خريف الفوضي الامريكيه ... جيتس تاجر وترزي !!
التقرير الذي قدمته 16 وكالة مخابرات امريكيه حول تقديرها لطبيعة برنامج ايران النووي يثير الريبه ، وليس مؤشرا يبعث علي اليقين بأن تغيرا ما قد حدث. فقد علق سيمور هيرش في السي ان ان بأن "ديك تشيني يعلم بهذا التقرير منذ عام ، ولكنه كان يضع قدمه علي رقبة التقرير علي امل حشد الدعم للحرب علي ايران".
وكان هناك صراعا بين تشيني ـ الذي اصيب بتسارع ضربات القلب قبل صدور التقرير بعدة ايام ـ وبين اجهزة المخابرات الامريكيه علي الا يتضمن التقرير رؤي معارضه لموقف الاداره الامريكيه.
وسارع جون بولتون المندوب الامريكي السابق بالامم المتحده واحد صقور المحافظون الجدد الي وصف التقرير بانه انقلاب علي الرئيس بوش ، وفي مقال له بالواشنطن بوست قارن بين تقرير 2005 وتقرير 2007 والاختلاف الكبير بين التقريرين ، ولينتهي الي انه تقرير بيروقراطي سيتيح لايران امتلاك السلاح النووي ، لان التفريق بين البرنامج السلمي والعسكري حديث مصطنع ، كما ان ايران علقت برنامجها عندما تم غزو العراق ، وان مصادر المعلومات ضعيفه ، والمحللون الذين اعدوه اغلبهم من مطاريد وزارة الخارجيه ، وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهود للضغط علي ايران ينطلق التقرير كطوربيد ليغرق كل الجهود وليتيح لايران تحقيق طموحاتها النوويه العسكريه دون اي مضايقه.
وهو نفس المنحي الذي ذهب اليه كاليت بن ديفيد في الجيروزاليم بوست حول التغير الدراماتيكي بين تقريري 2005 و 2007 ، وماهية المعلومات التي ادت الي اعلان ان ايران علقت برنامجها العسكري ، وكيف تم تحليلها ، ويتساءل عن مبرر اعلان التقرير ، علي خلاف ما كان معروفا من قبل انه لن يعلن حسب قول الادميرال ماك ماكلن ، وايضا تحدث عن البيروقراطيه التي خلصت الي هذه النتائج ، للتخلص من عقدة العراق .
ويعلن اولمرت بعد اجتماع المجلس الوزاري الامني ، " ليس لدينا سبب لتغيير تقديراتنا " ويؤكد " ان ايران ستتمكن من انتاج قنبله نوويه عام 2010 " ويستطرد " ان ايران تواصل تطوير مكونين اساسيين للبرنامج النووي ، الصواريخ البالستيه ، وتخصيب اليورانيوم " ويعلن نائب اولمرت ، حاييم رامون بعد الاجتماع " ما يجب ان نوضحه للعالم ان ايران مصدر للخطر ويجب منعها من الحصول علي السلاح النووي".
ماذا يحدث ؟ سؤال يجب التريث في الاجابة عليه ، خاصة ان وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس حضر مؤتمر امن الخليج الذي عقد بالمنامه ، وتحدث عن " مظله صاروخيه لحماية الخليج من العدوان " ، ويستبعد ان تكون اسرائيل هي المقصوده بهذه المظله " لانها لا تنوي مهاجمة جاراتها ، ولا تدعم الارهاب ، عكس ايران" ، ولم يملك الحضور الا الضحك !! والرد عليه ان دول الخليج تعلم مصالحها !!
وروبرت جيتس هذا له من قبل موقفان ، الاول وهو رئيس للمخابرات الامريكيه ، عندما حدد ان العدو ، هو الشرق وفي القلب منه الاسلام ، ومنذ عام عندما كشف في شهادته امام الكونجرس ان اسرائيل تملك السلاح النووي في محاولته لتفسير لماذا تفكر طهران في امتلاك قنبله نوويه ، وهو ما اغضب اسرائيل في حينها.
ويذكرني روبرت جيتس باعلانات المحلات ، عندما كان الترزي يكتب بخط ضخم علي محله "ترزي" ، أي أنه صانع الملابس ، وعندما يتقدم به العمر ولا تسعفه صحته او المنافسه من حوله ، يحاول ان يعوض عجز الدخل بتجارة الاقمشه ، ويكتب علي محله بخط متواضع " تاجر وترزي " . جيتس جاء الي مؤتمر الامن ، ليس فقط وزيرا للدفاع " الترزي " ، ولكنه جاء مندوبا لمبيعات الاسلحه "التاجر".
ويبقي هل تملك دول المنطقه رفض منطق التاجر والترزي ، ومبرر استبدال مصدر الخطر من كونه اسرائيل ، التي تملك السلاح النووي ، ولم تعتدي علي لبنان الجاره بالاسلحه الامريكيه ، ولا سوريا بالمعاونه الامريكيه ، والتي لا تمارس ارهاب الدوله في الضفه والقطاع وداخل اسرائيل علي عرب 1948 ، الي ان مصدر الخطر هو ايران ؟؟
وتمتد المفارقات الامريكيه الي لبنان ، فهل صارت امريكا تتحدث بلسان المعارضه ، ام انها اكتشفت اكذوبة الموالاة ، ليعلن حامي حمي "14 آذار" السفير الامريكي فيلتمان ، والعدو الاول لسلاح المقاومه ، والراعي لعدوان اسرائيل الصيف الماضي ، يعلن ان سلاح المقاومه ليس مهمة الرئيس القادم ، وتذهب المولاة الي اختيار العماد ميشيل سليمان بعد عودته من القاهره ، وحبوب الشجاعه التي تناولتها الدبلوماسيه المصريه ، ليذهب وزير خارجيتها للبحث في امر الوفاق حول سليمان .
ما يحدث في لبنان ، بعد عجز امريكا ومعها المعتدلون العرب من اعمال قانون ، استبدال الخصومه وجعلها سنيه شيعيه ، بديل عن كونها عربيه لبنانيه في مواجهة اسرائيل ، ما يحدث الآن يمكن تمثيله بتليين العريكه ، ليس الامر وفاقا ، ولكنه الهروب الي الامام ، هو الرقص علي الرمال المتحركه وتسييل المواقف بديلا عن القبول بمعطيات الواقع الحقيقيه . وبديلا عن "أحقية الجنرال عون" بكرسي الرئاسه ، يطرح "الجنرال سليمان رئيسا" توافقيا .
والتمني في عالم السياسة لا مكان له ، ولكن هل يستطيع الجنرال سليمان أن يقرأ الواقع اللبناني جيدا ، ولا يقبل بدور حصان طرواده لاي من الاطراف الداخليه اوالخارجيه ، ويرفض دور المحلل ، بعد طلاق بائن بين من انتصروا للعدوان الصهيوني ، وبين الشعب في لبنان ، هل يمكن للجنرال سليمان الا يكتفي بالزيارات المراسميه وينقل عنه الكلام ، الي تأكيد موقفا وطنيا باعطاء الحق لمستحقه سياسيا ووطنيا ؟
المسأله اللبنانيه ليست توافق حول رئيس ، وليست ملئ الفراغ ، وليست مجرد تعديل دستوري ، ولا مجرد رئيس ماروني ، ولكن المسأله اللبنانيه في حقيقتها ، هي مواجهة جبهة المقاومه ، وتحويل المواجهة الي "عون" بديلا عن سلاح المقاومه . والخطر يبدوا في افق كافة العلاقات ، وكل الخيارات المطروحه حتي الآن . قراران فقط خارج التأثير الخارجي ، قرار "عون" وقرار "نصر الله" ، فهل يملكان معا قدرة الحفاظ علي حلفائهما حتي لا ينزعوا الي الراحه ، فيقبلوا بانصاف الحلول ، ويقبلوا بخصوم الامس حلفاء اليوم ، وهل يملك هؤلاء امكانية النظر في اعين جماهيرهم ان هم بدلوا البندقيه من كتف الي آخر ؟ ام انهم لن يخونوا ذكاءهم وما بذلوه طوال الفترة السابقه.
في كتاب هيكل مدافع آية الله كتب " كانت السياسه الامريكيه في حالة فوضي شامله " في معرض تشخيصه للمواقف المتباينه من شاه ايران داخل الاداره الامريكيه، ونقل عن الامام الخميني حال رفضه للتفاوض مقولة "إن المفاوضات لم تكن سوي خديعه ، حل وسط ، يهدف الي اجهاض الثوره" ، تذكرت هذه المقوله وانا اتابع مواقف الجنرال "عون" ، حيث يبدوا في معبرا عن لبنان المقاومه ، بينما المفاوضات تسعي الي اجهاض المقاومه ، والسياسة الامريكيه اكتوت بالفوضي التي خلقتها ، لن يعيد التاريخ نفسه ، ولكن امريكا يومها تنصلت من الشاه ، ولم تستقبله بعد ان اقترحت عليه الخروج من ايران ، وعاد الامام الخميني رغم كل التهديدات بقتله ، والسبب الرئيسي في ذلك ان الامام الخميني اعتقد في قدرة الشعب عاري الصدر ، فانتصر ، رغم ان من المحيطين به كانوا يرون الامر انتحارا.
الموالاة امامها خياران اما القبول بالجنرال "عون" رئيسا ، او القبول بمبادرته كاملة ، هكذا يمكن منع الانفجار ، ولكن اي انتقاص من المبادره ، حتي وان قبل به "عون" ، سوف يؤدي الي المواجهة لاحقا ، فالفوضي الامريكيه لن تدوم حتي تأتي ادارة اخري ، وليست الفوضي الامريكيه معامل بقاء لجبهة المقاومه ، ولكن ما تحققه جبهة المقاومه بوحدتها وقدرتها علي التمييز بين الخديعه والحقيقه ، واحترام ما تراكم خلال الفتره السابقه من خبرات ، هو طريق خلاص لبنان الشعب والاراده.
الفوضي حاقت بامريكا ، ومن الشرق الاوسط ، الذي شاءت له بالفوضي ان تجدده وفق الهوي الامريكي الصهيوني ، وامتدت الفوضي الي الصومال ، واثيوبيا تعاني هناك ، معاناة الناتو في افغانستان وامريكا في العراق ، وها هو هيوارد رئيس وزراء استراليا يخسر الانتخابات ، ويفقد حتي مقعده ، ويوافق رئيس الوزراء الجديد كيفين رود علي معاهدة التغيرات المناخيه ، ويعلن قراره بسحب جنوده من العراق ، فهل سيقبل المحافظون الجدد بما آل اليه حالهم ، ام ان طبول الحرب مازالت تقرع وان خفتت بعض الشئ ويتصور البعض انها توقفت.
كتب روبرت باير وهو موظف سابق بالمخابرات المركزيه الامريكيه في التايم تحت عنوان "هل كان بوش وراء تقرير طهران" يقول "علي الاقل نحن سعداء حتي الآن بالاخبار الطيبه ان معركة هرمجدون قد تأجلت" .
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه بتاريخ 11/12/2007
0 comments:
إرسال تعليق