١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

الوطنيه شرف ... من يدفع الثمن ؟

تذكرت مقولة الامام محمد عبده في تعليقه عما رآه في زيارته لأوروبا "وجدت هناك اسلاما بلا مسلمين، وأجد هنا مسلمين بلا اسلام"، بعد قراءة جملة التعليقات من أصدقاء حول المقال الاخير "أجواء نوفمبر ... خطوات الي العدم"، وأخذ البعض منهم علي أن لهجة المقال تتضمن تشاؤما وإيلاما للقارئ بما تعرضت له، وإن استقر رأي الجميع أنها حقائق مهما كان ما تسببه من ألم إلا أنها تتطلب في الحد الادني الوعي بما يمكن تسميته بالمشروع (القومي) الصهيوني من جهة ، والوعي واليقظه لمفهوم المقاومه من جهة أخري وأن المقاومه هي الاستراتيجيه الاساسيه لمواجهة ما يمكن تسميته بالمشروع الصهيوني، وحددت التعقيبات أن المسئوليه انتقلت الي الشعب ولم تعد تعتمد علي الانظمه.

تناولت التعليقات كل القضايا،

من اكتر المقالات اللي اثرت في ولكنها تحزن لانني لا استطيع سوي ان اقف صامته من مدي الالم الذي بداخلي والنار تشتعل بصدري، "السيده رغده الشاذلي".

المفال متعب ومؤلم ويحمل من الشجن ما لايقل عما يحمله من واقع ويحمل من الواقع مالا يقل عما يحمله من حقيقة. وربما أن هناك جيل أو جيلين لن يحظوا برؤية العودة ويليهم جيل أو جيلين سيدفعون ثمنها لكني علي ثقة أن الجيل التالي لمن سيدفع الثمن سيحيا بحرية وكرامة، ولا أبني كلامي علي أكثر من ناموس الكون، "مهندس محمد السباعي".

تحدثت عن الاختراق، فلنتحدث عن الاختراق المضاد وسد منافذ الفساد و الموساد، فنلم شتات انفسنا وعزائمنا
هم يستقوون بضعفنا و يحيون لأننا لا نريد الحياة و لا نحب الحياة، "مهندسه عزة مطر".

قرأت مقالك الذي لأول مره اراه يبتعد عن التفاؤل المعهود فيك يا باشمهندس، و لكنني لا ألومك..فكلنا هذا الرجل، كنت قد قرات تصريحات المخلوق الاسرائيلي من قبل و طبعا واضح ان مخططهم ناجح بمعاونه منا، و لكنني لا اوافقه في استحاله معاجة الامر، "دكتوره ريم زكريا".

امريكا - واتباعها - تخسر الحرب، ربما لا تحرز نصرا - وإن كان مؤقتا - الا على الساحة الاسلامية، و بمساعدة عرب امريكا.. وانظر في الصمود الاسطوري لثقافة المقاومة بقيادة حزب الله في لبنان، سنعود، ربما بعد ان ننتصر على الخوف و الجهل، ربما إن عادت الاخلاق، ربما إن قام من بين اظهرنا رجال لا يهابون قول الحق، "أ. محمد عز الدين".

وتكتب "الدكتوره رشا سليم" ردا يمكنه أن يكون مقالا في حد ذاته، وتقول: المقال لم يذكر سوى الحقائق، وان رأى البعض أنه بعيد عن التفاؤل اذن فهي حقائق لا تدعو بأي حال الى التفاؤل، وأختلف مع "شادي" تماما ..فأولا "يادلين" قالها لأنه فعلها بل وأتمها على أكمل وجه ، وثانيا فهو يعلنها لعلمه بوقع تصريحه الذي يرفع الروح المعنوية لقومه من جهة ومن جهة أخرى للوقع المؤلم لتصريحه على بعض الضمائر في جسد هذا الوطن وأيضا إمعانا في احراج و اذلال نظام سياسي تابع فاقد للأهلية، (بمعنى ولو كنت راجل اطلعلي)، وهي ثقة لا أملك الا الإعجاب بها من قوم هم شرذمة متعفنة نجحوا، لتوحد الهدف ووضوح الرؤية، في اختراق وشل أمة بكاملها، وهذا ما يسمى (بالمشروع القومي).

حتى فيما يخص تدخلهم في السودان فقد تم على أكمل وجه وطبق الخطة المرسومة و جاء الاعلان بعد تأكدهم من احكام السيطرة على عوامل التأثير في بيئة الصراع السوداني سواء في دارفور أو في الجنوب و قريبا جدا في الشرق، وأذكر أثناء زيارتي لدارفور و خلال قيامي بتصوير احد المعسكرات أن مرافقي طلب مني التوقف عن التصوير لمرورنا بموقع تمركز قوات التمرد التابعة لعبد الواحد وأني لمست من حديثه، وهو شخصية رسمية سودانية، أنه رغم تأكد المواطنين من أن الحركة ممولة وموجهة من اسرائيل الا أنهم لم يمانعوا من الانضواء تحت لوائها لما توفره لهم من أمان وغطاء دولي إنساني ضد همجية و انحراف النظام السوداني الحاكم (هكذا رأي الدكتوره).

فاللوم لا يقع أبدا على شتات اجتمع و ءأتلف حول هدف استراتيجي واحد هو حماية كيانه وترسيخ وجوده لأنه ببساطة حق طبيعي - من وجهة نظرهم- وان كان غير مشروع من وجهة النظر الانسانية، و لا ألوم أيضا النظام السياسي المصري الذي رأى تحقيق المصالح الشخصية لأفراده على حساب شعبه -الذي وفر له الفرصة- لأن في هذا مصلحته حتى وان كانت غير مشروعة ...

يبقى السؤال الملح الذي يقفز بوجهي كلما نزلت الى الشارع: هل هذا الشعب لا يعرف مصلحته؟ هل هي عصية التقدير والفهم عليه الى هذا الحد؟؟ وان كان يعرفها فلماذا لا يتصرف كما يتصرف كل العاقلون -حتى غير الأشراف- في هذا العالم الذين يسعون وراء مصالحهم و سبل بقاءهم و أمانهم منذ بدء الخليقة.

هكذا كانت التعليقات، ووردت أمامي مقولة الشيخ محمد عبده، ولكنها حول العروبه والعرب، وان كان الاخوه المعقبين تلاقوا حول العديد من النقاط إلا أن هناك مقولتين تحتاجان التوقف حيالهما، وأيضا أمر السودان يحتاج منا إطلالة، وإن كانت تتطلب فرصة اخرى أرحب.

أما المقولتان فالأولي: حول الاختراق المضاد في مواجهة الفساد والموساد. واالثانيه: تلك التي تأخذ علي الشعب أنه لا يعرف مصلحته، ودون السعي نحوها.

وأيا من المقولتين لا يمكن تناولها بمعزل عن الأخري، وإن كان رد الدكتوره رشا قد أشار ضمنا لما يعنيه المشروع القومي، فهذا هو سبيل مواجهة الاختراق ومقاومة الفساد والموساد.

وما يهمني هنا انه انتشرت مؤخرا محاكم تفتيش تحاسب الشعب وتتهمه بالغياب، وكأن الشعب مطالب أن يكون هو القائد وهو المنتج وهو المقاوم، وأن النخبة لها فقط أن تجني الثمار، وأنا أعلم أن السؤال الذي يلقيه الاصدقاء من دوام الحوار بيننا هو حث علي البحث في كيف يمكن دخول الشعب في المعادلة السياسيه؟، ولكن الأمر صار ظاهرة، والحقيقة أن الشعب دفع ثمن كل الانجازات والانكسارات، وخرج عليه من بين فقراءه وعماله وفلاحيه، وايضا من جامعات دفع تكاليفها ومن مؤسسات رابط تحت لواءها، ومن الجحور أيضا خرج عليه ما سمي بالنخبة، التي تضع في حسابها ذواتها حتي الآن في الأغلب والأعم، وتري في الشعب رقما مضافا الي المعادله وليس أساس وجود معادلة الوطن والوطنيه، وعليه مسئولية إثبات حقه في الوجود. وقد شهدت الفترة الماضية مراجعات حول من يرتدون أردية ايديولوجية، وفي حسابات الحركة في المجتمع ينضوون تحت عباءة الحزب الحاكم دون محاولة للاتساق بين الافكار التي يعلنونها وبين مواقفهم.

ولعلنا ندرك من هذه التعقيبات أن هذا الشعب حي وحيوته قائمه، وإلا فمن هم هؤلاء الذين تفاعلوا وطرحوا الرؤي وناقشوا؟، وجميعهم في عمر يؤكد انهم صاغوا رؤاهم وافكارهم بذاتهم وليس عبر احزاب أو مؤسسات سياسيه.

إن أمة فيها مثل هذا الشباب قادرة علي إسترداد الإراده الوطنيه، وقادر هذا الشباب عندما يدرك أنه القلب المحرك لهذه الامه أن ينطلق بها، ولكن كما قال السباعي "عندما يكونوا علي استعداد لدفع الثمن".

تموج مصر بحراك أقرب الي غيوم رمادية في "خريف ليس للغضب" كما أرادت الحركة من أجل التغيير، ولكنه "خريف الاختيار" بين المتشابهات، وكلها منعدمة العلاقه بالسياسة، إما أنك ترفض حاكما أوترفض رافضا، ولكن أيا منهما لا يعرض عليك غدا مأمونا.

ما يدفع الأمل في النفس، أن هذا الشباب عينة ممن حققوا النجاح في عملهم وحياتهم ويمارسون مهنهم بتفوق راق، وهم في الوقت ذاته يقبضون علي قضايا أمتهم كالقابضين علي الجمر، هم نواة التغيير القادم، وأثق أنهم قادرون علي ذلك، ويستحقون شرف الوطنيه لأنهم يقبلون دفع ثمن الحريه.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 23 نوفمبر 2010

0 comments: