الاراده ، ودفع الثمن ، اي قبل بالمخاطرة التي يفرضها عليه خياره ، رغم ان فعله في الصيف الماضي كان قبولا بالتحدي الذي فرضه عليه العدو ، وهو امر يعظم من قيمة ما تم.

وتنضوي العناصر الاخري من المقاومه اللبنانيه ضمن ذات الاطار الوطني للتحليل ، وان لم تعلن كامل استراتيجية المواجهة مع العدو الصهيوني. وفي هذا الاطار يصبح الحديث عن سلاح المقاومه ، نوعا من الهرطقه ، وموقف حزب الله من سلاح المقاومه هو موقف الوجود من العدم.

وتبقي جبهة المعارضه والتي اثبتت ان هدفها في المشاركه بالحكم واضح ، وان العدو هو الكيان الصهيوني ، وان الوطن لن يكون آمنا الا بالقدره علي مواجهة العدو ، وان المقاومه "حق وواجب" ، وان الخارج ، اي خارج له مصالحه ، وقوة المعارضه تتمثل في قدرتها علي الحشد ، ومصداقية تقييم الآخرين. وما يضاف لحسابها انها لم تفقد الطريق ما بعد حرب يوليو 2006 ، رغم الضغوط الخارجيه ، ورغم القرصنه الداخليه.

وكانت تهديدات بوش الاخيره معيار القياس علي الوجود والحركه معا ، ولعل هذا الطرف الفاعل ، قرأ تهديد بوش ونفاذ صبره وحسب كافة الاحتمالات ، ولكنه عاجل برد الفعل علي ماهو سياسي. امر آخر يمكن قياسه ، فهو موجود.

ثانيا : ايران ، ليس الحساب في الشأن الايراني ، حساب الحرب قادمه ام لا ، ولكن البحث هل هي طرف موجود وفاعل ، وهل هناك ما يمكن قياسه ؟. الاجابه نعم ، حيث اعلنت ايران ان انتاج الكهرباء من محطة بوشهر النوويه يبدأ في 21 مارس 2008 (الموعد الذي كان يري المراقبون ان الهجوم الامريكي الاسرائيلي يمكن ان يحدث خلاله) ، وهذا امرا يمكن قياسه. وقيمته ان لايران رؤيه واتجاه هو الوصول الي التكنولوجيا النوويه ، وما يستتبعها علي كافة المحاور ، وانها لن تكتفي باستخدام الطاقه النوويه لمحطات توليد الكهرباء بل ستذهب الي تخصيب اليورانيوم ، وهو ما ذهبت اليه ومحور الصراع ، وخاضت فيه معركة شرسه دبلوماسيا ، وقبلت فيه بمخاطر المواجهة العسكريه مع امريكا ، ووصل رئيسها احمدي نجاد الي اعلان الموقف الايراني من اسرائيل ، وان علي الغرب ان يأخذهم الي اوروبا ليقيموا هناك ، وان فلسطين والقدس ليست مكانا لهم.

الي هذا الحد وصل التحدي الايراني ، ولكن ايران استخدمت كل ما تملك فيه ، ولانها تعلم انها بصدد مواجهة عسكريه ، فتكاد تكون ايران دولة تحت السلاح ، لا مكان للترف ، ولا مكان لصراعات الصغار. هدف وقوه من وراءه وعقيدة تحميه وشعب يحتضن الاداء .. هي طرف فاعل ، يمكن قياس نتائج الاداء فهي طرف موجود وليس العدم.

ثالثا : اسرائيل ، الحديث هنا حول ما تديره اسرائيل وتفعله في اطار تصور تملكه ، وتبدو اسرائيل انها الدوله الوحيده التي تملك سلاحا نوويا قابلا للاستخدام ، وهي الدوله الوحيده التي اسقطت من الاعتبار ، القانون الدولي ، او حكمة "ماذا يريد ان يسمع العالم فنقوله له" ، ووضعت قاعدة اساسيه لوجودها ، ان ما يتطلبه هذا الوجود يجب توفيره ، وبأي ثمن. واسرائيل هي دولة تحت السلاح ، ولا تخفي ذلك. وهي تذهب الي كل الاتجاهات وبكل الوسائل ، مفاوضات ، حرب ، حشد العالم الغربي ، قتل ، بناء حائط شارون الممتد 700 كيلومتر ، الحفر تحت الاقصي ، الحصار ، بناء المستوطنات في الارض المحتله بعد 1967 ، بل ايضا وبوضوح الفصل الواضح بين العرب وفلسطين. كل هذا موجود ويجري الحشد من وراءه وليس هناك ترف الكلام ، بل اجندة عمليات عسكريه وسياسيه واستيطانيه ، وابعد من ذلك فقد وجدت لنفسها مكانا فوق جغرافيا المواجهه القادمه ، حرب المياه. هي طرف فاعل ، يمكن قياس نتائج اداءه فهي طرف موجود وليست العدم.

ثلاثة اطراف يمكن وصفهم انهم اطراف فاعلة ،لان هناك ناتج يمكن قياسه لادائهم ، ولاننا نري لهم اهدافا واضحه ، قبل بها العالم ام لم يقبل ، ولكن الاهم توافر ارادة الفعل ومقوماته ، وإعمال هذه الاراده لتحقيق الاهداف.

هذه محاولة للاقتراب من الاجابه عن سؤال ما العمل ؟ وللحديث بقية انشاء الله.

مصطفي الغزاوي

نشر بالشرق القطريه 25/12/2007

٢٠‏/١٢‏/٢٠٠٧

إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف

إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف

حمام الدم العربي امتد الاسبوع الماضي من الجزائر الي الصومال حتي العراق ليعبرها لباكستان وافغانستان ، نزيف مستمر ، وليس هناك من يمكنه ان يضغط زناد الحقيقه فيما نواجه ، طالما ان امن السلطه ، كما يراه رجال السلطات العربيه ، مستقر غير مخدوش.

لا طائل من المناشدات ، ولا الحكمه اللفظيه ، فقد نجح التردي العربي في صناعة " القتل العربي " ، و "حمام الدم العربي" اصبح هو علامة انتمائنا الي امة واحده ، وصار الانسان العربي مشروع "قتيل" إن هو نجا من مشروع "فقير" ، او "لاجئ" ، او "سجين". وهذه حالة تنبئ بمستقبل اكثر دموية ، وامريكا واسرائيل ، هؤلاء الضاحكون في اكمامهم مما يجري فوق الارض العربيه ، ارادوا هذا بنا ودفعونا للاعتقاد انهم لا يقتلوننا وانهم هم الخير ، واننا نحن الذين لا نملك الا الشر لانفسنا.

أعترف بين ايديكم ، أن دمعات تفجرت مني ، وانا اسمع نبأ مقتل العميد فرانسوا الحاج مدير عمليات الجيش اللبناني ، الرجل الجنوبي ، والذي لا علاقة لي به ، وربما لم اسمع اسمه من قبل ، او مر بي دون ان الحظه، ولكنه من الجيش الذي رفض مهمة المواجهه مع سلاح المقاومه ، ولكونه جنوبي ، فهو يحمل عنوان المعاناة ، ولانه عسكري ، فهو يرتدي زيا ، ويحمل سلاحا تحت علم الوطن ، ويواجه به وبصدر عار عدوا يحاول ان يجلب لكيانه المصطنع الشرعيه بوسيله حرق كل الارض والبشر من حوله. تذكرت الفريق عبد المنعم رياض ، وتذكرت اغنية "اولاد الارض" ، الذين خرجوا من السويس في اعقاب حرب 1967 وهي تقول " يا برتقال يا أخضر يا جديد ... طالت الوقفه وامتي العيد" ... نعم طالت وقفة الشعب العربي علي كل الاصعده ، والارض به تنحدر ، وتتهلل وجوه الساسه والحكام "بأوجه البهجة المستعاره" ، وحكمة "جئناك كي تحقن الدم... جئناك. كن - يا أمير- الحكم " ، ولم اجد امامي سوي ان اردد كلمات امل دنقل "لا تصالح".

من قتل فرانسوا الحاج ؟ ومن قتل آلاف الشهداء فوق الارض العربيه ؟ ، العدو هو القاتل ... أم العجز والهوان العربي هو القاتل ؟ ومن المسئول عن قتل الفلسطينيين في غزة بعد لقاء "الهوان العربي" في مؤتمر بوش ؟ هل هو باراك ام تشيني أم "العدم العربي" ؟. ليس مبحثنا قانونيا او امنيا ، ولكني اري ان القتله الحقيقيين ، هم الذين اسلموا امرنا الي عدونا. فما معني ان يضل "ناطقي العربيه" في لبنان ، ويصبح عدوهم ابناء جلدتهم ، ونصيرهم ساركوزي وديفيد وولش ، ويلتقوا بمبعوثي اولمرت ، ويحرضوا آلة القتل الصهيونيه ، ويأبوا الاعتراف " برجال وطنهم نصرالله وعون وبري وكرامي وفرنجيه ..". وتصبح كلمة التوافق إذنا للعربده وانتهاك اساسيات امن لبنان الوطن ، وانتماؤه العربي ،والارتكان الي مطالب خارجيه أكثر منها مسئولية وحدة الوطن في الداخل.

واذا كان هذا هو لبنان العربي الذي يراه المعتدلون العرب ، فالسؤال أي عرب هم الذين تتوافق رؤاهم مع العدو؟ ولماذا وقف هؤلاء في مواجهة كمب ديفيد وقاطعوا مصر ، وهم اليوم يمضون في ذات الطريق وبثمن بخس يهون فيه الدين قبل ان تهون القوميه ، هم عبء علي العروبه كما كان السادات مفرطا فيها ونزع عن مصر دورها العربي والاقليمي لتنكفئ مصر علي ذاتها وينهار امنها القومي ، وتباع اصولها الاقتصاديه الي الاجنبي ويجري نهب الثروه بعد ضرب الثوره ، ويصبح المواطن العربي في مصر مجرد رقم احصائي ، وتصبح التنميه انصياع لمطالب البنك الدولي وصندوق النقد . القوميه العربيه مشروع حضاري محتواه حريه الارض العربيه ، كل الارض العربيه ، وعروبة العدل الاجتماعي ، وتكافؤ الفرص بين ابناء الشعب الواحد ، ووحدة الارض والشعب والتقدم ، وسط عالم الكيانات الكبيره ، وجشع العولمه ومحاولتها تسييد ابجدية هدفها الاساسي تفريغ المضمون ، وكل المضامين. واتهام كل من يتحدث عن ثوابت الامه في امر قوميتها او دينها ، انه قادم من العصور الحجريه ، وانه بعيد عن لغة العصر ، وتكريس الحالة الاقليميه وفي داخلها الحديث عن بدعة الاقليات ، وضرورات حقوق الانسان وفق الهوي الامريكي الصهيوني. للانسان وفق رؤيتهم الحق في اي شئ الا ان يكون عربيا يسعي الي بناء مستقبله من منظور وطني وقومي ، ومن بعد ذلك لعبة التاريخ الاسود في التفريق بين عناصر الامه او بين طوائفها ومذاهبها ، فهل من يواكب هذه الرؤيه معتدلون عرب ام انهم ورثة "لورانس العرب".

المشهد اللبناني في هذه اللحظه ، ينذر بعواقب خطيره ، ستؤدي وبالفعل العربي ، وفعل الادوات اللبنانيه المستخدمه في الداخل الي تمكين اسرائيل من غاية الانفجار الداخلي في لبنان ، ونحن لا نملك الا الانتظار ، سواء للانفجار الداخلي ، او الموت بمفخخة ، او باجتياح صهيوني. الكل يعمل لصالح اسرائيل ، وهي الوحيده التي تملك هدفا محددا ، وتملك الارادة من خلفه ، ولا يعيقها شئ في سبيل ما تستهدف. أما العرب فليس لديهم هدفا ، والتشتت سمتهم ، والتقلب سلوكهم ، والاقتتال سبيلهم. وكذلك المشهد علي امتداد الوطن العربي كله ، ولا نستثني منه احدا ، الكل مرشح لثورة الجياع ، وثورة الباحثين عن امنهم ، وبايديهم وبعيدا عن نظم الدول ، او حتي جامعة الحكومات التي تعلمت الكيل بمكيالين ، كما الساده في البيت الابيض ، وصار الحديث عن مؤتمر لقمة الحكومات محل نقاش لمجرد انه سيعقد بدمشق ، فمازال موقف دمشق ـ رغم ما يصيب خطوطها الحمر من التواء أحيانا ـ كاشفا للعوار العربي ، شأن موقف حزب الله ـ القابض علي جمرة المقاومه ـ كاشفا للتردي العربي والانحياز الي العدو الصهيوني.

ثلاث قوالب جاهزه لمواجهة اي محاولة للتبصر فيما يجري ، اما انك من اصحاب نظرية المؤامره ، او انك تشيع الاحباط ، وثالثتهم انك ضمن جماعه ارهابيه ولو بالهوي ،او انك من اتباع الرؤيه الشموليه ، ويجري التغييب المتعمد عن امكانية ان تكون عربيا منحازا لامتك ولمصالحها ، فهذا امر جري تفريغه من مضمونه ، واوكل الحديث فيه الي الشرعية الدوليه ، والي الاتحاد الاوربي ، وكأننا امة من الايتام علي مائدة الساده في واشنطن وتل ابيب وبروكسل.

وثلاثة اصابع للاتهام بحثا عن قاتل فرانسوا الحاج ، تشير الي اسرائيل ، التي حاولت قتل الرجل من قبل ، وسمير جعجع ، انتقاما من موقف فرانسوا الحاج من تصرفات القوات اللبنانيه ، وثورة الارز "14 آذار"، التي اعلنت قائمة بالمطلوب عزلهم ومحاكمتهم منذ عام ورددتها جريدة السياسه الكويتيه. ثلاثة في وعاء واحد .... وكأن فرانسوا الحاج يقرأ من أمل دنقل علي مسامع العماد سليمان " هل يصير دمي - بين عينيك - ماءً؟ ....أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء.... تلبس - فوق دمائي - ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟" ، ونعود مرة أخري لنسأل العماد سليمان ، لماذا تقبل ان تكون "حصان طروادة" ... للغلمان واتباع يهوذا ، وانت تتمسك بعقيدة الجيش وتعلم من الذي يحاول فرط العقد في لبنان. إخرج عن صمتك واختار جانب مدير عملياتك ، كن مع لبنان العربي المقاوم.

ثلاثة مقولات اذكرها الآن

اولاها للدكتور احمد صدقي الدجاني في اعقاب حرب 1967 ، وفي النادي السياسي والثقافي بجامعة عين شمس بالقاهره ، وكان الامر عن دول الطوق العربي حول اسرائيل ، وفي الامر اللبناني قال "إن العلاقة بين لبنان وسوريا ذات خصوصية عاليه ، لا احد يستطيع ان يلغيها ، ولا ان يستبدلها".

والثانيه للدكتور احمد شلبي وكتبها بجريدة الجمهوريه القاهريه اوائل الثمانينات "مقاومة الحاكم الظالم واجبه ، ولكن شريطة الحسم ، وعدم السماح بحمامات الدم تحت عناوين دينيه لمواجهة الحاكم الظالم" .

والثالثه بين الجنرال ديجول ، وبومبيدو ، وكان يسيران معا بعد تحرير فرنسا علي طريق النصر ، واذا بديجول ينظر الي بومبيدو قائلا "من فضلك مسافه".

وكأني بالعميد فرانسوا الحاج يقول للعماد سليمان "إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 18/12/2007

خريف الفوضي الامريكيه ... جيتس تاجر وترزي !!

خريف الفوضي الامريكيه ... جيتس تاجر وترزي !!

التقرير الذي قدمته 16 وكالة مخابرات امريكيه حول تقديرها لطبيعة برنامج ايران النووي يثير الريبه ، وليس مؤشرا يبعث علي اليقين بأن تغيرا ما قد حدث. فقد علق سيمور هيرش في السي ان ان بأن "ديك تشيني يعلم بهذا التقرير منذ عام ، ولكنه كان يضع قدمه علي رقبة التقرير علي امل حشد الدعم للحرب علي ايران".

وكان هناك صراعا بين تشيني ـ الذي اصيب بتسارع ضربات القلب قبل صدور التقرير بعدة ايام ـ وبين اجهزة المخابرات الامريكيه علي الا يتضمن التقرير رؤي معارضه لموقف الاداره الامريكيه.

وسارع جون بولتون المندوب الامريكي السابق بالامم المتحده واحد صقور المحافظون الجدد الي وصف التقرير بانه انقلاب علي الرئيس بوش ، وفي مقال له بالواشنطن بوست قارن بين تقرير 2005 وتقرير 2007 والاختلاف الكبير بين التقريرين ، ولينتهي الي انه تقرير بيروقراطي سيتيح لايران امتلاك السلاح النووي ، لان التفريق بين البرنامج السلمي والعسكري حديث مصطنع ، كما ان ايران علقت برنامجها عندما تم غزو العراق ، وان مصادر المعلومات ضعيفه ، والمحللون الذين اعدوه اغلبهم من مطاريد وزارة الخارجيه ، وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهود للضغط علي ايران ينطلق التقرير كطوربيد ليغرق كل الجهود وليتيح لايران تحقيق طموحاتها النوويه العسكريه دون اي مضايقه.

وهو نفس المنحي الذي ذهب اليه كاليت بن ديفيد في الجيروزاليم بوست حول التغير الدراماتيكي بين تقريري 2005 و 2007 ، وماهية المعلومات التي ادت الي اعلان ان ايران علقت برنامجها العسكري ، وكيف تم تحليلها ، ويتساءل عن مبرر اعلان التقرير ، علي خلاف ما كان معروفا من قبل انه لن يعلن حسب قول الادميرال ماك ماكلن ، وايضا تحدث عن البيروقراطيه التي خلصت الي هذه النتائج ، للتخلص من عقدة العراق .

ويعلن اولمرت بعد اجتماع المجلس الوزاري الامني ، " ليس لدينا سبب لتغيير تقديراتنا " ويؤكد " ان ايران ستتمكن من انتاج قنبله نوويه عام 2010 " ويستطرد " ان ايران تواصل تطوير مكونين اساسيين للبرنامج النووي ، الصواريخ البالستيه ، وتخصيب اليورانيوم " ويعلن نائب اولمرت ، حاييم رامون بعد الاجتماع " ما يجب ان نوضحه للعالم ان ايران مصدر للخطر ويجب منعها من الحصول علي السلاح النووي".

ماذا يحدث ؟ سؤال يجب التريث في الاجابة عليه ، خاصة ان وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس حضر مؤتمر امن الخليج الذي عقد بالمنامه ، وتحدث عن " مظله صاروخيه لحماية الخليج من العدوان " ، ويستبعد ان تكون اسرائيل هي المقصوده بهذه المظله " لانها لا تنوي مهاجمة جاراتها ، ولا تدعم الارهاب ، عكس ايران" ، ولم يملك الحضور الا الضحك !! والرد عليه ان دول الخليج تعلم مصالحها !!

وروبرت جيتس هذا له من قبل موقفان ، الاول وهو رئيس للمخابرات الامريكيه ، عندما حدد ان العدو ، هو الشرق وفي القلب منه الاسلام ، ومنذ عام عندما كشف في شهادته امام الكونجرس ان اسرائيل تملك السلاح النووي في محاولته لتفسير لماذا تفكر طهران في امتلاك قنبله نوويه ، وهو ما اغضب اسرائيل في حينها.

ويذكرني روبرت جيتس باعلانات المحلات ، عندما كان الترزي يكتب بخط ضخم علي محله "ترزي" ، أي أنه صانع الملابس ، وعندما يتقدم به العمر ولا تسعفه صحته او المنافسه من حوله ، يحاول ان يعوض عجز الدخل بتجارة الاقمشه ، ويكتب علي محله بخط متواضع " تاجر وترزي " . جيتس جاء الي مؤتمر الامن ، ليس فقط وزيرا للدفاع " الترزي " ، ولكنه جاء مندوبا لمبيعات الاسلحه "التاجر".

ويبقي هل تملك دول المنطقه رفض منطق التاجر والترزي ، ومبرر استبدال مصدر الخطر من كونه اسرائيل ، التي تملك السلاح النووي ، ولم تعتدي علي لبنان الجاره بالاسلحه الامريكيه ، ولا سوريا بالمعاونه الامريكيه ، والتي لا تمارس ارهاب الدوله في الضفه والقطاع وداخل اسرائيل علي عرب 1948 ، الي ان مصدر الخطر هو ايران ؟؟

وتمتد المفارقات الامريكيه الي لبنان ، فهل صارت امريكا تتحدث بلسان المعارضه ، ام انها اكتشفت اكذوبة الموالاة ، ليعلن حامي حمي "14 آذار" السفير الامريكي فيلتمان ، والعدو الاول لسلاح المقاومه ، والراعي لعدوان اسرائيل الصيف الماضي ، يعلن ان سلاح المقاومه ليس مهمة الرئيس القادم ، وتذهب المولاة الي اختيار العماد ميشيل سليمان بعد عودته من القاهره ، وحبوب الشجاعه التي تناولتها الدبلوماسيه المصريه ، ليذهب وزير خارجيتها للبحث في امر الوفاق حول سليمان .

ما يحدث في لبنان ، بعد عجز امريكا ومعها المعتدلون العرب من اعمال قانون ، استبدال الخصومه وجعلها سنيه شيعيه ، بديل عن كونها عربيه لبنانيه في مواجهة اسرائيل ، ما يحدث الآن يمكن تمثيله بتليين العريكه ، ليس الامر وفاقا ، ولكنه الهروب الي الامام ، هو الرقص علي الرمال المتحركه وتسييل المواقف بديلا عن القبول بمعطيات الواقع الحقيقيه . وبديلا عن "أحقية الجنرال عون" بكرسي الرئاسه ، يطرح "الجنرال سليمان رئيسا" توافقيا .

والتمني في عالم السياسة لا مكان له ، ولكن هل يستطيع الجنرال سليمان أن يقرأ الواقع اللبناني جيدا ، ولا يقبل بدور حصان طرواده لاي من الاطراف الداخليه اوالخارجيه ، ويرفض دور المحلل ، بعد طلاق بائن بين من انتصروا للعدوان الصهيوني ، وبين الشعب في لبنان ، هل يمكن للجنرال سليمان الا يكتفي بالزيارات المراسميه وينقل عنه الكلام ، الي تأكيد موقفا وطنيا باعطاء الحق لمستحقه سياسيا ووطنيا ؟

المسأله اللبنانيه ليست توافق حول رئيس ، وليست ملئ الفراغ ، وليست مجرد تعديل دستوري ، ولا مجرد رئيس ماروني ، ولكن المسأله اللبنانيه في حقيقتها ، هي مواجهة جبهة المقاومه ، وتحويل المواجهة الي "عون" بديلا عن سلاح المقاومه . والخطر يبدوا في افق كافة العلاقات ، وكل الخيارات المطروحه حتي الآن . قراران فقط خارج التأثير الخارجي ، قرار "عون" وقرار "نصر الله" ، فهل يملكان معا قدرة الحفاظ علي حلفائهما حتي لا ينزعوا الي الراحه ، فيقبلوا بانصاف الحلول ، ويقبلوا بخصوم الامس حلفاء اليوم ، وهل يملك هؤلاء امكانية النظر في اعين جماهيرهم ان هم بدلوا البندقيه من كتف الي آخر ؟ ام انهم لن يخونوا ذكاءهم وما بذلوه طوال الفترة السابقه.

في كتاب هيكل مدافع آية الله كتب " كانت السياسه الامريكيه في حالة فوضي شامله " في معرض تشخيصه للمواقف المتباينه من شاه ايران داخل الاداره الامريكيه، ونقل عن الامام الخميني حال رفضه للتفاوض مقولة "إن المفاوضات لم تكن سوي خديعه ، حل وسط ، يهدف الي اجهاض الثوره" ، تذكرت هذه المقوله وانا اتابع مواقف الجنرال "عون" ، حيث يبدوا في معبرا عن لبنان المقاومه ، بينما المفاوضات تسعي الي اجهاض المقاومه ، والسياسة الامريكيه اكتوت بالفوضي التي خلقتها ، لن يعيد التاريخ نفسه ، ولكن امريكا يومها تنصلت من الشاه ، ولم تستقبله بعد ان اقترحت عليه الخروج من ايران ، وعاد الامام الخميني رغم كل التهديدات بقتله ، والسبب الرئيسي في ذلك ان الامام الخميني اعتقد في قدرة الشعب عاري الصدر ، فانتصر ، رغم ان من المحيطين به كانوا يرون الامر انتحارا.

الموالاة امامها خياران اما القبول بالجنرال "عون" رئيسا ، او القبول بمبادرته كاملة ، هكذا يمكن منع الانفجار ، ولكن اي انتقاص من المبادره ، حتي وان قبل به "عون" ، سوف يؤدي الي المواجهة لاحقا ، فالفوضي الامريكيه لن تدوم حتي تأتي ادارة اخري ، وليست الفوضي الامريكيه معامل بقاء لجبهة المقاومه ، ولكن ما تحققه جبهة المقاومه بوحدتها وقدرتها علي التمييز بين الخديعه والحقيقه ، واحترام ما تراكم خلال الفتره السابقه من خبرات ، هو طريق خلاص لبنان الشعب والاراده.

الفوضي حاقت بامريكا ، ومن الشرق الاوسط ، الذي شاءت له بالفوضي ان تجدده وفق الهوي الامريكي الصهيوني ، وامتدت الفوضي الي الصومال ، واثيوبيا تعاني هناك ، معاناة الناتو في افغانستان وامريكا في العراق ، وها هو هيوارد رئيس وزراء استراليا يخسر الانتخابات ، ويفقد حتي مقعده ، ويوافق رئيس الوزراء الجديد كيفين رود علي معاهدة التغيرات المناخيه ، ويعلن قراره بسحب جنوده من العراق ، فهل سيقبل المحافظون الجدد بما آل اليه حالهم ، ام ان طبول الحرب مازالت تقرع وان خفتت بعض الشئ ويتصور البعض انها توقفت.

كتب روبرت باير وهو موظف سابق بالمخابرات المركزيه الامريكيه في التايم تحت عنوان "هل كان بوش وراء تقرير طهران" يقول "علي الاقل نحن سعداء حتي الآن بالاخبار الطيبه ان معركة هرمجدون قد تأجلت" .

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 11/12/2007

لا مصافحه .... رابعة اللاءات العربيه !!

لا مصافحه .... رابعة اللاءات العربيه !!

يبدوا من النظرة الاولي ان انابوليس لم يكن كله سوءا ، فاذا كان العرب لا يستطيعون ان يرفضوا للادارة الامريكيه دعوة ، الا ان الرأي العام العربي ، وما عبر عنه المفكرون والصحفيون والنشطاء السياسيون من رأي وتحفظ قد استعاد بعضا من الوعي بشأن فلسطين العرب.

كتبت الصحف العبريه ان المدعوين الي انابوليس ذاهبون للنصفيق لبوش واولمرت وابومازن ، وحددت تسيبورا ليفني (49 عاما)، الشروط ، واعلنت نجاح المؤتمر قبل انعقاده ، وان غايته صوره بديله لصورة محمد الدره ، وبناء جبهة المعتدلين مع اسرائيل وامريكا قي مواجهة ايران ، وان الامن الاسرائيلي ملازم لقيام بانتوستان فلسطيني وليس دوله للتخلص من الفلسطينيين ، ولكن الواضح ان العرب تعاملوا معها علي انها "سالومي" ، ولم يقبلوا منها ان ترقص أمام بوش ورأس فلسطين تدمي تحت قدمي المحافظون الجدد. وخرجت ليفني من المؤتمر ، تشكوا انها ليست مصابه بالجرب حتي لا يتعامل معها العرب ويصافحوها.

وهذا امر لا يدعنا نتصور ان الاهداف الصهيونيه قد هزمت ، ولكنهم يعلمون ان الغالب في التصرفات العربيه هو التلاقي سرا ، والرفض علنا.

الكلمات والمواقف والحجج والقدره علي المناوره علي مائدة التفاوض هي تعبير عن القوه خلف الاطراف ، واطراف الصراع تذهب الي مائدة التفاوض وعند كل منها تقدير لميزان القوي ، توازن كان او تباين ، وايضا تقدير لتوفر ارادة الصراع لدي الطرف الآخر، وتقدير لاهدافه ومداها والي اي حد يتمسك بها ، ثم قدرته علي استخدام الزمن ، هل انقضاء الزمن لصالحه ام هو علي حسابه ، ثم ماذا هو فاعل ان لم يتحقق بالتفاوض الحد الذي يرغبه من تحقيق لاهدافه.

وانابوليس كان تعبيرا مخلا لكل الاطراف في استخدامهم لقضية الشعب والوطن الفلسطيني ، جميعها تهرب من الوحل او الهزيمه او الانقسام ، وهي جميعها تضمر غير ما تعلن ، حتي ان متابعة بسيطه لتصريحات الاطراف الثلاثه ، اصحاب المولد او العرس ، فور انتهاء حفل اليوم الواحد بانابوليس، كانت كاشفة لمرارة الحقيقية كما سبق وكتبناها في مقالات سابقه.

العرب في حالة دفاع عن النفس ، سواء في مواجهة الوجود الصهيوني الاستيطاني فوق ارض فلسطين ، او في مواجهة ما يسمي بالحرب علي الارهاب ، وهي في حقيقتها حسم نهائي لقضيتي القوميه العربيه والحضارة الاسلاميه وبالقوه العسكريه ، وفوق ذلك هم في حالة دفاع عن النفس بشأن التنميه والعدل الاجتماعي ، ولا افصل هنا بين العرب شعوبا او قوي سياسيه او نظم الحكم ، فعندما يكون الخطر خارجيا فهو لا يفرق بين من يحتشدون تحت العلم ، بل يري الجميع هدفا ، مهما كان ذكاء قنابله ، والعرب وفق هذا المدلول امامهم جدول اعمال متسع يتطلب استدعاء كامل للقدره والاراده.

ان محاولة استدعاء اللاءات العربيه الثلاث ، لا صلح لا اعتراف لا تفاوض ، يراها البعض نوعا من الخلل في الاداء والخيارات ، ولكن في الوقت ذاته فان الاعتماد علي لغة جسد (Body Language) كونديليزا رايس لدي مصافحتها للوفد السوري ، كما عبر احد اعضاء الوفد السوري ، هي نوع من الخبل السياسي – ولا املك لفظا آخر يعبر عن الحاله – لن يؤدي الي استرداد الجولان. وعندما تصبح العلاقات بين الدول مرتبطه بلغة الجسد ، تسقط شرعية "حق التحرير".

في اجواء هزيمة يونيو 1967 العسكريه اعلن العرب لاءاتهم الثلاث في مؤتمر الخرطوم ، لكنهم يومها كانت تحكمهم قاعدة انهم خسروا معركة ولم يخسروا الحرب ، ووضعت القدره العربيه بشرا وفكرا وثروة خلف رؤية أن الحرب لم تنتهي ، وارادة عقيدة قتاليه "أن ما اخذ بالقوه لن يسترد بغير القوه" ، وان العالم لا يستمع لمنطق حق ما لم تكن وراءه قوة تدعمه ، وقادرة علي فرضه ان عجزت الدبلوماسيه. ولا يملك العرب بعد اربعون عاما الا رفض المصافحه ، بعد ان اعلنوا ان حرب 1973 هي آخر الحروب ، اي اسقطوا خيار الحرب ، بينما لم تسقطه اسرائيل ، واسقط العرب سلاح البترول ، وتحصل علية اسرائيل من مصر بكرم شديد علي حساب الاقتصاد المصري ، واسقط العرب أن اسرائيل "استعمار استيطاني صهيوني" لفلسطين ، لتعلن اسرائيل انشاء البانتوستان الفلسطيني "لطرد باقي الفلسطينيين" من ارض ماقبل 1948 ، ولتلغي من جدول الاعمال حق العوده للفلسطينيين من ملاجئهم.

وتعلن اسرائيل يوم 2/12/2007 ان الاوامر صدرت بتصعيد العمليات العسكريه ضد غزه ، بعد قطع الامداد بالوقود ، وتعلن ليفني مرة اخري ان انابوليس حرر اسرائيل من بحث القضايا النهائيه ، وأقر التفاوض وفق خارطة الطريق ، وابعد التدخل الدولي في امر التفاوض.

سوريا لبنان ايران العراق فلسطين السودان الصومال، قضايا ساخنه ، علي جدول الاعمال العربي ، تحت عنوان الدفاع المباشر عن الذات ، ويلحق بها قضية الانسان العربي والتنميه ، تحت عنوان بناء الذات.

في مارس القادم تنعقد القمه العربيه الدوريه في دمشق ، ورغم انفضاض الشعب العربي من حول مؤتمرات القمه ، وعدم ثقته في امكانية ان يصدر عنها غير الخلاف العربي ، لكننا سندخل في روعنا بالقوه احتمال ان يكون هناك من يسمع ، ونسأله : لماذا لا تحمل القمه القادمه شعار " المقاومه العربيه " ، وان كان هذا شعارا كليا ، الا انه من الممكن تفصيله الي مهام ، منها ما يسبق الانعقاد تأكيدا علي التوجه ، ومنها ما يتم خلاله.

· لبنان مهمة اولي وعاجله ، فالنصر الذي حققته المقاومه يجب علي العرب استثماره ، ورغم مرور عام ، فما زالت الفرصه قائمه ، لاعادة اللحمه بين العرب ولبنان المقاومه وقد تكون هناك مهام عاجله وواجبه سواء عقد المؤتمر ام لم يعقد ، اذا اراد العرب استرداد قبولا شعبيا بلقاءاتهم:

1. الغاء حالة الرفض المعنوي والسياسي لحزب الله.

2. تحجيم الرعونه السياسيه لجماعة "14 آذار" ، والتي تعتمد علي دعم عربي اكثر منها وجودا مقاوما لصالح لبنان ، وفي الوقت ذاته تنضوي بتهافت مهين تحت وصاية السفير الامريكي.

3. الادراك السياسي والقومي بان "ميشيل عون" هو الرئيس الطبيعي للبنان ، سياسيا وطائفيا ووطنيا وقوميا ، وان الزج باسم ميشيل سليمان قائد الجيش هو هروب من استحقاق يمكن لبنان من مواجهة تحديات لم يختارها ولكن فرضت عليه في غياب عربي مهين. اختيار سليمان سيؤجل الانفجار بعض الوقت ، ولكنه لن يأتي باستقرار يعبر عن القوي الفاعله في الداخل اللبناني قدر تعبيره عن خيارات خارجيه.

ان صلافة وغرور السفير الامريكي ، وارتماء جماعة "14 آذار" في عباءته ، سوف يدفع العرب ثمنه ، وليس اللبنانيون وحدهم . والتغاضي عن افعال حكومة السنيوره سوف يخلق لدينا "ابومازن" جديد.

فهل يتوقف العرب عن الاهتمام المدمر بلبنان ، ويعودوا الي مهام تدعم لبنان المقاوم. لعلهم يستردون ثقة الشعوب في قممهم .

· فلسطين مهمة اخري ، والمهام العاجله تتجاوز السياسه الي العمق الانساني ، فحصار واحتمالات الاجتياح الاسرائيلي لها يجب ان يعلن العرب انهما خطا احمر امام ابومازن واسرائيل ، هذا اذا اراد العرب ويمكنهم ولكنهم لم يجربوه ، وهناك قبل القمة العربيه القادمه ، مؤتمر موسكو او انابوليس 2 ، ويجب اعلام ابومازن أن سلطة البانتوستان الفلسطيني التي ذهبت منفرده الي انابوليس ، ليس مقبولا منها ان تذهب وخلفها دماء فلسطينيه تسيل في غزه ، وان فعل ، فهو بهذا يتحدث عن نفسه وليس عن شعب ومقاومه ، وان موقفا عربيا سوف يتجاوزه ، وهو امر ايضا ممكن للعرب ان ارادوا.

فهل يستعيد العرب حقيقة ان القضيه الفلسطينيه قضية امن قومى عربي ؟

· ايران الشريك الجغرافي والديني والحضاري ، ودعوة احمدي نجاد الي قمة التعاون الخليجيه مثالا جيدا "للشكل" في التعامل ولعله يكتسب "المضمون" ، فلماذا لا تتم دعوة ايران الي لقاء دمشق ؟ خاصة وان خافير سولانا خرج يوم الجمعه الماضي من لقاءه مع سعيد جاليلي في لندن "محبطا" مما يشير الي تزايد احتمالات المواجهة الايرانيه الامريكيه ، خاصة اذا ظلت روسيا والصين علي موقفهما الرافض للحصار ، وقمة مارس تتم في دمشق في توقيت يرشحه المراقبون لان تتم المواجهه الامريكيه الايرانيه اثناءه.

· وتبقي سوريا التي سينعقد علي ارضها اللقاء القادم ، ولم تتعافي من هجمة اسرائيليه في اول سبتمبر الماضي وكانت هدفا لحرب اعلاميه من امريكا واسرائيل وجماعة "14 آذار" ، وينظر اليها انها في جدول الاهداف الامريكيه الاسرائيليه ، ومعها المقاومه وايران ، والعرب ينفضون ايديهم منها ، وهي وسط ذلك كله مازالت تري ان الدبلوماسيه وحدها سبيل استعادة ارضها في الجولان ، ولكنها نجحت في الاكتفاء الذاتي من القمح ، ويمكن ان تصبح خلفها قوة العرب إن اراد العرب ذلك وهم يمكنهم ولكنهم يسعون وبوضوح بالغ لتقديمها قربانا علي المذبح الامريكي الاسرائيلي ، فهل هناك فرصه لعودة الوعي العربي ؟

الازمه العربيه الراهنه ، والممتده منذ اعقاب حرب اكتوبر 1973 ، يمكن للعرب عبورها ان امتلكوا الرغبه والاراده ، ومحاولة عبورها لها ثمن يجب دفعه ، وهو بالقطع وبحساب الربح والخساره للامم الحيه ، ثمن مقبول وممكن ، ويتطلب مواجهة النفس وبصدق والاجابه عن سؤال : الي اين اودت بنا خياراتنا السابقه العكسيه والمناقضه لمصالحنا منذ صمتت المدافع علي جبهتي القناه والجولان ؟

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 5/12/2007

٢٨‏/١١‏/٢٠٠٧

قطع الشك باليقين ... استراتيجية العرب بانابوليس !

قطع الشك باليقين ... استراتيجية العرب بانابوليس !

تواكب يوم الجمعه الماضي 23/11/2007 حدثان في كل من بيروت والقاهره ، وتميز كل منهما بكونه حدث اللحظة الاخيره ، وان الطرف المباشر علي الجانب الآخر هو امريكا واسرائيل ، وان كلا الحدثين علامة فارقه بين فكر استولت عليه الهزيمه وتوجهه ، وبين ارادة مازالت تقاوم تحت ضجيج الادعاء عليها بانها ارهاب ، ولكنها ارادة الرفض الكامنة في الشعب العربي.

في بيروت كان موعد جلسة مجلس النواب اللبناني لاختيار رئيس للجمهوريه يخلف الرئيس اميل لحود الذي انتهت ولايته ، وفي القاهره كان موعد انعقاد لوزراء خارجيه عرب للنظر في الدعوه المقدمه من الرئيس الامريكي الي مؤتمر انابوليس بشأن امر الدولتين الفلسطينيه والاسرائيليه. وكانت نتيجة وقائع ما جري في بيروت والقاهره ، لصالح امريكا واسرائيل.

لم يتم انتخاب رئيس للبنان واستولت جماعة امريكا علي منصب رئيس الجمهوريه بالانابه ، بالاضافه الي استيلائها علي مجلس وزراء. واقر وزراء الخارجيه العرب قبول دعوة الرئيس الامريكي للاحتشاد في انابوليس.

وفي نهاية اجتماع القاهره عقد مؤتمر صحفي حضره امين الجامعه العربيه ووزير خارجية السعوديه ، ومع تصاعد اسئلة الصحفيين ، قال وزير الخارجيه السعودي ان العرب ذاهبون "كي نقطع الشك باليقين" !!!.

والفصل بين الشك واليقين ، يمكنه ان ينطبق علي مجريات الامور في كلا العاصمتين ، ولكن الشك هو المتاح لنا ، ولا نعرف مرجعية اليقين الذي ينشده العرب من مؤتمر انابوليس. ولان الامران مصيريان ليس لللبنانيين والفلسطينيين وحدهما ، ولكن للامه التي مازالت منذ النكبه تصارع الظروف والحكومات والقوي الدوليه والعدو الصهيوني كي تقول " أننا عرب وأن فلسطين عربيه" ، ودفعت الامه "العربيه" ان كانوا مازالوا يذكرونها ثمن العروبه والاسلام والاستيطان اليهودي فوق ارض فلسطين مرات عديده ، وفي النهاية آلت الامور الي ايدي افراد يسقطون الشعوب من اعتبارهم ، ويقعون صرعي الوهم الآخذ بالعقل ، لتنتهي كافة التضحيات لصالح اسرائيل ، ولينتهي العرب الي حد التمزق ، وفقدان امكانية البناء علي تراكم التضحيات لتغيير ميزان القوي لصالحهم.

ماجري في لبنان منذ 12/7/2006 لا يدفع الي الشك ، ولكن وقائع ماديه فوق الارض ومواقف تجعل الشك هروبا من الحقيقه وتنازلا عن المسئوليه. ولعلنا لو راجعنا مقالات سيمور هيرش عن لبنان والمخطط له ، ثم مقالة اعادة التوجه ، لادركنا اننا امام مخطط متكامل ، قمته هي متوالية التصريحات الاسرائيليه والامريكيه بشأن الدوله اليهوديه ، والشعب الفلسطيني ، والمقاومه الفلسطينيه ، وتجاه المقاومه اللبنانيه وحزب الله :

1. اوضح سيمور هيرش ان العدوان الاسرائيلي علي لبنان وبهذا الحجم ، كان مخططا له قبل واقعة اسر مقاتلي حزب الله للجنديين الاسرائيليين ، والهدف منه تدمير حزب الله وقدراته في اطار المواجهة الكونيه لمحور الشر العربي الاسلامي !.

2. ظلت وزيرة خارجية امريكا ترفض التدخل لوقف العدوان ، لان الشرق الاوسط الجديد يولد من وسط الالام.

3. ادانت بعض الانظمه العربيه موقف حزب الله ، ووصفته بالمغامر.

4. اعلنت الحكومه اللبنانيه تنصلها من رفض العدوان الاسرائيلي ولكنها ادانت حزب الله المقاوم ، وقام قائد معسكر مرجعيون بدعوة الجنود الاسرائيليين لتناول الشاي برعاية " أحمد فتفت " ، لينسحب الجنود اللبنانيون ومعهم بعض اللبنانيين علي طريق قالت الحكومه اللبنانيه انه تم تأمينه لهم ، ولتهاجمهم الطائرات الاسرائيليه من بعدها.

5. ظلت جماعة امريكا في لبنان والتي اطلق عليها "14 آذار" ، تهاجم سلاح المقاومه طوال العمليات ، رغم الهزيمة التي لحقت باسرائيل ، ويخرج فيلسوفها ليسأل الي من سيهدي حزب الله نصره ؟ ، ووصل وزراء الخارجيه العرب الي بيروت ليعقدوا مؤتمرا هناك ، بإذن اسرائيلي. ولم يتمالك رئيس وزراء حكومة لبنان ـ التي تنتصر رغم الالم والثمن الذي دفعه اللبنانيون ـ الا ان يبكي ، وعلام ؟ حتي الآن ليست هناك اجابة الا اذا كان بكاؤه علي حاله بعد هزيمة اسرائيل.

6. وتكاد الدول العربيه أن تقاطع الرجال الذين قاتلوا و ضحوا وانتصروا ، بل وتدينهم.

7. ويخرج علينا المسئولون الاسرائيليون ليعلنوا انهم سيغتالون حسن نصر الله وقيادة حزب الله "العرب ـ المسلمون" ، ويعلن بن اليعاذر انهم "سيغتالون حسن نصر الله حتي وان استعانوا بآخرين" ، ويبلع العرب السنتهم ، ولا ينتابهم شك ولا يحدثوننا عن يقين.

8. ويعود سيمور هيرش الي الصوره ، ويكتب حول اعادة التوجيه ، والاتجاه الي تقسيم العرب الي سنه وشيعه وخلق معسكر المعتدلين السنه في مواجهة المتطرفين العرب من الشيعه ، حسب تصور مجموعة العمل المكونه من "ديك تشيني وبندر بن سلطان وابرامز وزلماي خليل زاده".

9. ومنذ بدأ العدوان علي لبنان ، يخرج رجل اعتبروه بطل التحرير في مواجهة الوجود السوري ، الجنرال عون ، وهو مسيحي ماروني وليس شيعيا ، ليعلن موقفه مع المقاومه ودعمه للمقاتلين وعداؤه لاسرائيل ، صورة حقيقيه للمواطن اللبناني العربي ، وعلي الجانب الآخر تجمع كوندليزا رايس اقطاب "14 آذار" علي مائدة طعام ببيروت ، بينما السلاح الامريكي يدمر لبنان ويقتل ابناءه. ويظل نداء "14 آذار" وحكومة السنيوره حتي اللحظه هو "نزع سلاح حزب الله" ، نداء في مضمونه دعوة للاقتتال.

10. اما السجين بجرم القتل والمفرج عنه بقرار من طاولة الحوار إستعاد موقفه "أميرا للحرب" في مواجهة عروبة لبنان وارادة المقاومة فيه ، موقف اشبه بموقف جاليفر في بلاد العمالقه ، حيث كان قزما يؤول للصفر.

فهل كان ممكنا ان يتحقق في لبنان اختيار لرئيس بالتوافق ، وما حقيقة العيش المشترك ؟ لن تتوقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب الا عندما ينفجر لبنان من الداخل ، لان المقاومه اللبنانيه العربيه ليست محل القبول الامريكي ، والمقاومه اللبنانيه لن تفرط في عقيدتها القتاليه ، والحديث الجاري عن تغيير المواقف للبعض من "14 آذار" تقف امريكا واسرائيل والمعتدلون العرب دون ان يصل لتوافق ، ولن يصلوا ، فحزب الله ومن معه هم الهدف ، أما لبنان فهي ساحة الصراع ، والشعب العربي في لبنان هو وقود الصراع.

قال احد موظفي الاداره الامريكيه السابقين ان توجه بوش الي قضية الشرق الاوسط ضعيف جدا ومتأخر جدا !!! ، وهل يتصور حل المواجهه في ثلاث لقاءات بينه وبين الطرفين ؟. واليقين في أمر مؤتمر انابوليس هو ما قالته ليفني وزيرة الخارجيه الاسرائيليه التي كان ابومازن ، والذي يفاوض باسم منظمة ( التحرير ) الفلسطينيه ، يتناول معها طعام مائدة اولمرت ، وهي تتحدث وتتحرك وتمشي بينهمـا ، وبهمـا.

اعلنت ليفني في الكنيست امران ، الاول ان الواقع الذي تشكل علي الارض من بعد 1967 في الضفة الغربيه ليس محل تفاوض ، اي المستوطنات القائمه وحتي ما يسمي بالنمو الطبيعي لها ـ التوسع ـ والمستوطنين بها الذين يبلغ عددهم 270.000 صهيوني ، والثاني ان اللاجئين الفلسطينيين يمكنهم العوده الي الدوله الفلسطينيه.

وفي مؤتمر صحفي مع وزير خارجية فرنسا اعلنت ان الدوله الفلسطينيه هي مكان كل الفلسطينيين بما فيهم العرب الموجودون داخل اسرائيل ؟؟ أي ان هناك ترانسفير جديد للعرب اصحاب الارض من ارض فلسطين المحتله قبل 1967 الي ما تبقي من ارض فلسطين المحتله بعد 1967 ، وبالمقابل حق بقاء المستوطنات أي نقل ارض الضفه للملكيه الصهيونيه.

ويتوافق مع ما اعلنته ليفني ، "اليقين" التحريضي من ابو مازن لانفجار الحرب الاهليه في غزه ، عندما دعا الشعب الفلسطيني في غزه الي طرد حماس ، فهل يمكن الطرد الا بقوة السلاح ؟؟

وتنشر وسائل الاعلام الاسرائيليه ان ليفني كانت خلال الايام السابقه علي مؤتمر القاهره علي اتصال مع العديد من قادة الدول العربيه لاقناعهم بضرورة الحضور ومنهم دول لا تقيم علاقات مع اسرائيل ، وتنقل الصحف الاسرائيليه عن ليفني أن صوره تنشر لاسرائيل مع الدول الداعمه للسلام خير من نشر صورة امرأة فلسطينيه محتجزه علي احد المعابر وخير من نشر صورة محمد الدره.

وتعلن ليفني أن نجاح المؤتمر مؤكد لان امن دولة اسرائيل صار متلازما مع الحل ، ولان العالم والعرب والفلسطينيين أدركوا ان انابوليس مؤتمر لاطلاق ( نفس تعبير الامين العام للجامعه العربيه ) عملية التفاوض الدبلوماسي حول حل الدولتين للشعبين ، وليس نهاية لها ، وان شرط بداية التفاوض تنفيذ خارطة الطريق ، ولتنهي الامر بالحاجه الي تكوين محور للمعتدلين في مواجهة التهديد النووي الايراني.

واسرائيل كانت تسأل الطرف الفلسطيني الذي يجلس معهم لوضع "الوثيقه / الاعلان" عن كيف سيعبرون عن الموقف في غزه ، ويبدوا ان ابو مازن في دعوته التحريضيه ضد حماس كان يفي بتعهد غير مكتوب للاسرائيليين. ونقلت بعض الصحف ان بوش كان يرغب بوجود محمد دحلان في اللقاء !!!

ايران هي الدوله الوحيده الغير مدعوه ، والتوجه الي دعوة سوريا غايته كما يري المحللون عزلها عن ايران واخراجها من محور الشر ، وانهاء دعمها لحماس والجهاد.

ان تقول هذا ليفني وتسعي اليه وتؤكده ، واجبها ، وهو دلالة "يقين" لما يريده الاسرائيليون ، ولكن اننا نريد "قطع الشك باليقين" من انابوليس ، فابشركم انكم لن تدركوا هذا المطلب ، لانكم هناك ستسمعون بعضا مما تريدون ، ولكنكم لن تحصلوا علي شئ ، فقد اعلنت ليفيني ان المؤتمر بالنسبة اليهم نجح ، وان الغاية صورة جديدة غير صورة محمد الدره وبناء محور الاعتدال في مواجهة التهديد النووي الايراني .

ويرصد المراقبون للمواجهة مع ايران أن لغة الحرب عادت من جديد لتتصاعد ، بعد ان كانت قد هدأت لمدة اسبوعين ، وفي الوقت ذاته اعلنت ايران انتاجها للوقود النووي اللازم لمفاعل الماء الثقيل. وفي الناحية الاخري مازالت امريكا تعلن ان حزب الله هو الخطر الحقيقي علي لبنان ؟؟ هذا هو بيت القصيد ، أيا ما كانت رغبات كوندليزا رايس ، فتلك رغباتها وحدها ، وليست الهم الرئيسي لاسرائيل او لديك تشيني.

ثلاث قضايا هي الآن قلب الامن القومي العربي ، وامكانية غائبه هي صلب قدرة الامن العربي. القضايا الثلاث هي :

1. الصراع العربي الصهيوني ، وهو ليس مجرد ارض استوطنها الصهاينه ، وليس حل الصراع أن يقبلوا بالفلسطينيين الي جوارهم ، ولكن جوهر الصراع هو الانسان العربي الفلسطيني ، داخل الارض المحتله فهو فوق ارضه وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في ملاجئه خارج كل فلسطين له في ارضه حق وهو مالكها ، والانسان العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع فوق ارضه وهو مالكها.

2. لبنان العربي المقاوم ، ليس لبنان امراء الحرب ، وهو قلب الامن القومي العربي ، وقوة أصيلة لا تتطلب حلا علي مائدة للقمار او بين كؤوس الراح واموال النفط المنهوبه ، واموال يجري غسيلها بدم اللبنانيين.

3. ايران الشريك الجغرافي والديني والحضاري.

والامكانية الغائبه هي الانسان العربي ، الشعب العربي.

كتب روبرت فيسك للاندبندنت يوم السبت الماضي 24/11/2007 من بيروت يقول " العالم في الشرق الاوسط يزداد ظلمة ساعة بعد الاخري ، باكستان ، افغانستان ، العراق ، فلسطين ، لبنان. نحن الغربيون نخلق هناك كارثة مروعه ، من المتوسط حتي الهند ، والاسبوع القادم مفترض بنا ان نؤمن بالسلام في انابوليس".

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 27/11/2007

٢٦‏/١١‏/٢٠٠٧

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

شملت المناقشات الاستراتيجيه بين التوأم السيامي ، اسرائيل وامريكا ـ حسب وصف "الوف بن" في صحيفة يديعوت احرونوت ـ في اللقاء الاخير بواشنطون، قضايا دعم المعتدلين ومواجهة محور الشر ووعد الدوله الفلسطينيه والموقف من ايران، ورغم تنوع وجهات النظر بينهما وبعض الاختلافات الا انهما اتفقا علي ان مؤتمر انابوليس لن يؤدي الي اي نتيجه !!.

لقاء انابوليس المزمع عقده في 27 نوفمبر القادم يتسم بظاهرة "الصوت العالي بدون حركه للامام" ، وتضاؤل التوقعات وصل متأخرا للجانب العربي ، فاسرائيل حددت منذ اللحظة الاولي موقفها انه مؤتمر بروتوكولي ، وغير مخصص لمناقشة قضايا ما يسمي بالحل النهائي، وانه بداية التطبيع الكامل بين اسرائيل وباقي الدول العربيه.وبعد اجتماعات متعدده بين اولمرت وابومازن ـ الاول ينتظر تقرير فينوغراد حول الحرب الاخيره والثاني فقد وحدة الموقف الفلسطيني ويغرق في وحل الانقسام الداخلي المسلح ـ إنخفض سقف الاعداد من مناقشة قضايا الوضع النهائي الي وثيقة مشتركه بجدول زمني ، وانتهوا الي الاخذ بما اطلقوا عليه خارطة الطريق الامريكيه، واولي مهامها المستوطنات والمواجهة الامنيه مع المقاومه الفلسطينيه، أي ان اول نتائج انابوليس مواجهة الارهاب الفلسطيني؟ ويصبح الحديث عن السلام او الدولتين مجرد مظله للهدف الاسرائيلي الامريكي الذي قبل به ابومازن.

هذا امرهما معا، اما بالنسبة للحضور:

الداعي الرئيس الامريكي بوش في وضع يعاني فيه انهيارات عديده في حربه علي الارهاب ، وكذبه في العراق ومحاولة استجواب تشيني حول تأثيره علي تقرير المخابرات بشأن العراق وتضليله للامريكيين، والمواجهات الداميه في العراق وافغانستان وحتي الصومال، وانهيار توقعاته في لبنان، والمواجهة القائمه مع ايران، فضلا عن مواجهة مع روسيا بشان اوروبا وهو سيغادر بعد عام، وأخيرا ما الذي يفرض عليه موقفا بشأن القضيه الفلسطينيه وقد تكفل الفسطينيون بأنفسهم؟

واسرائيل تذهب الي اللقاء وعيناها علي غيره، سواء الي الشمال "سوريا ولبنان"، او الي الشرق "ايران" ، او في قطاع غزه، ومن قبل ذلك كله التنافس الداخلي اعدادا للانتخابات القادمه.واذا كانت اسرائيل في مزاد الافراج عن بعض الاسري ـ يتراوح العدد من 400 الي 2000 اسير ـ الفلسطينيين، الا انهم يعدون قانون جديد يشترط موافقة ثلثي اعضاء الكنيست لاقرار اي تعديل بشأن القدس.

ويتزايد الاتجاه في اسرائيل الي تغليب المسار السوري علي ابومازن، ويصل الي القول بان التفاوض افضل من حرب يتبعها بالضرورة تفاوض ، والاتجاه الي سوريا متعدد الابعاد، فهو بعد غارة علي الشمال السوري اعلنت ان آلة الحرب الاسرائيليه لن تتواني في العمل اذا توقعت احتمال خطرمستقبلي غير منظور، والرسالة وصلت سوريا،التي ردت بدورها انها تحتفظ بحقها في الرد، وهذا الاعلان اوجب علي اسرائيل العيش في حالة الترقب المستمر. ثم هو صفقة لمبادله التفاوض حول الجولان بالموقف السوري من حزب الله، وكما يقدر الاسرائيليون ان التفاوض مع سوريا سيؤدي الي "دق إسفين في العلاقات الايرانيه السوريه". ومن بعد ذلك كله فهو تناغم اسرائيلي تركي يتيح للشراكه التركيه الاسرائيليه نموا لتحقيق مناطق نفوذ مشتركه في الشرق الاوسط وسط الغياب العربي الفاعل.

ويسبق ابومازن المؤتمر بجرم سياسي من رئيس السلطه ويحرض اهل غزه علي طرد حماس من القطاع، أي يدعوا الي الحرب الاهليه في القطاع بقرار من السلطه الفلسطينيه.

اليوم التالي للمؤتمر سيكون اشد وطأه علي القضيه، وسيفتح الباب لمواجهة بين السلطه والمقاومه، ويطلق يد اسرائيل لتستبيح كل الشعب الفلسطيني وكل الارض الفلسطينيه.

تقرير البرادعي

لم تجد نفعا حملة اسرائيل ضد الوكاله الدوليه للطاقه الذريه للاغتيال المعنوي لمديرها الدكتور محمد البرادعي ، واصدرت الوكاله تقريرها الذي قدر استجابة ايران وتعاونها وطالبها بمزيد من التعاون واتاحة اللقاء بالافراد المشاركين في برنامجها النووي، وعاجلت الصين التأكيد علي التقرير باعلان عدم حضورها لاجتماع تشاوري كان من المقرر عقده بين الخمس الدائمين بمجلس الامن والمانيا يوم 19 نوفمبر رغم انها عادت وتحت ضغوط شديده بقبول حضور مندوبها الاجتماع " كارهة" كما وصفت الواشنطن بوست، وتبعتها روسيا بوتين بالتقدم بطلب للوكاله للتفتيش علي شحنة وقود نووي مخصصه لمفاعل بوشهر تمهيدا لشحنها الي ايران. ثلاث ضربات للدعاية الامريكيه الاسرائيليه استدعت تصريحا امريكيا "بأن الصين تغلق الباب امام الحل الدبلوماسي" لكونها رفضت مناقشة تصعيد الحصار علي ايران" وعلي الجانب الآخر صرح متحدث اوروبي ان سبب عدم حضور الممثل الصيني هو "بعد المسافه".

ثلاثة مواقف عمليه في مواجهة امريكا وبالتبعيه اسرائيل الا ان الموقف الروسي صار كانفجار قنبلة عنقوديه في مواجهة امريكا:

1. انه قبول بالتقرير، وبالتالي كسر الاجماع بمجلس الامن.

2. ان تطابق الموقفين الروسي والصين يخالف الحرص الامريكي بعدم اتاحة الفرصه لمجموعة شنغهاي لتحقيق وجود سياسي دولي.

3. انه دعم للبرنامج النووي الايراني، لان حديثا دار بعد زيارة بوتين مفاده ان مفاعل بوشهر يحتاج الي وقود خاص يتسق وطبيعته ولم تسلم روسيا مواصفاته لايران ، وان الانطباعات التي خرج بها بوتين من زيارته أن نجاد لا يستطيع ان يتعامل دبلوماسيا وان الرئيس الايراني ينتحر، وعليه فان بوتين لن يصدر الوقود لايران، كان كاتب التقرير ايرانيا بالخارج، واكد القرار الروسي وصف الرئيس احمدي نجاد للمعارضين للبرنامج الايراني "بالماعز".

4. انه دعم ايضا لسياسة الرئيس نجاد في داخل ايران ، في مواجهة "المعتدلين" ، المواجهة التي التقطها الاعلام الغربي ليعلن وجود انشقاق داخلي في ايران.

5. كشف الاكاذيب التي اطلقتها كوندليزا رايس بان امريكا تريد الحوار حلا، فقد فقدت امريكا اعصابها في مواجهة تقرير الوكالة المخوله بالتفتيش، وستتجه بالطبع الي خزان المعلومات الاستخباراتيه ( الذي تتشارك فيه مع الاسرائيليين والفرنسيين والبريطانيين) بشأن ايران لنشهد جلسة أكاذيب مماثلة لجلسه الجنرال باول في مجلس الامن قبل غزو العراق، ويتوقع المراقبون نشر تقرير المخابرات القوميه الامريكيه نهاية نوفمبر، والذي تعطل لثلاث مرات لرغبة ديك تشيني ان يكون تقريرا نظيفا يحتوي علي ما يؤكد وجهة نظرالاداره بشأن ايران وفقط ، وفقد نجروبونتي منصبه بسبب الصراع حوله ليتولي مايك ماكونيل احد عناصر ديك تشيني المهمه .

كسب الدكتور مهندس احمدي نجاد ، وآية الله خامنئي ، وايران هذه الجوله، فماذا يمكن ان يكون من جديد في جعبة امريكا واسرائيل؟

اطلقت الصحافه الغربيه وصفا للحاله الامريكيه "انها سير اثناء النوم الي الحرب" ، ووصل الامر مبكرا للدعوه الي عرض الرئيس الامريكي ونائبه علي الطب النفسي لبحث الصلاحيه، ويبدوا ان كتاب هذه المقالات لا ينتمون الي المستسلمين علي الاطلاق للنظام العالمي الجديد.

وفي اطار النظام العالمي الجديد اعتمدت امريكا الضربات العسكريه للهدم علي ان يتولي البناء آخرون غيرها ، والارتدادات حتي الآن ليست لصالح امريكا في الصومال وافغانستان والعراق ولبنان، وهو ما سيضفي بظلالة علي الخيار الامريكي، فليس من المتوقع ان يقبل المحافظون الجدد الخروج من الاداره الامريكيه وذيلهم بين ارجلهم، ولكن احتمال ان يصيبهم السعار اقرب الي التحقق، هم او/ و إسرائيل، رغم حالة التهدئه في التصريحات التي استمرت عشر ايام قبل تقرير البرادعي ووصلت الي حد القول "علي اسرائيل ان تتعايش مع ايران النوويه"!!

ويبقي ان نحاول قراءة البدائل امام امريكا :

1. القبول بصحة تقرير الوكاله الدوليه، والاتجاه الي حوار ، وهو خيار ضد ارادة المحافظون الجدد ، إن قبلت به امريكا سيبقي سؤال : كيف ستفرضه علي اسرائيل؟

2. تصعيد الحصار المشترك مع فرنسا وبريطانيا وضم المانيا الي الموقف، وهو امر يصيبه الضعف في امتدادات الحدود الايرانيه المتسعه، ويستلزم استخدام القوات الامريكيه لاحكام تنفيذه، ويبقي ما هو رد الفعل الايراني اولا علي مثل هذا القرار، وثانيا ما هو الموقف الروسي والصيني تجاه الحصار بالقوه العسكريه خارج ما يسمي "بالشرعية الدوليه" التي تعني حتي الآن "اطلاق يد امريكا" للفعل والصمت تجاهه؟ خاصة ان مقدمات الموقفين الروسي والصيني تعطي مؤشرات مغايره لحاله الاغماء التي اداروا فيها ظهورهم اثناء حصار السنوات العشر علي العراق ، ثم العدوان عليه.

3. الخروج من المأزق باعادة الحديث عن الدعم الايراني للمتمردين في افغانستان والعراق وحزب الله، واتخاذ قرار بضربة عسكريه للقضاء علي مصادر الاسلحه ومعسكرات الحرس الثوري.

4. أن تتولي اسرائيل الامر مباشرة في مواجهة ايران. والتقارير الاسرائيليه تشير الي امتلاك ايران رأسين حربيتين نوويتين علي الاقل، ورغم ذلك طالب ابراهام هاليفي رئيس الموساد الاسرائيلي السابق بالحوار مع ايران وسوريا ، ويري باراك ان " المحادثات لن توقف الصواريخ ولن تمنعها" ، ويبدل اولمرت من حديثه ليقول امام لجنة العلاقات الخارجيه والدفاع بالكنيست " أن ايران لن تنتج رأسا نوويه في 2009، ومازال امامنا وقت للعمل الدبلوماسي في مواجهة ايران" ، والواقع ان هذا التراوح يخلط بين الاعداد الداخلي لجولة الانتخابات القادمه وبين الموقف الاستراتيجي الاسرائيلي بعدم قبول دوله ذات قدره نوويه بالمنطقه، الامر الذي يستدعي الحذر عند تقدير الموقف الاسرائيلي.

5. الحرب علي الحلفاء، وهو ان تقوم اسرائيل بتنفيذ خطط العمليات تجاه لبنان وسوريا، والاكثر ترجيحا هو الهجوم الاسرائيلي علي الجنوب اللبناني ، خاصة بعد الحديث عن احتمالات انسحاب اليونيفيل فضلا عن عجزها ان هي استمرت، وفشل حكومه السنيوره علي مدي 14 شهرا في الاقتراب من سلاح حزب الله، ونشرت التايمس تحليلا ذكرت فيه علي لسان نائب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق موشي كابلينيسكي قوله" ان ضربه وقائيه ضد حزب الله يجب ان تتم في الوقت المناسب" ويستطرد بوصف العمليه "دخول بري سريع للقوات البريه لاحتلال الجنوب وتدمير امكانات حزب الله وقواعده وتجريده من السلاح، خلال اسابيع او اشهر"، ويضيف "خاصة وان وضع حزب الله السياسي الداخلي مزعزع في مواجهة الحكومه اللبنانيه المواليه لامريكا". ويصطدم هذا باحتمالات رد الفعل خاصة بعد تهديدات حسن نصر الله لاسرائيل بتغيير جوهري في المنطفه.

كل البدائل متاحه، ويبقي سؤال هل ستمضي المواجهه مع ايران وفق قانون النظام العالمي الجديد "القوة العسكريه"، وينفذ تشيني مهمته الاخيره للمحافظين الجدد، أم أن اسرائيل ستسبق الجميع وتحزم امرها وفق استراتيجية عدم القبول بدولة تملك الامكانيه النوويه الي جوارها... قضية الوجود والفناء للكيان الاستيطاني.

في نهاية كتابه المفاوضات السريه كتب الاستاذ هيكل نقلا عن ديجول:

"ليس مهما ما يقوله أحد ، وليس مهما ما يضمره في سره من نوايا ، ولا ما يضع علي الورق من خطط ، المهم في نهاية المطاف شئ واحد. ما هي قدراته ؟ ماذا يستطيع أن يفعل بها ؟ ـ غير ذلك في اعتقادي كلام ... مجرد كلام آخذ به علما ولكن لا أرسم علي أساسه سياسة ."

هكذا تكلم ديجول !

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 20/11/2007

١٤‏/١١‏/٢٠٠٧

هدوء اللحظه الحرجه ... اسرائيل شئ مختلف

هدوء اللحظه الحرجه ... اسرائيل شئ مختلف

اللحظات العابره لافق المواجهه بين ايران وامريكا ينطبق عليها وصف اللحظه الحرجه، فقد تجاوز كلا الطرفين موقف اعلان النوايا، الي الحشد الكامل والخطط التفصيليه، وصارت الاصابع علي الزناد تنتظر امر الاطلاق.

ومن ناحية اخري ينتظر بعض المراقبين نتائج "الابواب الخلفيه" التي درج عليها عالم الحرب البارده علي انها المخرج بقاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وهي قاعدة اتسمت بها نهايات الصراعات في العالم عندما كان التوازن النووي هو مبرر هذه القاعده. وحالة اللا غالب واللا مغلوب تشترط اللقاء عند نقطة بينيه، يتنازل كل طرف عن جزء او ينتقل بمطالبه الي زمن قادم، وفي زمن الحرب البارده كان طرفا التوازن لا يتصارعان علي ارضهم، ولكنه كان الصراع علي مناطق النفوذ، علي ارض الغير وبدماء الغير، ويبقي التوازن للحيلوله دون انتصار كامل لاحد الاطراف.

بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دخلت قاعده "من ليس معي فهو ضدي" ، وضمير المتحدث هنا يعود الي امريكا.وانتقلنا الي حالة "الحرب الصليبيه" وانتهي بنا الامر الي تلويح بوش "بالحرب العالميه الثالثه"، إن امتلكت ايران السلاح النووي، ولم يعترف بوش أننا في الوطن العربي وفي العالم الاسلامي نواجه مخطط الحرب العالميه الثالثه الذي تنفذه امريكا والغرب، وعلي كافة الاصعده، وصار السلم والامن العالميين هما السلم والامن لاسرائيل، والخطر هو الاسلام عقيدة وكتابا وبشرا وحضارة، وعلي الحكومات ان تختار، هل هي معهم ام ضدهم ؟.

كان العرب قد اخذوا علي الولايات المتحده والغرب أنهم يستخدمون قاعدة "الكيل بمكيالين" او "ازدواجية المعايير" عندما وصمت امريكا والغرب كل العمليات الاستشهاديه في فلسطين "بالارهاب"، والقتل الاسرائيلي للفلسطينيين بالعتاد الامريكي "دفاع عن النفس"، ولكن الارهاب الفكري الامريكي ومحاكم التفتيش الامريكيه أعملت آلياتها علي العقل العربي، فلزم الصمت، وهو يضيف الي اللحظة هدوءا علي "هدوء اللحظة الحرجه".

وتجتهد امريكا في جمع الصف الغربي، الا ان ساركوزي ذهب مغاليا، واصطف مع امريكا وعلي حد تعبير اللوموند بوليتيك "انضم بعد ان تحقق انهيار حرب امريكا علي الارهاب" ، وقالت الين تاوشر عضو الكونجرس "يجب ان تصدقوا الفرنسيين ان فرنسا مصدر هام للمعلومات عن ايران التي انقطعت علاقتنا بها منذ 1979، وكذلك المخابرات البريطانيه".

ولا تتوقف كوندليزا عن الدعوه لحوار مع ايران شرط وقف التخصيب، وفي ذات الوقت يجري البحث عن ادله من خلال التحقيقات مع الاسري من المقاومه العراقيه للتدليل علي دور ايراني داخل العراق.

اسرائيل شئ مختلف

خطتان امريكيه واسرائيليه، تستهدفان المواقع النوويه الايرانيه ، وتضيف الخطه الامريكيه مواقع الحرس الثوري، والخطتان تستخدمان القنابل التكتيكيه النوويه ، لاول مره منذ ضرب هيروشيما عام 1945.

الحاله الامريكيه الآن تماثل "الانتظار الايجابي"، الحديث عن الدبلوماسيه، ضرورة زيادة الضغط بالحصار الخانق لايران، ضرورة صدور قرار ثالث من مجلس الامن، ضرورة انضمام الصين وروسيا الي الموقف الدبلوماسي. وتشكيل "لجان مشتركه" اسرائيليه امريكيه لتبادل المعلومات الاستخباراتيه ، ودعم اتخاذ القرار المشترك. ثم الاعداد لباقي مسرح العمليات ، في سوريا ولبنان وغزه من جهة اخري، ومن المحتمل ان تكون الخطه الاسرائيليه البريه للهجوم علي سوريا ولبنان تنتظر اوامر التنفيذ حال بدأ العمليات ضد ايران، اما بالنسبه لقطاع غزه فخطه الاجتياح ستنفذ بعد مؤتمر انابوليس.

وتعلن امريكا تخوفها من قيام اسرائيل بعمل منفرد ضد ايران ، وكأنه امر قتال !، وتتعاقد امريكا علي شراء صفقة سلاح اسرائيليه بقيمة 700 مليون دولار. وتوقع علي خطاب نوايا بالمعونه العسكريه الامريكيه لاسرائيل بما قيمته 30 مليار دولار لمدة 10 سنوات.

و تجري عملية الاغتيال المعنوي لمدير الوكاله الدوليه للطاقه النوويه تحسبا لاي تقرير يقدمه ولا يخدم الاهداف الامريكيه الاسرائيليه وطالب موفاز وزير النقل الاسرائيلي والمسئول عن ملف التنسيق الاستراتيجي مع امريكا بخصوص ايران باقالة البرادعي من منصبه لانحيازه لايران، وتستولي اسرائيل علي مهمة الوكاله في تحديد استجابة ايران من عدمها وحسب ما تراه من تصاعد في العمليه الدبلوماسيه تتخذ قرارها بالهجوم مع او بدون امريكا.

والمدي الزمني للحركه محدود بالزمن المتوفر للاداره الامريكيه الحاليه، وينتهي تقريبا بنهاية النصف الاول من العام القادم، بينما الحشود العسكريه تكتمل مطلع 2008، حيث غادرت حاملة طائرات امريكيه قاعدتها الاسبوع الماضي تصحبها مجموعة قتال بدون تحديد اتجاهها، ووصلت مجموعة قتال بريطانيه من ست سفن الي الخليج وتصل حاملة طائرات بريطانيه اوائل 2008 وترافقها مجموعة قتال من خمس سفن.

ويبقي تقدير الموقف لرد الفعل الايراني إن بدأت العمليات، فمن وجهة النظر الامريكيه، استمرار القصف الشامل لمدة 40 ساعه، وبكل الاسلحه، لتحجيم رد الفعل الايراني اما رؤية اسرائيل فانها تنحصر في ان ايران لن تستخدم صواريخها الباليستيه لان هذا يعني تعرضها لغارات جديده بالقنابل النوويه التكتيكيه.

تبدو اسرائيل في وسط المشهد القائم الموجه الرئيسي للامور، وأنها شئ مختلف ، ويقبل منها العالم ان تهدد ايران وان تعلن رفضها لبرنامجها النووي ، وانها ستتخذ ما تريد من اجراءات ، بل وتعلن عن هجومها علي الموقع السوري وتدمير منشأه في محاوله للايحاء بانها استخدمت قنبله نوويه تكتيكيه، سواء قصفت من طائراتها او من طائرات امريكيه، وبتنسيق كامل مع امريكا، وتكشف عبر اعلامها عن خطة الهجوم بقنابل نوويه علي المواقع الايرانيه، وكأنها تقول لهم انزعوا ايران من الخريطه او سأنزعها بالقصف النووي، ولا يحرك العالم ساكنا في مواجهة الترسانه النوويه الاسرائيليه، ولا في مواجهة التهديد باستخدامها ، لان اسرائيل شئ مختلف.

ويتناسي العرب في هذا الخضم ان اسرائيل بالاصل كيان استيطاني، وانها محمية امريكيه مطلقة الاراده في القتل، وان الفيتو الامريكي والترسانة العسكريه الامريكيه والغربيه في خدمتها، ويتحدث العالم عن الارهاب الاسلامي وضرورة تصفية حزب الله وحماس وسوريا وايران.

سقطت امريكا في المستنقع الافغاني والعراقي واخذت معها حلف الناتو الذي تحاول دوله التحلل من التزاماتها باستمرار قواتها فضلا عن رفضها لزيادة هذه القوات كما تطلب امريكا، ولكن الحرب علي ايران شئ آخر، لن تكون مخرجا من الازمه ، بل هي مرشحه أكثر من العراق وافغانستان لان تكون نقطة الانفجار لازمة المواجهة الامريكيه الاسرائيليه الغربيه مع العالم الاسلامي والعربي، قد لا تكون النتائج مريحه، ولكن الثمن الذي سيدفعه تحالف الشر الغربي سيكون افظع مما يتصورون حتي الآن، وسيكون عالم ما بعدها ليس كمثله قبلها.

والعرب يملكون منابع البترول، ويطلون علي بحيرة عربيه هي البحر الاحمر، وبحيرة اسلاميه هي الخليج، وينتمون وايران الي دين واحد، ويسيرون في الركب الامريكي دون تردد ؟؟

وايران في هذه اللحظه مطالبة داخليا بتجاوز ترف الانقسام، وتجديد الثوره، والحفاظ علي ما حققت حتي الآن ودعم تطويره، ومطالبه تجاه العرب باعلان نوايا لا تخطب فيه الود الامريكي باتفاق حول العراق، ولكن تبني فيه اساس علاقة مستقبليه مع العرب، مهما كانت الممانعه العربيه لهذه الخطوات، ولعلها تتمثل في امرين:

الاول: أن ايران لن تضرب موقعا في دول الخليج، حتي وان كان قاعدة امريكيه، فبنك الاهداف الامريكيه بالمنطقه بما فيها اسرائيل، كفيل بان توجه ضربات موجعه لامريكا، حتي ان الاعلام الغربي يتحدث عن بيرل هاربر جديد يصنعه المحافظون الجدد بالاسطول الخامس الامريكي في الخليج.

ثانيا: أن ايران تلتقي والعرب في ضرورة الحفاظ علي وحدة العراق ومواجهة الحرب الاهليه المصنوعه علي ارضه. ويصبح هذا توجها استراتيجيا ايرانيا، وتتخلص ايران من عقدة الثأر.

والجانب العربي مطالب بحسن الانصات والتصرف بالقاعده الموضوعيه المجرده "أن ايران قوة مضافه الي القوه العربيه، وان امنها متلازم والامن العربي" ، وليراجع العرب انفسهم في امر امنهم القومي.

الامن القومي ليس مقولة صماء، يملك مفاتيحها الجن، وتتجاوز قدرة العقل البشري، بل هو حالة حياة تستطيع ان تمسها وتراها، إن أدركت أنها ليست هروبا من خوف ولا يصنعها الخوف، ولكنها حالة مسئوليه لا تنقضي بالهروب منها ولا يصلح إنابة احد فيها.

فالمهمه الاساسيه للامن القومي، بدون اخلال، هي توفير البيئه اللازمه للحياه وحمايتها ، لجماعة وفوق ارض ينتمون لها، داخليا وخارجيا.

ومحددات الامن القومي ومهامه تنطلق بالاساس من الاستراتيجيه القوميه للامه او الجماعه ، محددة مقاصدها العليا واهدافها وامكاناتها ووسائلها.

ووجب علي العرب التحدث بلغة واضحه المصالح والاهداف، وفوق الارض التي يعيشون عليها، وادراك الجوار الجغرافي الذي ينتمون اليه، وعدم الهروب الي جغرافيا عبر المحيطات..

مؤتمر ابومازن

السلطه الفلسطينيه، ورغم الحديث الاسرائيلي انها ليست بالشريك القوي، صار هدفها "مجرد الانعقاد" وفقط ، وفي نهاية الثمانينات وبحضور بعض الاصدقاء قال لي بسام ابو شريف "إعطني جواز سفر امريكي وانا أحل القضيه!"، ويبدو ان نفس النظريه هي الحاكمه للسلطه الفلسطينيه ، فهل مازال بسام ابوشريف عند نفس القناعه؟.

ابو مازن يشكو اسرائيل الي كوندوليزا في مكالمة معها بان الاسرائيليين يتعنتون في امر الاتفاق الاخير المبني للمجهول، ومن ناحية اخري يحمل ابو مازن مسئولية دعوة الدول العربيه واقناعها بالذهاب الي انابوليس علي الا يكونوا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين كما طلبت ليفني، وللتطبيع من اجل التطبيع خارج ما سمي بالمبادره العربيه ، وفي نهايه الافعال يطالب ممثله في الامم المتحده ـ حسب المحاضر والنصوص الرسميه التي نشرتها قناة الجزيره ـ بقرار يصدر عن الامم المتحده يدين " مليشيات فلسطينية خارجة عن القانون" ويواجهه مندوبوا ليبيا والسودان وسوريا والاردن بالرفض، ويقول له المندوب المصري: " ان هذا التوصيف يفتح الباب أمام الأمم المتحدة لتصنيفها على أنها مجموعات إرهابية وإدراجها على بعض القوائم ويساعد إسرائيل" ،ويكمل"إلا إذا كان هذا الذي تريده السلطة الفلسطينية ولكنني لا اعتقد ذلك" ، ويتمادي مندوب ابو مازن ـ حسب نص محضر الاجتماع ـ قائلا "أن بلاده ستتفهم موقف اي بلد عربي يرفض تبني هذه المشاريع".

نفس الدعوه التي خرجت من السنيوره الي الامم المتحده والجامعه العربيه لموقف دولي ضد تهريب السلاح عبر الحدود السوريه اللبنانيه، ابومازن والسنيوره رؤساء، والضحيه فلسطين ولبنان !!

وفصل القول ان ابو مازن يعلم ماذا بعد مؤتمر انابوليس ، والذي تؤكده المعلومات، ان الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزه سيتم بعد المؤتمر ، وانه عنيف وبلا حدود ، والمعلومات وصلت مصر ووصلت حماس.

العنف في الافق، والابواب الخلفيه موصده، والادراك العربي علي المحك، ودائما اسرائيل شئ مختلف، فهل لنا ان نتجاوز هذه الحاله؟

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 13/11/2007