٠٥‏/٠٣‏/٢٠٠٨

لا وقت للدموع ... كل الوقت للدم

"وصلت المستشفي ووجدت ابني في العمليات وابوه واخوه في الثلاجه" هكذا اختزلت ام فلسطينيه حال الشعب في غزه ، ابجدية الدم والشهاده ، ولو حاولنا وصف حالات الانفعال او الصراخ او الاتهامات التي ملأت الفضاء تزاحم ارواح الشهداء لما استطعنا ان نحيط بها. ولا يستطيع عاقل القول انه مفاجئ بوقائع القتل في غزه ، ففي هذا المكان وقبيل مؤتمر انابوليس كنا نحذر من هذا المخطط ، بل وكان رأينا يومها ان ابو مازن ومجموعة اوسلو شركاء في هذا المخطط بعد ان وقعوا فريسة تصور عقيم يقول بأن ما أخذه الصهاينه "بالدم" طوال الصراع العربي الصهيوني يمكن استرداد شئ منه "بالكلام". وليس هناك جدوي من الكلام ايضا عن حالة التردي العربي ، ليس مجرد تردي للنظم الحاكمه ولكن ايضا لقواه السياسيه التي استطابت لغو الكلام ، وفقدت قواعدها الشعبيه ، فصارت اقرب الي خيالات "المآته" ، لا خير منها الا الوهم في رؤوس اصحابها.

وليست غزه هي المأساة ، غزه هي الحقيقه ، اما المآسي فهي في تلك المدن التي ترفرف عليها اعلام يقولون انها اعلام الاستقلال العربي ، ولها اناشيد يقولون انها اناشيد وطنيه ، وان هذه المدن هي "العواصم" ، ولم يفسر احد منهم "عواصم لمن ؟ وعواصم ممن ؟ " ، وفي الوقت الذي تدور فيه آلة الكيان الصهيوني ، في كل الاتجاهات تعزز وجودها المستعار فوق الارض ، يدور صراع البقاء بين العواصم العربيه ، وكأن بقاء احدي هذه العواصم يوجب الفناء لغيرها.

ليس هناك فصل بين غزه ولبنان والعراق ودمشق ، الكل في ذات البوتقه ، وفوق ذات النيران ، والراقصون من حول النار يغنون بلغة الضاد علي مزامير بني صهيون. وليس هناك من حاول ان يفسر لنا كل الوقائع التي تجري فوق الارض العربيه لصالح اسرائيل وامريكا وضد المصلحه العربيه.

وحيثما يكون الدم ، تتجسد الحقيقه بلا مواربة ، والبدايه دمشق ، والصراع العربي - العربي حول إنعقاد مؤتمر للقمه العربيه بها ، وكأننا نرجوا من اي مؤتمر للقمه العربيه شيئا ، هي احتفاليات للتردي والصراع الداخلي ، ومن قبل عدوان 1967 كان تقييم تجربة مؤتمرات القمه ان الانظمه المتعاونه والمهادنه لاسرائيل ، استترت بها امام شعوبها ، ولكنها لم تنجز في اطار الصراع العربي الصهيوني شيئا ، واعلن عبد الناصر ذلك في خطابة بجامعة القاهره في 22 فبراير 1967 ، وكان حديثه الي مؤتمر اتحاد المحامين العرب في 27 من الشهر نفسه مؤكدا علي تجاوز آلية مؤتمرات القمه. اي اننا منذ اربعون عاما لا نريد من مؤتمراتهم شيئا ، وحتي مؤتمر الخرطوم ومؤتمر ايلول الاسود كلاهما ما كان لهما نفعا ان لم تكن هناك منظومة عمل تعد سواء للتحرير او لتمكين المقاومه. وسواء دعوا لبنان الي دمشق او لم يدعوه ، وسواء ذهبت السعوديه او لم تذهب ، او انعقدت قمة مصريه سوريه او لم تنعقد ، فهم جميعهم خارج معادلة الصراع ، وليس داخلها الا خزان الدم العربي ، ثمنا للبقاء في مواجهة العجز العربي.

وشاءت الظروف ان تكون دمشق ايضا هي مسرح عملية اغتيال القائد المقاوم "عماد مغنيه" ، وترددت احاديث عن مشاركة عربيه في هذه العمليه !!! ، وصمتت الانظمه العربيه ، ولكن هناك سؤال معلق وهو ايضا حول دور عربي امريكي لم يفسره احد ، وهو دور الرباعي " ديك تشيني – إليوت ابرامز – بندر بن سلطان – زلماي خليل زاده" ، وهي اللجنه التي ادارت اعادة التوجيه في الاستراتيجيه الامريكيه تجاه المنطقه حسب رواية سيمور هيرش وليس من حكاوي القهاوي ، وهذه الآليه ذاتها التي تضمن تمويل العمليات السريه التي يمكن ان تعاني مشاكل تمويليه امام الكونجرس الامريكي. وهل يمكن لاحد من السعوديه ان ينفي لنا وجود هذه الهيئه وبهذه المهام والامكانات ، وهل هناك من يمكنه ان يفسر لنا رسائل المحمول التي طافت بالعرب السعوديين في لبنان تطلب منهم ان يغادروها ؟؟؟ ، وهل هناك من يمكنه ان يفصل بين اغتيال مغنيه وما تحدث عنه من قبل ديفيد بن اليعازر عن استهداف قيادة حزب الله ؟؟؟. الكل يصمت ، ويواري وجهه بعيدا ، ولكن خزان الدم العربي الذي يدفع ثمن البقاء ، سوف يتحول الي طوفان ان استمرأت الخيانه "وخناجر العباءات" قادة المقاومه ... احذروا هذا الاخدود.

ويبقي الدم في غزه اصدق من السلاح الامريكي الصهيوني الذي يقتل ، وهو اصدق من حفنة المرتدين عن شعبهم ووطنهم في السلطه الفلسطينيه وخاصة ذلك الشئ المسمي بوزير اعلام ابومازن. ولهؤلاء ولغيرهم ، ليس هناك في معادلة حروب التحرير ما يمكن تسميته بالتوازن بين قوة الاحتلال وحركة المقاومه ، فاذا كان التوازن أمر مطلوب في ميزان القوي بين الدول ، الا ان مفهومه مختلف عند حركات المقاومه وحركات التحرير. فحركة المقاومه تبدوا من المعني اللفظي انها محاولة اعاقة لاستمرار الاحتلال ، اي ان تكون تكلفة الاحتلال اكبر من ان يتحملها المحتل ، سواء كانت التكلفه بشرا ، او احساسا بالقوه او الامان ، او كانت تكلفة ماديه. وعمليات المقاومه مقوماتها الاساسيه ما يمكن تسميته بالقدره الذاتيه ، فمثلا الحجر لن ينتهي وهو دائم ، لذلك كانت انتفاضة الحجاره تستخدم الارض ومنتجها الطبيعي ، وهذه القدره "الحجاره" ، والاطفال ، هما وقود الانتفاضه الاولي والتي جعلت للحجر بيد الطفل فعل القنبله ، قوة الضعف ، ولكنها بارادة اشتباك مستمره ، وقبول بالشهاده لاحدود له ، مما اصاب آله المواجهة الصهيونيه باعباء بعدد الحجاره وعدد الاطفال. وكذلك ظاهرة "الاستشهادي" ، تلك الظاهره التي جعلت من العنصر البشري ما يساوي قنبلة موجهة ، وبديل الماده والتكنولوجيا ، العقيده القتاليه التي تهيئ المقاوم لمثل هذا الفعل ، وهو فعل اتي ثماره في مواجهة مارينز ريجان في بيروت. وفي زمن المواجهة للاستعمار التقليدي ، كان يكفي ان تكتب علي الحائط "الفدائيون مروا من هنا" ، ليكون معني هذا ان ميزان القوي اصابه خلل.

المقاومه وحرب التحرير خيار إرادي ، ليس ترفا ولا نزقا ، ولكنه وطن يرزح تحت نير الاحتلال ويفرض علي ابناءه واجب المقاومه ، ايا كان الثمن ، ومهما ارتفعت التكلفه ، لذلك لا يقاس امر الانجاز في حروب التحرير باعداد القتلي من الجانبين ، فهل يعقل ان تنسحب القوات الامريكيه من الصومال لان بضعة جنود من قواتها قتلوا وتم سحلهم بالشوارع ؟؟؟ ، وهل يعقل ان ريجان يسحب قواته من لبنان لان 241 جندي من المارينز قتلوا بعمليه استشهاديه ؟؟؟ ، الامر ان ما حدث له دلالة بما سيجري وألقي بسؤال علي قوة الاحتلال : هل انتم علي استعداد لدفع الثمن ؟؟؟ ولانه وجد الاجابة بلا ، قرر الانسحاب ، ذلك لانه قائد ومسئول حتي وان كان محتلا وغاصبا.

وقراءة حركة المقاومه الفلسطينيه ، تبدأ بالاساس من تعريف طبيعة الاحتلال الاستيطاني القائم ، فهو ليس قوة عسكريه تحتل جزءا او كل الوطن ولكنه حالة استيطان كامل لمدة 60 عاما تحت اسم دوله ، ومن قبلها سنوات من المواجهة وذات حال القتل ولكن تحت الانتداب البريطاني ، ويمكن القول ان المقاومه بدأت بالفعل فوق الارض بعد 1967 ، ولكنها كانت محاصرة من الخارج "عربيا" ، بقدر ما كانت مستهدفة بالقتل من المستوطن الصهيوني. وغير ذلك كله فالمقاومه ايضا حالة من الابداع ، تعيد انتاج ظروفها ، وليس مطلوبا من المقاومه الفلسطينيه امتلاك القنبله الذريه في مواجهة السلاح النووي الاسرائيلي ، ولكن ان تملك القدره علي تطوير ما تنتجه من مقذوفات ـ الصواريخ ـ من حيث المدي والقدره التدميريه واخيرا كما قالت اسرائيل "القدره علي التخزين". فما تحاربه اسرائيل وتحاول قتله ليس مجرد الطفل وليس مجرد الحياه فوق الارض ، وليس الوعيد بأن اهل غزه والضفه يتحملون مسئولية وجود المقاومه ، ولكن ما تحاوله اسرائيل بكل آلتها العسكريه فوق كل ذلك ، هو قتل احتمالات التطوير الذاتي لصاروخ المقاومه ، والذي كان وصوله الي عسقلان اشعار بانتاج جديد وتطوير جديد ، والرعب الاسرائيلي اذا امكن تحميل هذه الصواريخ بعبوات كيميائيه ، وليس عبوات متفجره.

الدم الفلسطيني لن يتوقف طالما كان هناك الاحتلال الاستيطاني لفلسطين العربيه ، وطالما كانت هناك ارادة المقاومه لدي الشعب الفلسطيني ، ولكن هذا ليس مبررا للتردي العربي او التآمر العربي علي ارادة المقاومه سواء في لبنان او فلسطين او العراق ، بل ان استمرار الدم الفلسطيني يفرض الارتقاء فعلا وقولا الي مستواه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 4/3/2008

ارجو قبول العذر للتأخر في تصدير هذه المقاله

لاني ما ان انهيتها يوم 11/2 ، حتي كنت في طريقي الي غرفة العنايه المركزه بسبب ازمة قلبيه

احمد الله ، واشكر كل من اتصل وتواصل

لذلك تصلكم رسالتي هذه والمقال الاخير الذي صدر في 4/3/2008

مصطفي الغزاوي

حرس سلاح ... مصر الجائزه الكبري

كسر الارجل ، حرق الاخضر واليابس ، موالاه ، معارضه ، مفخخ ، كرتونيه ، عبثيه ، سلطه وطنيه ، حكومة تسيير اعمال ، حكومه مقاله ، ياخدوا اكل ويرجعوا ، اجهزه امنيه ، لن نسمح ، توافقيه ، لا دستوريه ، صحوه ، شرعية دوليه ، بلير ، وولش ، وولفتز ، ابرامز ، اليمامه ، محكمه دوليه ، ارهاب ... صارت هي كلمات قاموس السياسه العربي ، ونسي العرب قاموسهم ، ولم يعد لديهم حياء في تخاطبهم عبر الاعلام عن قضاياهم الحاله وامام شعوبهم وكأن هذه الشعوب لا تملك قاموس السوء من القول.

من حكايات جحا ، أن الناس صرخوا فيه ان انهض لغوث بيتك فالسوء قد نال منه ، فأبي الا ان ينتظر حتي يصل السوء اليه. هكذا كان جحا الشخصيه الوهميه التي كانت تقول بالحكمه و تقول بالغباء ، ولك انت ان تختار. ودرج العرب علي استخدام الاقتراب الرمزي من المشاكل ، والا فهو الدم بينهم ، وخسر العرب لغة القرآن القاطعه والحاسمه والواضحه ، بلا التفاف ولا تعمية ، وانساق الكلم العربي في ايامنا الي لغة مصطنعة جري استيرادها من ترجمات لها دلالتها عند الغير ولا تحمل ذات الدلالات عندنا ، ولو اخذنا كلمة شفافيه المنقوله ، اليس الافضل مكانها ، الصراحه والوضوح وامانة القول ، ام اننا نتجاهل لغتنا علنا نتخلص من مسئولياتنا.

ان يصف عباس ضربات المقاومه لمستعمرات الكيان الصهيوني انها عبثيه ، فهذا متوقع ، لانه تنازل عن حق مقاومة المحتل الذي شرعه المجتمع الدولي عبر التاريخ ، وفرضته عليه شرائع السماء ، ولكن ان يخرج وزير خارجية مصر بوصف "كرتونية" المقاومه ، وانه "سيكسر رجل من يعبر الحدود بين مصر وفلسطين" ، فهذا امر مناف لخيارات الامن القومي المصري الذي استيقظوا فجأة علي المخاطر التي تحيق به. وتلقي قارعي الدفوف من جوقة الاعلام الحكومي وجماعة اوسلو المصريه ، طرف الخيط ، وصارت "غزه" واهلها هم مصدر الخطر ، حتي انهم ضبطوا في وسط الدلتا مفخخين ؟؟ اي علي مسافات تزيد عن 400 كيلومتر من حدود مصر الشرقيه. ثم لماذا الرعب الاسرائيلي من تعرض المستوطنات المحيطه بغزه لقصفات "الصواريخ الكرتونيه" ، وهل سيقترح ابو الغيط بديلا عنها غير حالة ابو مازن ، وضربات الصواريخ الكرتونيه امر مضاف للعمليات الاستشهاديه ، اليس ذلك اضافة رعب وعبء علي نظرية الامن والاستقرار الصهيوني ، رغم ان اسرائيل تواجهه بحرب اباده ، والعالم الذي ندعيه مصدرا للشرعيه وشريك اساسي في اتفاقات المعابر يصمت دون تعقيب.

في الوقت ذاته تولت ليفني الدعوه الي (السماح) بزيادة القوات المصريه علي الحدود ، وكأنها تتعامل مع ابو مازن او دحلان فتحدد مهام القوات المسلحه المصريه علي الحدود ، وتسمح بزيادة عددها ، ولم يعلق احد علي ذلك ، وهل هو تدخل في الشأن المصري ام انه "عشم" الاصدقاء. ولم يحاول احد مناقشة قرار المحتل الاسرائيلي ببناء حائط جديد بين قطاع غزه ومصر ، وكأننا امام التزامات مضافه علي معاهدة كمب ديفيد التي افرغت سيناء المصريه من جيشها الوطني.

واذا جازفت اسرائيل ونفذت وعيدها بهجوم شامل علي غزه ، رغم المخاطر التي تشير اليها الاجهزه الامنيه الاسرائيليه بأن مقاومه عنيفه ستواجه القوات الاسرائيليه ان حدث ذلك ، وماذا يكون الموقف المصري ولا اقول العربي. ثم ماهو راي المتشدقين بأمن مصر القومي في الوحده البحريه لاسرائيليه والتي يسميها كل من هم في قطاع العريش ورفح " الدبور " ، واختراقها للمياه الاقليميه المصريه ، لتدور داخلها كما لو كانت وحدة رصد الكتروني ، ولتخرج من المياه الاقليميه دون ان يعترض سبيلها احد ، وما موقفهم من اختراقات سلاح الجو الاسرائيلي للمجال الجوي المصري ؟؟

مصر هي الجائزة الكبري التي يتنافس عليها طرفا الصراع في المنطقة العربيه ، امريكا واسرائيل من جانب ، وقوي المقاومة والتحرير في الجانب الآخر ، واذا جاز لامريكا واسرائيل استخدام أساليب تحمل في مضمونها أخطارا علي الامن القومي المصري ، إلا ان ذلك ليس مطروحا كخيار لقوي المقاومه والتحرير ، بل ان خيارها هو سلاح الصمود والصبر حتي تعود مصر بما تمثله لكل العرب الي ذات الخندق. هذه هي القاعدة الوحيده وقانون التعامل مع مصر. وإن حملت الاحداث الاخيره تجاوزات ، او ما صور انه مساس بقدر مصر ، فإن مسئولية مصر استيعاب هذا ، لأن غزه وكل فلسطين وامتدادها شمالا في لبنان وسوريا هو نطاق الامن القومي المصري المباشر ، ولا تملك مصر ترف التفريط فيه لحساب العدو الحقيقي ، والذي ليس محتلا وفقط بل انه يعلن انه دوله ، ويهوديه نقيه.

في عام 1970 عندما قبل جمال عبد الناصر مبادرة روجرز ، شنت اذاعة فلسطين من القاهره حملة ضد موقف عبد الناصر ، ولم تعلن مصر ان الفلسطينيين خطر علي الامن القومي المصري ، بالرغم من انه تم ايقاف الاذاعه لفترة محدوده ، لتعود للعمل ، ففلسطين قضية قوميه ، وهي قضية امن قومي مصري بالاساس ، وعندما كان ايلول الاسود والمواجهة بين الملك حسين ، والمقاومه الفلسطينيه في الاردن ، ميزت مصر بين ما سمي بتجاوزات المقاومه في الاردن ، وبين تدمير المقاومه ، ولينعقد مؤتمر للقمه العربيه ويتم تهريب عرفات من عمان الي القاهره ، رغم وجود الملك حسين بالقاهره والمسدس الملكي في خصره ، وينتهي المؤتمر بايقاف المواجهة ورحيل جمال عبد الناصر الي رحاب ربه وكان آخر نفس له لفلسطين ، لانها ارض الامن القومي المصري.

وفي عام 1972 ، وكنا بسجن القلعه ضمن الطلبه الذين اعتقلوا في اعقاب المظاهرات الطلابيه بعد خطاب "الضباب" الساداتي ، تولي امر الضيافه واعداد الحمامات الساخنه وامدادنا بالسجائر وطعام العيد الكبير عندما حل علينا ، المجموعه الفلسطينيه التي اغتالت وصفي التل علي باب فندق شيراتون الجيزه ، وشربوا من دمه ، ولم يتهمهم احد في حينها أنهم خطر علي الامن القومي المصري ، ولنلتقيهم بعد ذلك في القاهره احرارا غير مقيدين.

وفي منتصف التسعينات كان لقاء افطار رمضاني يتحدث فيه قائد اللواء المدرع الذي خدمت فيه ، وفي حديثه قال "ان بوابة مصر الشرقيه هي خط المضايق في سيناء" ، وناقشته امام الحضور بأن التاريخ والجغرافيا فرضت علينا ان تكون بوابة مصر الشرقيه شمال الشام ، وكان من الحضور زملاء له من العسكريين وبعضا من المثقفين من المغرب العربي تولوا تدعيم حقيقة ارتباط أمن مصر القومي بأمن سوريا ولبنان وفلسطين ، ومنذ زمن الفراعنه ، وعبر التاريخ ، قدر لا يمكن تغييره بطبيعة المكان ، ومصادر الخطر التي كانت دائما تأتي من الشرق.

وعلي الجانب الاّخر ، لبنان وسوريا ، وكيف يمكن تفسير موقف المقاطعه لسوريا ومحاولة عزلها ، اليس ذلك ضد مقتضيات الامن القومي المصري ، وماذا لو قامت اسرائيل بعدوان علي سوريا ، اليس ذلك علي حساب امن مصر ، واستكمالا لحلقة الحصار عليها ، بالاضافة الي ما يحدث في الجنوب فوق ارض السودان ، وحجم التواجد الاسرائيلي في دارفور والجنوب ومنابع النيل ، وكيف تقرأ أحداث تشاد وكينيا واثرها علي امن مصر ، وامن منابع النيل.

ولبنان المرشحه لان تصبح ساحة اقتتال عربي عربي بعد ان انتابت عناصر الجبهة الامريكيه الصهيونيه حالة شجاعه هي مؤشر ان ضوءا اخضر اتاها ، وتهديدات حرق الاخضر واليابس ، اليس ذلك ضد الامن القومي المصري ، ورغم موقف مصر من المقاومه والعدوان الصهيوني في يوليو 2006 ، الا ان السؤال يعيد طرح نفسه مرة اخري ، ما الطائل ان تأخذ مصر جانب السعوديه في دعم وجهة نظر بندر بن سلطان ضد المقاومه ومع الخيار الامريكي الصهيوني ، وكيف تقبل مصر ان ترتهن جماعة "14 آذار " أمن لبنان وامن سوريا وامن مصر ، ثأرا لاغتيال رفيق الحريري ، اليس هناك لجنة تحقيق ، ام ان كل يأخذ الثأر ممن يرغب ، وتحت عباءة رفيق الحريري ، أليس قبول مصر تحويل الصراع قسرا من عربي صهيوني الي سني شيعي ، هو علي حساب تقديرات الموقف الخاص بامن مصر القومي ، وهو تغطية علي العدو الرئيسي الذي يتهدد امن مصر ؟؟ ولماذا تقبل مصر بموقف العداء من سلاح المقاومه في لبنان ، وهي مستفيده مما يشكله من خطر علي الكيان الصهيوني ، أي انه قوة مضافه لامن مصر القومي ، اليس من الواجب التخلص من الموقف السعودي تجاه رعاياها في "14 آذار" ، واتخاذ موقف لصالح رعايا مصر من المصريين في مصر ؟؟

ان موقف مصر ايام السادات "اتركوا لبنان للبنانيين " ادي الي حرب اهليه واجتاحت القوات الاسرائيليه بيروت ، وتكرار هذا الموقف الآن سيؤدي الي دخول القوات الاسرائيليه عواصم عربية اخري غير بيروت ودمشق. هذه لحظة تجب فيها مراجعة مقتضيات الامن القومي المصري ، ما هو داخلي وما هو خارجي ، لان عناصر المشهد كلها تشير الي حرب اهليه عربيه عربيه ، ومواجهة مع سوريا وايران.

حرس سلاح ، وليس كلام ، فمصر هي الجائزه الكبري ، وحقها علينا ومسئوليتها تجاه ذاتها وأمنها تفرض استحضار كل مقومات الانتباه والاستعداد ، لاعادة النظر في المواقف و المعاهدات ، واداءات الرعونه ممن استطابوا الخندق الصهيوني ، وإن اتاهم السوء فيه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 12/2/2008