الانفاق وتهريب الاموال ادوات للامن القومي المصري
الاحداث المتلاحقه تأبي ان تتيح من الوقت فرصة استدعاء التأمل العقلي في امر امننا القومي ، وكنت ارجو استكمال مقال العدد الماضي ، ولكنه يمكنه ان يتنظر فالعام 2007 يأبي ان يمضي دون ان تستكمل حمامات الدم ، وفوضي العناد ولا اقول الصراع داخل الوطن العربي واقاليمه ، وداخل اقاليم العالم الاسلامي ، مهامها لصالح امريكا واسرائيل. والحديث عن الامن القومي العربي ليس محطة وصول ، ولكنه رحلة مستمره استمرار الحياه ، ولن يتوقف حتي نجد من يتصدي له ، غير الموظفين الذين يتولون قمة هرم السلطات العربيه ، ويأتي رجال يملكون من الفكر والوعي والاراده ، قادرون علي حمل مسئولية وهموم الامه ، مع شعوبها وبهم ولهم. والي ذلك الحين ليس امامنا الا ان نتوجه الي صاحب المصلحه الرئيسي وصاحب الحق الاصيل ، الشعب العربي.
يوم الاربعاء الماضي ، كانت زيارة باراك الي شرم الشيخ ، وزيارات الاسرائيليين الي شرم الشيخ تذكرنا دوما بلقاء بيجن السادات في شرم الشيخ الذي تلاه الهجوم الاسرائيلي علي مفاعل العراق وتدميره. وفي هذا اليوم وخلال لحظات الاجتماع كان الطيران الحربي المصري في طلعات نهاريه ، دفعتني الي الاستغراب والتساؤل ، هل هي اشارة قوة الي وزير دفاع العدو الصهيوني ، ام انها تشريفة وصول. وللمرة الاولي يتداول حول اللقاء " ان ليفني تجاوزت الخطوط الحمر " ، وكأنها لم تتجاوزها من قبل ، وكأن ما فعلته او قالته ليفني في حق مصر ، اكبر من مسلسل القتل والحصار في فلسطين ، وان المعونه الامريكيه التي تقدمها امريكا لمصر اكثر قيمة من "الحجر" الذي تفرضه معاهدة كمب ديفيد علي الوجود العسكري المصري في سيناء ، وما يمثله من عبئ اضافي علي الامن القومي المصري. وينتهي اللقاء دون معني الا تبادل رسائل اتسمت بلغة جديده ، وليست نهائيه ، لغة اذكرني عند ربك في البيت الابيض ، ولكن مسلسل القتل الاسرائيلي لم ينتهي.
ويترافق مع الزيارة ، زيارة النقيض ، السيد علي لاريجاني مساعد القائد الاعلي للثورة الاسلاميه ، ويدور الحديث من جديد عن عودة العلاقات المصريه الايرانيه ، وكأنها رابعة المستحيلات ، وكأن العلاقه مع ايران الاسلاميه ــ والتي تتم بدون حرب ــ أصعب عن العلاقه مع العدو الصهيوني التي تمت بعد اجهاض نتائج حرب 1973 ، والتي لم تضع اوزارها حتي يومنا هذا ، وان كانت باشكال اخري ، تخصم من الامن القومي المصري وبالتالي العربي ، ولا تضيف اليه.
وتحدث واقعة الحجيج الفلسطينيين .. لتكشف وبلا مواربه كيف يواجه الموظفون امر الشعوب. وعندما يعلق 1200 حاج فلسطيني في عرض البحر بين مينائي العقبه الاردني ونويبع المصري ، حجيج عائدون من بيت الله ، تعتقلهم اسرائيل في عرض البحر بقرار صادر من السلطات المصريه. ولن نعود الي اصل المشكله في خروجهم من غزه ، ولكن يبدوا ان كمب ديفيد القت بظلالها علي كامل الاراده العربيه ، فاتفاقية معبر رفح تشترط وجود مندوب من الاتحاد الاوربي ، وعدم وجوده يسقط حق فتح المعبر ؟؟؟. من يملك ان يقول هذا ؟ من قبل ووقع هذا الاتفاق عن مصر وليس عن الفلسطينيين المحتلون ، والذين فرط فيهم ورثة عرفات ، او من تستروا علي قتله .. كيف تقبل مصر ، بل وتسوق هذا الشرط لتفسير تصرفها بتعليق وصول الحجيج طالما انهم لم يوقعوا اقرارا ان يتم عبورهم عبر معبر تسيطر عليه اسرائيل اي عمليا تسليمهم الي اسرائيل ، واسرائيل تسمح لهم بالوصول الي غزه بعد ان تعتقل من تشاء ! لماذا ؟ لان اسرائيل تقول انهم يحملون اموالا !!! اي اننا نشارك اسرائيل علنا استمرار الحصار. وكأن قمة الهرم الوظيفي يقول اتركونا في حالنا لانهم يتهموننا بالتستر علي الانفاق ، وكأن الانفاق جديدة ، ولا يعلمها كل الاطراف ، وكأن هناك طريق آخر للامن القومي المصري كي يؤدي واجبه تجاه غزة التي تقع في مسئوليته ، وتعتبر بوابة مصر الآن شرقا بعد ان كانت سوريا هي البوابه الشرقيه.
ما تدركه مصر ، الانفاق وتهريب الاموال الي غزه ، صمام امان ، لا تملك اهداره ، وهكذا ايضا تدركه اسرائيل ، مهما حاولت استخدامه دبلوماسيا ، ففي مصر من لن يقبل باغلاق وسيلة التواصل ، الانفاق ، وهناك في مصر من لن يقبل باستمرار تجويع الشعب الفلسطيني في غزه ، لان هذا من اساسيات الامن القومي المصري ـ العربي ، حتي وان فرضت كمب ديفيد حدود للسلاح في سيناء. والتعامل الدبلوماسي في امور كهذه ليس له الا ان يقول هذه ايضا خطوط حمراء مصريه. وليس جائزا ان تمارس الامه ضرورات امنها القومي علي استحياء ، او باذن من عدوها الرئيسي ، حيث لا يجب غير الحسم.
ولكن تناول الامر بدبلوماسية ميكروفونات المؤتمرات الصحفيه تتطلب كلمات ذات مدلول ، ولا يمكن ان تتحدد سياسات الامم انعكاسا لمواقف الفضائيات ، والفضائيات لم تطلب من الحجيج ان يوقعوا اقرارات بالعبور من خلال المعبر الصهيوني ، وهي لم تمنع وصول العباره الي الميناء وامرتها بالانتظار في عرض البحر ، وهي لم تقتل من مات في العباره ، ولكنها نقلت كل هذا كأخبار ، والموقف كان بين طرفين اساسيين الحجيج ، والسلطات المصريه كما اطلق عليها ، وفجأه اصبح الحكم هو الطلبات الاسرائيليه ، وممثل الاتحاد الاوربي ، وما استطاعته السلطات المصريه ، بعد تراجعها نتيجة ما اذاعته الفضائيات ، ان نقلت الحجيج الي العريش ولتحدد ان الامر محل تفاوض. علام التفاوض ؟ لا احد يعلم ، ولعل العدو يعلن ... فهو للاسف مصدر المعلومات ، صحيحة كانت ام خاطئه. او تمارس الفضائيات مهمتها الاعلاميه وتكشف لنا ما يجري.
ومع تصاعد العناد العاجز لعناصر 14 آذار الامريكيه الهوي والاستقواء والمهمه ، يقترب الامر في لبنان من قمة الازمه التي تنشدها امريكا واسرائيل في لبنان بعد عجز الوسائل العسكريه عن تدمير سلاح المقاومه ، لتفتح الباب امام مواجهة داخلية يمضي اليها الفريق الامريكي وبعناد للحقيقة وللحاجة العربيه واللبنانيه ، وبدعم من العرب المعتدلون. تأتي زيارة ساركوزي لمصر قبل عشرة ايام من وصول بوش الي المنطقه ، وفي ذات الاطار يخرج من القاهره تصريحا ، هو اولا يقر بالدور السوري في لبنان ، ولكنه ثانيا يري نقيض ضرورات الامن القومي العربي ، وتصل الالفاظ الي التطابق مع بوش ، الذي نفذ صبره من سوريا ، لتستكمل القاهره الرسائل بان علي سوريا ان تنهي الفراغ ، ولم نسمع من احد من يقول للرابع عشر من آذار ، ان توقف عن الاستسلام لاسرائيل وخدمة الامريكي والاستقواء به.
هل الرساله الي سوريا عبر المؤتمر الصحفي ، وعلي هذا النحو الذي يجتزأ الحقائق ، هو نتيجة ما تناقلته وسائل الاعلام عن حوار مصري سوري للتقارب يسبق قمة الحكومات العربيه في مارس المقبل ، ولعله لا يكون مثل مؤتمرات ما قبل الغزو الامريكي للعراق والتي تضمنت مئات الرسائل الي صدام حسين ، وليعقبها الغزو الامريكي.
هل اصبح هذا هو جل الدور المصري القومي ؟؟؟ اعتقد واؤمن وأثق مهما طال الزمن ان دور مصر اكبر من ذلك بكثير ، وهي بالغته.
واقعتان تحملان دلالات وتزيد اعباء الامن العربي ، وتكشفان بوضوح ، ان استراتيجية السلام العربيه ، تعني ضرب اي مصدر للمقاومه او لا ينصاع للرؤيه الامريكيه الاسرائيليه ، بل ان استكمال شكل التوافق حسب رؤية هذه الاستراتيجية ، مقدم علي معادلة المجتمع اللبناني ذاته ، وعلي ضرورات امنه في مواجهة اسرائيل ، والقائلون بهذا لا يعرضون بديلا الا "تفريغ الامن القومي" من اي محتوي.
اسئلة تفرض نفسها علي العقل ، هل في مصر صراع حول الموقف من العدو الصهيوني فما اعلن انه تسرب عن مصدر كبير "ان لم تلتزم اسرائيل بعدم التعرض للحجيج سيتم دخولهم الي غزه عبر معبر رفح وافقت اسرائيل او لم توافق" ، والمؤتمر الصحفي يطلب الحكمه البليده ؟؟ ، ام ان مصر تلقت رسالة "ان محاولتها لادخال الحجيج دون اذن اسرائيل سيكون له مالا تتحمله" ؟؟ ، ام ان هناك من يقدم لبوش قبل زيارته ، سواء تجاه اسرائيل او تجاه لبنان وسوريا ،حتي ينال منه حاجته ، اي اننا نرهن امرنا لمعونة امريكيه اقتطع منها جزءا ؟؟ ، ام ان الامر غير ذلك كله ؟؟؟
هناك لحظات تمر بالشعوب تتحقق فيها اهدافها ، ولحظات تتراكم فيها المخاطر من حولها ، وبين هذه وتلك تكافح الشعوب الحيه عن بقائها ، ولا تدع امرها في غير اهله.
نعم استاذ هيكل ... "ولكنها احلام الرجال هي التي تضيق".
مصطفي الغزاوي
الشرق القطريه 1 يناير 2008