١٥‏/١٢‏/٢٠١٠

مصر… الشعب ومؤتمر واشنطن

مصر… الشعب ومؤتمر واشنطن

اعترض مؤتمر واشنطن موضوع مقاله ثالثه حول مصر والحراك الداخلي فيها، وبديلا عن الالمام بقوي التغيير في الواقع المصري وعلاقتها بأهداف التغيير والقدره علي الحركه في اتجاهها، والعلاقه بينها وبين الحركات السياسيه، والاحزاب القائمه الآن، فرض المؤتمر بحث العلاقه بين القوي الخارجيه والحركه داخل المجتمع المصري. خاصة وأن المؤتمر أطلق عليه "مؤتمر البيع" فلسطينيا، ولاصطحاب الرئيس المصري ابنه المثير للجدل دون مبرر بروتوكولي او سياسي أسماه البعض "مؤتمر البيعه" حتي أن بعض الساسه الامريكيين قالوا"الرئيس المصري يحاول فرض ابنه دوليا".

وتزامن كل ذلك مع موجة جديده في كرنفال المبايعات الداخليه وملصقات الحائط، بملصق جديد يحمل صورة اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات المصري، ويكاد تصميم الملصق يقارب شعار الجهاز، وصاحب الملصق بيان حمل توقيع الحملة الشعبية لدعم عمر سليمان رئيسا لمصر، وطرح البيان للمرة الاولي دور المؤسسه العسكريه في الاختيار ويقول: "وفي ظل تصاعد الحملة المدعومة امنيا والتي يقودها أنصار جمال مبارك وأعوانه من رجال الأعمال وأتباعهم وجهاز امن الدولة من اجل السيطرة علي حكم مصر. وتصعيده كبديل رئاسي في لحظة فارقة، فإننا نري أن السبيل الوحيد لمواجهة مشروع التوريث، هو جناح داخل النظام يحمل احد رجاله القدرة علي طرح نفسه كبديل إصلاحي انتقالي في الداخل، وكحامي للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط"، والرساله ليست داخليه فقط ، بل تخاطب المؤتمر ايضا.

في المقالين السابقين عرضنا للازمه التي تمر بها مصر علي المستويات السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه، ,وبأنها ليست وليدة سوء الاداره، او إنحراف في السياسات وتطبيقها، ولكنها أزمة منشأها تباين في الانحياز والاختيارات وصل الي وجود تناقض في المصالح بين تحالف "الثروه والسلطه" الذي يحكم، وشعب جري فرط عقده بكل الادوات وفي كل الاتجاهات، أمر جعل حوار الطرفين داخل المجتمع "حوار الطرشان"، كل منهما يقول ما يحب أن يسمع، وغيره لا ينتبه الي وجوده، ووصلت العلاقه بين الطرفين الي طريق مسدود، ووجب إحداث تغير في منهج الحركة في مواجهة الحلف الحاكم.

والتحالف الحاكم تمتد إرتباطاته الي الخارج، وتلتقي مصالحه والمصالح الامريكيه والاسرائيليه لقاء التبعيه. وإختار التحالف الحاكم أن يؤكد التبعيه لمحدودية الاهداف الذاتيه التي يرغب فيها، والتقي في هذا مع ما اطلق عليه مؤخرا عواصم السلام العربيه، ودخلت القضيه الفلسطينيه طورا لم تمر به من قبل، حيث لم تعد قضية شعب وأرض وحقوق، ولكنها صارت مجال "التفريط" لاثبات التبعيه، وصار المتحدثون عنها، مهما ارتفع صخب الكلمات، يقولون ما لا يفعلون، ويضمرون غير ما يعلنون.

وليس غريبا ذلك التزامن بين حملات للتوريث في الداخل وبين رحلة البيع والبيعه في واشنطن.

قبل وقائع المؤتمر أكد البعض، أن الرئيس المصري باق في كرسيه الي أن يتم حل القضيه الفلسطينيه، بدولة بلا حدود، والقدس فاتيكان الشرق الاوسط ، والعالم يضمن ذلك بالسلاح في الضفه فيما يطلق عليه قوات دوليه، وهو ما أكده المقال الذي نشر له بجريدة نيويورك تايمز، العرب يعلنون في مقال بجريدة أمريكيه إهدار ما سمي بقضايا الحل النهائي "أن المفاوضات السابقة حسمت بالفعل العديد من التفاصيل حول الوضع النهائي للاجئين والحدود والقدس والأوضاع الأمنية"!!

هل المقال ضمن حملة علاقات عامه تتعهد بما لا تملك امام من لا نعلم؟، فالمجتمعون سيسمعون ما يريد الرئيس قوله، مما يجعل المقال رسالة اقرار لغير الحاضرين فمن هم؟؟ أم أنه إعلان في المزاد بما يمكن أن يقدموه، وفي الوقت ذاته طلب اعتماد البيعه؟؟ وأخيرا يبدوا المقال دعوة لإعلان الحرب علي غزه حيث الارهاب والارهابيين؟

من هنا لم يعد ممكنا دراسة حالة مصر والاحتياج فيها الي التغيير، دون ربط الامر بالقضية الفلسطينيه. قبل البعض بهذا او رفضه، ولكنها حقائق الامور وواقعها.

نحن نري القضيه الفلسطينيه قضية صراع مع التحالف الغربي بكل مكوناته. والتحالف الحاكم يراها تتحمل تفاهمات تكون ثمنا يمكن دفعه للاستمرار في الحكم وللتوريث.

والمفارقه أن التحالف الغربي يدرك، أن الصراع الحقيقي ليس بينه وبين الجيوش ولا الحكومات ولكن الصراع الحقيقي في مواجهة الكتل الشعبيه، القادره علي المقاومه والرفض، وانتاج المواقف البعيده عن الحساب والتصورات.

من هنا أصبح إضعاف الشعب وتفكيكه هدفا يفتح بابا اوسع لتمرير المخططات الغربيه، والتي تعتبر الارض العربيه مجرد خزان نفط وخزانة أموال وكتل بشريه وجميعها ألغام موقوته يجب السيطرة عليها وإن لم تتم السيطره فيجب تبديدها.

وهانحن نرصد ماجري بالعراق ولبنان وغزه ويجري علي قدم وساق في السودان، وتلتقي عواصم السلام علي ذات هدف تفريغ الطاقة العربيه التي لا يملكونها وهي الشعب، فخزانات النفط تحت السيطره وخزائن الاموال في أيديهم مفاتيحها وأرقام خزائنها البنكيه.

هنا يجب التوقف، المراد بالشعب في مصر هو ذات ما تحقق لهم بالعراق وحاولوه في لبنان وأكدوه في غزه ويجري الآن في السودان.

الحمله علي الشعب تتم علي ثلاثة محاور

الاول محور المضمون والوعي: شنت حملة تشويه لحقائق التاريخ والانتماء الوطني والقومي وطالت ثوابت العقيده الدينيه، كما طالت نظام التعليم ومناهجه.

الثاني محور التنظيمات والاحزاب: تم حصار الحركه النقابيه والاستيلاء عليها، وتوجيهها الي دور فئوي عقيم، يخصم النقابات واعضاءها من حركة المجتمع، وعلي صعيد الاحزاب لم يكتفي النظام بمنع قيام الاحزاب الا حسب ارادته، إلا أنه جري استيلاء الامن علي الاحزاب طواعية او بانقلابات داخليه. وتمت السيطره علي اتحادات الطلبه.

والثالث تفكيك وحدة الشعب: لا نعني هنا التقسيم الاجتماعي والاقتصادي الذي وصل بالمجتمع الي مائة اسرة يملكزن ومن حولهم بضعة آلاف، وباقي الشعب وبطبقته الوسطي يرزح تحت طائلة الفقر وأضيف الي ذللك تغذية الفتنه الطائفيه، وتقسيم جديد بالجغرافيا، من بدو سيناء الي اهالي النوبه في الجنوب وأخيرا مهجّري القناه، وصار لكل من هؤلاء توصيف بين الخيانه والاضهاد والعقد الاخلاقيه.

في أعقاب حرب اكتوبر وفي عام 1974، كان الشيخ إمام "يغني شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووتر جيت، عملوا لك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت"، وترددها وراءه التجمعات الوطنيه في مصر لتعلن رفضها لزيارة نيكسون وما وراءها من تبعات، كان النظام يحشد المستقبلين لنيكسون، وفي ذات الوقت كانت قوافل الاحصاء الامريكيه تجوب ربوع مصر تجمع ما شاءت من معلومات وتسأل ما شاءت من أسئله، حتي أنهم وصلوا الي توصيف العلاقات بين الرجل وزوجته في الخريطه الاجتماعيه المصريه. وممن تألقوا في تلك الفتره وفي هذه المهام كان الدكتور داعية الديمقراطيه وحقوق الانسان رئيس مركز ابن خلدون.

وأيضا كانت البدايه عندما شكل نظام السادات الجماعات الاسلاميه في الجامعات وأطلق لها العنان لمواجهة الناصريين واليسار، وأذكر جلسة اجتماع لوفد من اتحاد جامعة عين شمس مع الدكتور كمال ابو المجد وكان حينها امينا لمنظمةالشباب، وفتح شاب قاعة الاجتماع موجها كلامه الي الكتور كمال: ضربناهم النهارده بالمطاوي والسكاكين، وساد الصمت قاعة الاجتماع وقال الدكتور: شايفين إللي بأعاني منه؟؟؟

وفتح السادات الباب لعودة الاخوان المسلمين ، لنفس هدف التوازن السياسي داخل المجتمع في مواجهة القوي القوميه واليسار. الانقلابات التي قادها السادات حتي اعتقالات سبتمبر 1981، كانت جميعها محاولات لتفريغ الجهد الوطني من امكاناته.

وبعد حرب الخليج، اضيف حزبا ناصريا نكاية بحركة تأسيس الحزب الاشتراكي الناصري التي كان واضحا خروجها عن الخطوط المسموح بها، ولكل شئ ثمنه، وانضمت الحركه الناصريه الي باقي الاحزاب في مسلسل الانهيار.

ويمكن رصد التزامن بين مدريد واوسلو وحرب الخليج والحصار السياسي الداخلي وإصدار قانون حصار النقابات المهنيه المعروف بالقانون 100.

ومع الانتفاضه الثانيه عام 2000 انفجرت الشوارع العربيه جميعها. ومع نشوب حرب العراق 2003، انفجرت شوارع القاهره بمظاهرات ووجهت بأقسي انواع العنف.

هناك فارقا بين حركة الشعب والاحزاب التي استكانت دون محاولة جادة لتصحيح اوضاعها. وتولدت حركات بدت انها محاولات بديله، وزخمها من ذات الكوادر التي خرجت علي الاحزاب. خرجت الاحزاب من الحساب عندما اختلطت عليها الامور، ولم تنجح في تحديد طبيعة التناقض بين التحالف الحاكم وبين الشعب ومطالبه ومصالحه.

هكذا الارتباط بين الاحداث الخارجيه والداخليه، والهدف هو حصار الشعب وإخراجه من المعادله،

ويتضح حجم القوي المضاده التي تواجه مطلب التغيير، وبالتالي حجم التحدي أمام إرادة التغيير وضرورات الارتفاع لمستواه وعدم الاستسلام أمام بريق مشاركة مع السلطه يمكن ألا يتحمل الشعب دفع ثمنها.

مصطفي الغزاوي

elghazawy@gmail.com

نشرت بالشرق القطريه في 7 سبتمبر 2010

0 comments: