مصر ... مستقبل التغيير "3"
الكل في مصر يجتهد، ويعيد تدريب النفس علي الحوار، ويسعي لاستكشاف طرق متعدده وتبادلية لتحقيق التغيير، وهذا دلالة صحة، ومبعث أمل، أن الكل أدرك الحاجه الي التغيير.
وهذا الاجتهاد أيضا يجري عملية فرز لا أريد أن أصفها بالتاريخيه أو بالفريده، حتي لا أحملها أكثر مما تحتمل، فتجهض، وتصبح أحد أسباب الاحباط بدلا من كونها اشراقة تضئ الطريق.
أري أن هناك تغير في التعامل مع الاشخاص، وطرح الاشخاص لذواتهم.
وأري أن منهجا قديما، إعتمد أساليب الانتماء الايدولوجي، تجري عليه تعديلات، ليصبح مواكبا معه إعتماد منهج لتحليل الواقع وإدراك حقائقه، قبل إطلاق العنان للافتات شعاريه تصادر التفكير، وتحجر علي احتمال الاتفاق الارادي وأيضا الاختلاف الارادي.
وأري ولست متماديا في أحلام يقظة، أن قوة ناعمة تتشكل في رحم مصر، قوامها الاساسي جيلا من الكتاب يقترب من منتصف الاربعينيات من العمر، ولكنه جيل يقود الحوار، ويعرض نفسه عبر كتاباته، ولا ينافق هنا أو هناك، بل تشكل وسط بوتقة المجتمع، وتعلم، وربما مال الي الليبراليه، ولديه المام عميق بالثوابت الوطنيه، ولديه شجاعة المقاربه الموضوعية من الافكار والوقائع، لعله يكون بذات المواصفات موجود في اركان الوطن ومؤسساته، ولكن الظاهر لنا هم هؤلاء الذين تكتب أقلامهم وتنشر، ولعل رصدنا أيضا لا يطول الكل بل البعض منهم، ويمكن لهم وبعلاقاتهم المباشره أن يكونوا الدليل الي غيرهم.
وأري علاقاتهم الداخليه والخارجيه تتشكل علي أساس من العلاقات العلميه، وعلاقات الدراسه، والتحليل، والحوار، غير تلك العلاقات التي تشكلت لجيلين سابقين، جيل تحدث عنه الدكتور مصطفي الفقي وأوضح أنه والدكتور علي الدين هلال كانا وهما قيادتان طلابيتان في الاقتصاد والعلوم السياسيه بجامعة القاهره ينهيان يومهما بلقاء ضابط أمن الدوله في الجيزه وكان يومها المرحوم حسن أبو باشا والذي تولي فيما بعد وزارة الداخليه، ليناقشوا اتجاهات الرأي العام ويكتبوا تقريرا عنها، ويعلن الرجل ذلك بوضوح في أحد البرامج التليفزيونيه، وليصبح الفقي وهلال فيما بعد ركائز للدوله، بيونيفورم الشرطه، أو بمنهج تحليل أمن الدوله. وجيل آخر صارت من حوله أسئلة عديده حول طبيعة العلاقة بينه وبين الخارج ولكن المؤكد أنها لم تكن علاقة حوار ونديه، واجه هذا الجيل العصف الامني الداخلي، وإن لم يعدم البعض منه علاقات بصانعي منهج التحليل في أمن الدوله. ورغم ذلك يمارس هذا الجيل إعدادا غريبا لمن يحشد ترتبط فيه الفكره بالفرد وبالمصلحه، إعداد ينتج أتباعا ولا ينتج قاده، وهو ذات المنهج المستخدم في الاخوان، حتي أن السماحة في القول والتعامل يمكنها أن تغيب، ويحل مكانها عصبية الجاهلية الاولي.
ومن الاسماء التي يمكن رصدها أذكر البعض، وليس الحصر ومع حفظ الالقاب،عمرو الشوبكي، عمرو حمزاوي، عماد الدين حسين، احمد النجار، وائل قنديل، وائل جمال، عمار علي حسن، وقد أضيف اليهم ممن سبق حسين عبد الغني وضياء رشوان.
هذه الاسماء من جيل بين منتصف الأربعينات والخمسينات، حان دوره، ولا يجوز أن يكتفي بنظرية الاستاذ هيكل، "أقول كلمتي وأمضي"، فحقيقة كلماتهم من الوضوح والموضوعيه والاشراق ما يمكنها من أن تكون ضميرا لحركة المجتمع والدعوه الي التغيير، وليسوا مطالبين بالاكتفاء بدور إعلامي، مع أهميته، وخطورته، وحظ مصر أنهم وبأيديهم وفكرهم يمارسون فيه دورا، هذه الجماعه أمامها دورا تحتاجه مصر الآن ويلح أكثر من أي وقت مضي، وهو إدارة الحوار داخل المجتمع متحررين من الاندراج ضمن أحزاب، أو جماعات، أو حتي حركات، ولديهم هم القدره علي وضع منهج لهذا الحوار، وآلية لتحقيقه، ففي اللحظات التي يشتبك فيها الجميع حول الانتخابات والتوريث والتخوين والحديث عن إراده الناخبين والتزوير، ليس أدعي من إطلالة صدق تحول بين واقع مؤلم نتوقعه، وأمل في مستقبل نرجوه لمصر.
وفي الوقت لذي يعصف فيه تسونامي رأس المال والقرارات الوزاريه بالاعلام والاعلاميين، والحديث عن بيع قنوات دريم لتحويلها عن أي أداء سياسي تراكم طوال أداءها لتصبح رقما في الاعلام السياسي، وسط ذلك كله تبرز شواهد ايجابيه، وينشر الدكتور عمار علي حسن دراسة عن "العصيان المدني" وهي محاولة محموده لايضاح المفهوم وتعميق الثقافه به.
وينشر الدكتور عمرو الشوبكي مقالا بعنوان "القوه الثالثه"، يفتح أفقاً جديداً للحوار، بديلا عن اسهامات تغلق آفاق التفكير والعمل، ويعرض المقال لقوتين في مواجهة بعضهما، قوي الاحتجاج والتغيير، وتحالف التوريث الذي يقوده جمال مبارك، ويطلب من قوي التغيير الاعتراف بهذا الواقع لتتمكن من التعامل معه.
ويستطرد أن خطاب التغيير وأساليبه لا تزال بعيده عن المجتمع المصري، وأن خطابها خطاب يتمني ثورة الجماهير، والقضاء علي التوريث، وأن تتوحد المعارضه، والواقع بعيد عن ذلك، وأن المناخ الرخو وإنشغال قوي التغيير "بمشاكلها ومؤامراتها الداخليه" أكبر من إنشغالها بمشكلات الوطن، والاهتمام بالحضور الاعلامي أكثر من الحضور السياسي الحقيقي. وأن بقاء أي نظام غير ديمقراطي يرجع "لأن أعداد المستفيدين والمتواطئين معه أكبر من الراغبين في تغييره"، ويطالب بالاعتراف بقوة الطرف المقابل لقوي التغيير، "صحيح أن هذه القوه بها صراعات داخليه عميقه، وتلعب بمهارة علي "توازن الضعف" داخل المجتمع، ويعرض لأن مشكلة هذا التحالف أنه يعتمد علي أجهزة الدوله ولا يمكنه النجاح دون مساعدتها".
وهنا يطرح : هل يمكن أن نفك عري هذا التحالف بين الدوله ومشروع التوريث، بحيث ينتقل مشروع التوريث الي مشروع سياسي له توجهاته اليمينيه؟، ضمن مشاريع أخري.
ويقول بإمكانية الفصل عبر "القوة الثالثه" التي تقع بين قوي التغيير الجديده وبين قوي التوريث، وهي المؤسسه العسكريه بجانب مؤسسات مثل وزارة الخارجيه والسلطه القضائيه".
"إن هذا الأمر، فى حال حدوثه، سيفرض على قوى المعارضة الجديدة الدخول فى قواعد الشرعية وحساباتها العاقلة، وتنسى أحلامها الاحتجاجية السابقة".
"إذا استطاع تيار من النخبة السياسية المصرية أن يكسر ثنائية البديل التلقائى للوضع الحالى (جمال مبارك أو جنرال) فى اتجاه الرهان على قوة ثالثة يقودها «سوار ذهب» مصرى، فإننا بذلك نكون قد أنجزنا خطوة جبارة فى سبيل تطور هذا البلد، ولكن الأمر يتطلب وجود بشر مازالوا يتحسرون بجد على وضعنا المتدهور، ويرغبون بجد فى إصلاح هذا البلد".
تصور جديد، وفكرة جديده، يمكنها أن تضيف بديلا، ولكنها تحتاج الي حوار عام من حولها، ومعها باقي الافكار المطروحه والتي في مجموعها لا تختلف جوهريا في ضرورة التغيير، أنه يجب إتاحة فرصة آمنه لتحققه، وأن للمؤسسة العسكريه دورا هو حماية هذا التحول، وإن كانت رؤية الفترة الانتقاليه تختلف ولكن الاختلاف هنا مرتبط بالمهام المطلوبه خلالها.
وهنا تبرز الحاجه الي ادارة الحوار حول الافكار، وايضا فكرة لجنة من الشخصيات العامه التي عرضنا لها في مقالنا السابق ومضافا اليها مجموعة الاسماء التي رصدناها هنا او البعض منها، ويمكنها أن تدير حوارا متجاوزا لسلبيات الحوارات السابقه والاتجاهات الأنانيه لدي البعض، لأن مصر أكبر من الأفراد وخياراتهم المحدوده بذواتهم أو رؤاهم الشخصيه.
لم يعد مقبولا داخل وطن يدرك حاجته الي التغيير، التعامل مع الافكار بقاعدة التجاهل، فأصحاب الافكار والذين يملكون شجاعة طرحها، هم الأمناء علي أوطانهم، ولكن ما جدوي الاجتهاد والعلم والنشر وليس هناك آلية للتحرك للتنفيذ، هي دعوة الي كتاب مصر ومفكريها للبدأ في خطوات نحو التنفيذ. ولعلنا نكون في أقترابنا من "ما العمل؟" قد خطونا خطوه.
مصطفي الغزاوينشرت بالشرق القطريه 26 اكتوبر 2010
0 comments:
إرسال تعليق