١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

مصر ... مستقبل التغيير "1"

مصر ... مستقبل التغيير "1"

شهدت السنوات الست الماضيه حراكا بدأ في نهاية 2003 ، وتحققت أعلي نقطة تطور فيه في انتخابات 2005، وتحدد خلال الحراك طرفي معادله الصراع، وتلقي كل منهما درسا من نتائج انتخابات 2005. وكانت عناصر الثروه والسلطه الأكثر استفاده من الدروس التي عرضت لها وقائع انتخابات 2005، وأظهرت أحداث إنتخابات المحليات التي تلتها، ومجلس الشوري 2007، أن الصراع علي المقاعد النيابيه فكره رومانسيه، وغير مجديه، خاصة وأن سلاحا التزوير والتشريع، كلاهما، وضعا حدا لجدوي عملية التصويت، بل وجدوي الذهاب الي صناديق الاقتراع حيث كانت الدعوه أن الذهاب للتصويت يمنع التزوير، ولكن تكفل الامن والعناصر الاداريه في اللجان بعملية الاقتراع، وسيطرا عليها، وتحددت "حصص" من الاصوات مطلوب انجازها في كل لجنه، وتولي أمرها رجال الامن. كما أتاح التشريع الفرصه الكامله لاتمام عملية التزوير بألغاء الاشراف القضائي علي العمليه الانتخابيه وحصره فقط في اللجان العامه.

وبات واضحا من حصيلة تراكمات السنوات الست الماضيه، أن الاحتياج الوطني ليس مجرد الاصلاح السياسي، ولكنه التغيير بمعني إعادة بناء الدوله، وصياغة عقد إجتماعي جديد.

وتبلورت حقيقة أن التناقض بين الشعب والتحالف الحاكم هو تناقض رئيسي وليس خلاف في وجهات النظر، وأن أفكار الاصلاح ليست كافيه، وأن الاحتياج هو إعادة بناء الدوله. وجرت عملية فرز حددت أن التحالف الحاكم شمل غير السلطه والثروه أحزاب التجمع والناصري والوفد، خاصة بعد نقضهم لفكرة مقاطعة العمليه الانتخابيه لما يشوبها من تزوير وانعدام الاشراف القضائي فضلا عن عدم جدوي التواجد في المجالس التشريعيه في مواجهة اللدد في الخصومه الذي يمارسه التحالف الحاكم، ومواجهة الاحتياجات الشعبيه بقاعدة القرود الثلاث، لا أري، لا أسمع، ولا أتكلم.

بالاضافه الي تحديد طبيعة التناقض وفرز القوي السياسيه علي أساسها، تحقق بعدا آخر إتسمت به المواجهة في الصراع، وهو الانتقال من مرحلة الهمس الي مرحلة الحديث جهارة وبوضوح.

وعلي الجانب الآخر مارس التحالف الحاكم كافة الاداءات التي كانت توصف في مراحل سابقه بأنها ممارسات فجه، خارجه عن الالتزام الوطني والأخلاقي والقانوني، وانتشرت مقولة "ليس هناك ما يمكن أن نسميه بثوابت النضال الوطني"، وهي ذات المقوله التي جاء بها كيسنجر الي المنطقه في أعقاب حرب اكتوبر 1973، "لا تحدثوني عن تاريخ وحقوق"، وتحقق لكيسنجر ما أراد وسلم له السادات مفاتيح إعادة ترتيب المنطقه، وهو ذات ما يقوم به التحالف الحاكم، إعادة ترتيب القوي الاجتماعيه، والثروه، والقوانين الحاكمه، والدستور وفق رؤية تحكمها مصالح التحالف، وليس تعبيرا عن حقائق الانجاز الوطني في حرب التحرير، ومتطلبات الاحتياج الوطني في تحدي التنميه والعدل الاجتماعي.

ونرصد في المجتمع تصرفات تنتج عن ضعف، لأنها تلوي ذراع الحقيقة وتفرض، وبفجور في القول والتصرف أوضاعا غير قانونيه، وأمام أعين الشعب والاعلام والعالم، وكأنه ليس هناك من يستطيع إيقاف مسلسل إنهيار الدوله، فقد قضت المحكمه الاداريه العليا بتأييد الحكم الصادر ببطلان عقد أرض مشروع "مدينتي" بين هيئة المجتمعات الجديده والشركه المالكه للمشروع، وتلتف الحكومه، وهي خصم في القضيه وحكم المحكمه ضدها ويدين تصرفها، تلتف الحكومه علي الحكم وتشكل لجنه توصي باعادة الارض الي الشركه وتصدر الحكومه قرارا بهذا. وكأنها أعدمت حكم المحكمه الاداريه العليا.

ويسهم القضاء الجنائي بموقف مشابه لموقف الحكومه فيصدر حكما في قضية قتل متهم بالتحريض عليها رئيس الشركه التي تبني مشروع "مدينتي" دون إتمام إجراءات المحكمه وسماع مرافعة الدفاع، وهو أمر يتيح فرصه للطعن علي الحكم، مما يؤدي إلي خروج المتهمين من السجن حتي البت في الطعن، ويصير للطعن فرصة واحده هي تخفيف الأحكام فقط، رائحة غير مستحبه فاحت من المشهد الذي جرت وقائعه في أقل من أسبوع، وأمام كل الأعين، ولا رادع، فليس هناك تاريخ وليس هناك حقوق والقانون وفق الهوي.

وما إن هدأت هذه العاصفه، بدأت وقائع إقالة الاستاذ ابراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور، من منصبه بناءا علي قرار من مجلس إدارة الجريده ومالكيها، وتولي التنفيذ رئيس حزب الوفد وهو في نفس الوقت رئيس مجلس إداره الدستور ، وأحد أعضاء لجنة الوفد العليا، وهما من مالكي الجريده.

إجراء عجزت السلطه منفرده عن القيام به لما يمكن أن يترتب عليه من مواجهات مع الصحفيين والنقابه، ولكن نجح التحالف الشيطاني بين السلطه والثروه والاحزاب أن يقوض واحده من الصحف المستقله، والداعمه لعملية التغيير.

وأصبح الأمر خلافا بين مجلس الاداره ومالكي الجريده من جهة ورئيس التحرير من جهة أخري، أي خلاف بين سلطة رأس المال وسطوته وسلطة صاحبة الجلاله، فكيف لإرادة صاحبة الجلاله أن تنتصر علي سلطة رأس المال؟ صورة جديده للصراع، قد تودي بجريدة الدستور، وقد تشعل نقابة الصحفيين في مواجهة مع أصحاب رأس المال، درس جديد في الصراع بدأ ولكنه لم ينتهي بعد.

ويحاول البعض تصوير ما جري في الوقائع السابقه بأنه إنجازات متتاليه لتحالف السلطه والثروه والاحزاب، ولكن هناك منظور آخر لرؤية هذه الوقائع، أن هناك تعجلا شديدا يحكم هذه الوقائع وهناك أيضا تجرؤا في فعلها، ومع ذلك فهي أفعال تخرج بلا مقومات بقاء ويسهل نقضها، كما أنها تدلل علي أن التحالف الحاكم لا يريد الدخول الي الانتخابات النيابيه والرئاسيه والحال علي ما هو عليه، وهذا مؤشر علي توازن للقوي من نوع ما بين طرفي الصراع، قد لا يلحظه المراقب، ولكن الافعال العشوائيه للتحالف الحاكم تدلل عليه.

إجراءات تحمل في طياتها دلالة ضعف للتحالف الحاكم، وليست تعبيرا عن قوة، مما دفع بكتاب النظام الي الحديث عن عودة السياسه الي مصر، ونهاية الحركات السياسيه الهامشيه، وحديث حول مهام العمل الوطني، في محاولة للإيعاز بأستقرار الأوضاع، وكأنهم يتحدثون عن أوضاع في غير الوطن الذي نعيش فيه، والحديث موجها لغير الشعب الذي يئن من الاوضاع الاقتصاديه والمعيشيه. والغريب أن يكتب الاستاذ عصام رفعت متساءلا هل نحن أمام مصر واحده أم مصرين؟ ويعرض لصور الازدواجية والتفتيت والثنائيه داخل المجتمع، وأن "مصر بلدين مصر ومصر الموازيه وليست بلدا واحدا، إن التفتيت إضعاف بينما قوة المجتمع في وحدته". وكأنه يرد عليهم حديث الافك الذي يدفع المجتمع والشعب ثمنه من قوته وصحة أبناءه ومستقبلهم بينما هم يعيشون في مصر الموازيه يقبضون ملايين الجنيهات شهريا ليكتبوا هذا.

ويدخل الدين علي المشهد في مواجهة بين الرجل الثاني في الكنيسه وبعض من عقلاء المسلمين، وتتسم المواجهة بتجاهل الوطنيه المصريه وتجاهل معاناة الشعب المصري، وتعمد رفع درجة التوتر، وعندما تظهر السلطه في مواجهة هذا التطاحن تبدوا هزيله وبخطاب ركيك وكأن الامر لا يعنيها، وكأن برأس السلطه ما هو أهم من الوحده الوطنيه.

ويبدوا أن السلطه تستبدل الحديث عن ارهاب المتدينين الاسلاميين، الي ظاهرة جديده هي الفتنه الطائفيه، لتضاف الي مسوغات قانون الارهاب الذي يزمعون إصداره لإقرار حالة طوارئ دائمه، وأيضا مبررا لاستمرار حالة القتل التي يمارسها الأمن، تحت دعاوي خطر الارهاب لتصبح عمليات القتل مبرره بضرورات الدفاع عن الوحده الوطنيه ومنع الفتنه الطائفيه، شأنهم في هذا شأن ما فعلوه في سيناء، حيث القتل والاعتقال والتوتر، للحفاظ علي أمن اسرائيل، والمعلن مواجهة الارهاب!!.

ويعاود الدين الدخول الي المشهد علي يد أحد المتحدثين علي الفضائيات المنتشره كما المنتجات الصينيه في الاسواق، دون ثقافة كافيه ودون وعي كاف، ويكون الحديث هذه المره مواكبا لمطلب تشريعي نادي به الحزب الحاكم بجواز المتاجره بالأثار، ويذهب أبعد من ذلك إلي تدمير الأثار المصريه، وحق كل مواطن في الخبيئة التي يجدها في أرضه، وهي فتوي أرسلت المواطنين لحياة الوهم والتمني دون أي مبرر عقلي أو موضوعي، واتجهوا للحفر تحت الارض والنظر لاسفل، ولم تحرر إرادتهم لمواجهة التدهور الحادث في المجتمع.

وهكذا نجد الدين قرين الارهاب، ثم قرين الفتنه الطائفيه، وقد مررنا بفترة جري فيها الحديث عن الصراع المذهبي وانجرف اليه علماء كبار وتناغمت أقوالهم مع رغبات السلطه وأمريكا، وها نحن نجد إضافة جديدة للدين بفتوي تفتح الباب للوهم وأحلام اليقظة المرضيه، وكأن هناك من إستورد مقولة "أفيون الشعوب" ويعمل علي إنفاذها لإلهاء الشعب عن متطلبات اليقظه وتحرير الاراده إعدادا لمهام التغيير التي لن يتولاها غير أصحاب المصلحة المباشرة في تحقيق التغيير.

هكذا اتضحت طبيعة التناقض مع التحالف الحاكم والاحزاب المنضمه تحت لواءه، وأدي هذا الي تحديد أن الهدف هو التغيير وليس الاصلاح، وتم الفرز داخل المجتمع، وأصبح الحديث جهرا وليس همسا، وتبين من العناصر الثلاث المكونه للمشهد الحالي أن الضعف الشديد قد ألم بالتحالف الحاكم، وأن اللحمه بين عناصر التحالف قد أصابها الوهن، وهي في حالة تخبط وتردد وعصبيه، ويتوقع المراقبون أن تؤدي هذه الحاله الي تسونامي مضاد للاعلام قد يحدث في أي لحظة، مما جعل الاعلاميين يرفعون الاقلام ، ويجف حبر المطابع فوق آلات الطباعة.

والمفارقه أنه بين عام 2004 بدية الحركه من أجل الاصلاح واليوم ست سنوات، وهي ذات المده بين الهزيمه العسكريه في 1967 وبين النصر العسكري في 1973، ولكن الفرق في المضمون عميق ولا وجه للمقارنه، فالأمه بعد هزيمة 67 العسكريه لم تستسلم، وبإرادة كل الشعب حشدت الطاقة الوطنيه كلها خلف هدف التحرير، ونجحت بكل أبناءها في تحقيق النصر العسكري في 1973، واليوم ذات الامه تبحث في تاريخها وبين عناصر مكوناتها الشعبيه عن كيفية الوصول الي هدف التغيير لصالح مستقبل الشعب؟\وكيف تدير الصراع؟.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه في 12 اكتوبر 2010

0 comments: