١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

مصر .... ما العمل؟

مصر .... ما العمل؟

"ما العمل؟" ليس سؤالا نمطيا تجري الإجابة عليه من الكتب أو عبر حسابات مجرده وحسب، ولكنه سؤال تتحمل مسئولية الإجابة عليه حركة المجتمع بكامل طاقته الإبداعية والمعرفية ورؤيته للمستقبل، تلك التي تراكمت في العقل الجمعي عبر سنين تكوينه وأحلامه وصراعه من أجل البقاء والنمو.

والوصول إلي تحديد إجابة يماثل مرحلة اتخاذ القرار في الشأن العسكري والتي تبدأ فور الانتهاء من تقدير الموقف، ويجري تحديد الهدف المباشر للمهمة والهدف التالي في إطار تصور استراتيجي شامل يؤدي إلى تحقيق الأهداف النهائية للمهام محل الالتزام.

والتصور الاستراتيجي في أمر التغيير يتسم بالشمول والتنوع، بقدر شمول وتنوع العناصر المستهدفة بعملية التغيير ذاتها، كما أنه مطالب بالوعي بضرورة تجاوز الظروف التي أنتجت الحالة القائمة أو بمعني دقيق الظروف المحيطة التي أدت إلي سيطرة التحالف الحاكم علي مقاليد الأمور. وهنا ترد الأحزاب في تعريف دقيق لوضعها أنها صارت أحد مولدات المشكلة وليست حلا لها.

ويهدف التصور الاستراتيجي إلي "زعزعة" يقين التحالف الحاكم والاعتقاد الذي ترسخ لديه بأنه يستطيع فعل ما يشاء دون مراجعة أو مواجهة معه، وأنه يقدر وغيره لا يمكنه، وأنه مطلق اليد في تحديد ما يشاء من أهداف وتحقيقها لغايات مطلقة لصالحه دون اعتبار لحاجات الأمة.

والتصور الاستراتيجي لا يرتكن إلي "دبابات الاحتلال البريطاني" التي حملت "حزب الوفد" في فبراير 1942 إلي تشكيل الوزارة في مواجهة "الملك"، ولا يرتكن إلي دبابات الاحتلال الأمريكي التي حملت العراقيين الهاربين من وطنهم إلى كرسي الحكم بعد تدمير العراق وإطلاق يد إسرائيل فيه، ولكنه تصور يدرك أن كل المؤسسات في الوطن هي ملك للشعب وليست رهنا بأفراد يحكمون أو يديرون، وأن كل المؤسسات في الوطن مطالبه في الوقت الراهن ألا تدعي لنفسها حقا لا تحميه شرعية القبول الشعبي، ولا أن تتماهى مع تحالف حاكم خارج علي شرعية القبول الشعبي بما وصلت إلية الأمور الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، والتي بلغ فيها حد الفوضى أن وزيرا يعلن أنه سيستورد عمالا من بنجلاديش لأنهم سيتقاضون أجورا أقل من العمال المصريين، دون أن يراجعه أحد أو يعتذر عنه أحد، والأولي كان إقالته ومعه كامل الوزارة.

نستطيع الإشارة إلي خطوة تحضيرية أولي، ولكننا لا نستطيع أن نحدد نظرية التغيير، فهذا عمل متكامل، تملك القدرة عليه جماعية التفكير والتخطيط والقيادة، ذلك ليس هروبا للأمام، ولكنه نسق جديد في الأداء السياسي العربي ليس هناك من بديل عن الأخذ به وأيضا السعي إلي امتلاك القدرة علي إنجازه في زمن يتوافق وحاجات عملية التغيير.

كما يجب أن نعود لنذكر بأهمية الوقت، زمن ينقضي من حولنا، أو توقيتات لمهام تجب وفق جدول زمني، وهو معيار أساسي لتقييم الإنجاز. ومحاولة رصد ومقارنة بين 1948 وإعلان دولة إسرائيل وبين 1952 وقيام ثورة 1952، فقط من حيث المساحة الزمنية، وحجم الانجاز. فلدولة إسرائيل 62 عاما منذ ذلك الإعلان الذي نسميه النكبة، وتكاد تكون إسرائيل الآن إحدى القوي العظمي من حيث القدرة العسكرية وإمكانية استخدام هذه القوة خارجة علي الفانون الدولي، وإنتاج وبيع أنواع من

2

السلاح حيث وصل الأمر بروسيا والصين والهند أن تكون من زبائنها، والاهم أن لهذه النوعية من التكنولوجيا والسلاح القدرة علي التأثير علي القرار في تلك الدول إلى حد أن تدخلات إسرائيليه حالت دون إتمام صفقات لمنظومة دفاع صاروخيه لإيران، أو في الحد الأدنى هي تعطل إتمام الصفقة حتى الآن، ثم هي في جنوب السودان تستولي عليه بينما القوات المصرية والافريقيه تشارك الأمم المتحدة مهام الفصل بين الجنوبيين والشماليين، ولا نقول بين الإسرائيليين والشماليين، ثم هي عند منابع النيل، والساحل الصومالي، وباقي إفريقيا، وغواصاتها تجوب البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي، ولا أحد يعلم أين هي القواعد الإسرائيلية في القرن الأفريقي، ولا أحد يستطيع ضبط الوجود الإسرائيلي حول اليمن أو الشاطئ الغربي للبحر الأحمر الذي كان بحيرة عربيه، وهي فوق هذا كله انتقلت إلى مرحلة إدارة ما يسمي بعملية السلام في الشرق الأوسط، أو هي مطلقة اليدين في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، والجميع يفوضونها ويتنازلون عما يقال انه حقوق تاريخيه وثابتة للشعب الفلسطيني.

ويتغني الكثيرون بديمقراطية إسرائيل ودفاعها عن مواطنيها، حتى أنها نجحت في جمع العرب والعالم وراء مطلب الإفراج عن جندي إسرائيلي أسير لدي المقاومة الفلسطينية.

وعلي الجانب الآخر، فإن المقارنة مع 58 سنه من تاريخ الثورة، في دولة قائمه وليست دولة تحت الإنشاء بمهاجرين من كل العالم ، بل ومهاجرون يفرون من ارض الميعاد إلى حد أن أعمل روتشيلد عمالا له لمنع الهجرة العكسية قبل إعلان الدولة، وكانت خطوتهم الرئيسية هي المدرسة الزراعية، والالتصاق بالأرض، مقارنة كهذه ليست لصالح مصر وليست لصالح العرب علي أي حال.

وهذا هو فارق اعتماد الزمن والتراكم الايجابي، دولة من مهاجرين بلا تاريخ فوق الأرض، تتجاوز دولا من حولها بل وتفرض عليهم الانصياع لإرادتها وخياراتها.

لذلك فان الزمن معامل رئيسي في عملية التقييم، خاصة وأننا نحتاج تعويض زمن ضاع، واللحاق بزمن قادم بالإعداد لاستثماره لحاجات محددة الملامح، وواجبة التحقيق، دون الدخول إلى مقاربات لا تحمل رؤية للمستقبل.

فالأحزاب هي أحد مولدات المشكلة. وليست وسيلة التغيير دبابات الاحتلال البريطانية أو الأمريكية. والزمن جنرال رئيسي في المواجهة ومعامل أساسي لتقييم الانجاز. ومعادلة الزمن ليست فقط مطالبه بانجاز جديد بمعدلات عاليه، ولكنها أيضا مطالبه بتعويض ما فات من زمن.

وتبقي رؤية الخطوة الأولي والتي تتمثل في اللجنة الوطنية لإدارة مهمة التغيير والتي عرضنا لها خلال المقالات السابقة، بل ووصلنا إلى تسمية بعض الأشخاص يمكن أن تكون نواة لها. كما أننا عرضنا لتكوينها المقترح الذي يضم مؤسسات بحثيه داخل المجتمع في مقالنا السابق.

وتدور مهمة اللجنة الوطنية في نطاق الحوار وتحديد تصور للحكومة الانتقالية ومهام الفترة الانتقالية ومداها الزمني، وتشكيل الجمعية الوطنية لوضع الدستور. وهذا يشمل اغلب التصورات التي طرحت داخل المجتمع إلا أنها لا تتعرض لنقطتين مطلوب للحوار أن يعرض لهما وهما دور المؤسسة العسكرية وتشكيل مجلس أمناء الدستور.

3

وكنا قد حددنا بعضا من الأسماء التي يمكنها أن تدير الحوار داخل المجتمع، وهي تملك رصيدا يسمح لها بهذا الدور، وكانت هذه الأسماء: الدكتور محمد غنيم والدكتور محمد البرادعي والدكتور كمال أبو المجد والمستشار طارق البشري والدكتور وسيم السيسي والمستشار زكريا عبد العزيز والدكتور حسام عيسي والدكتور جودة عبد الخالق والدكتور يحي الجمل والأستاذ محمد حسنين هيكل، والأمر يتسع للعديد من الشخصيات التي يمكنها أن تسهم في هذه المهمة. وعدنا وأضفنا الأسماء التالية من جيل جديد د.عمرو الشوبكى، د.عمرو حمزاوي، ا.عماد الدين حسين، أ.احمد النجار، أ.وائل قنديل، أ.وائل جمال، د.عمار علي حسن، وقد أضيف إليهم ممن سبق أ.حسين عبد الغني ود.ضياء رشوان.

والرسالة إلى هذه الشخصيات أن تتنادي وتلتقي، ليست طرفا سواء مع قيادة الجمعية الوطنية للتغيير أو حركة كفاية وحتى الأسماء المطروحة هي اقتراح، ولم نحاول أن نحدد مصدرا للجنة سوى إرادة أعضاءها إن هم قبلوا بالمهمة، ويبقي أن الفترة القادمة والتي ستشهد انتخابات مجلس الشعب هي فترة يمكن استغلالها في لقاءات تحضيريه، فنتائج الانتخابات لن تكون عاملا مؤثرا لتعديل مواقف الأطراف، ولكنها ستزيد من شدة التناقض لما هو متوقع من تزوير يشوبها.

هذه محاولة للإسهام في الحوار الدائر حول قضايا التغيير، نرجو أن تكون قد أرتقت إلي مستوي التحدي، واستجابت لنداء الوطن والمواطن أن الحاجة إلى التغيير باتت ملحه ولا تقبل التأجيل.

مصطفي الغزاوي

نشرت بالشرق القطريه 9 نوفمبر 2010

0 comments: