١٦‏/١٠‏/٢٠٠٧

تحرير الوسيله ... الحرب النفسيه وحاكم عكا

تحرير الوسيله ... الحرب النفسيه وحاكم عكا

حرب نفسيه .. ام حرب شامله

رغم كل التحليلات والتقارير التي تؤكد علي ان الحمله العسكريه الامريكيه الصهيونيه علي ايران قد دارت عجلتها، الا ان بعض الساسه والكتابات تضع ما يجري في اطار حملة " حرب نفسيه " ولا تتجاوزها. ومن المؤكد ان ما يكتب في الاعلام الغربي يمكن ان يفسر في اطار الحرب النفسيه ، ولكن عندما تصبح القضيه قضية وجود ومواجهة مع "امريكا واسرائيل " يصبح الاكتفاء بمقولة انها تقع في اطار الحرب النفسيه نوعا من الترف لا نملكه، وهو في حد ذاته مقامره.

والحرب النفسيه تتزامن والتفاوض الدبلوماسي ، وهي ايضا تسبق العمل العسكري، ومعني ذلك أنه لا احد ينفي وقوعها، ولكنها لا تمثل في حد ذاتها المحطه النهائيه، هي عامل مساعد، وليست عاملاحاسما في المواجهه القائمه.

ولعلنا نحتاج الي تدقيق في معني المواجهة القائمه وحدودها، فهي في الحقيقة الحرب العالميه الثالثه، وهي حرب ما بعد الحرب البارده، وهي حرب اعلان السيطره المطلقه للقوه الواحده، وهي حرب ضد الشرق الحقيقي والاسلام.

عندما انهار الاتحاد السوفييتي وكان وقتها " روبرت جيتس " وزير الدفاع الامريكي الحالي رئيسا لوكالة المخابرات الامريكيه ((C.I.A. ، تلقي تساؤلا حول مهام الوكاله في المرحلة القادمه ليجيب " الحرب بين الرأسماليه والشيوعيه كانت حربا بين وجههي الحضارة الغربيه، ولكن الحرب القادمه ستكون مع الشرق الحقيقي ، ومع الاسلام، وليضيف ان الدور الاقتصادي لوكالة المخابرات الامريكيه مازال قائما" ، ويوم جاء الي وزارة الدفاع كان إيذانا بان المهمه انتقلت من الهواه " باول ورامسفيلد " الي المحترفين " كوندليزا وجيتس ". المهمه معلنه منذ 17 عاما ولم يكن يومها هناك بوش الابن، ولكن كانت خطط المحافظين الجدد واضحه في استيعابها لطبيعة الصراع القادم ومهامه. وقبل ذلك بعشر اعوام تقريبا كان الاعلام الامريكي يناقش "القنبله الاسلاميه"، وامكانية انتاجها في ثلاث بلدان "العراق وباكستان وليبيا"، ولم يمضي يومها الا بضعة اشهر لتقوم الطائرات الاسرائيليه بتدمير المفاعل العراقي،في اليوم التالي للقاء تم بين بيجن والسادات.

وعندما نجح العرب في استخدام البترول كسلاح ضغط اقتصادي اثناء حرب 1973 وكان وقتها كيسنجر وزيرا للخارجيه، طرح ضرورة البحث عن بديل للبترول، وليكمل انه سيدع العرب "يشربونه"!! وهو ذاته الذي وضع قاعدة ترك التاريخ جانبا والحديث من الواقع القائم، وهو ايضا من انتج الحل التنازلي التدريجي للقضية الفلسطينيه بدءا من تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينيه وانتهاءا بما يمكن تسميته ما بعد اوسلو واغتيال عرفات، حيث صار الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين شريكا لما اسماه العرب باستراتيجية السلام.

تحويل الاستراتيجيات الي مهام كما هو واضح لايضيع لديهم مع مرور الوقت، فالعلاقه بين الدول ليست وليدة لحظة او رؤي حاله ترتبط وامر تكتيكي مباشر، ولكن الجنرال "الوقت" هو احد الامكانات المضافه لعناصر القوه.

ولعلنا رأينا مع بوش الابن "نظرية الفوضي الخلاقه"، وصاحبتها كوندليزا ، لم تنهي ما سبقها من رؤي ولكنها أضافت، وجربت ادارة بوش فكرتا "الديمقراطيه" ، و"اسلحة الدمار الشامل" ، وهما فكرتان يتم تسويق ضرورة "الحرب" دوليا علي اساسهما. ورغم انكشاف حالة الكذب التي ضبطت بها الاداره الامريكيه في كلا الشعارين، الا ان ذلك لم يعدم فكرة الحرب التي هي جوهر فرض السيطره المطلقه، ولينتهي الامر الي تقسيم العراق لاجزاء ثلاث، سواء في كونفيدراليه، او اعراق ومذاهب، وكأن الديمقراطيه في عالم الكيانات الكبيره سياسيا او اقتصاديا تعني في المنطقه العربيه التقسيم والتفتيت.

وافغانستان نقطة النزبف المتناميه للقوات الامريكيه والناتو، مرت بمرحلتين يمكن تحديد ناتجهما بانقلاب السحر علي الساحر، فعندما دخلت القوات السوفييتيه افغانستان، اعلنت امريكا "الجهاد" في مواجهة دولة الالحاد، وانتجت ما سمي فيما بعد "بالافغان العرب". وعندما وقعت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعلنت امريكا الحرب علي "الارهاب" ، والمؤسف ان اصطلاح الارهاب انتجه العرب قبل هذا التاريخ، ليتلقفه المحافظون الجدد ويواروا به مخططاتهم الحقيقيه تجاه المنطقه، وتدور كل الرؤوس وتندثر فكرة مقاومة الاحتلال، ويصبح الارهاب قرين الاسلام واي امر اسلامي ، من الجمعيات الخيريه وكتاتيب تحفيظ القرآن الي النص القرآني ذاته.

وعندما كان عام 2005 وتم اغتيال رفيق الحريري، لم يلقي احد بالا الي نظرية الفوضي الخلاقه، ولا الي الاستراتيجيه الامريكيه ، وتم انتاج جماعة "14 آذار" وتعبيرات مثل "ثورة الأرز" ورغم تحالفات الانتخابات البرلمانيه اللبنانيه وطاولة الحوار، الا ان 12 يوليو(تموز) كان واقعة كاشفة لحقيقة التخطيط الامريكي الصهيوني، ولم تتوقف آلة الانتاج الامريكيه، لتحيل الامر الي منهج التقسيم، وتصبح "14 آذار" هي التكوين الامريكي، والذي ظل صامتا او باكيا طوال 32 يوم حتي وقف اطلاق النار، ورغم الهزيمه التي منيت بها اسرائيل علي يد المقاومه الاسلاميه ــ حزب الله ، الا ان "14 آذار" استدعت منهج الحلف الثلاثي "كميل شمعون ـ ريمون إده ـ بيير الجميل" في مواجهة الحركه الصاعده للقومية العربيه في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، عندما استدعي كميل شمعون الاسطول الامريكي السادس لتنزل قواته داعمه للحلف الثلاثي في مواجهة عروبة لبنان.

هذا اقتراب من حقائق استراتيجية امريكا واسرائيل الشريك الاستراتيجي لها بالمنطقه. وليس الامر مجرد حرب نفسيه، هي الحرب بكل ادواتها، الاعلام والآله العسكريه، والتقسيم والسيطره هما الهدف.

حاكم عكا

الامر جاد ويفرض علينا ان نكون صادقين مع انفسنا.حزب الله والمقاومة الاسلامية ليسا كيانا مستوردا من خارج الامه العربيه، والاسلاميه، بل هي من أشرف ما انتجت الاراده العربيه والاسلاميه. وحق المقاومه وواجبها ان تدعم قدراتها المادية والبشريه، والمسئولية العربيه ليست في نزع سلاح حزب الله، وليست في استرداد لبنان المخطوف بواسطة حزب الله ، ولكن المسئولية العربيه هي توفير كافة الامكانات لهذا الكيان المقاوم، وتعديل التوصيف الموضوعي لسلاح حزب الله، في كونه أداة ردع عربيه في مواجهة الكيان الصهيوني، والمسئولية العربيه هي لجم ما سمي بجماعة "14 آذار" ، وليس حملها علي كتف المعتدلين العرب في مواجهة المقاومون من امتنا في الجنوب اللبناني. وبديلا عن تكريس الانقسام المذهبي للاسلام ــ خدمة للرؤيه الامريكيه ــ تحمَل مسئولية التوحد في مواجهة الكيان الصهيوني.

ليس هناك لبنان بالاشتراكيه الدوليه الصهيونيه [وليد جنبلاط والذي رفض ان يعيش في جلباب ابيه]، وليس هناك لبنان بقصر الاليزيه [وملياردير المقاولات ويخوت كان وسواحل الابيض المتوسط]، وليس هناك لبنان بالافراج عن قائد القوات اللبنانيه [ليصبح شريكا بعد ان كان قاتلا]، وليس هناك لبنان بالبيت الابيض، ولن يكون هناك لبنان بالاغتيالات، او بالدموع ، أو بحاكم عكا. ومواقف ممثلي "14 آذار" خلال الايام الماضية تؤكد الخيارات التي يملكونها، وكلها تدور في الفلك الامريكي والصهيوني. فزعيمهم ما بين البيت الابيض وقصر الاليزيه ليحصل علي موقع الرئيس لصالح فريقه، ايا ما كانت النتائج، وخصومته مع المقاومه وسلاحها، واي احتمال للتوافق، ورئيس وزرائها يرسل الي الامم المتحده والجامعه العربيه يسألهم تأمين الحدود السورية اللبنانيه لوقف تدفق السلاح، ولم يعد امامه الا استدعاء القوات من الخارج او اعادة تحديد مهام اليونيفيل لتأمين الحدود.

ومع احاديثهم اتذكر مشاهد حاكم عكا في فيلم صلاح الدين الايوبي الذي اخرجه يوسف شاهين ، عندما فتح بوابات اسوار عكا لجيش الفرنجه "خيانة" لجيش صلاح الدين العربي، وكانت محاكمته مشهدا ختاما للموقف من الخيانه.

تحرير الوسيله

وصف الاستاذ هيكل في كتابة " مدافع آية الله " الثورة الايرانيه بأنها "رصاصة من القرن السابع استقرت في قلب القرن العشرين" ، وفي معرض الحديث عن تكوين الامام الخوميني ذكر الرساله العلميه التي تقدم بها الامام للحصول علي درجته العلميه وكانت تحت عنوان "تحرير الوسيله"، وبقدر المحتوي الفلسفي للعنوان تبدوا مهام "تحرير الوسيله" هي المهام الحاله لما يمكن تسميته بالاستراتيجيه العربيه. إن تحرير حزب الله من الاستنزاف السياسي والمذهبي هو مهمة في اطار تحرير الوسيله ، وكذا معها توحيد حركة المقاومه العراقيه ، ومعهما استعادة المقاومه الفلسطينيه لحيويتها وقدراتها بديلا عن الحصار.

وتبقي المصداقيه العربيه موضع اختبار، فبديلا عن الاتهامات بعلاقة مرفوضه بين حزب الله وسوريا، او بين حزب الله وايران، أليس من الاجدي اعادة اللحمه بين العرب وسوريا وايران ، والسؤال الذي يفرض نفسه، هل وجدكم حزب الله، في خندق المقاومه ورفضكم؟

الاجدر بنا ان نضع حدا للتردي الذي يمثله تيار الاستقواء بالخارج الامريكي الصهيوني المتمثل في "14 آذار"، لن نسألهم بعضا من الحياء ولكننا نرفض ان يصنعوا من جلد الاطفال الشهداء سجادة تخطوا فوقها امريكا واسرائيل الي بيروت العربيه.

واول امس بدأت كوندليزا رايس زيارتها " المكوكيه " للمنطقه للحشد من حول مؤتمر التطبيع في نوفمبر القادم،فهل ستجد مصداقية عربيه تدرك حق امتنا في الحياه، وتضع حدا للتردي العربي، ولا ننشد من احد منكم موقفا مع ايران، ولا حتي بالنصح لايران كما كان النصح لصدام، لان امريكا واسرائيل ستنفذان مخططهما.

"الحرب في مواجهة الاسلام"، بعد ان انقلبتم علي العروبه ومن قبل ان تنتهكها امريكا واسرائيل.

و"الحرب للتفتيت".

وحق البقاء والوجود لمن يقاتلون وحدهم ، والذين لا يقاتلون فلا ينتظروا شيئا سوي القتل.

مصطفي الغزاوي

الشرق القطريه 16/10/2007