٢٦‏/١١‏/٢٠٠٧

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

استراتيجية التوأم السيامي ... انابوليس خارج السياق

شملت المناقشات الاستراتيجيه بين التوأم السيامي ، اسرائيل وامريكا ـ حسب وصف "الوف بن" في صحيفة يديعوت احرونوت ـ في اللقاء الاخير بواشنطون، قضايا دعم المعتدلين ومواجهة محور الشر ووعد الدوله الفلسطينيه والموقف من ايران، ورغم تنوع وجهات النظر بينهما وبعض الاختلافات الا انهما اتفقا علي ان مؤتمر انابوليس لن يؤدي الي اي نتيجه !!.

لقاء انابوليس المزمع عقده في 27 نوفمبر القادم يتسم بظاهرة "الصوت العالي بدون حركه للامام" ، وتضاؤل التوقعات وصل متأخرا للجانب العربي ، فاسرائيل حددت منذ اللحظة الاولي موقفها انه مؤتمر بروتوكولي ، وغير مخصص لمناقشة قضايا ما يسمي بالحل النهائي، وانه بداية التطبيع الكامل بين اسرائيل وباقي الدول العربيه.وبعد اجتماعات متعدده بين اولمرت وابومازن ـ الاول ينتظر تقرير فينوغراد حول الحرب الاخيره والثاني فقد وحدة الموقف الفلسطيني ويغرق في وحل الانقسام الداخلي المسلح ـ إنخفض سقف الاعداد من مناقشة قضايا الوضع النهائي الي وثيقة مشتركه بجدول زمني ، وانتهوا الي الاخذ بما اطلقوا عليه خارطة الطريق الامريكيه، واولي مهامها المستوطنات والمواجهة الامنيه مع المقاومه الفلسطينيه، أي ان اول نتائج انابوليس مواجهة الارهاب الفلسطيني؟ ويصبح الحديث عن السلام او الدولتين مجرد مظله للهدف الاسرائيلي الامريكي الذي قبل به ابومازن.

هذا امرهما معا، اما بالنسبة للحضور:

الداعي الرئيس الامريكي بوش في وضع يعاني فيه انهيارات عديده في حربه علي الارهاب ، وكذبه في العراق ومحاولة استجواب تشيني حول تأثيره علي تقرير المخابرات بشأن العراق وتضليله للامريكيين، والمواجهات الداميه في العراق وافغانستان وحتي الصومال، وانهيار توقعاته في لبنان، والمواجهة القائمه مع ايران، فضلا عن مواجهة مع روسيا بشان اوروبا وهو سيغادر بعد عام، وأخيرا ما الذي يفرض عليه موقفا بشأن القضيه الفلسطينيه وقد تكفل الفسطينيون بأنفسهم؟

واسرائيل تذهب الي اللقاء وعيناها علي غيره، سواء الي الشمال "سوريا ولبنان"، او الي الشرق "ايران" ، او في قطاع غزه، ومن قبل ذلك كله التنافس الداخلي اعدادا للانتخابات القادمه.واذا كانت اسرائيل في مزاد الافراج عن بعض الاسري ـ يتراوح العدد من 400 الي 2000 اسير ـ الفلسطينيين، الا انهم يعدون قانون جديد يشترط موافقة ثلثي اعضاء الكنيست لاقرار اي تعديل بشأن القدس.

ويتزايد الاتجاه في اسرائيل الي تغليب المسار السوري علي ابومازن، ويصل الي القول بان التفاوض افضل من حرب يتبعها بالضرورة تفاوض ، والاتجاه الي سوريا متعدد الابعاد، فهو بعد غارة علي الشمال السوري اعلنت ان آلة الحرب الاسرائيليه لن تتواني في العمل اذا توقعت احتمال خطرمستقبلي غير منظور، والرسالة وصلت سوريا،التي ردت بدورها انها تحتفظ بحقها في الرد، وهذا الاعلان اوجب علي اسرائيل العيش في حالة الترقب المستمر. ثم هو صفقة لمبادله التفاوض حول الجولان بالموقف السوري من حزب الله، وكما يقدر الاسرائيليون ان التفاوض مع سوريا سيؤدي الي "دق إسفين في العلاقات الايرانيه السوريه". ومن بعد ذلك كله فهو تناغم اسرائيلي تركي يتيح للشراكه التركيه الاسرائيليه نموا لتحقيق مناطق نفوذ مشتركه في الشرق الاوسط وسط الغياب العربي الفاعل.

ويسبق ابومازن المؤتمر بجرم سياسي من رئيس السلطه ويحرض اهل غزه علي طرد حماس من القطاع، أي يدعوا الي الحرب الاهليه في القطاع بقرار من السلطه الفلسطينيه.

اليوم التالي للمؤتمر سيكون اشد وطأه علي القضيه، وسيفتح الباب لمواجهة بين السلطه والمقاومه، ويطلق يد اسرائيل لتستبيح كل الشعب الفلسطيني وكل الارض الفلسطينيه.

تقرير البرادعي

لم تجد نفعا حملة اسرائيل ضد الوكاله الدوليه للطاقه الذريه للاغتيال المعنوي لمديرها الدكتور محمد البرادعي ، واصدرت الوكاله تقريرها الذي قدر استجابة ايران وتعاونها وطالبها بمزيد من التعاون واتاحة اللقاء بالافراد المشاركين في برنامجها النووي، وعاجلت الصين التأكيد علي التقرير باعلان عدم حضورها لاجتماع تشاوري كان من المقرر عقده بين الخمس الدائمين بمجلس الامن والمانيا يوم 19 نوفمبر رغم انها عادت وتحت ضغوط شديده بقبول حضور مندوبها الاجتماع " كارهة" كما وصفت الواشنطن بوست، وتبعتها روسيا بوتين بالتقدم بطلب للوكاله للتفتيش علي شحنة وقود نووي مخصصه لمفاعل بوشهر تمهيدا لشحنها الي ايران. ثلاث ضربات للدعاية الامريكيه الاسرائيليه استدعت تصريحا امريكيا "بأن الصين تغلق الباب امام الحل الدبلوماسي" لكونها رفضت مناقشة تصعيد الحصار علي ايران" وعلي الجانب الآخر صرح متحدث اوروبي ان سبب عدم حضور الممثل الصيني هو "بعد المسافه".

ثلاثة مواقف عمليه في مواجهة امريكا وبالتبعيه اسرائيل الا ان الموقف الروسي صار كانفجار قنبلة عنقوديه في مواجهة امريكا:

1. انه قبول بالتقرير، وبالتالي كسر الاجماع بمجلس الامن.

2. ان تطابق الموقفين الروسي والصين يخالف الحرص الامريكي بعدم اتاحة الفرصه لمجموعة شنغهاي لتحقيق وجود سياسي دولي.

3. انه دعم للبرنامج النووي الايراني، لان حديثا دار بعد زيارة بوتين مفاده ان مفاعل بوشهر يحتاج الي وقود خاص يتسق وطبيعته ولم تسلم روسيا مواصفاته لايران ، وان الانطباعات التي خرج بها بوتين من زيارته أن نجاد لا يستطيع ان يتعامل دبلوماسيا وان الرئيس الايراني ينتحر، وعليه فان بوتين لن يصدر الوقود لايران، كان كاتب التقرير ايرانيا بالخارج، واكد القرار الروسي وصف الرئيس احمدي نجاد للمعارضين للبرنامج الايراني "بالماعز".

4. انه دعم ايضا لسياسة الرئيس نجاد في داخل ايران ، في مواجهة "المعتدلين" ، المواجهة التي التقطها الاعلام الغربي ليعلن وجود انشقاق داخلي في ايران.

5. كشف الاكاذيب التي اطلقتها كوندليزا رايس بان امريكا تريد الحوار حلا، فقد فقدت امريكا اعصابها في مواجهة تقرير الوكالة المخوله بالتفتيش، وستتجه بالطبع الي خزان المعلومات الاستخباراتيه ( الذي تتشارك فيه مع الاسرائيليين والفرنسيين والبريطانيين) بشأن ايران لنشهد جلسة أكاذيب مماثلة لجلسه الجنرال باول في مجلس الامن قبل غزو العراق، ويتوقع المراقبون نشر تقرير المخابرات القوميه الامريكيه نهاية نوفمبر، والذي تعطل لثلاث مرات لرغبة ديك تشيني ان يكون تقريرا نظيفا يحتوي علي ما يؤكد وجهة نظرالاداره بشأن ايران وفقط ، وفقد نجروبونتي منصبه بسبب الصراع حوله ليتولي مايك ماكونيل احد عناصر ديك تشيني المهمه .

كسب الدكتور مهندس احمدي نجاد ، وآية الله خامنئي ، وايران هذه الجوله، فماذا يمكن ان يكون من جديد في جعبة امريكا واسرائيل؟

اطلقت الصحافه الغربيه وصفا للحاله الامريكيه "انها سير اثناء النوم الي الحرب" ، ووصل الامر مبكرا للدعوه الي عرض الرئيس الامريكي ونائبه علي الطب النفسي لبحث الصلاحيه، ويبدوا ان كتاب هذه المقالات لا ينتمون الي المستسلمين علي الاطلاق للنظام العالمي الجديد.

وفي اطار النظام العالمي الجديد اعتمدت امريكا الضربات العسكريه للهدم علي ان يتولي البناء آخرون غيرها ، والارتدادات حتي الآن ليست لصالح امريكا في الصومال وافغانستان والعراق ولبنان، وهو ما سيضفي بظلالة علي الخيار الامريكي، فليس من المتوقع ان يقبل المحافظون الجدد الخروج من الاداره الامريكيه وذيلهم بين ارجلهم، ولكن احتمال ان يصيبهم السعار اقرب الي التحقق، هم او/ و إسرائيل، رغم حالة التهدئه في التصريحات التي استمرت عشر ايام قبل تقرير البرادعي ووصلت الي حد القول "علي اسرائيل ان تتعايش مع ايران النوويه"!!

ويبقي ان نحاول قراءة البدائل امام امريكا :

1. القبول بصحة تقرير الوكاله الدوليه، والاتجاه الي حوار ، وهو خيار ضد ارادة المحافظون الجدد ، إن قبلت به امريكا سيبقي سؤال : كيف ستفرضه علي اسرائيل؟

2. تصعيد الحصار المشترك مع فرنسا وبريطانيا وضم المانيا الي الموقف، وهو امر يصيبه الضعف في امتدادات الحدود الايرانيه المتسعه، ويستلزم استخدام القوات الامريكيه لاحكام تنفيذه، ويبقي ما هو رد الفعل الايراني اولا علي مثل هذا القرار، وثانيا ما هو الموقف الروسي والصيني تجاه الحصار بالقوه العسكريه خارج ما يسمي "بالشرعية الدوليه" التي تعني حتي الآن "اطلاق يد امريكا" للفعل والصمت تجاهه؟ خاصة ان مقدمات الموقفين الروسي والصيني تعطي مؤشرات مغايره لحاله الاغماء التي اداروا فيها ظهورهم اثناء حصار السنوات العشر علي العراق ، ثم العدوان عليه.

3. الخروج من المأزق باعادة الحديث عن الدعم الايراني للمتمردين في افغانستان والعراق وحزب الله، واتخاذ قرار بضربة عسكريه للقضاء علي مصادر الاسلحه ومعسكرات الحرس الثوري.

4. أن تتولي اسرائيل الامر مباشرة في مواجهة ايران. والتقارير الاسرائيليه تشير الي امتلاك ايران رأسين حربيتين نوويتين علي الاقل، ورغم ذلك طالب ابراهام هاليفي رئيس الموساد الاسرائيلي السابق بالحوار مع ايران وسوريا ، ويري باراك ان " المحادثات لن توقف الصواريخ ولن تمنعها" ، ويبدل اولمرت من حديثه ليقول امام لجنة العلاقات الخارجيه والدفاع بالكنيست " أن ايران لن تنتج رأسا نوويه في 2009، ومازال امامنا وقت للعمل الدبلوماسي في مواجهة ايران" ، والواقع ان هذا التراوح يخلط بين الاعداد الداخلي لجولة الانتخابات القادمه وبين الموقف الاستراتيجي الاسرائيلي بعدم قبول دوله ذات قدره نوويه بالمنطقه، الامر الذي يستدعي الحذر عند تقدير الموقف الاسرائيلي.

5. الحرب علي الحلفاء، وهو ان تقوم اسرائيل بتنفيذ خطط العمليات تجاه لبنان وسوريا، والاكثر ترجيحا هو الهجوم الاسرائيلي علي الجنوب اللبناني ، خاصة بعد الحديث عن احتمالات انسحاب اليونيفيل فضلا عن عجزها ان هي استمرت، وفشل حكومه السنيوره علي مدي 14 شهرا في الاقتراب من سلاح حزب الله، ونشرت التايمس تحليلا ذكرت فيه علي لسان نائب رئيس الاركان الاسرائيلي السابق موشي كابلينيسكي قوله" ان ضربه وقائيه ضد حزب الله يجب ان تتم في الوقت المناسب" ويستطرد بوصف العمليه "دخول بري سريع للقوات البريه لاحتلال الجنوب وتدمير امكانات حزب الله وقواعده وتجريده من السلاح، خلال اسابيع او اشهر"، ويضيف "خاصة وان وضع حزب الله السياسي الداخلي مزعزع في مواجهة الحكومه اللبنانيه المواليه لامريكا". ويصطدم هذا باحتمالات رد الفعل خاصة بعد تهديدات حسن نصر الله لاسرائيل بتغيير جوهري في المنطفه.

كل البدائل متاحه، ويبقي سؤال هل ستمضي المواجهه مع ايران وفق قانون النظام العالمي الجديد "القوة العسكريه"، وينفذ تشيني مهمته الاخيره للمحافظين الجدد، أم أن اسرائيل ستسبق الجميع وتحزم امرها وفق استراتيجية عدم القبول بدولة تملك الامكانيه النوويه الي جوارها... قضية الوجود والفناء للكيان الاستيطاني.

في نهاية كتابه المفاوضات السريه كتب الاستاذ هيكل نقلا عن ديجول:

"ليس مهما ما يقوله أحد ، وليس مهما ما يضمره في سره من نوايا ، ولا ما يضع علي الورق من خطط ، المهم في نهاية المطاف شئ واحد. ما هي قدراته ؟ ماذا يستطيع أن يفعل بها ؟ ـ غير ذلك في اعتقادي كلام ... مجرد كلام آخذ به علما ولكن لا أرسم علي أساسه سياسة ."

هكذا تكلم ديجول !

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 20/11/2007

0 comments: