المتواطئون والواقعيه والعنصريه ... ومواقع النجوم
يغيب عن البعض أحيانا أن كل ما يجري في الحياه هي أمور نسبيه، ويقسم الخالق في القرآن بمواقع النجوم، وكأنه يملي علينا درسا أن النجوم التي نري، هي حيث كان موقعها منذ زمن، وهو الزمن اللازم كي يقطع شعاع الضوء الصادر منها المسافه حتي الأرض، ولأنها في حالة حركه ، فإن ما يصلنا هو صورتها عندما كانت في ذلك الموقع.
لو تصور الانسان بعضا من الارقام التي حققها العلم كسرعة الضوء التي تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانيه، والمسافات في المجرات تقدر بالسنه الضوئيه أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنه، وتقدر 9.5 تريليون كيلومتر، لو استدعي الانسان هذا في ذاكرته، لوجد أن ما يحيط به ويحياه، يكاد يكون العدم. محاولة ايضاح بماديات الطبيعه، لأنه لم تعد تجدي نفعا الإحاله الي القيم أو التاريخ أو الدين.
ولو أدرك الوارثون أن هناك من رأى ورصد، وسجل وأذاع، لما عاندوا الحقيقة، وإدعوا غيرها وبصلف لا يصدر إلا عن عقول ذهب بها طغيان السلطه. ولو أدركوا أن ما يجمعهم مع الشعب هو سماء وطن وترابه، ومواقع نجومه، لأدركوا فارق الزمن بين ما يعيشون، وما يحكم الكون من قوانين الزمن. ما يجري من وقائع في المحيط العربي يدعوا الي التمسك بحقائق الوجود، وليس اوهام رغبات، بلا مبرر من الواقع او القدره او التاريخ.
سوف يطلق علي عام 2010 عام "ويكيليكس"، ويبدوا موقع "ويكيليكس"، كما "آلة الزمن"، اختصر من قادم الايام سنوات عديدة، وكشف وثائق امريكا، التي تفرض القوانين الاحتفاظ بها لزمن في المستقبل يتراوح بين العشرين عاما وحتي الخمسين عاما.
مئات الألاف من الوثائق دعت الرئيس الروسي لأن يعتبر عملية التسريب من صناعة الاداره الامريكيه، ولكن ما يعنينا أن العالم صار مكشوفا، وبلا حجب، ولم تعد العلاقات في حاجه الي التخمين. ورغم أن الأمر يشبه الإغراق بالوثائق، مما حد من أثرها، غير أنها أصابت العالم "بفوضي ويكيليكس"، فوضي ستفيد القاصي والداني، وسيكون العرب آخر المستفيدين منها، فلا تعنيهم "الحقائق"، وليسوا بمغامرين ليركبوا "آلة الزمن"، ويتحملوا مسئولية ما يقرأون.
في منطقتنا العربيه تتداعي فوضي الحقائق وبدون "ويكيليكس"، فوضي تبدوا أنها تمهد لجديد تتشكل ملامحه في مواجهة انهيار لقديم بات عاجزا عن توفير شروط البقاء لنفسه أو تلبية إحتياجات الامه. وتتعدد المشاهد في مصر وفبسطين والسودان وقطر.
تسونامي الانتخابات في مصر، كشف عمليا وليس كلاما يحتمل التأويل، سقوط النظام الحزبي كله، كمؤسسات لا قوام لها، أو كقيادات تئن ليل نهار من محاصرة الأمن لها، ولكن الحقيقه أنها ترتدي رداءا اوسع منها، ولا تملك قدرة للاستجابه الي ضرورات مهام الاداره، فضلا عن قصور في التحليل السياسي وإمكانية قراءة الظروف واتخاذ الموقف حيالها. سقوط ليس كطي صفحة من السجل، ولكنه انتهي لانه غير قادر علي استيعاب المتغيرات المحيطه به ولم يتطور ليواجهها، واعتمد في استمرار وجوده علي منهج التواطؤ مع النظام.
وكانت موجة التزوير ونهم الاستئثار وتجاوز الاجهزة لكافة حدود العقل وما استتبعها من أكاذيب تصف العهر انه تسابيح في معبد الوطن، وموجة أحكام قضائيه غير مسبوقه تدين عمليات التزوير في كافة مراحلها، وتقضي بالغاء النتائج في الدوائر، وما سبق ذلك من موجة عنف من الاسكندريه الي العمرانيه، تكشف حقيقة إرهاب الدوله في مواجهة المواطنين، ذلك كله أنتج موجة رفض عامه لم تتحول بعد الي فعل ايجابي لصالح التغيير، ولكنها أوجدت إجماعا عاما يدعوا الي المقاومه.
وبقدر ما حصل حزب تحالف السلطه والثروه علي مقاعد البرلمان، إكتشف الشعب قانون المقاومه، وسقطت الاحزاب وقياداتها التي اصابها العطن والعفن وكانت عبئا علي الحركة الوطنيه.
ووصلت الاحكام القضائيه ذروتها بتأييد المحكمة الإدارية العليا لكافة الأحكام القضائية التي صدرت ببطلان انتخابات مجلس الشعب، وتعلن أن "تشكيل مجلس الشعب مشوب بشبهة البطلان، بسبب انعدام المراكز القانونية لأعضائه الذين أعلنت اللجنة العليا فوزهم في الانتخابات المقضي ببطلانها بأحكام القضاء الإداري".
هكذا سقطت الشرعيه عن المجلس القادم وعن التحالف الحاكم وفقدت الاحزاب مصداقياتها، وسقط عنها قناع الاضطهاد الذي تخفت وراءه لتداري عجزها عن أداء دورها داخل المجتمع، ونشأ فراغا سياسيا في المجتمع يحتاج الي من يملؤه، وتعجز عن ذلك أساليب التمني السابقه وأدواتها من بشر ارتسمت الأنانيه الذاتيه في تصرفاتهم السياسيه. وأدت الانتخابات والتزوير الي فرز كان ضروريا ليحرر حركة التغيير في مصر من قيود ورثتها.
وتبدوا حرائق جبل الكرمل وهي تلتهم أشجار السنديان فوقه، كما لو كانت تمهد الطريق أمام جديد في فلسطين غير الهذيان الجاري من السلطه مع الاسرائيليين، وإن كانت وثائق الخارجيه الامريكيه أوضحت معرفة ابو مازن ومصر مسبقا بعملية الرصاص المصهور، إلا أن نيران جبل الكرمل تبدو وكأنها تصهر احجار الاستيطان، وتفتح الافق لجديد من الشعب الفلسطيني يمكنه من تجاوز سلطة ابو مازن، وما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينيه.
وتبدوا حرائق جبل الكرمل، وكأنها تطهر بالنار الاراده العربيه لتعيد قراءة المشهد المتواطئ مع اسرائيل علي حساب القضيه العربيه، والأمن العربي، ولعلها تتصل بتسونامي الانتخابات المصريه، وتكشف أن الدم العربي علي جبهات حرب اكتوبر 73 وما حققته من نتائج عسكريه، أو دم الانتفاضات الشعبيه فوق ارض فلسطين يفرض إعادة ترتيب الأمور. وهنا يتبدي لنا أن تصريح أبو مازن عن أن السلطه لا قيمة حقيقية لها، وأنه سيضطر لانهاءها، ليس تنازلا منه، ولكنه قراءة لحقيقة العجز الذي أصابه، ومن وراءه جماعة الاعتدال، لانعدام توازن القوي بينهم مجتمعين مع القدره الاسرائيليه، وانحسار خياراتهم، وتجاوز الخيارات الاسرائيليه لاي تصورات سابقه او ما يدعي بأنه قانون دولي.
وبينما تشارك مصر والاردن والسلطه وتركيا في مقاومة حرائق الكرمل، والاقصي يتهدده الانهياركما يعلن الاسرائيليون أنفسهم، فإن العرب يتمسكون بمقولة "للمسجد ربَ يحميه"، ويبحثون أمر إبلهم وفقط. فهل يمكن لهم القبول بتأسيس جديد لمنظمة التحرير الفلسطينيه، يمكن من خلالة استرداد حق مقاومة المحتل حتي تحرير الارض المحتله؟ سؤال يؤكد أن الفراغ امتد ليشمل الواقع الفلسطيني ذاته، ومازال دون وجود لمن يمكنه ملئ هذا الفراغ.
وتتداعي الحقائق علي الرؤوس من حديث الرئيس السوداني الاخير، والذي سلم فيه بأن نتيجة الاستفتاء ستكون انفصال الجنوب، وطلب ممن يسمعوه "التسلح بالواقعيه"، ونسي أنه بواقعيته هذه، فتح الباب أمام تفتيت السودان، وانفصال دارفور، لأن اللاعبين في دارفور هم ذاتهم اللاعبون في الجنوب، والسؤال الآن إذا لم تستطع الجيوش والسياسه والحاكم أن يحافظوا علي وحدة أرض الوطن، فما مبرر وجودهم؟؟ أليس هذا سؤالا واقعيا أيضا؟.
ألقي الرئيس الأمريكي خطابا في القاهره، ويومها توقفت الحياه إلا له، وذهب الي هنا وهناك ليصالح المسلمين، وحادث العرب أنه يملك أن يفتح بابا لفك إشتباك الدولتين، فقط الفرصه اتيحوها لي، ودقت الدفوف، أن المخلص قد جاء، وتضاربت الاقوال واختلفت المواقف وتبددت الجهود، ويأتي تسونامي جديد من الفيفا، نعم اتحاد الكره العالمي. فقد تقدمت قطر بمشروع استضافة لكأس العالم بعد 12 عاما، ووضعت دراسات وخطط ومشروعات وتصورا وتقدمت، ولسوء حظ اوباما أن أمريكا كانت تريد ذات الهدف، وفاضل الفيفا الذي ليس من الارهابيين، وهو ليس معاديا للساميه، وهو ليس ملونا، وإختار قطر لتنظيم المونديال في 2022، وكأننا قد أشعلنا حريقا بالبيت البيض، وانفجرت عنصرية الرئيس الامريكي ورفض قرار الفيفا واتهمه بالسوء. تسونامي الفيفا أكد أننا نستطيع كعرب تحقيق الهدف لو امتلكنا الاراده، وأننا لن نغير من أمريكا شيئا لأنها تعادينا نحن، وليس دفاعا عن اسرائيل. وانكشفت عقدة العنصريه لدي الرئيس الامريكي ليمارسها معنا!؟. ويسقط اوباما ويترك فراغا آخر في الخيارات العربيه.
في اكتوبر 1994 قدم الاستاذ هيكل ورقه بعنوان "مصر والقرن الواحد والعشرون"، وكتب فيها يقول: "لا أتجاوز إذا قلت إن المخابرات الإسرائيليه تقوم بإعادة تنظيم مخابرات دولتين عربيتيتن علي الأقل، كما أن دوله عربيه واحدة ـ حتي الآن ـ تطلب خبره عسكريه اسرائيليه!". وحذر من أن اسرائيل بقوتها في مواجهة الانفراط العربي، صارت تمارس دور ضابط التفاعلات والحكم في العلاقات، كان هذا منذ 16 عاما، واليوم الفراغ داخل الاوطان وفي الواقع العربي كله يغري بأكثر من هذا.
فراغ يتسع في الواقع العربي، يحتاج من يملك القدره علي ملأه، فهل يستطيع عقلاء الامه أن يديروا ملف "الوجود العربي ذاته"؟، ويدركوا دلالة القسم "بمواقع النجوم".
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه 8 ديسمبر 2010
0 comments:
إرسال تعليق