شجرة العديسـه ... حصريا لبنانيه !!!
الخط الممتد من قرية العديسه جنوب لبنان الي جوبا جنوب السودان ، مارا بالقدس وغزه وسيناء والسودان باطرافه المعرضه للاقتطاع والتقسيم ، خط يعرض لوقائع تجري فوق الارض ، تسيل فيها دماء ، وتكثر فيها الكلمات ، وتتنوع المواقف وتتبدل ، ويدفع فيها الشعب العربي بامتداد هذا الخط ثمن ما يحدث ، وفي الوقت ذاته يبدو أن إضطرابا أصاب الفكر العربي في تحديد طبيعة الصراع الجاري واولويات المواجهه وحقيقة أطرافها واهدافهم وأساليب المواجهه ، مما أودي الي زيادة الفاقد في الجهد العربي يل ضياع القدره علي العمل العربي وفقدان الثقه في جدواه .
أطلقت الامه في مرحلة السعي الي الاستقلال ، شعار أن علي الاستعمار أن يحمل عصاه علي كتفه ويرحل او قليقاتل دفاعا عن وجوده ، وكان أن توالي رحيل الاحتلال الاجنبي عبر صور متعدده أختلفت من قطر الي آخر. وكما الجزائر ، أخبرني الفريق محمد فوزي أنه كانت هناك خطة أطلق عليها "صلاح الدين" لتحرير الخليج العربي. وفي زمن المد التحرري ، كانت هناك مقولة "أن القضيه الفلسطينيه هي القضيه المركزيه للنضال العربي" ، ولكن ذلك كله تحول الآن الي شريط الذكريات ، واهم ما تبقي منه أن بديل القضيه المركزيه صارت حقيقة أن مصدر الخطر علي الامة العربيه هي اسرائيل وامريكا ، وصار الفصل بين الاثنين ، نوعا من الهروب خشية مواجهة الحقيقة ، فلا نستطيع دفع ثمنها.
وتحديد مصدر الخطر علي هذا النحو يفرض مراجعة لمفهومين أطلقناهما او أطلقا علينا ، أولهما أن حل الصراع العربي الصهيوني هو في تحديد أنه فلسطيني اسرائيلي ، وأن الحل في دولة فلسطينيه الي جوار اسرائيل ، وكأن هذا الخيار سيحول اسرائيل من مصدر للخطر الي جارة ، ويتحول الصراع من دفاع عن النفس الي القبول بالعدو صديقا.
والخط من العديسه الي جوبا يؤكد أن مواجهة خطر اسرائيل ليس في نحقيق دولة فلسطينيه ، ولكن في تحقيق قدرة عربيه علي مواجهة اسرائيل ، وعندها تعود القضيه الفلسطينيه الي حجمها الطبيعي في الصراع ، أنها أحد أوجه الصراع ، حتي وإن كانت الارض الفلسطينيه هي درة الصراع ، إلا أن جوهر الصراع هو الوجود العربي ذاته.
والثاني هو اعتقاد أن حل التنميه والتقدم في مجتمعاتنا يبدأ من قضية ختان الإناث الي الديمقراطيه ، وأن الراعي لهذا كله هو السيد الامريكي بحاملات طائراته حتي جمعيات المجتمع المدني الامريكيه ، والبنك الدولي ، بل ومحكمة العدل الدوليه ، التي ترفضها امريكا ، وتستخدمها في مواجهة من تشاء عندما تريد. وأضيف الي هذا شركات المرتزقه الامريكيه والتي تنتشر في العالم بتمويل من الاداره الامريكيه ولاهداف للاداره الامريكيه وخارج أي التزام يفرضه القانون الدولي. وانجرفت معظم التيارات السياسيه العربيه والنخبه الي عراك واقتتال حول تداول السلطه بالوساطه الامريكيه ، وبالادوات الامريكيه ، والتي اضيف اليها ملايين من الدولارات ميزانية لتمويل الحركه نحو الديمقراطيه ، ونسيت هذه التيارات ان التغيير لابد له من قوي اجتماعيه في المجتمع ذاته تدرك أنه ليس مجرد تداول للسلطه ، ولكنه مشاركة بين قوي المجتمع في الثروه والسلطه ، وتقبل بدفع ثمن تحقيقه.
أمران تأكدا ، أن امريكا واسرائيل هما مصدر الخطر علي الامة العربيه ، وأن الدوله الفلسطينيه
المرجوه والديمقراطيه الامريكيه ليسا حلا للصراع من أجل البقاء والتقدم.
الثلاثاء الماضي 3 أغسطس شهد الجنوب اللبناني عند قرية عديسه ، تقدم عناصر من الجيش الاسرائيلي الي نقطة محل نزاع بين لبنان واسرائيل منذ ترسيم الخط الازرق عام 2000 ، واستقر الامر بشأنها أن اليونيفيل هي وسيط التعامل لاي من الاطراف عند مثل هذه النقطه ، الا ان الجيش الاسرائيلي تقدم لنزع شجرة من الارض محل النزاع ، وعندما رفض التعامل وفق ما سبق الاتفاق عليه ، وحاول نزع الشجره ، فتحت القوات اللبنانيه النار علي القوه الاسرائيليه ، وقتلت قائد كتيبة دبابات برتبة مقدم وفرد آخر ، وردت القوه الاسرائيليه بالمثل واستشهد أربع لبنانيين احدهم صحفي ، هذه واقعة (شجرة العديسه) ، والتي جرت وسط أجواء الاحتفال بمرور اربع أعوام علي حرب 2006 ، وكأنها واحدة من نتائجها. أن تصدر الاوامر للجيش اللبناني بالاشتباك مع العدو ، متغير أصاب الاسرائيليين بذهول ، ولكن ردهم كان محليا وهو الامر المستغرب من الجيش الاسرائيلي ، وهرولوا الي مجلس الامن ، وخرجت التصريحات الامريكيه لتدين العدوان اللبناني !!!!. وتكشف الصحف الاسرائيليه أن رئيس الاركان كان يدير العمليات بنفسه ، ويبدوا أن هناك غضبا مكتوما في اسرائيل لفداحة الاصابات القاتله ، والعجز عن الانتقام المفتوح بلا رادع ، وكأن الردع أيضا تحقق من نتائج حرب 2006 ولم تتجاوزها اسرائيل بعد.
مبادأة الجيش اللبناني ، ومحدودية الرد الاسرائيلي ، لم يكونا فقط النتائج الاوليه للاشتباك ، ولكن الواقعه جردت اسرائيل من تهديد استخدمه كل من نتنياهو وايهود باراك وزير الدفاع ورئيس اركانه ، بمسئولية الحكومه اللبنانيه عن أي عمل عسكري ، وكان القصد أي عمل عسكري من حزب الله ، فأخذت القوات اللبنانيه بزمام المبادأه ، ففقدت اسرائيل معامل ضغط جديد. وأضيف الي ذلك معاملان كشفت المواجهه عنهما ، الاول عدم جدوي اليونيفيل كما ارادته اسرائيل ، والثاني أن المقاومه جنوب الليطاني كما كانت وأكثر تعزيزا ، كما أن تداعي جيش الجواسيس في لبنان حرم اسرائيل من مصادر معلومات وهو إضافة الي قدرات لبنان في المواجهة ،وأن " اسرائيل هي العدو " أدي لتعطيل قرار الاتهام الصادر بحق حزب الله كأداة للفتنة الداخليه.
واقعة شجرة العديسه تعلن خروج لبنان عن النص العربي وتؤكد ان مواجهة اسرائيل كمصدر أساسي للخطر ليس بدولة فلسطينيه ، ولكن بقواعد جديده للاشتباك. ثلاثية الشعب والجيش والمقاومه. محاولة لتصحيح العلاقه ، ولكنها حني الآن حصريا لبنانيه.
وواكب واقعة شجرة العديسه ، وصول عدد من الصواريخ الي ايلات والعقبه ، مؤشر آخر عن محاولة تتم للمره الثانيه خلال أشهر معدوده ، في اتجاه جديد للمجابهة.
بعد ثلاثة أيام من واقعة العديسه وصلت اول طائرة لشركة مصر للطيران الي مطار جوبا في جنوب السودان لتعلن افتتاح خط جديد مباشر بين القاهره وجوبا. وتكاد تكون القاهره شأنها في ذلك شأن الباقي العربي ، تسلم بأن الجنوب ذاهب الي انفصال ، ولا أحد يدري من أين جاءت الحكومه السودانيه بأسباب ومبررات للتوقيع منذ ست سنوات علي اتفاقية تسلم فيها جنوب السودان أرضا وشعبا وثروة ، لتقوم عليه دولة انفصاليه ، يومها توقع اكثر المتشائمين أن فسحة الوقت كافية لتدارك مخاطر التقسيم.
وعلي النقيض من وقائع شجرة العديسه ، فرغم ان المواجهة في الجنوب السوداني أيضا مع امريكا واسرائيل ، وأن الدعامه الاساسيه لحكومة الجنوب هي شركات أمنيه أمريكيه (يلاك ووتر ودين كورب) وأن التسليح أمريكي ، واسرائيلي تحت غطاءات متعدده ، الا أن الحكومه السودانيه والجامعه العربيه وبعض من الدول العربيه التي تحدثت عن الامر ، توافقت مع امريكا وبالتالي اسرائيل في تسليم الجنوب طواعية والقبول بانفصاله.
واقعتان كاشفتان لحالة الانقسام العربي ، واحده ترفض التسليم بما اقتطعه خط الامم المتحده الازرق في جنوب لبنان لصالح اسرائيل المصدر الرئيسي للخطر علي الامن العربي ، والاخري في جنوب السودان تقبل بانفصاله عن الوطن الام ، تمهيدا لمتوالية تقسيم السودان.
وتبقي حقيقة أنه لا الدوله الفلسطينيه ولا الديمقراطيه الامريكيه حلا للصراع من اجل الوجود العربي والتقدم ،
فهل يمكن للاخوه في السودان استيعاب درس شجرة العديسه ... أم أنها حصريا لبنانيه.
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه في 10 اغسطس 2010
0 comments:
إرسال تعليق