٢٦‏/٠٩‏/٢٠٠٧

نشر هذا المقال بجريدة الشرق القطريه

بتاريخ 25/9/2007

ووجدت من واجبي الاستمرار في المشاركه فيما بيننا

واستأذنكم في قرائته

ليست عاصفة خريف مبكره ... ولكنها الحرب

مصطفي الغزاوي

انتهت حرب الجنوب اللبناني واصيبت استراتيجية الامن الاسرائيلي من جراءها بضربة زعزعت سمعة الجيش الاسرائيلي وجدوي نظرية الردع والذراع الطويله، ورغم الدمار الذي قام به سلاح الجو الاسرائيلي لبيروت والجنوب، الا انه علي المستوي العسكري حقق الفشل علي كافة المستويات ، المعلومات والتخطيط والعمليات والقدره علي التعامل مع خطط المقاومه. وللمرة الاولي خلقت صواريخ الكاتيوشا توازنا معه ادي به الي الهروب للخلف عله يستعيد المبادره بوسائل اخري.وفي اعقاب الحرب اتجه المحللون والمراقبون الي الحديث عن حرب جديده لاستعادة الهيبه للجيش الاسرائيلي في الصيف المنقضي.

ومع نهاية الصيف عادوا الي الحديث عن التهدأه بين ضفتي الجولان وعدم الذهاب بعيدا في تفسير التحركات العسكريه علي اي من الجانبين بأنه إيذانا بحرب.

واتسم العام المنقضي بانشغال عربي لاعادة اكتشاف العدو " ايران ام اسرائيل " ، وانقسام بالموقف الفلسطيني بين سلطة ومقاومه، وتربص عربي عربي تجاه سوريا، واستعاده صراعات مذهبيه بين السنه والشيعه واخيرا بالاشتباك علي مؤتمر بوش وهل تحضره سوريا ام لا؟.

وظهر للعيان أن الاداء العربي تجاه الازمه الداخليه في لبنان، كأنما يحاول تحقيق ما عجزت عنه اسرائيل تجاه حزب الله ، وصار العمل العربي يتجه الي حصار حزب الله وسوريا وايران، بل بلغ حد التنسيق بين عرب الاعتدال والمحافظون الجدد فيما كشفه الكاتب الامريكي سيمور هيرش عن تعديل الاتجاه من العراق الي ايران وتشكيل مجموعة عمل من ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي وزلماي خليل زاده وابرامز مضيفا اليهم الامير السعودي بندر بن سلطان، واوضح سيمور هيرش مدي التنسيق السعودي الاسرائيلي حتي اسماه " العناق الاستراتيجي "، والهدف الجديد هو حصار سني للشيعه، وذات الهدف يعني خطة الحرب تجاه ايران وبالتبعيه سوريا وحزب الله.

وسط هذا التخبط ، والذي احتوي العديد من التفاصيل، استيقظ العرب يوم 6 سبتمبر علي انباء اختراق اسرائيلي للاجواء السوريه، وظل التكتم لايام قليله، لتنفجر في وجه العرب " المعتدلون منهم وغير المعتدلين " ، حقائق تؤكد أنها الحرب وأنهم خارج الملعب الرئيسي في المنطقه، ومن يملك بصيص ضمير فيهم يكتشف مخطط الخداع الامريكي الاسرائيلي.

وحتي لا يذهب حديث المعتدلون العرب ادراج الرياح، جاءتهم كوندليزا رايس باقتراح ضم سوريا الي مؤتمر نوفمبر للشرق الاوسط. والغريب ان هؤلاء العرب ، ومنهم من رفض حضور سوريا هذا المؤتمر ، ومنهم من اعلن موت عمليه السلام بالشرق الاوسط ، لم يحركوا ساكنا مع تداعي تفاصيل العمليه العسكريه شمال سوريا.

وتجسدت حقيقة أن العرب صاروا خارج الصراع الحقيقي ، ولا يملكون ما يمكن تسميته باستراتيجيه ، او حتي تفسيرا مقبولا لحالة الاستسلام والتردي التي المت بهم، وهو ذات الامر الذي يفتح الباب علي مصراعية للاطراف المشتبكه حاليا أن تتخذ منهم من المواقف ما لا يملكون معه سبيلا للتعديل او الاعتراض.

سوريا ــ حزب الله ــ ايران

الطرف المعادي لامريكا واسرائيل ( سوريا ــ حزب الله ــ ايران ) لم يدخل سوي اختبارين عمليين.

اولهما حرب لبنان العام الماضي ونجح فيها حزب الله عندما وضع قواعد التزم بها ، وصار خلالها حزب الله مالكا لقوة ردع في مواجهة اسرائيل ، وقدرناه جميعا انه يفتح عصرا جديدا امام المواجهة العربيه الاسرائيليه، وهي غير حرب الجيوش النظاميه.

والاختبار الثاني هو ما حققته اسرائيل في شمال سوريا، ونقل امر المواجهة مع سوريا ( التي ستحدد بنفسها ولنفسها متي واين ستكون المعركه !! وما زالت تحاول) ،من الوضع المتعارف عليه "ان الجولان محتل ولسوريا حق الحرب من اجل تحريره" ، الي كونها عضو في محور شر جديد ( سوريا ــ ايران ــ كوريا الشماليه ) ، وان الخطر السوري صار " نوويا "، ووجبت مواجهته عالميا.

والسؤال الملقي امام سوريا " كيف ستواجه هذا الاختبار؟ وما هي البدائل أمامها ؟ ثم كيف ستواجه ما يسمي بؤتمر سلام الشرق الاوسط الذي اصبحت مدعوه اليه كما اعلنت كوندي وزيرة خارجية امريكا، او كما صرح بيريز واولمرت بعد 6 سبتمبر ،عن امكانية لمحادثات سلام غير مشروط مع سوريا وهو ذات الحديث الذي سبق العمليه العسكريه علي الشمال السوري الامر الذي يوحي بعملية جديدة قادمه؟؟ اختبار ليس بين سوريا والمعتدلين العرب ، ولكنه اختبار لسوريا مع النفس؟؟

الموقف الايراني ، يتبع منهج " ذبح القطه بقطعه قطن " ، ايران ما زالت تدير عمليه دبلوماسيه حول حقها في امتلاك الطاقه النوويه في مواجهة الغرب كله، وتواجه مواقفا عربيه تكاد تكون معاديه لها ترفض احتمال ايران النوويه وتفضل عليها اسرائيل بترسانة القدره النوويه التي تملكها بالفعل .

ولكن المواجهة العسكريه من حيث القدره ليست اعلانات متكرره عن تطوير مدي الصواريخ وقدرتها التدميريه واعدادها، فالهدف من مواجهة اي عمليه عسكريه هو منع العدو من تحقيق هدف تدمير الانجاز الذي تحقق في المجال النووي الايراني. والا فما جدوي استراتيجية شمشون اذا خرجت منها اسرائيل وامريكا وقد تحققت اهدافهم ، أيا ما كان الثمن ، ولم يخرج منها معسكر المقاومه بما قاتل من أجله ودفع ثمنه.

اسرائيل وامريكا

لم يخف الطرف الثاني في معادلة الصراع بالمنطقه أيا من اهدافه ، فالأمر بالنسبة اليه ، هو صراع علي السيطره المطلقه وليس التوازن بين المصالح ، وليست دعوات الديمقراطيه والسلام ،. وبقدر ما الحق بهذا المعسكر من ضربات اصابت غرور القوه ، سواء في العراق او في لبنان ، او حتي في فلسطين، عندما لم ينجح ابومازن في اختبار تطبيق اوسلو وتجريد الاراده الفلسطينيه من " مفهوم المقاومه المسلحه "، وصمود جبهة الممانعه في لبنان دون تحقيق الرؤيه الامريكيه الاسرائيليه رغم كل الوان الحصار وقوات اليونيفيل والدعم لحكومة تشوب تصرفاتها علامات استفهام عديده وعن مدي العلاقة بينها وبين اسرائيل وابعاد التنسيق بينهما وحتي حول دور الاعتدال العربي في تغذية الانشطار اللبناني.

ورغم ذلك كله نجحت امريكا واسرائيل في اعادة انتاج العدو ، وجسدته في ايران، وجعلت الانقسام العربي الي سني شيعي، ولم تعد هناك مقومات للاختيار العربي الا بقاء كراسي الحكم بين الايدي التي تستحوز عليها، ايا ما كان الثمن. ومضت الي استخدام الثروه العربيه مصدرا لتمويل عملياتها السريه، من الاغتيالات الي شراء وبناء التنظيمات التي تحمل السلاح تحت عناوين براقه ولكنها تخدم استرتيجية امريكا واسرائيل.

الحرب

اعلنت عملية 6 سبتمبر اطلاق " القوه من عقالها " ، فالامر الواضح ان المخططات السابقه علي حرب لبنان 2006 قد تم وضعها موضع التنفيذ. وفي الحد الادني فان القرار الاسرائيلي الامريكي بالقيام بالغاره له ستة اشهر من المراقبه وتبادل المعلومات وحتي جلب عينات من الموقع !! لاقناع الطرف الامريكي بوجوب العدوان وتمت الغاره. أي ان اي حديث عن سلام مع سوريا ، لا يمنع من عصا التأديب الاسرائيليه ... ولكن لو توقعت اسرائيل ردا ما من سوريا كانت ستقوم بهذا العمل؟ ...

وتغير التوصيف الامريكي الاسرائيلي للحاله السوريه ــ بناءا علي آخر ما نشر بالصنداي تايمز ان الغاره استهدفت موقعا به انشطه ويحوي مواد نوويه مصدرها كوريا الشماليه ــ وان المواجهة الآن مع محور الشر الجديد (ايران سوريا كوريا االشماليه ) ، وصارت المواجهه مع الارهاب النووي ، وما قامت به اسرائيل هو نموذج للقادم .

وأعلن باراك وزير الدفاع الاسرائيلي: «على المنطقة أن تعود إلى إدراك أن لدينا ذراعاً طويلة ولن نتردد في استخدامها». ويعود ليوضح طبيعة القادم : «لماذا نتحمل مسؤولية شيء من دون أن نضطر إلى ذلك؟ وإذا كان من الممكن القيام بأمور كبيرة من دون الانجرار إلى الحرب، فيجب القيام بها ومنع الحرب». لقد استعادوا مفهوم "Who Dares Wins" " من يملك الجرأه يكسب" كما قالت الصنداي تايمز .

هذا تقدير الموقف الامريكي الاسرائيلي، ويجري استكمال اعداد مسرح العمليات , والقوات البريطانيه غادرت البصره الي الحدود مع ايران ، ونتوقع ان تشكل مع قوات مجاهدي خلق محورا جنوبيا مماثل لمحور الشمال المكون من الاسرائيليين وقوات البشمرجه ــ ونرجح انه كان مصدر القوات الارضيه في اتجاه سوريا ــ ، واعلن مصدر اسرائيلي ان الحرب مع ايران ستقع خلال ثمانية الي عشرة اشهر.

واسرائيل ذاتها بين خيارين: منع ايران من استكمال نشاطاتها النوويه وضربها وتحمل القصفات الصاروخيه التقليديه ، او الانتظار الي ان تمتلك ايران قدره نوويه وتقيم توازنا بالمنطقه، ومنذ 26 عاما رفضت امريكا واسرائيل أي قنبلة اسلاميه وضرب المفاعل الذري العراقي، واليوم يعلنون نفس الخطوط الحمراء.

والطرف الثاني يبدوا وكأنه اتخذ قرارا بتلقي الضربة الاولي، وقد يعتبر ان ما حدث شمال سوريا لا يندرج تحت مدلول الضربة الاولي او اعلان الحرب، وهذا خيار يحرمه من أخذ أي مبادره ، وتوجيه اي عملية اجهاضيه لما يجري اعداده، ومع عدم تحديد الخط الفاصل بين العمليات الخاصه والضربه الاولي فلا رادع للطرف الامريكي وبالاحري الاسرائيلي عن فعل ما يريد. والوعيد السوري الايراني لا جدوي منه ان لم يكن له في الواقع ما يؤكده ، واذا لم يكن هناك ردا علي العمليه الاسرائيليه شمال سوريا ، فنحن في انتظار القادم من اعمال اسرائيليه تجاه سوريا وايران .

الموقف وصل الي الحالة الحرجه ونقطة الانقلاب، ودون رادع فلا تنتظر ايران وسوريا الا عمليات متنوعه تحقق هدف الطرف الآخر ، وعندها لسنا في حاجه الي مؤرخين ومحللين ليبينوا لنا ما جري... لان الوقائع الماديه وخريطة ما بعد الحدث ستتحدث عن نفسها.

عاصفة خريف مبكره ، اسقطت اوراق خضراء قبل ان تجف، وأخذت معها اوراق التوت التي يستتر بها ما يسمي بالاعتدال العربي ، لتدهسها احذية ثقيله لجنود العدو فوق الارض العربيه دون رادع..

مصطفي الغزاوي

25/9/2007

0 comments: