١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

مصر .. التغيير وليس الاصلاح

مصر .. التغيير وليس الاصلاح

تكرر تعبير الانفجار، والفوضي كمخاطر للمجهول إن لم يتحقق الاصلاح السياسي، وتوقف مضمون الاصلاح السياسي عند "انتخابات المجالس التشريعيه" و "إنتخابات رئيس الجمهوريه"، ولتنحسر المطالب في مواجهة تصرفات السلطه في مطلبي "إلغاء التزوير"، "ولا للتوريث".

إستمر التداعي، من مواجهة مع السلطه ومحاولة إعادة حركتها لمسار يحقق احتياجات المواطنين، الي الاشتباك حول تعديل مواد للدستور بدون قوة تحمي المطالب وتفرضها، الامر الذي حقق نتائج عكسيه زادت من تكريس سيطرة السلطة، وتوفير غطاء بنصوص دستوريه علي ما إقترفت من إجراءات وسياسات ومعاهدات أدت الي تبديد الثروه الوطنيه، وحصار دور مصر الخارجي وتقزيمه.

وتم تزاوج بين الاقطاع الجديد والسلطه، وجري إقصاء الشعب عن السلطه فعليا، وإنقسم المجتمع الي طبقة تملك وتحكم وتشرع وتتجاوز القانون حسبما تشاء، وباقي المجتمع الذي أطلق عليه "محدودي الدخل".

وأمتلأت شوارع مصر بالسابله من حاملي المؤهلات العليا وبلا عمل وبأصحاب المعاشات ممن وفرهم برنامج الخصخصه، وتحولوا الي طاقة سلبيه بعد أن كانوا يمثلون طاقة العمل والانتاج، وصار إلتزام السلطه تجاه الشعب أن له حق الفقراء والمعدمين علي من يملكون، وهو الإحسان، فالحكومه تمارس الاحسان بالدعم، والاثرياء يمارسون الاحسان بموائد الرحمن، وكراتين الطعام، وعلي محدودي الدخل أن يتلقوا منهم الاحسان. وبلغ الامر برئيس الوزراء أن يقول "إن الشعب المصري لم ينضج بعد ليمارس الديمقراطيه".

"همه دول منين؟ همه دول مصريين؟" هذا السؤال صار علي لسان المصريين كلما واجهوا مشكله، أو قفزت الاسعار قفزة مجنونه، وهو السؤال "المشكله"، والذي يمكن أن نعيد صياغته بحثا عن فارق المصالح، هل المصالح لدي التحالف الحاكم والشعب واحده أم أن هناك تناقضا في هذه المصالح؟ وما مداه؟، وهو التناقض الذي أدي الي انقسام المصريين الي كتلتين وليس طبقتين، إحداهما تعي التناقض وتمضي غير عابئه، وتمثل تحالف الثروه والسلطه، والأخري لم تستوعب حقيقة الانقسام بعد وتلقي بأسألتها مستهجنة ومستغربة ومستوحشة.

الاجابه تحدد هل ما نحتاجه "إصلاح سياسي"، أم ما نحتاجه "تغيير في بنية الدوله والسلطه الحاكمه"؟

يمكن إجمال التصورات المطروحه داخل المجتمع في تصورين، مشروع "مجلس أمناء الدستور" ومطالب "الجمعبه الوطنيه للتغيير".

يمثل مشروع "مجلس أمناء الدستور" رؤية التغيير وحدد أهدافها في:

1ــ "أننا في حاجة الي بناء دوله وليس مجرد حكومة او سلطة".

2ــ "ونحن في حاجة إلي دستور يكون عقدا إجتماعيا قادرا علي أن يصون كل ما هو أصيل في هذا اليلد ، ويفتح الطريق إلي كل ما هو مطلوب لمستقبله".

وهي رؤيه تدرك مدي الخلل الذي أصاب العلاقات داخل المجتمع، وحقيقة التناقض الواقع، والاحتياج لبناء الدوله بمفهوم "مؤسسة الهدف" وليست "مؤسسة السلطه"، وهذه الرؤية عرضت في سياق يلتزم الوطن ومؤسساته ولا ينقلب عليها، بل ويعتبرها شريكا في عملية التغيير، ثم وهو يحدد العقد الاجتماعي، يشترط إستدعاء ذاكرة الأمه وليس الانقلاب عليها أيضا وتفريغها.وإعادة ترتيب العلاقات بين القوي الاجتماعيه في المجتمع، وإسترداد قيمة العدل الاجتماعي.

تشكلت "الجمعية الوطنيه للتغيير" عقب عودة د.محمد البرادعي الي مصر في 19 فبراير 2010، وأعلنت سبع مطالب كضمان لعملية الترشيح والانتخاب، وأحالت القضايا الاجتماعية والسياسيه للقادم دون تحديد صورته ودون تحديد رؤيته، وربما طبيعة تكوين الجمعيه فرضت التعامل مع الحد المشترك الممكن بين مكوناتها، ولانها أساسا انطلقت من فكرة لا للتوريث كان عليها تقديم بديل رئاسي، مما فرض تحقيق تلك الاهداف التكتيكيه حول الانتخابات ومواجهة التزوير، والغاء قانون الطوارئ.

في تصريح للمستشار عادل عبد الحميد رئيس مجلس القضاء الاعلي السابق "أنه لو كانت هناك نية للتزوير فسيحدث حتى لو كان هناك قاض على كل صندوق"، رجل بلغ الصدق لانه قاض، والكلمة أمانه، والتصريح صادم لكل من يطالب بالضمانات لممارسة الانتخابات، ولا يوجد في الاحزاب والقوي السياسيه وجمعية التغيير من يملك مبررا واحدا كي تمتنع السلطه عن التزوير، وحال السلطه عندما تطالبها بضمانات عدم التزوير ينطبق عليه المثل الشعبي "قالوا للحرامي إحلف ... قال جالك الفرج".

السؤال الدائم والجاد: ماذا تملكون من قوه ؟؟، فتاريخ الأمم لا تصنعه الأمنيات الحالمه، ولكن يصيغه تراكم تضحيات الشعوب ونضالها. وليس معني ما يجري الآن أنه صفري النتائج فحسب، بل خطورته إن استمر الاستغراق في الامنيات الحالمه الغير مبرره علميا وموضوعيا أن تصاب الجماهير بعقدة "ألا جدوي" من أي شئ.

رؤي وأهداف متداوله بين نخب المجتمع، تحولت الي مطالب من النظام. والداعين لهذه الرؤي والاهداف لم يحددوا آلية ليجمعوا من حولها قوي شعبيه لديها قناعة بالاهداف وأنها تمثل حلا لمشكلاتها، ويقبلون التضحيه من أجل تحقيقها. وتحديد دور الجماهير هو عامل حاسم في أي محاولة للتغيير، وبديلا عن منهج علمي، أخذوا بفكرة التفويض، دون أن يعني التفويض وجود قوة ماديه خلف التوقيعات.

لم يتم تحويل الرؤي والاهداف، الاستراتيجيات، الي مهام عملياتيه، ولم يحدد تتابع العمليات ومن أين لها بعناصر التنفيذ، ولم تطرح قيادة تملك وضوح الرؤيه والخطاب والقدره علي تقدير الموقف واتخاذ القرارات.

وتهوي القضايا السياسيه ليصبح الشارع المصري أقرب إلي السيرك، أطراف متقابله، وكل يلصق صورا علي الحوائط ، وحديث عن ملايين تدفع لحملات التوريث، وعناصر تلصق ملصقات ضد التوريث يكون نصيبها الاعتقال، والشعب يئن في صمت وهو يشاهد هذا السيرك، دون أن تخطو قدماه مليمترا واحدا.

والاحزاب أقرب الي الاتفاق مع الحزب الوطني علي عدد من مقاعد المجلس، والحزب الوطني لا يقع تحت ضغوط من الاحزاب ليعقد الاتفاقات، ولكنه يسعي لتشكيل معارضة يوافق هو علي وجودها، بدون الاخوان أو بعدد محدود منهم ، فهو يملك القدره علي التزوير وهي بوابة تحقيق أهدافه، وتبدوا مشكلة الحزب الوطني ليست مع الاحزاب الاخري ولكن مع أعضائه الراغبين في الترشح.

من مجمل هذه الشظايا السياسيه، بات واضحا أن الخشيه من المجهول لا سبيل لتفاديها، فكل المشاهد تؤكد أن التحالف الحاكم يسيطر علي الموقف ويملك المبادأه ويستطيع التزوير ولا يردعه رادع، والمعارضه بما فيها الاخوان في حالة تشتت، ولا يسمح الزمن الباقي والتردد الذي يحكم الخيارات من حشد قوي وراء هدف التغيير.

وبمقاربة أخري نسأل: ماذا يحمل المجهول؟ وماهي الفوضي التي نخشاها؟ وما هو الانفجار الذي نسعي للحيلوله دونه؟

أعتقد أن المجهول الذي يخشون منه ، هو الممكن الكامن في الشعب، وكل من يخشي أمرا، فليضع لنا صورة أسوأ مما يحيا المجتمع الآن.

وبدون قراءة في كرة بلوريه للتنبأ بالغيب، لكن هكذا "حيّرت مصر علماء الاجتماع، فهي لا تتحرك عندما يتوقع الجميع منها الثوره، وتثور عندما لا يتوقع أحد منها الحركه" كما قال الدكتور محمد أنيس رحمه الله.

في عام 1977 رفض المصريون القرارات الاقتصاديه لحكومة السادات، وخرجوا من أسوان إلي الي الاسكندريه في مظاهرات 18 و 19 يناير، واشتعلت الشوارع بنيران الغضب، وهرب السادات من أسوان إلي كمب ديفيد. عجز عن الإيفاء بمطالب الامه بعد التحرير، فلجأ الي العدو، وليس هناك إرتباط بين كمب ديفيد والتحرير، فالتحرير ليس مغادرة المحتل للارض الوطنيه والوقوف خلف ابوابها للعوده وقتما شاء، ولكن التحرير هو تحرير الإراده، وامتلاك مشروع الوطن المستقبلي، وهو ما خسرناه في كمب ديفيد.

ولم ينتهي الرفض الشعبي ووقع حادث الاغتيال عام 1981، ونزلت السلطه الي الخنادق لتقاتل دفاعا عن كرسي الحكم، ورأت في الشعب طرفا غير مأمون.

وكما ذهب السادات الي كمب ديفيد، ذهب من تبعوه الي البنك الدولي وسلموا أنفسهم، و كما سلموا بأن 99% من أوراق اللعبه بيد أمريكا، فقد سلموا بأن البنك الدولي هو الحل.

فلم تعد سلطة تمثل مصالح شعبيه، ولا هي قادره علي مواجهة متطلبات المجتمع، ولا تدافع عن مشروع المستقبل الذي لا تملكه بالأصل، ولكنها سلطة هاربة من الغضب الشعبي منذ 1977 ولم تعد إلي الآن.

وسط موجة مناخ حار ليس في الذاكرة مثيل لها، أدت لكشف عوار جديد، القمح: هل تستورده مصر أم تزرعه؟، ولتكشف حالة الإظلام التي تلف مصر جريمة التفريط في ثروة الغاز الذي جري بيعه لاسرائيل، تقف مصر باحثة عن طريق، وليس أمام شعبها سوي أن يسترد مقاليد الأمور بيده، وهل سيتردد في شوارعها "عاش كفاح الطلبه مع العمال"، من جديد؟ هذا حديث آخر.

مصطفي الغزاوي

elghazawy@gmail.com

نشرت بالشرق القطريه 31 أغسطس 2010

0 comments: