الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره ... لماذا؟؟ 2-1
ننقسم داخل مجتمعاتنا بين بعض "يتكلمون" والبعض "يحكمون" وأغلبية "يتفرجون" ، أمر استطبنا العيش معه ، ولم نخرج عليه إلا فيما ندر، وكأنه عقد بين البشر فوق ارض اوطاننا ، ارتضوه والتزموا به ، و يمكن القبول بهذا الامر رغم ما يشوب النفس من مرارة ، ولكن أن ندخل ثلاثتنا "الحكم والمتكلمه والمشاهدون" في مناكفات اقليميه أقرب الي حرب البسوس ، فهذا إهدار للعقل وقدراته علي ادارة الازمات والصراع وفق منظومات علميه استقر عليها الوعي الانساني وقبل الالتزام بها في كل مناحي الحياه حتي الشخصي منها.
وأضيف الي تلك الفئات البعض الذين "يتوسطون" ، وهم في أغلبهم يحاولون تعويض النقص في التوازن بين الاطراف بقاعدة لا غالب ولا مغلوب ، التي يدفع ثمن القبول بها المتكلمون والمتفرجون وتمد في عمر من يحكمون بلا مسئولية او التزام.
وشهدت الايام القليله الماضيه حدثان ، كلاهما دليل علي الوساطه ، التي تؤجل المسئوليه أو تطيح بها ، ولكنها لا تحل عقدة ولا تريح من أزمة ولا هي تضيف رصيدا تراكميا للحركة فوق الارض وتحت الشمس ، ويظل المخفي من الاسباب والنتائج أكثر من المعلن ، وعلينا القبول والتوقف عن الجدل أو البحث عن تفسير.
الحدث الاول قرار لجنة المتابعه العربيه بقبول التفاوض المباشر بين السلطه الفلسطينيه واسرائيل وترك تقدير الامر بيد أبو مازن الذي ينضوي ضمن بعض خامس في أوطاننا يمكن تسميتهم
"المفرطون" لإعتقادهم بالوهم أن تحرير الارض يأتي منحة من الغاصب. وهذا القرار رآه البعض إعادة للكره لملعب أبو مازن وسلطته ، وهو استجابة لطلب من الجانب الامريكي ، استتبعه الرئيس اوباما بتهديد علني لابو مازن أن عليه "عدم التلكوء" وبدأ المفاوضات المباشره.
لم يدخل العرب علي الاطلاق حربا من أجل فلسطين سوي حرب 1948 ، وفيما يبدوا أنهم لن يتورطوا في حرب من أجل فلسطين، ويتحدث البعض منهم عن تضحيات وحروب لا وجود لها الا في اوهامهم؟؟ ويتاباكون أنهم قدموا الغالي والرخيص ويأخذون علي الآخرين أنهم لا يثمنون ما قدموا ، ويطلبون في المقابل ألا يتحدث غيرهم وألا يفعل أحد فعلا إلا بمشورتهم، وفور أن يسود الصمت يهرولون الي الدعه والسكون ويفوضون هذا وذاك. وصارت القضيه الفلسطينيه قضيه يمنح فيها من لا يملك ، ويجني منها من لا يستحق.
رفض العرب المفاوضات المباشره ، وتركوا مبادرة توماس فريدمان فوق المائده مهددين بالغائها ، ثم عادوا الي المفاوضات المباشره ، ولم يعلنوا علينا ماهية المبررات في أي من رواحهم او غدوهم.
وليس هناك تغير في موازين القوي لحساب العرب حتي تحتاج أمريكا الي التفاوض المباشر وان اسرائيل إضطرت لوقف الاستيطان والقبول بحدود الرابع من يونيو 1967 وقبلت بتسليم القدس الشرقيه كعاصمة لدولة فلسطينيه ، وحل مسألة عودة اللاجئين، ولكن الحقيقه ان أسرائيل تفعل عكس ذلك كله ، ولم يعلن الجانب الفلسطيني بعد إختصار الاهداف الفلسطينيه عما هو معلن. فلماذا الاصرار الامريكي علي العودة الي المفاوضات المباشره؟ أم هي العوده الي الجبهه الواحده لاستكمال طوق الحصار من حول غزه ؟؟ وحصار الدور التركي الذي يلوح في الافق.
والحدث الثاني محاولة نزع فتيل أزمة مواجهة بين حزب الله وتيار المستقبل بسبب قرار الاتهام المقرر صدوره عن المحكمه الدوليه نتيجة التحقيقات التي تمت، الامر الذي يهدد حكومة الوفاق في لبنان ، وهو ما استدعي أن يذهب الملك عبد الله والرئيس بشار الاسد معا الي بيروت ، للوساطه والحيلوله دون تكرار مايو 2008 عندما حسم حزب الله احتمالات المواجهة ضده بتحرك مسبق فرض علي الجميع الانتباه أن ثمن التعرض للمقاومه مكلف جدا.
والحديث عن حزب الله يضيف البعض السادس من العرب وهم "الفاعلون" ، يملكون القدره التي صاغتها أيديهم وعرق ودماء وشهداء عبر ثمانيه وعشرون عاما لتتحول المقاومه في لبنان الي الرقم الصعب في معادلة الشرق الاوسط ، وتكسر المقاومه اللبنانيه بقيادة حزب الله استراتيجية أمن لبنان في ضعفه وتجدع أنف الصلف الصهيوني ، وتفرض ردعا من نوع جديد في معادلة المقاومه المسلحة.
ورحلة الملك عبدالله تلفت الانتباه أن الامر ليس بالهين ، فالرجل جاء من المغرب الي مصر ليلتقي رئيسها ، ثم يتوجه الي دمشق ليلتقي رئيسها ويصطحبه الي بيروت ، وفي بيروت يركب سيارة الحريري الابن الذي يقودها بنفسه الي منزله ليستكملا معا حديثهما. وبعد رحلته هذه ينتقل الي الاردن ليلتقي الملك الاردني !!
الحدثان يؤكدان أن الهدوء مطلب جوهري يستحق هذا السخاء في الجهود والتفويضات والوساطات ، والسؤال المطلوب الاجابة عليه : لماذا صار الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره دون أدني التزام علي اسرائيل مطلبا ملحا ؟؟
السؤال يلح بشده خاصة أن مليون ونصف المليون فلسطيني تحت الحصار في غزه ، والطائرات الاسرائيليه تستهدفهم ، بينما غبار الوساطة لم ينقشع ، وحبر قرار لجنة المتابعه لم يجف ، ورغم ذلك لا ينتبه أحد اليهم ، ويكتشف بعض المستعربين أن لهم حدودا مع غزه ، وأنها في خطر ، وأن جدرا من زبر الحديد من ضرورات الامن.
ويزداد الغموض عندما نلاحظ اقترابا من تفاهم مع ايران حول تبادل اليورانيوم المخصب ، واحتمال بدأ الحوار مع مجموعة الدول الخمس والمانيا. فضلا عن توازن في القوي مازال يحول دون توجيه ضربة عسكرية الي ايران خشية ردود الفعل سواء علي القوات الامريكيه في الخليج والعراق او علي اسرائيل ذاتها ، والتي أصيب مشروعها "القبه الحديديه" بانتكاسة نتيجة الصاروخ الذي أصاب عسقلان منذ ثلاثة أيام ، ذلك غير أن الخيار الامريكي مازال في إطار العمليات السريه والمخابراتيه لعلها تصيب الاهداف الايرانيه دون دفع ثمن المواجهة العسكريه.
ويبقي السؤال حائرا : لماذا صار الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره دون أدني التزام علي اسرائيل مطلبا ملحا ؟؟
علي الجانب الآخر الولايات المتحده تبدو في محاولات مستمره وجاده من أجل التخلص من الوجود في العراق وأفغانستان ، او في الحد الادني التخلص من المهام القتاليه المباشره والاستعاضه عن ذلك بمهام معاونه لعراقيين او لافغان ، أي العوده الي استراتيجية فتنمة الحرب التي سبقت انهيار الوجود الامريكي في فيتنام.
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه 3-8- 2010
الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره ... لماذا؟؟ 2-2
خمسة أشهر متبقيه من العقد الاول من القرن الواحد والعشرون ، عقد شهد أحداث سبتمبر 2001 والهجوم علي برجي التجاره العالميه في نيويورك ، وما استتبعه من الهجوم علي افغانستان تحت دعاوي ملاحقة تنظيم القاعدة وبالتبعيه طالبان الافغانيه ، ثم الحرب علي العراق تحت دعاوي أن العراق يهدد السلم والامن العالميين لامتلاكه اسلحة دمار شامل ، ويملك أسلحة نوويه او يسعي اليها.
قد يطلق البعض علي هذا العقد عقد الحادي عشر من سبتمبر ، أو عقد الحرب علي الارهاب ، او عقد الكذب الامريكي ، وأيا ما كان ما سيطلقونه علي هذه السنين العشر ، إلا أنها كانت سنوات عجاف علي الدول العربيه والاسلاميه ، بل لعلنا لا نتجاوز في أنها كانت خطرا علي الاسلام ذاته ، في الصوره ، ومحاولات تغيير المضمون.
هكذا لم تتحمل أمريكا وكل من تحالف معها ، عشر أعوام ، إلا وهي تبحث عن مخرج مما تورطت فيه ، ولم تستطيع ان تنهيه كما أرادت ، وأعادت المقاومه في افغانستان والعراق إحتمالات تكرار فيتنام جديده،
ولكن امريكا عودتنا انها لا تنهي صراعا لتعود ادراجها خلف المحيطين ، بل تنتج عدوا جديدا يستلزم معه وجودا عسكريا ومخابراتيا مبررا أمام دافع الضرائب الامريكي ، لتعيد ترتيب الاوضاع وفق مصالحها المعلنه وغير المعلنه.
وعندما انهار الاتحاد السوفييتي في اول تسعينيات القرن الماضي ، وكان روبرت جيتس وزير الدفاع الامريكي الحالي في حينها رئيسا للمخابرات المركزيه الامريكيه ، وجه اليه سؤال حول ماذا بعد غياب العدو ــ الاتحاد السوفييتي ــ وكان رده حينها ، "أننا سنواجه الشرق الحقيقي الآن ، والقوه الاساسيه فيه هي الاسلام" ، وقياسا علي ان النتيجه التي حسمت انتهاء الحرب البارده كانت انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك منظومة الدول الاشتراكيه ، فإن الصراع كما حدده استراتيجيا روبرت جيتس منذ عشرون عاما ، لم يصل لنهايته بعد.
ويظل السؤال حائرا : لماذا صار الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره دون أدني التزام علي اسرائيل مطلبا ملحا ؟؟
يبدوا من تحركات امريكا وما يسمي بالاعتدال العربي ان هناك حملة للتهدأه ، من أفغانستان حتي لبنان. وإذا كانت حملة التهدأه تشمل الشرق الاوسط علينا أن نكتشف نحن ، ما هي المهمه المباشره التاليه؟، وأين ميدان الصراع التالي؟ وما هي الاهداف من تغيير الاتجاه؟
قد يكون الهدف من التهدأه شرقا ، هو كسب الوقت مع الاحتفاظ بالحد الادني من الانشطه ، وعدم الانسلاخ الكامل من مهام ما زالت عالقه ، وفسحة الوقت سوف تفيد في الحد الادني في استكمال التعافي من الازمه الاقتصاديه ، واستعادة الاداره الامريكيه لثقة الناخب الامريكي ، وثالثا الانتهاء من تطوير لازم لمنظومة القبه الحديديه او غيرها لمواجهة الصواريخ قصيرة المدي ، وذلك كله ضمن إشاعة مناخ أن إستدراكا عاقلا للانفلات الامريكي في استخدام السلاح كان من نتيجته قتلي أمريكيين وغياب لصورة الحلم الديمقراطي الامريكي والذي حل محله قضبان جوانتنامو وابو غريب.
ولكن المؤشرات تتجه جنوبا من الشرق الاوسط ، الي حوض النيل ، حتي يمكن أن نقول أن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، هو "عقد حوض النيل" ، فهو يبدأ بإستفتاء جنوب السودان في يناير 2011 للاختيار بين الانفصال عن الشمال او استمرار الوحدة للتراب والبشر ، أستفتاء يفتح أبواب الجحيم ليس علي السودان فحسب بل علي مصر ايضا، وكأننا بصدد الإعمال الكامل والحرفي لمخططات تقسيم الدول العربيه التي نشرت وبوضوح في اول الثمانينيات من القرن الماضي.
أسئلة حائره ، لماذا صار الهدوء والوفاق والمفاوضات المباشره دون أدني التزام علي اسرائيل مطلبا ملحا؟ وما هي المهمه المباشره التاليه لدي الطرف الامريكي والصهيوني؟، وأين ميدان الصراع التالي؟ وما هي الاهداف من تغيير الاتجاه الي الجنوب الي حوض النيل غير تقسيم مصر؟ ولنسعي وراء إجابة حتي وإن بدت الإجابات ضربا من الخيال ، فنحن العرب أصحاب المفارقات الحاده ، فعندما تقع هزيمة السلاح في حرب 1967 ترفض السياسة الاستسلام لها ، وعندما ينتصر السلاح في حرب 1973 تفرط السياسه وتسلم بمطالب العدو ، ويذهب عائد النصر داخل اوطاننا لغير أهله.
مصطفي الغزاوي
نشرت بالشرق القطريه 4-6-2010
0 comments:
إرسال تعليق