لم تهزم الاراده الوطنيه للتغيير في مصر رغم الأخبار الأوليه لأحداث يوم الانتخابات، وكانت الجماعه الوطنيه قد أخذت علي الاخوان واحزاب الوفد والتجمع والناصري مشاركتهم في الانتخابات الجاريه، وجري التحذير من التزوير، الذي لا يمكن حصره في إجراء واحد ولكن له صورا عديده، ومتنوعه، وتم التحذير ايضا من مواجهات ساخنه بدأت مبكرة عن يوم الانتخاب. وليس ممكنا لأي صادق مع الله والنفس والوطن أن يكتب بعقل بارد عن وقائع جريمة العصر، عصر يحكمه الطواشي، ويسوقون فيه الوطن الي مصير مجهول، وما يجري في مصر لا يتوقف أثره عند مصر، بل يتعداها الي الامة العربيه.
لم يتوقف الامر عند جريمة تزوير في ظلام هنا او هناك، ولكنها منظومة متكاملة بدأت مبكرا، مما يعود بنا إلي قولة الحق التي تجاوزتها الاحزاب والاخوان، "أن قاطعوا" ولا تشاركوا في جريمة جديده ضد مصر، وأخذهم الكبر والمصالح المحدوده ليغامروا مع الحزب الوطني بالوطن والشعب.
سوف توضع نتائج هذا اليوم في سجل الإهانات المتواليه للشعب المصري، وسوف تتضمن القائمة السوداء كل من استهان بحق الوطن والانسان فوق هذا التراب، ولعلنا نستطيع أن نعود لدروس التغافل عن الحقائق والوهم الذي عشش في رؤوس المطبعين مع الحزب الحاكم.
ليلة يوم الانتخاب إتصل بي صديق من أمريكا، يسألني عن التوقعات، إعتبرت سؤاله طبيعيا فالكل يتابع المشهد الجاري الآن في ربوع مصر، والكل يسأل: هل هذه هي مصر التي كنا نعرفها؟.
واستطرد الصديق متسائلا ما إذا كان ترشح البعض من الناصريين حقيقة، خاصة وأن هناك من أبلغه أنهم ترشحوا نزولا علي رغبة الناخبين في دوائرهم. وما كان لهذا السؤال ولا ذلك التبرير من داع إذا كانت الامور طبيعيه، ولكنه الجدل بين المقاطعه والمشاركه.
قلت للصديق أن الحوار حول هذا الامر لا يعترف بالحقائق، فالتبرير بأن ترشحهم جاء إستجابة لإرادة الناخبين هو نفاق، خاصة عندما يأتي ممن يدعون بأنهم قيادات للحركة الوطنيه، وهو دلالة أنهم لم يوضحوا لأبناء دوائرهم أن الأمر ليس انتخابات لمجالس محلية خدمية، ولكنه موقف سياسي للمشاركة في المجلس التشريعي الأول، وأن الخيار بالمقاطعه أو المشاركه مرجعه محاولة دفع عجلة الاصلاح السياسي الي الحركه نحو رؤية استقر عليها الضمير الوطني في مصر خلال السنوات الخمس الماضيه بضرورة التغيير السياسي الشامل.
الحقيقة أن هذه العناصر تنافق الجماهير بادعاءها ان القرار قرارها، ويستترون وراء هذه المقولة لحاجات في نفس يعقوب رغب أن يقضيها ليتحول بعيدا عن أعباء تفرضها دعوة الاصلاح السياسي.
وحكيت له مشهدا رآه المشاركون في تظاهرة بالاسكندريه تضامنا مع الشاب خالد سعيد الذي اتهم بعض المخبرين بالاعتداء عليه حتي الموت، أن أحد هؤلاء المرشحين كان يمشي في تلك المظاهره، ويسير خلفه شخص يحمل له كرسيا، وما ان تأتي فرصة حتي يضع له الكرسي ليقف الزعيم عليه مخاطبا الجماهير، والتقط الصديق الحديث مني قائلا: هذا مشهد انجليزي، فقيادات الاحزاب ورؤساء الوزارات أثناء الحملات في دوائرهم الانتخابيه يحمل كل منهم كرسيا او ما شابه حتي اذا اراد أن يخاطب الناخبين وقف عليه ليحدثهم، ويمكن مشاهدة ذلك في "هايد بارك"، ولكن ليس هناك من يجرؤ علي ان يطلب من شخص آخر أن يحمل له الكرسي، فالكل هناك أنداد، والجميع يدرك ذلك.
الكل أنداد، ليس هناك القائد الفذ، والتابع حامل الكرسي بلا إراده، وهذا ما فعلته القوي السياسيه جميعها بالجموع التي انخرطت في الأحزاب أو في الانتخابات، إذ حولتهم إلى سادة وعبيد وهذا ما يدع البعض يحملون الكراسي فقط، بينما القيادات إن صح هذا التوصيف، يسعون الي الكراسي وقوفا للخطابه او جلوسا في البرلمان، ولعلنا نضيف الي قاموسنا "حملة الكراسي" كما أضاف من سبقونا "حملة المباخر".
"حملة الكراسي" اتباع بلا عقل، و"حملة المباخر" منافقون بلا حد، وهكذا وقعت الانتخابات في مصر بين "حملة المباخر" و"حملة الكراسي"، وأضيف الي المشهد وبفجور وهم "حملة السيوف" "وحملة البنادق"، "حملة السيوف" يطلقون عليهم "البلطجيه"، أما "حملة البنادق" فهم الشرطه، والتي أضيف الي بنادقهم، سماحا باستخدام رصاصها.
ويستكمل المشهد أركانأ أربع، أتباع بلا عقل، ومنافقون بلا حد، وبلطجيه بسيوف بلا رادع، ورجال أمن برصاص مسموح له بالقتل.
هذه حقيقة ما يجري في مصر الآن، وكأننا نسمع من جديد أغنية الشيخ إمام "كلمتين، يا مصر يمكن هما آخر كلمتين، حد ضامن يمشي آمن، ولاّ مآمن يمشي فين"، ولكن علي لسان الشعب كله.
وتشهد الانتخابات مستحدثة أخري تضمنها يوم التصويت، وهي اعتقال ضباط أمن من قبل الجماهير لانهم حاولوا التزوير، كما قام الناخبون بتدمير صناديق جري تزويرها.
ونظرة علي دور القضاء وردود الفعل علي هذا الدور تكشف حقيقة الأمان الغائب وانعدام المرجعيه والحكم، ونرصد مشهدين، يستحوز علي دور البطوله فيهما الحزب الحاكم، الأول خاص بقوائم مرشحيه وردود فعل اعضاءه عليها، والآخر مسك الختام كما يقال، بلاغ للنائب العام ضد مرشحي الاخوان.
ابتدع الحزب الحاكم نظاما اسموه المجمع الانتخابي، يتقدم الراغبون في الترشح باوراقهم الي الحزب ومرفقا بها إقرار إذعان لادارة الحزب يطلق يدها في أمر الاعضاء، ويحول دون تقدمهم للترشيح، وذلك بعد تجارب الفترات الماضيه حيث كان الحزب يجد اعضاءه يتقدمون خارج قوائمه ويفوزوا بالمقاعد في مواجهة مرشحيه الأساسيين.
بعد اعلان القوائم، تمرد من لم تدرج اسماءهم، وتقدموا للقضاء لادراج اسمائهم، واصدر القضاء احكامه لصالحهم، وسقط الحزب في أول خطوة في العمليه الانتخابيه، وظلت أحكام القضاء تتري، وكلها تواجه تصرفات بعدم ادراج مرشحين او تغيير الصفات، وبلغ الامر الي الغاء الانتخابات في 48 دائرة انتخابيه من أصل 222 دائره، وتخرج قيادات الحكومه والحزب ليعلنوا أن الانتخابات ستتم في كل الدوائر، وكأن لسان حالهم يقول: لا تعنينا أحكام القضاء، وهذا مؤشر جوهري علي احتمال يتزايد بحل المجلس بعد تشكيله بسبب هذه المخالفات.
أما المشهد الثاني، فهو نوع من الكوميديا السوداء، فقد تقدم الحزب ببلاغ الي النائب العام بأن مرشحي الاخوان هم مرشحي تنظيم محظور، أمر يتعجب له أي عاقل، فبينما تجلس قيادات الحزب مع اشخاص من الاخوان علي شاشات الفضائيات يتناقشون أو يتناطحون، نجدهم يعلنون انهم اكتشفوا فجأة أن من يجلسون إليهم أعضاءا في تنظيم غير مسموح به، وأنهم محظورون، وتقدم مباحث أمن الدوله كشوف المرشحين أعضاء الاخوان الي النيابه، بلاغ من حزب واجراء من المباحث، والمتابعون والصحافه والاعلام يقفون في ذهول، ما الذي يحدث في مصر الآن؟؟؟
لم يكن مشهد البلاغ للنائب العام هو أكثر المشاهد سخونه، ولكن سبقه مشهدان يحملان في طياتهما خطر دخول نفق الحرب الأهليه المظلم، الأول حدث في الاسكندريه بين الشرطه ومسيرات لتأييد مرشحي الاخوان، إستخدمت الشرطه الرصاص المطاطي والقنابل المسيله للدموع، وواجه المتظاهرون العنف بعنف مضاد، وحملوا السيوف يطاردون بها رجال الأمن، ووصل الامر الي فرض حظر التجول في جزء من دائرة الرمل، حدث هذا يوم 19 نوفمبر، وفي اليوم التالي كان داعية اسلامي شاب يعقد مؤتمرا داعما لمرشح الحزب الوطني، وهو نفس المرشح الذي نشرت صور له في كنائس الاسكندريه توددا للناخب المصري المسيحي، تعامل الحزب الوطني أن هناك مصري مسيحي وآخر مسلم، أي أنه أكد بذرة الطائفيه.
وينتقل العنف الي العمرانيه بالجيزه، وتحدث مواجهة بين الامن ومسيحيين تظاهروا من أجل استمرار بناء لكنيسه اختلفت الاداره والكنيسه علي التصاريح الخاصه بها، وتستخدم قوات الامن الرصاص ويسقط قتيلان وعدد من الجرحي من الطرفين. ليس هناك ازدواج للمعايير، الأمن لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ويطلق الرصاص عليهم دون تمييز، تراجع العقل، وانطلق الرصاص بديلا للحوار.
يرصد الجميع في مصر أن الأفق يحمل شرارات إنفجار، والسؤال علي الشفاه: هل صارت مصر "كيان يرتع فيها الأمن بلا رادع ليعوض غياب مفهوم الدوله"؟، ويتمادي الأمن في رفع درجة التوتر، وذلك ليس دلالة قوة، ولكنه يفضح حالة خوف مرصود من الجميع وعلي كافة الأصعده.
تظل أحكام القضاء عرضة للتجاوز، وهنا يكمن الخطر الرئيسي، فإذا غاب دور القضاء، إحتكم الناس الي القوة، ولا أحد يستطيع التنبؤ لمن ستكون الغلبة، فالمحيط الجغرافي لمصر يتعرض لموجة تقسيم السودان، ومازال المسئولون المصريون يعلنون أن الخطر في إسرائيل، بينما التصرفات تتسم بالعداء تجاه المواطنين في الداخل.
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه 30 نوفمبر 2010
0 comments:
إرسال تعليق